الصليبي ‘بانون ‘ مُلّهم ترامب وعقله الإستراتيجي

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

من خلال استعراض أفكار وسياسات وأهداف هذه الحركة الجديدة الذي يترجح لدينا أنها النسخة الحديثة والمعاصرة لحركة "كلوكس كلان" الإرهابية القديمة، ولكن مع تغيير في السياسات والوسائل، فقد ظهرت حركة كلوكس كلان في عام 1866؛ حيث تأسست من قبل المحاربين القدامى في الجيش الاتحادي وكانت مهمة هذه المنظمة مقاومة إعادة التأسيس ومعارضة تحرير العبيد التي حدثت عقب الحرب الأهلية الأمريكية..

 

 

 

 " الفقاعة الرئاسية ":  

هكذا وصف الراحل غير مأسوف عليه "باراك أوباما " السبب وراء جهله بحقيقة شعبية ترامب وتياره الشعبوي المتنامي . فالفقاعة الرئاسية تشكلها مجموعة المحيطين بالقابع خلف مكتبه البيضاوي في البيت الأبيض، أو بعبارة أخرى بطانة الرئيس وطاقمه الرئاسي الذي يشكل وعيه ورأيه تجاه أهم القضايا الدولية والمحلية، وعادة ما يكون هذا الطاقم هم أكثر الناس تأثيراً على قرارات وسياسات الرئيس الأمريكي.

 

ففي عهد الرئيس الأمريكي كارتر كان لكسينجر كلمة الفصل في القضايا الهامة، وفي عهد ريجان كان لبرجنسكي نفس التأثير، وفي عهد بوش الصغير كان لديك تشيني وولفوتير ومايكل رالف نفس التأثير، وهكذا لكل رئيس بطانته التي يستشيرها ويتداول معها في القضايا الهامة . وبالطبع فإن لترامب بطانته التي تؤثر في قراراته وتشكل وعيه، ونظراً لحداثة عهد ترامب العمل السياسي وتهوره ونزقه وعمله الطويل في الاستثمار والإعلام، فإن التأثير المتوقع من بطانة ترامب سيكون أكبر من غيرها، لذلك فليس من المستغرب أن تنتاب العالم كله نوبات قلق كبيرة من قرارات ترامب المتهورة بسبب وجود شخص مثل " ستيف بانون " في أكثر المواقع حساسية وتأثيراً في سيد البيت الأبيض، وهو منصب كبير الاستراتيجيين.

 

ستيف بانون والصعود إلى القمة:

كبير إستراتيجيي الرئيس ترامب، ستيفن بانون، مُنح له مقعد في اللجنة الأساسية لمجلس الأمن القومي، تمهيدا لبسط هيمنته وسيطرته على البيت الأبيض، حيث وصفه مراقبون بأنه الشخص الأقوى في فريق ترامب، وربما في الولايات المتحدة، في حين وصفه بعض إعلامي أمريكا بأنه جوبلز ترامب، وجوبلز لمن لا يعلم هو وزير إعلام هتلر وأحد مؤسسي الفكر النازي وأيضا هو صاحب العديد من النظريات الإعلامية الشهيرة في السيطرة على الجماهير وغسل أدمغة الشعوب.

 

ولد ستيف بانون يوم 27 نوفمبر 1953 في نورفولك بفرجينيا، ينحدر من عائلة ديمقراطية من الكاثوليك الإيرلنديين المؤيدين للرئيس الأميركي الراحل جون كنيدي والداعمين للعمل النقابي. تخرج من جامعة فيرجينيا للتقنية في 1976 بدرجة البكالوريوس في التخطيط العمراني و هو يحمل أيضا درجة الماجيستير دراسات الأمن القومي من جامعة جورج تاون قسم الخدمة الدولية. في 1985، حصل بانون على درجة الماجيستير في إدارة الأعمال مع الشرف من كلية هارفارد للأعمال و التابعة لجامعة هارفارد.

 

كان بانون ضابط بالبحرية الأمريكية لمدة سبع سنوات في أواخر السبعينات و أوائل الثمانينيات، بعد خدمته العسكرية، عمل بانون لدى  مجموعة جولد مان ساكس كمستثمر مصرفي في إدارة الدمج   في 1990، أطلق بانون برفقة بعض من زملائه "متجر استثمار مصرفي" باسم "بانون و شركاه" متخصص في الإعلام.  وأصبح بانون في 1990 منتج منفذ في "هوليوود لصناعة الأفلام و الإعلام". وأنتج بانون 18بالفعل  فيلما، وفي سنة 1995 أشرف على مشروع علمي يتعلق بالبيئة وصف بأنه المشروع الأعجب والأكثر جنوناً من قبل الأمريكان لصناعة بيئة بديلة حال إصابة العالم بالتلوث الإشعاعي الكامل،  من خلال بناء هيكل ضخم من الفولاذ والزجاج جنوب الصحراء في ولاية أريزونا، تكلف عند بنائه في عام 1991 قرابة 200 مليون دولار.  ويغطي البناء مساحة 3 هكتارات ويبدو أشبه بهرم مؤلف من 6000 آلاف لوح زجاجي ويصل ارتفاعه قرابة 30 مترا. وقد صمم  ليكون مقرا للأبحاث البيئية، ونموذجا لمستعمرة فضائية. أقفل المكان لمدة عامين كاملين على أربعة رجال وأربع نساء، بدون أية مساعدة من العالم الخارجي، كان عليهم إنتاج حاجتهم من الأكسجين والغذاء، وإعادة تدوير مياههم والمحافظة على ذلك التوازن البيئي الهش. تحت إدارة بانون، و بعد فشل التجربة ترك بانون المشروع سنة 1995.

 

بانون وحركة حفلة الشاي العنصرية:

تجمع مصادر مختلفة على أن بانون له توجهات وعقيدة عنصرية، ولديه علاقات وثيقة مع حركات اليمين المتطرف الأوروبية، وهو أيضا أحد أبرز دعاة "اليمين البديل"، وهي حركة تعتنق الأفكار القومية وتؤمن بتفوق العرق الأبيض وتزدري تماما الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد.

 

حاز بانون على منصّة صلبة لأفكاره، في عام 2012، عندما أصبح مديراً لموقع «بريتبارت» المتطرف، بعد وفاة مؤسسه أندرو بريتبارت. هناك، وضع بانون الحجر الأساس لدوره كبطل في «اليمين البديل» وكانت قد سبقت ذلك، نقطة تحوّل أخرى بالنسبة إليه، هي الأزمة المالية، في عام 2008، التي رأى فيها خيانة للطبقة العاملة، فتبنّى «مبادئ ثورة حركة حفلة الشاي» المحافظة، ضد النخبة الجمهورية والديموقراطية. وأصبح رئيساً لها بالفعل منذ سنة 2014.

 

فما هي حركة "حفلة الشاي " القومية العنصرية المتطرفة ؟!

حفلة الشاي وهي حركة سياسية شعبية (ليست حزباً بعد ولا قيادة لها) أطلقتها في بادئ الأمر مجموعات من المحافظين الجمهوريين كردة فعل على فوز "جون ماكين" بتسمية الحزب في انتخابات 2008، لأنها رأت فيه سياسياً تقليدياً وسطياً، لا يمكنه تعزيز القيم المحافظة أو الوقوف بوجه ما يرونه التحرر الاجتماعي للديمقراطيين، الحركة التي بدأت فعلياً بمظاهرة شعبية خلال سبتمبر 2009 في واشنطن ضد مشروع الإصلاح الضريبي امتدت لتشمل كافة المدن الأمريكية، واستوحت الحركة اسمها من احتجاج شعبي نفذه أمريكيون عام 1773 على ضرائب فرضها البرلمان البريطاني على الشاي المستورد إلى المستعمرات الأمريكية، وقاموا خلاله بالاستيلاء على ثلاث سفن بريطانية في ميناء بوسطن، ورموا صناديق الشاي في المياه، ليشعلوا بذلك شرارة الثورة الأمريكية أو حرب الاستقلال ضد الاستعمار البريطاني.

 

تيار "حفلة الشاي" يرى في نفسه تمثيلاً للحركة التاريخية التي قادت لتأسيس الجمهورية الأمريكية الأولي، ولذلك فإن رفضه لبعض القوانين والمشروعات السياسية – كمشروع الإصلاح الضريبي الذي تقدم به الرئيس أوباما - ينم عن إحباط من تضخم الحكومة المركزية، أو بمعنى آخر التمدد اللامحدود للبيروقراطية الفدرالية، والذي يترجم نفسه في عجز الموازنة، وأرقام البطالة المرتفعة، وملايين البيوت التي فقدها أصحابها فيما عُرف بأزمة القروض السكنية، كما تنم أيضاً علي تنامي التطرف والعداء بشقيه العنصري والديني داخل الشعب الأمريكي.

 

من خلال استعراض أفكار وسياسات وأهداف هذه الحركة الجديدة الذي يترجح لدينا أنها النسخة الحديثة والمعاصرة لحركة "كلوكس كلان" الإرهابية القديمة، ولكن مع تغيير في السياسات والوسائل، فقد ظهرت حركة كلوكس كلان في عام 1866؛ حيث تأسست من قبل المحاربين القدامى في الجيش الاتحادي وكانت مهمة هذه المنظمة مقاومة إعادة التأسيس ومعارضة تحرير العبيد التي حدثت عقب الحرب الأهلية الأمريكية. سرعان ما طورت هذه المنظمة أساليب عمل عنيفة، وكان رمزها هو الصليب المحروق، كناية علي أنها ستحرق علي الصليب كل من يخالفها، فهي جماعة صليبية عنصرية . وأهداف حركة الشاي الآن نجدها تكاد تتطابق مع أصول حركة "الكلوكس كلان"، فحركة الشاي لا تقبل في عضويتها رجل أسود أو من غير أصول أوروبية، فهي لا تضم الآسيويين أو الأفارقة أو العرب أو اللاتينيين، كما أن نعرتها العنصرية فاضحة وتنادي بإعادة التفوق للعنصر الأبيض الأوروبي مرة أخرى، كما أنها جماعة شديدة التطرف تقف علي يمين اليمين كما يقولون في الإعلام الأمريكي، وأعضاؤها شديدي الكراهية للمسلمين والعرب.

 

بانون وتشكيل وعي " ترامب ": 

لسنوات، وقبل أن يستحوذ على انتباه العالم ككبير استراتيجي الرئيس ترامب، كان بانون يطوّر ويعبّر عن مواقف متطرّفة وحادّة، هدفها إعادة صياغة الولايات المتحدة ودورها في العالم. ومن أبرزها تلك التي أطلقها، في نوفمبر 2015، عندما  نادى بمنع الدخول المهاجرين إلى أمريكا متسائلاً: «لماذا ندعهم يدخلون؟». وأعرب، يومها، عن اعتقاد بأنّ سياسة التحقق من اللاجئين الآتين من الدول ذات الغالبية المسلمة سيكلّف مالاً ووقتاً. متهكماً بقوله: «ألا يمكن استخدام ذلك المال في الولايات المتحدة؟»

 

وفي حلقة من برنامجه بموقعه المتطرف " بريتبارت، في مارس 2016، عبّر بانون عن رأي مفاده أن استعادة السيادة تعني خفض الهجرة. وانتقد برنامج التأشيرات الذي يسمح للشركات الأميركية بإعطاء وظائف تقنية لعمال من الخارج. وقال :"هؤلاء الأثرياء التقدميون في وادي السيليكون، يُحضرون الناس من كل أنحاء العالم إلى الولايات المتحدة" وأضاف أن "20% من سكان هذه البلاد هم من المهاجرين " مواقفه السابقة، التي كانت تُبث أساساً عبر موقع «بريتبارت» وغيره من المنصات المحافظة، خدمت كخريطة طريق للأجندة المثيرة للجدل التي اكتسحت واشنطن، منذ تسلّم ترامب.

 

ويذهب العديد من التقارير الإعلامية إلى الإشارة إلى أن بانون كان مهندس الكثير من القرارات المتخذة، خلال أول أسبوعين لترامب في البيت الأبيض، بدءاً بالانسحاب من اتفاقية التجارة عبر المحيط الهادئ، ووصولاً إلى منع دخول المهاجرين من سبع دول. وتذكر الكاتبة كاثرين دي يونج، في «واشنطن بوست» أن دوره كان مباشراً في وضع قانون الهجرة، الأمر الذي تؤكده شبكة «سي ان ان»، موضحة أن الدائرة المقرّبة من ترامب، ومنها ستيفن بانون، وضعت النقاط الأساسية للقرار، حتى إن هذا الأخير "كان يدير النقاش المتعلق بحاملي البطاقات الخضراء، ويعطي التوجيهات في هذا الإطار ".

 

ومنذ تعيينه رئيسا لحملة ترامب الانتخابية ثم كبير المستشارين وكبير المخططين الإستراتيجيين في إدارة ترامب المقبلة، تثار ضجة حول بانون من الديمقراطيين والجمهوريين أيضا، ومن قبلهم مسلمو أمريكا وذلك بسبب سجله ومواقفه التي ظهرت خلال الحملة الانتخابية لخليفة أوباما. فقد اعتبر رئيس مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) نهاد عوض أن تعيين بانون في إدارة ترامب "يبعث برسالة مقلقة بأن نظريات المؤامرة المتعلقة بمعاداة المسلمين وعقيدة القوميين البيض سيكون مرحبا بها في البيت الأبيض".

 

كما اتهمت أوساط المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية الأميركية هيلاري كلينتون، بانون حين اختاره ترامب رئيسا لحملته الانتخابية بأنه -أي بانون- يستخدم "نظريات المؤامرة لاستهداف المسلمين ولإطلاق أفكار معادية للسامية". ومن جهتها، قالت ماري لويز بيكار، وهي طليقة بانون إن هذا الأخير كان يرفض قبل عشر سنوات إرسال أولادهما إلى مدرسة معينة لوجود يهود فيها، وأضافت في تصريحات أوردتها بالمحكمة "إنه لا يحب اليهود" ولكنه يخفي ذلك، غير أن بانون نفى هذه المعلومات التي أوردتها صحيفة نيويورك ديلي نيوز.

 

ولا يستبعد آدم جنتلسون المتحدث باسم زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي هاري ريد أن يصبح أنصار تفوق العرق الأبيض يمثلون على أعلى مستوى في إدارة ترامب في البيت الأبيض. وهو الرأي نفسه لجون ويفر المقرب من جون كاسيتش المرشح الجمهوري السابق للانتخابات التمهيدية  الذي قال في تغريدة "إن اليمين المتطرف العنصري والفاشي بات ممثلا في البيت الأبيض، على أميركا أن تكون حذرة جدا". في الإطار ذاته، كتبت صحيفة نيويورك تايمز مقالا في 14 نوفمبر 2016 تحدث عن الرجل وعنونته بـ "صوت العنصرية " لتعبر عن موقفها من الآراء المتطرفة لبانون.  

 

بانون وكراهية الإسلام:

بانون لا يخفي كراهيته للإسلام، ويتاوقح كثيراً عندما يتحدث عن الحضارة الإسلامية والعالم الإسلامي، وصف بانون في مقابلاته الإذاعية الإسلام بـ"الدين التوسعي تماما مثل الصين". وقال في هذا الصدد "لدينا إسلام توسعي وصين توسعية، وهما متحفزان ومتغطرسان وزاحفان للأمام". وأضاف في مقابلة إذاعية في فبراير 2016 أن الإسلام والصين يعتقدان كلاهما أن "الغرب اليهودي المسيحي في تراجع"، زاعما أن المسيحية في العالم مهددة. ولم يكتف بانون بذلك فقد نعت الإسلام بالدين "الأكثر تطرفا" في العالم. وقد وجد وقوداً لأفكاره وتوجهاته المعادية بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، حيث دعا لمواجهة شاملة مع العالم الإسلامي وطالب بأن يكون رد فعل الغرب وأمريكا قوياً وأن يكون عدائياً جداً جداً جداً – هكذا كررها ثلاث مرات – ضد الارهاب الإسلامي العنيف.

 

وقد وصفه ديفيد إجناتيوس، في «واشنطن بوست»، بأنه «كبير الاستراتيجيين الذي يسعى إلى تنظيم حركة شعبية عالمية من أجل القيم اليهودية المسيحية المشتركة وضد الإسلام الراديكالي.

 

ترامب شخص ماجن تاريخه مليء بالفضائح والفجور فكيف لنا أن نفهم عداوته المفاجئة للإسلام والعالم الإسلامي إلا في  ظل وجود شخص متطرف متعصب معادي للعالم الإسلامي مثل بانون بجواره يشكل وعيه ويبني آراءه ويعدّل مساره السياسي بحيث يتم ترجمتها في شكل قرارات شديدة التأثير يقدم عليها ترامب بلا تردد أو تفكر مهما كانت عواقبها، لذلك فإن العالم استبد به القلق مع وجود شخصية ملهمة لترامب مفعمة بكل هذا القدر من التعصب والتطرف، وليس هذا فحسب، بل شخصية بلغت حداً من السيطرة والتأثير أن يتم وصفها بأنها الرئيس الفعلي لأمريكا والسيد الحقيقي للبيت الأبيض. لذلك فعلى العالم الإسلامي قاطبة الاستعداد لمن أهم وأخطر في الفترة الرئاسية المقبلة، فترامب مجرد ثور هائج وزمامه في يد شخص ماكر وحاقد ومتعصب مثل بانون يوجهه أين ما شاء. والعالم الإسلامي على موعد مع موجة من الفاشية والنازية والحملات الصليبية غير المسبوقة، لذلك وجب الاستعداد.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات