الاستبداد وأثره في حياة المرأة المسلمة -الجزء الثاني

محمد الأمين مقراوي الوغليسي - عضو الفريق العلمي

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

إن ما مرّ معنا هنا كان تلخيصا موجزا جدا لحقائق مرهبة وبشعة عن وضع المرأة في الديانات والعصور غير الإسلامية؟ تارة خشية الإطالة، وتارة لصعوبة إدراج بعض المعلومات البشعة التي عرفتها المرأة عبر التاريخ، جرّاء القوانين البشرية، والكفر بالله، والشرك به، وإعطاء البشر أنفسهم حق التشريع والحكم..

 

 

 

جرت العادة أن يُقدّم الكتّاب تعريفا للموضوع المتناول في بداية بحوثهم أو مقالاتهم، غير أنني آثرت أن يكون تصورك –أختي المسلمة- عن الاستبداد نابعا من آثاره ومخرجاته التي استعرضناها سابقا، وأن يكون تصورك له نتيجة قراءتك لما استعرضناه، فالمعارف التي يكتشفها الفرد تظلّ أعمق وأرسخ من المعارف المقدمة في صورة تلقينية باردة، فإن عرفت معناه وعرفت معنى الإسلام، اتضحت لك الصورة، بعيدا عن الانحراف الذي يشوب تصرفات الكثير من المسلمين، الذين يبقون ضحية منظومات سياسية واجتماعية وثقافية كرّسها الاستبداد؛ لذلك لا مفرّ من الاعتراف بأن البيئة الفاسدة، والسلطة المستبدة التي ترعى هذه البيئة التي هي نتاج سياساتها وفلسفتها، هي المسؤول الأول عن انحراف الإنسان، وهي المسؤول المباشر عن الطغيان الذي يلتصق ببني آدم، فالحقوق لا يمكن أن تزدهر في ظل الاستبداد، الذي يرسخ وجوده بالدوس على حقوق البشر؛ لذلك كانت رسالة الإسلام تعبيد النّاس لربهم، الذي يعرف ما يصلح لهم، وما يُصلحهم، وبالتالي تحريرهم من نير وجبروت الإنسان، الشهواتي في رغباته، والطاغية في تحقيقها، والغرائزي في نظرته لما تمناه وحققه.

 

والخطيب الحاذق البارع مطالب اليوم وهو يستقبل آلاف المسلمين والمسلمات خلال السنة، وخلال عشرات الخطب، أن يتحدث حول حقيقة من أهان المرأة، حيث يتوجب عليه وضع المسلمين والمسلمات أمام هذا السؤال الواقعي والتاريخي: من الذي أهان المرأة؟ الإسلام أم الإنسان؟ الإسلام أم القوانين البشرية الوضعية، التي قدسها البشر، وهي الناقصة وهي التي تنتهك حقوق فئات وتقدس فئات أخرى.

 

ويمكن للخطيب أن يفتح صفحات التاريخ أمام الجمهور الذي يجلس أمامه، قوله تعالى: "أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" [الروم: 9].

ليطوف به في مختلف القارات وفي مختلف الأزمنة، ويريه حقائق يجهل الكثير من الناس، بل ويعتقدون عسكها.

 

كذا أهان البشر المرأة عبر التاريخ:

تنوعت صور الصراع بين الخير والشرّ، فأخذت أشكالا مختلفة، ومن بين الصور التي أبرزها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة: الحطّ من مكانة المرأة عبر التاريخ، ولم يتوقف الأمر عند التوصيف، بل حارب هذه الصور، وتوعد منتجيها بالعقاب الشديد.

 

وباستقراء حياة المرأة عبر التاريخ نجدها قد نالت التكريم الحقيقي والفعلي من دين الإسلام فقط، بينما نالت المهانة والمذلة في الأمم الاخرى؛ بسبب القوانين البشرية الوضعية التي كانت ضحية لها، -وهنا لا نتحدث عن عقد أو عقدين من الزمن، بل الحديث هنا يستقريء عشرات القرون من الزمن- حيث لم تنج المرأة من أي مذهب بشري، أو مجموعة قانونية، أو حضارة من الحضارات، ولبيان ذلك نستعرض هذه الأمثلة، من خلال الإبحار في الماضي السحيق، وصولا إلى حقيقة وضع المرأة في عصرنا هذا.

 

قد يكون صادما لك ما سيأتي من أسماء، ظلّت المرأة المعاصرة تعتقد أنها لأشخاص أكرموا المرأة، وصانوا حياتها وحقوقها، غير أن الحقائق شيء آخر تماما.

فمزدك الفارسي وصاحب المذهب الإباحي، يرى أن سبب الشرور والحروب والأزمات في العالم يُختصر في المال والمرأة؛ ولذلك دعا إلى جعل المرأة ملكية مشاعة، يشترك فيها جميع النّاس، معتقدا أن جعل المرأة مباحة للجميع أمرا مفيدا لمجتمعه المنحط أصلا، كما كان الرجل في عصره يحق له إجبار المرأة على الانتحار أو الحكم عليها بالإعدام إن شك في إخلاصها.

 

أمّا زرادشت الفيلسوف الآسيوي الإيراني فكان يرى أن المرأة أداة وسلعة جنسية، ولا شيء غير ذلك، فهي عنده وسيلة للمتعة، ولا يعترف لها بلقب الأم والبنت والأخت والزوجة والجدة، ويعتقد أن دورها الوحيد ينحصر في إشباع شهوات الرجال، حتى لو كان ذلك مع أصولها أو فروعها.

 

أمّا اليونانيون -الذين جُعلت قوانينهم خيراً من دين الإسلام عند العلمانيين في بلاد المسلمين- فلم يزيدوا عن وصفها بالمتاع والشيء، الذي يجوز التصرف فيه تجارةً وتمليكا، وإجارةً وبيعا، كما شرّعوا تشريعات تبيح قتل النّساء تقربا للآلهة، وما أكثر آلهة اليونان التي نالت قرابين حية من بني آدم؛ ذنب الضحية منهن أنها من جنس الإناث، وقد دعا الطبيب اليوناني سقراط، والفيلسوف أفلاطون إلى عدم احتكار ملكية المرأة، بل يجب أن تكون متاحة مباحة لكل من يريدها، وأن لا يُمنع الرجل من أي امرأة يريدها؛ لأنه يرى أن سبب الحروب التي كانت تندلع بين الشعوب والملوك سببها احتكار النساء، ولم يكتف بهذا بل اعتبرها قرينا للشيطان ورجسا وشرّا مطلقا، ولم يكن هذا قولهم فقط.

 

بل كان الروم يرون أن المرأة مخلوق لا يشبه الرجل في خلقته وحقيقته وروحه، وأنها أقرب إلى الحيوانات منها إلى جنس الرجال، وأنه يجب تسخيرها في خدمة الأرض والرجال، وإمعانا في إخراجها من دائرة النّاطقين وصفة البشرية، كانوا يضعون على فمها مغاليق؛ منعا لها من الحديث والكلام؛ لأنهم يعتقدون أن كلامها يسبب الآثام والشرور والمهالك، فقد تُفضي إلى الرجال وتحدثهم وتغويهم، والحل أمام ذلك هو لجمها كالدواب والكلاب.

 

أمّا الهنود فمعروف عنهم قتل وإحراق المرأة التي فقدت زوجها ضمن المراسيم التي كانت تُقام لدفنه، فتحرق وهي حية، بلا رحمة ولا شفقة.. دعينا نرحل الآن إلى البلاد كونفوشيوس، إلى بلاد الصين، التي اشتهرت عندك بسور الصين العظيم، وبالسلع الصينية، كونفوشيوس الذي يعتبر أب القوانين والعادات الصينية يرى أنّ المرأة مجرد خادم للرجل، وعليها أن تعيش خادمة، وتحرق نفسها بعد أن يرحل زوجها، وهل تصدقين أن الصيني كان من حقه أن يمتلك عشرات ومئات وآلاف النساء، حسب قوته وماله وسلطته الاجتماعية؟ يغني الصيني البوذي فوشوان أغنية تبين حقيقة المرأة في ذلك الزمن فيقول:

 

 ألا ما أتعس حظ المرأة‍ ليس في العالم كله شيء أقل قيمة منها.

إن الأولاد يقفون متكئين على الأبواب كأنهم آلهة سقطوا من السماء

تتحدى قلوبهم البحار الأربعة والرياح والتراب آلاف الأميال

أما البنت فإن أحدا لا يسر بمولدها ولا تدخر الأسرة من ورائها شيئا

 

وإذا كبرت اختبأت في حجرتها تخشى أن تنظر إلى وجه إنسان، ولا يبكيها أحد إذا اختفت من منزلها على حين غفلة كما تختفي السحب بعد هطول الأمطار.

 

ولعل كلام الصينية بان هو -وهي إحدى بنات الطبقة الصينية العليا- في رسالة ذائعة الصيت بعبارات غاية في التواضع والخضوع تصف فيها مكانة المرأة في عصرها ومجتمعها: "نشغل نحن النساء آخر مكان في الجنس البشري، ونحن أضعف قسم من بني الإنسان، ويجب أن يكون من نصيبنا أحقر الأعمال". أما اليابانية فلم يختلف حالها عن الصينية، واستمر ذلك إلى نهاية القرن19م، فقد كانت صالحة للبيع والإجارة والتملك، محكومة بالطاعة العمياء والخدمة بكل أنواعها.

 

لنغادر الصين إلى روسيا، التي لم تعرف شيئا من التحضر إلا في بدايات القرن 8 ميلادي، وعرفت نوعا من التمدن في القرن 17م، يروي ابن فضلان في كتابه الذي دون رحلته إلى روسيا العجائب، كما ينقل القمص المصري بولس باسيلي العجائب، ففي روسيا كانت المرأة مجرد متاع وسلعة جنسية، وكان الرجال يتبدلون النساء بحرية، كما يمارسون الدعارة جماعيا، باعتبار النساء مجرد حيوانات جنسية، كان الروسي يجلد ابنته بالسوط إذا حان وقت زفاها، ثم يعطي الزوج السوط ليكمل جلدها، وهذا حتى عند العائلات التي تعتبر آنذاك عاقلة، وتحرق الروسية عند موت زوجها، وأحيانا تقتل بطريقة بشعة جدا، عن طريق المسامير.

 

ماذا عن أصحاب الادعاء المستمر بأنهم "شعب الله المختار" كيف عاملوا المرأة؟ وكيف نظروا إليها؟ كان اليهود يرونها نجاسة يجب اجتنابها إذا لم تكن طاهرة؛ لاعتقادهم بنجاستها، واحتقارا لها، كما كانوا يعتقدون أنها شيءٌ ومتاع من متاع الرجل في الدنيا، يؤتيه من يشاء ويورثه من يريد. وماذا عن أتباع الديانة التي يردد أتباعها كثيرا مقولات تقول: المساواة والتسامح والأخوة والسلام منهج حياتنا؟ كيف كانوا يرون المرأة؟ لقد استمرّ النصارى في ذلك النقاش الشهير الذي دام قرونا طويلة، ولعلك سمعت عنه، لقد اشتهر النصارى بجدلهم حول ماهية المرأة، أهي شيطان أم إنسان؟ هل لها روح؟ أم لها شبه بالإنسان؟ واستمر ذلك إلى القرن التاسع عشر الميلادي، كما ينشرون عنها في كتاباتهم أنها سبب معصية آدم عليه السلام، وبالتالي يعتبرونها السبب المباشر لعذابات البشرية.

 

المرأة في العصور الوسطى.. أحقر من الماعز:

قد يقولون لك إن مزدك وزرادشت وكونفوشيوس وأرسطو وأفلاطون وبوذا يعبرون عن عصور تاريخية لم تعرف فيها البشرية تقدما كبيرا، لكن القادم من الكلام سيثبت لك أن المشكلة لم تكن يوما في الزمن، بل في البشر حينما لا يستنيرون بنور الله، حينما يبتعدون عن قوانين وسسن وتشريعات ملك الكون وخالقه.

 

ففي العصور الوسطى لأوروبا عانت المرأة من عذابات اجتماعية رهيبة، وأذاقها الأوروبيون مختلف صنوف الامتهان -والتي يعتبرونها أحد أبشع فترات التاريخ في تاريخهم الطويل، بينما كانت العصور الوسطى في تاريخنا من أزهى الفترات في الكثير من الأقطار الإسلامية-، وقد كان العقاد يسخر ممن يسمونها بعصور الفروسية، بعد اشتهار اهتمام أوروبا بالأحصنة، وكان يرى هو وغيره أنها عصور فضلت الحيوان على المرأة. ومظاهر معاناة المرأة في ذلك الزمن عديدة؛ لذلك سنكتفي بذكر بعض المظاهر التي ستظل عارا في جبين الحضارة الأوروبية النصرانية آنذاك.

 فقد كان ضرب وإهانة المرأة في أوروبا يشكل أحد متع الدنيا بالنسبة إلى الرجل، وكانت المرأة تقول لزوجها وهو يهينها ويصفعها زدني إن كان هذا يرضيك ويسعدك، وهي صورة تظهر مدى البهيمية التي سقطت فيها أوروبا العصور الوسطى، وكانت الأوروبية قابلة للتملك والتصرف فيها، فكانت قصص بيع الرجال لزوجاتهن أمرا شائعا، وكان الأوروبيون يحددون ثمن المرأة حسب وزنها، بينما كان البعض يعقد صفقة مبادلة بين زوجته وبين رجل آخر يريد أن يستولي على زوجته مقابل حمار أو تيس أو ماعز، وبعضهم استبدل زوجته بسيارة، بل كان الرجل الأوروبي كما يروي القمص المصري النصراني بولس باسيلي-معاصر- أنه كان مألوفا في العصور الوسطى بأوروبا رؤية رجل يمشي في وضح النهار وهو يجر امرأته، بعد أن يكون قد لف رقبتها بحبل ثخين طويل؛ لعرضها في مزاد علني، وجاء في كتاب قصة الحضارة لـديورانت أن برنارد سيفر خاطب الأوروبيين: "أوصيكم أيها الرجال ألا تضربوا زوجاتكم هن حاملات، فإن ذلك أشد خطرا عليهن، ولست أعني بذلك أنكم لا تضربوهن، ولكن الذي أعنيه أن تختاروا الوقت المناسب لهذا الضرب.. أنا أعرف أن رجالا يهتمون بالدجاجة التي تضع البيضة كل يوم، أكثر من الاهتمام بزوجاتهم، فقد تُكسر الدجاجة وعاء أو قدحا أحيانا، ولكن الرجل لا يضربها خشية فقد البيضة، وكان كثيرا من الرجال، لا يطيقون سماع كلمة من زوجاتهم، وذلك أن الرجل إذا سمع كلمة من زوجته، يرى أنها نابية، عمد من فوره إلى عصا وشرع يضربها، أما الدجاجة التي لا تنقطع عن – الوقوقة – طوال النهار فإنه يصبر عليها من أجل البيضة".

 

نعم لم تكن الأوروبية تساوي حتى بيضة أو دجاجة، كما اشتهر بين نساء أوروبا في العصور الوسطى ما سمّي بمغاليق العفّة، أو أحزمة العفة، وقد أيدتها الكنيسة ومشاهير أوروبا، حيث كان الرجل يضع في خصر زوجته حزاما حديديا، ثم يقفله، ويأخذ المفتاح معه؛ لاعتقادهم برجس المرأة وأنها تصلح للغواية فقط، كما كان الأوروبيون يضعون على أفواه النّساء أقفالا حديدية، أو أقنعة حديدية؛ حتّى لا تتحدث، فقد كانوا يعتقدون أنها إذا تحدثت أثارت الفتنة وأغرت بالرجال، وفتحت باب الفاحشة، ولا تزال هذه الأحزمة محفوظة في المتاحف، كما لا تزال تنتج في أوروبا وأمريكا تحت مسميات حزام العفة الإلكتروني، لا تختلف عن أحزمة القرون الوسطى سوى في شكلها الأنيق. فما رأيك في ما سمعت؟ هل نحن من كان يكرم المرأة؟ أم هم؟ هل لازال هناك فرصة للدفاع عنهم؟ واستيراد قوانينهم، ومدح عصورهم الوسطى؟ وشتم عصورنا وماضينا بشكل جزافي ظالم؟

 

هل هذا كل شيء؟

هل تدرين أنني اختصرت عليك الكثير من الحقائق والمعلومات الموثقة، تضمنتها كتب كثيرة، كتاب "قصة الحضارة" ومؤلفه: وول وايريل ديورانت، وكتاب "استعباد النساء" لجون ستيوارت ميل، وكتاب "الحب والزواج" لصاحبه: بولس باسيلي، وكتاب "تاريخ العالم" لمؤلفه: أي ستراتش، بل لو جئنا بنصوص العهد القديم لاحتار عقل المرأة من التحريف الرهيب الذي طال التوراة على أيد شذاذ الأفاق، وجعل المرأة أحقر شيء في الحياة على الإطلاق، ومصادر هذه المعلومات منشورة في كتب شتى كتبها كتاب غير مسلمين أصلا.

 

إن ما مرّ معنا هنا كان تلخيصا موجزا جدا لحقائق مرهبة وبشعة عن وضع المرأة في الديانات والعصور غير الإسلامية؟ تارة خشية الإطالة، وتارة لصعوبة إدراج بعض المعلومات البشعة التي عرفتها المرأة عبر التاريخ، جرّاء القوانين البشرية، والكفر بالله، والشرك به، وإعطاء البشر أنفسهم حق التشريع والحكم.

 

هل تعتقدين بعد هذا أن هذا الاضطهاد ظلّ حكرا على الماضي السحيق والعصور الوسطى؟ كلّا، فلقد ظلّت القوانين الجائرة بحق المرأة مستمرة إلى اليوم، فيما يشبه الوأد بصوره الشاملة، فهل انتهى الوأد أم لا يزال قائما إلى يوم الناس هذا؟ يتبع إن شاء الله.

                

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات