أسباب سقوط الدولة الأموية

عبد الحليم عويس

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: دروس التاريخ

اقتباس

وبتأثير الطغيان الذي ساس به الولاة جماهير المسلمين، انصرف الناس إلى أمورهم، تاركين أمور الدولة في يد الفئة الحاكمة بل انصرفوا إلى الاندماج في كل حركات الخروج على الدولة.. وقد تمخض كل ذلك عن ميلاد تنظيم من أدق التنظيمات في تاريخ الانقلابات السياسية، وهو التنظيم العباسي الذي رفع الراية العلوية (الرضا من آل البيت) أيام سريته .. إلى أن وصل إلى الحكم.

 

 

 

 

 

كان معاوية رضي الله عنه -بلا ريب- أحد دهاة العرب القلائل، وكان رجل دولة وخبير سياسة بمعنى الكلمة.. بيد أنه كانت هناك حقيقة حضارية ينبغي عليه إدراكها وهي : أن الحضارة حين ينفصل جسدها عن دماغها لا يمكن أن تكون قابلة للبقاء.. حين يحدث انشقاق بين روح الأمة وجهاز عملها المادي تحدث الآلية القاتلة وتسير القافلة بلا روح.. تماما كما يسير الذي قطع رأسه من جسده.. إنه لا بد من أن يسقط بعد خطوات!!

ومنذ قامت الدولة الأموية، واعتمد فيها نظام وراثة الخلافة كرها عن الأمة..

منذ هذا الحدث وثمة انفصال بين جسد الأمة وروحها ذاقت منه الأمة الإسلامية مر الأهوال.. وكان أحد الأسباب، بل أهم الأسباب في سقوط الدولة الأموية.

 

لقد تشكلت طبقة تعطي نفسها امتيازا جنسيا غريب الشكل.. فهي لمجرد أنها من البيت الأموي، حتى ولو افتقدت كل صلاحيات الوجود والحكم بعد ذلك، لا بد أن تقف في الصف الأول.. وأن تقود وتحكم..!! والأدهى من ذلك أن هذه الدولة اعتمدت العنصرية العربية المستعلية حقا تتكئ عليه في سيادتها.. وظلمها!!

وهذه الظاهرة.. تلد أمراضا حضارية خبيثة كلها شؤم وبلاء.. فإن هذه الطبقة سرعان ما يحاول كل واحد منها الحصول على حق.. أكثر شرعية جنسية.. لكي يصل إلى الحكم، وبالتالي يلجأ إلى الدس والخديعة والقتل والاغتيال ويسود الطبقة الحاكمة جو من الصراع الداخلي يمنعها عن أن تؤدي للأمة أي شيء، ويكون كل هم الحاكمين أن يحافظوا على الموقع الذي يقفون فيه.. هكذا كان الأمر بين الأمويين ولا سيما في الأيام الأخيرة من عمرهم.. أيام الوليد بن يزيد، ومروان بن محمد.

ومن الأمراض الخطيرة التي تلدها ظاهرة الانفصام المشئومة استعانة هؤلاء الحاكمين بطبقة تتولى هي في الحقيقة الأمر، وتستبد بالأمة، وحين تستغيث الأمة لا تجد من يغيثها، إذ يكون الحكام في واد آخر بعيد عنها، بل إن هؤلاء الحكام يعتقدون أنهم بوجودهم في مراكز السلطة مدينون لهؤلاء العمال أو الولاة الغاشمين الظالمين.

وقد زخرت صفحات التاريخ بعديد من هؤلاء الجبابرة الذين أساءوا إلى المسلمين والإسلام إساءات بالغة كالحجاج بن يوسف الثقفي في المشرق، والوالي عبد الله ابن الحبحاب في المغرب.

ولقد أساءت هذه الطبقة المصطنعة العازلة إلى تاريخ الأمويين نفسه أيما إساءة، وزينت للخلفاء الأمويين كل جور، وعملت في المسلمين عمل كسرى وقيصر في شعبيهما.. وكانت -يعلم الله- بلاء على المسلمين أي بلاء!! وقد كانت سببا في نجاح الخوارج، وفي إشعال ثورات بربرية، في ساحة الأندلس والمغرب.

وبتأثير الطغيان الذي ساس به الولاة جماهير المسلمين، انصرف الناس إلى أمورهم، تاركين أمور الدولة في يد الفئة الحاكمة بل انصرفوا إلى الاندماج في كل حركات الخروج على الدولة.. وقد تمخض كل ذلك عن ميلاد تنظيم من أدق التنظيمات في تاريخ الانقلابات السياسية، وهو التنظيم العباسي الذي رفع الراية العلوية ( الرضا من آل البيت ) أيام سريته.. إلى أن وصل إلى الحكم.

ولم يك هذا التنظيم لينجح ويجد المناخ والعناصر الصالحة إلا نتيجة سياسة الولاة الغريبة عن روح الإسلام.

وقد اختلف المؤرخون في سقوط هذه الدولة العظيمة.. دولة الفتوحات.. وقد رأى بعضهم، وهم محقون، أنه النزاع بين المضرية واليمانية، الذي ابتدأ منذ أيام مؤسس الدولة الأموية معاوية، قد أدى إلى ضياع بني أمية.

ويرى بعضهم أن مصرع الحسين بن علي في كربلاء كان الداء القاتل الذي تفاقم حتى قضى عليها.

ورأى آخرون أن العامل الهام الذي أدى إلى سقوط بني أمية هو تعصب الأمويين للعرب، مما أدى إلى خروج الموالي على الدولة الأموية وهم غير العرب الذين دخلوا في الإسلام عقب الفتح العربي في فارس ومصر والمغرب.

وما لبث هؤلاء أن أصبحوا أعداء للعرب من بني أمية ولا شك أن سلوك الوليد ابن يزيد الذي أدى إلى مصرعه كان من أبرز الأسباب المباشرة في فساد الأحوال.

كما أن الاستبداد الفردي عامل من عوامل سقوط الدولة قال به كثيرون.

وقد تكون كل هذه الأسباب صحيحة، بل قد تكون متداخلة، لكننا نميل إلى سبب جوهري نراه أكبر الأسباب وأبرزها، وهو العنصرية الأموية التي جعلتهم يرفعون العرب على حساب غيرهم، ويثيرون الأحقاد في بقية الطوائف المسلمة!!

وتبقى عبرة التاريخ الأخيرة في سقوط الدولة الأموية. فإن نصر بن سيار ( والي خراسان ) كان على عهد مروان بن محمد آخر خلفاء الأمويين.. وكان نصر هذا.. كما كان مروان.. كان كلاهما من خيرة من أنجبت الدولة الأموية.. هذا في الولاة، وذلك في الخلفاء.

لكنهما ظهرا بعد أن اتسعت خروق الدولة على أي راقع، وكان رصيد الدولة من الفساد والتحلل والظلم والضعف، قد أصبح أكبر وأضخم من طاقة أي إنسان.

لقد كانت حركة التاريخ التي هي من سنة الله قد قالت في الدولة الأموية كلمتها.. وقد حاول " نصر " أن يستعمل ذكاءه في إنقاذ الدولة، إذ كان يستشف ببصيرته الوقادة أن ثمة أمورا تبينت للدولة، وأن دولة الأمويين على وشك الرحيل، وكم كاتب الخليفة الأموي الأخير " مروان " في ذلك.. ولكن دون جدوى.. لقد اتسع الخرق ووجب أن ينهار البناء!!

وكان مروان.. مشغولا بسداد " شيكات " سابقيه من الديون.. في بنك الضياع.. فلم يمكنه أن يستجيب لا " لنصر " ولا لضميره الذي كان يحس بقرب الكارثة.. هكذا تفعل الدول بنفسها.. نتيجة ظلمها. وتراكم هذا الظلم.

وعندما سقطت الدولة الأموية سنة 132هـ، ولقي مروان المسكين مصرعه في حلوان بمصر.. كان كتاب التاريخ يطوي إحدى صفحاته.. يطويها بعنف لأن أبطالها أرادوا لأنفسهم هذا... حين راحوا ينفصلون عن ضمير الأمة ووجدانها، ويعزلون أنفسهم عن شعوبهم - بطبقة من العمال الظالمين الغاشمين وبعنصرية عربية قومية ظالمة.. لقد فتحوا كثيرا من الأراضي، لكنهم فشلوا في أن يفتحوا القلوب... والعقول!!

 

 

 

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات