دور المرأة المسلمة في الأنشطة الاجتماعية

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-08 - 1444/03/12
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

إن النشاط الاجتماعي يفتح أبواب الخير على مصراعيها حتى يستطيع كل مسلم ومسلمة أيا كانت قدراته ونوع موهبته -من البذل والعطاء-، فنجد النداء القرآني والنبوي بالتصدق لمعاونة الفقراء؛ فيستجيب كل من الرجل والمرأة على حد سواء؛ فرجل...

يتميز دين الإسلام بأنه منهج حياة متكامل، يلبي حاجات الإنسان المتنوعة والمتشابكة أحياناً، فالإنسان له حاجات روحية وقلبية ونفسية وجسدية، وأيضا اجتماعية، فالإنسان بطبعه وبأصل خلقته كائن مدني اجتماعي، لا يحيا بمفرده، بل ضمن تجمعات كبرت أم صغرت، لذلك كان الإسلام يمتلك أكبر وأعظم عادة أخلاقية ومنظمة اجتماعية، تفرز لنا عند التطبيق المجتمع المثالي، الذي طالما حلم به الشعراء، وتكلم عنه العقلاء والفلاسفة في الحضارات السابقة، والتي أطلق عليها كبير فلاسفة الحضارة اليونانية: "أفلاطون" اسم "المدينة الفاضلة"؛ هذه القاعدة والمنظومة الاجتماعية يخاطب بالالتزام بها ومباشرتها، والاشتراك في قيامها كل من الرجل والمرأة على حد السواء، بوصفهما قطبي المجتمع المسلم، وإن كان العمل المهني يختص  في الأصل بالرجال، مقابل اختصاص المرأة بالعمل المنزلي، فإن النشاط الاجتماعي مشترك بين الرجل والمرأة، وإن كان للمرأة نصيب أكبر من الرجل لاشتغال الرجل معظم يومه بالسعي والكد، ولأن النشاط الاجتماعي يهدف لتحقيق الخير، ونشر الفضائل، وبث روح المحبة والأخوة، ومعاونة الفقراء.

 

وبالجملة فإن النشاط الاجتماعي يفتح أبواب الخير على مصراعيها حتى يستطيع كل مسلم ومسلمة أيا كانت قدراته ونوع موهبته -من البذل والعطاء- فنجد النداء القرآني والنبوي بالتصدق لمعاونة الفقراء؛ فيستجيب كل من الرجل والمرأة على حد سواء؛ فرجل مثل أبي مسعود الأنصاري البدرى -رضي الله عنه- يسمع الأمر بالصدقة، فينطلق إلى سوق المدينة، فيحمل على ظهره، ويأخذ على ذلك أجراَ، فيسرع به ويضعه في حجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- [البخاري في الإجارة]، وامرأة مثل أم المؤمنين زينب بنت جحش -رضي الله عنها- تقول عنها عائشة -رضي الله عنها-: "ولم أر امرأة قط خيراً  في الدين من زينب بنت جحش، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي  تصدق به، وتقرب به لله -تعالى-" [مسلم في الفضائل]؛ لذلك قرر الإسلام للمرأة الحق الكبير في مباشرة وممارسة النشاط الاجتماعي لعمل الخير، والرقي بالمجتمع المسلم، وهى مدعوة لذلك؛ قال تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج: 77].

 

ومن عظمة الإسلام: أنه ربط هذه الأنشطة الاجتماعية بالإيمان بالله وعبادته عز وجل، يثاب فاعلها والمشترك في أدائها، وله عند الله -عز وجل- الأجر العظيم، لذلك يوصف فاعل تلك الأمور الاجتماعية في القرآن والسنة بالمؤمن، قال تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) [النساء: 124]، وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمـى".

 

والنشاط الاجتماعي وإن كان مندوباً في عامة الأحوال ولكنه قد يكون في بعض الأحيان واجباً، بل ومتعيناً في حق البعض، وخاصة في مجال رعاية النساء والبنات والأطفال، خاصة الأيتام ولكن قبل ممارسة المرأة للنشاط الاجتماعي ينبغي أن تراعى عدة شروط لضمان الأداء الصحيح والسليم لمباشرة هذا الحق؛ ومنها:

 

1- الالتزام بالمسؤوليات الأولية والأساسية للمرأة تجاه بيتها وولدها وزوجها، فهذه مسؤوليات واجبة في حق المرأة في حين أن النشاط الاجتماعي مندوب ومستحب في حقها، وعند تعارض الواجب مع المندوب يقدم الواجب.

 

2- اشتراط رضا الزوج إذا كان فعل النشاط الاجتماعي سيؤثر عليه مالياً واجتماعياً، واشتراط إذنه إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها -غير مفسدة- كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسبت [البخاري ومسلم في الزكاة].

 

3- الالتزام بآداب وشروط الخروج بالنسبة للمرأة، إذا كان مباشرة النشاط الاجتماعي يتطلب خروجاً؛ مثل الالتزام بالحجاب الشرعي، واجتناب الخلوة، والاختلاط المحرم، والمزاحمة مع الرجال، ومواطن الريبة، مع الالتزام بغض البصر، وخفض الصوت، والوقار والجدية، وترك التعطر... إلى آخر هذه الشروط المعروفة.

 

صور من مباشرة المرأة للنشاط الاجتماعي:

 

أولاً: حضور جلسات العلم، سواء كانت  في المسجد كما ثبت ذلك بأحاديث كثيرة، أو خارج المسجد كما طلبت النساء من الرسول -صلى الله عليه وسلم- عقد مجلس علم خاص بهن، فعقد لهن هذا المجلس، وحضرته النساء.

 

ثانياً: الاشتراك في المناسبات العامة، وهذه المناسبات لها صور عديدة تشترك فيها المرأة مثل: استقبال الصالحين والعلماء، خرجت المدينة بأثرها رجالاً ونساءً وأطفالاً لاستقبال النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الهجرة.

 

المشاركة في الأعياد؛ فعن أم عطية قالت: "كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد، حتى تخرج البكر من خدرها، تخرج الحيض فيكن خلف الناس، فيكبرون بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته".

 

المشاركة في حفلات الزواج؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أتتني أمي، ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في بيت، فقلن: على الخير والبركة، وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضحى فأسلمتني إليه"، وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النساء والصبيان مقبلين من عرس فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- متمثلاً -أي واقفاً- فقال: "اللهم أنتم من أحب الناس إلي" قالها ثلاث مرات.

 

ثالثاً: تبادل الهدايا؛ فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قالت امرأة من الأنصار لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله ألا أجعل لك شيئاً تقعد عليه؟ فإن لي غلاماً نجاراً؛ قال: "إن شئت" فعملت له المنبر؛ فلما كان يوم الجمعة قعد النبي -صلى الله عليه وسلم- على المنبر الذي صنع له.

 

وعن جابر بن عبد الله وأنس بن مالك -رضي الله عنهما- قال:" كان النبي -صلى الله عليه وسلم- عروساً بزينب، فقالت لي أم سلمة: لو أهدينا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- هدية؟ فقلت لها: افعلي، فعمدت إلى تمر وسمن وأقط، فاتخذت حيسة  في برمة، فأرسلت بها معي إليه، فانطلقت بها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقلت له: إن أمي تقرئك السلام وتقول: إن هذا لك منا قليل يا رسول الله".

 

وعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: "أهدت أم حفيد -خالة ابن عباس- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أقطاً وسمناً، وأضباً، فأكل من الأقط والسمن، وترك الأضب تقذراً".

 

رابعاً: الضيافة، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "إن جدته ملكية دعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لطعام صنعته له فأكل منه ثم قال: "قوموا فلأصلى لكم"، وعنه أيضاً قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه"، وعن فاطمة بنت قيس قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما أرادت أن تعتد بعد طلاقها  في بيت أم شريك -وكانت امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة  في سبيل الله- قال لها: "لا تفعلي، إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان"، وفي رواية أخرى: "إن أم شريك يأتيها المهاجرون الأولون"، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من يضم أو يضيف هذا؟" فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيئي طعامك، وأصلحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه كأنهما يأكلان فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ضحك الله أو عجب من فعلكما" [البخاري في المناقب، ومسلم في والأشربة]، وأنزل الله قوله: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) [الحشر: 9].

 

خامساً: التزاور، عن كريب مولى ابن عباس قال: قالت أم مسلمة -رضي الله عنها- لما سئلت عن الركعتين بعد العصر، سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ينهى عنها، ثم رأيته يصليها حين صلى العصر ثم دخل علي وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار" [البخاري ومسلم في صلاة المسافرين]، وعن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها وعندها امرأة قال: "من هذه؟" قالت: فلانة تذكر من صلاتها قال: "مه! عليكم بما تطيقون فو الله لا يمل الله حتى تملوا"، وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: "دخلت أسماء بنت عميس وهى ممن قدم معنا  في نفس الوقت أيام فتح خيبر، وكان أبو موسى جاء من اليمن وأسماء جاءت من الحبشة على حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- زائرة".

 

سادساً: عيادة المرضى، وفيه زيارة عائشة لأبيها وبلال عند مرضهما، وقد بوب البخاري باباً في صحيحة اسمه: "عيادة النساء الرجال"، وعلق فيه حديثاً عن عيادة أم الدرداء رجلاً من أهل المسجد من الأنصار.

 

سابعاً: خدمة المساجد؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- "أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد "تنظفه" فمات فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها فقالوا: "ماتت". قال: "أفلا كنتم آذنتموني به؟ دلوني على قبرها" فأتى قبرها فصلى عليها".

 

ثامناً: التمريض، فعن خارجة بن زيد: "أن أم العلاء أخبرته أن عثمان بن مظعون طار لهم  في السكنى ونزل عليهم القرعة عند الإخاء بين المهاجرين والأنصار، فاشتكى عثمان عندنا فمرضته حتى توفي"، وعن الربيع بنت معوذ قالت: "كنا نغزوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- نسقي ونداوي الجرحى"، وكان لرفيدة الأسلمية خيمة توضع بالمسجد لرعاية وتمريض الجرحى وبها مات العبد الصالح سعد بن معاذ بعد غزوة الأحزاب.

 

تاسعاً: تغسيل الموتى، فعن أم عطية الأنصارية -رضي الله عنها- قالت: "دخل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين توفيت ابنته فقال: "ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر".

 

عاشراً: صلاة الجنازة، عن عائشة: أنها لما توفي سعد بن أبى وقاص أرسل أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يمرن بجنازته  في المسجد فيصلين عليه ففعلن فوقفن بعده على حجرهن يصلين عليه.

 

الحادي عشر: فعل الخيرات، وهذا له وجوه وصور كثيرة؛ منها على سبيل المثال:

 

- الصدقة، فعن عائشة -رضي الله عنها- أن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- قلن للنبي: أينا أسرع بك لحوقاً؟ قال: "أطولكن يداً" فأخذوا قصبة يذرعونها فكانت سودة أطولهن يداً فعلمنا بعد موت زينب بنت جحش إنما كان طول يدها الصدقة وكانت أسرعنا لحوقاً به، وكانت تحب الصدقة.

 

- معاونة الجيران، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا نساء المسلمين لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاه"، وعن أسماء بنت أبي بكر -رضى الله عنها- قالت: تزوجت الزبير وما له  في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأستقي الماء، وأخرز غربه" تخيط "وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز" فكان يخبز جارات لي من الأنصار.

 

- محو الأمية، كانت حفصة بنت عمر -رضي الله عنهما- تتعلم الكتابة في الجاهلية على يد امرأة كتابة تدعى "الشفاء العدوية" فلما تزوجها صلى الله عليه وسلم طلب إلى الشفاء أن تعلمها تحسين الخط كما علمتها أصل الكتابة.

 

- الإعارة، فعن عبد الواحد قال: "دخلت على عائشة -رضي الله عنها- وعليها درع قطر" نوع من الثياب مصنوع من قطن ثمنه خمسة دراهم "فقالت: كان لي منهن درع على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما كانت امرأة تقين "تتزين لزوجها" بالمدينة إلا أرسلت إلى تستعيره".

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات