أمراض على طريق الدعوة (25) ضيق الأفق أو الجمود

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

إن الإبداع الحقيقي يحتاج لصناعة عقول متحررة من قوالب التكرار ومساوئ الاستنساخ، محلِّقة في رحابة التجديد. والتواصل الإيجابي بين الداعية ومن حوله من خلال توجيه التصورات والمشاعر نحو البناء وتوفير بيئة موائمة للرقي بالأداء الإبداعي، هي التي تنتج تلك الشخصيات المبدعة. وإن الهزيمة الحقيقية التي تحدث بداخلنا وتقتل ذواتنا، عندما يغدو مبلغ طموحنا هو تقليد الآخرين وتبني أفكارهم، بحيث نحلق حول شخوصهم، ونبرع في تلقي الأفكار دون صناعتها، وفي استهلاكها دون القدرة على توليد أفكارنا الخاصة؛ فتتعطل حواسنا عن العمل، ويُقتل في ذواتنا القدرة على المبادرة والتجديد..

 

 

 

إن الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء، وطريق العظماء، وخطة المصلحين، الذين ينشغلون بإصلاح أحوال الخلق، وردهم إلى الفطرة السوية، والإبداع المتوازن الذي يحفظ الشخصية المسلمة، ولقد انطلق الإبداع الإسلامي في عصوره المزدهرة؛ لفتح العالم كله وتغييره؛ ليكون عالماً إيجابياً متحرراً من كافة أشكال الظلم، والعدوان، والضياع، والهوان. ولقد تنوعت الخطابات الدعوية في بداية عهد الإسلام، فكانت مضامين الخطاب الدعوي تتنوع لتناسب كل بيئة وعصر، فهناك تطورات طبيعية فطرية في الخطابات الدعوية، تلائم واقع كل بيئة، وواقع كل ما يجتمع بما يصلحه ويهذبه ويطوره. وكما أن هناك علاقة واسعة تربط الدعوة بالإبداع؛ فالدعوة إلى الله ليست كلمات، أو شعارات، أو خطباً، أو مؤلفات، وندوات تقال هنا وهناك، بل هي رسالة إصلاح شامل، يوظف الدين والدنيا وثورات الحياة وتقلباتها في العمل للآخرة؛ كي يحظى الإنسان بالخلود في النعيم الأبدي، ويسعد في الدنيا والآخرة، فالسعادة الأخروية تهون كل مصاعب الحياة لمن عاشوا في الدنيا غرباء.

 

وإن النجاح الحقيقي للداعية يتحقق بمشاركة الآخرين في صنع أحلامهم ورسم خريطة آمالهم، بعيداً عن سلب الأحلام من عقولها وإلباس الآخرين رداء لا يتسع لهم.

 

الإبداع في الحضارات الإنسانية ضرورة من ضرورات الحياة؛ لتطوير مهارات الإنسان وإثراء معارفه، وتجديد الحياة بالتجارب وكسر الرتابة. المبدع هو القادر على حسن الإنتاج والعطاء وتغيير الواقع نحو الأفضل. والحرمان من الإبداع يمثل جريمة حقيقية؛ لأنه يقتل الطاقات ببطء، ويفتح أبواب الجمود الفكري والتبلد العقلي، ويفقد الإنسان الثقة فيما لديه من قدرة على تطوير النفس وتغيير الواقع.

 

وإن من أكثر الأمراض فتكا بموهبة الإبداع الدعوي، قصر النظر وضيق الأفق والجمود، فهي العقبة الكؤود التي أغتيلت عليها كثير من الطموحات والأفكار والرؤى الناجحة، وهي مقبرة كثير من الدعاة المخلصين الذين دفنتهم أفكار الجمود وضيق الأفق والخوف من كل جديد.

 

أولاً: تعريف ضيق الأفق:

ضيق الأفق لغة: الأفق لغة واحد الآفاق التي هي الجهات أو النواحي، قال تعالى:(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت: 53]، والنظر هو تأمل الشيء بالعين، قال تعالى: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) [الغاشية: 17]، وهو كذلك تقليب البصيرة لإدراك الشيء ورؤيته، قال تعالى:(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ..) [الأعراف: 185]، وتبعاً لما ذكرنا، فإن ضيق الأفق في اللغة يعنى: انحسار أو انكماش جهة أو ناحية النظر والتأمل وكذلك قصر النظر يعنى ضعف أو اختلال البصر والبصيرة أو هما معاً. أما مفهوم ضيق الأفق وقصر النظر في الاصطلاح الشرعي و الدعوى فهو ضعف أو خلل في البصيرة يؤدى إلى حصر التفكير أو الرؤية في حدود ضيقة لا تتجاوز المكان و الزمان، أو بعبارة أخرى، هو ضعف أو خلل في البصيرة يؤدى إلى رؤية القريب وما تحت القدمين فقط، دون النظر إلى البعيد، ودون تقدير الآثار و العواقب، قال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [ الحج: 46].

 

ثانياً: أسباب مرض ضيق الأفق:

 

العقول تتفاوت، والأنظار تختلف، والأفهام تتضارب، وكل ذلك من الفطرة البشرية التي فطر الله -عز وجل-عليها، كما قال في محكم التنزيل: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) [هود: 118]، فاختلاف العقول والأفهام سنة ماضية وهي الأصل في بني آدم. فبعض العقول تكون عقولا نيرة مبدعة ذات خيال وهّاج، وإبداع نسّاج، وهمّة عالية، وأفكار راقية. وبعض العقول الأخرى عقول حجرية منغلقة صدئة، لا تحسن التفكير، ولا تعرف الخيال، ولا تجيد إلا استنساخ تجارب الماضي، وخطط السابقين، الإبداع عندها جريمة، والتجديد عندها تجديف ومروق. وغير الفطرة الجبلية، ثمة أسباب وعوامل أخرى تؤدي بالداعية لئن يكون من ضيقي الأفق وقصار النظر، من أبرزها:

 

1-البيئة المنغلقة: فقد ينشأ الداعية منذ صغره في بيئة منغلقة على نفسها، لا تعرف التجديد وتنظر إليه بعين الارتياب والشك، سواء كانت هذه البيئة أسرته التي ترعرع فيها أو أصدقاؤه الذي صاحبهم لفترات طويلة، أو محيطه الدعوي الذي يعمل به، فالأثر البيئي يلعب دوراً مؤثراً وربما حاسماً في تشكيل عقل الداعية ونظرته إلى الدعوة والدين والحياة والكون بأسره، خاصة دور المحيط الدعوي الذي قد يكون في بعض الأحيان سجناً وقبراً لطموحات كثير من الدعاة في مقتبل عمرهم وبداية سلوكهم طريق الدعوة.

 

2-إيثار العزلة: فبعض الدعاة يؤثر العزلة على الخلطة، وسبق أن أفردنا الكلام على مرض " الانعزال عن المجتمع" ومن تداعيات العزلة وآثارها السلبية، فقدان الخبرة والتجربة التي لا تنال إلا بمخالطة الناس والصبر على آذاهم، فالداعية عندما يخالط الناس يتعرف على رغباتهم وحاجاتهم المتجددة، وما يستحدث من وسائل وأدوات وأفكار ومناهج. وإذا لم يكن الداعية وافر الاطلاع، دائم التفكير، كثير العلاقات، ذا إبداع وخيال، فإنه لن يستطيع مواصلة العمل الدعوى، لأنه في هذه الحالة ستتوقف معارفه، وتتجمد أفكاره، بعد أن وقفت عنده عقارب الساعة على تجارب السابقين. فكلما خالط الداعية الناس، كلما زادت فهومه ولمعت أفكاره، واتسع أفقه وعمقت نظرته، والعكس صحيح مائة في المائة.

 

3–الجهل بواقع المسلمين: وقد يكون المسلم غير ملم بواقع الأمة والمجتمعات المسلمة، وما يحيط بها من خطط ومكائد الأعداء، والتطور الكبير الذي حدث في أساليب العدو في محاربة الأمة الإسلامية، فأسلوبهم اليوم في العمل يقوم على الدهاء والمكر والخديعة وكلها أمور لا يقوى على مواجهتها أصحاب العقول المنغلقة والرؤى القاصرة، والجامدين على تجارب السابقين. وقديماً كان الأعداء يقولون: "كأس وغانية تفعل في أمة محمد أكثر من ألف مدفع " وهي مقولة صحيحة، ولكن انظر كيف تم تطويرها التطبيقي لدى أعداء الأمة، أصبح الكأس اليوم مخدرات من شتى الأنواع والأشكال، وليس فقط مخدرات تذهب العقل بالسكر فحسب، ولكن مخدرات من أنواع كثيرة تذهب العقل أيضاً مثل ألعاب الكومبيوتر والبرامج الترفيهية والأفلام والمسلسلات والاستعراضات والمباريات الرياضية، كلها أمور ينفق عليها العدو الأموال المهولة التي تفوق العد والحصر، أما الغانية فلم تعد تلك الداعرة التي تعرض نفسها بالأجر، ولكن غدت مواقع إباحية تروج الفجور والفسق وتدخل كل بيت من أقصى العالم إلى أدناه، فقط بكبسة زر، ومواقع تواصل اجتماعي بالصوت والصورة تسهل كل المحظورات وتدمر كثير من الشباب والبنات. وإذا لم يلم الداعية بذلك كله، فسوف تضيع عليه فرصة اكتساب الخبرة والدراية والتجربة، وأنى لمن لم يكتسب خبرة ولا دراية ولا تجربة أن يكون واسع الأفق بعيد النظر؟

 

4–الكبر والغرور: وكلاهما من الأمراض المهلكة التي تدفع صاحبها لكثير من أدوية الهلاك في الدنيا والآخرة. فقد يدفع الكبر والغرور والعجب أيضا بعض الدعاة لرفض الأفكار الجديدة، ورفض الأفكار والبرامج والرؤى التي يطرحها من هم أصغر منهم سنا أو أقل منهم تجربة، فقد تسول له نفسه أن يترفع عن كل تلك الخطط والآراء بدعوى أن رأيه الحق والصواب، وتجربته هي الأطول، وأن نتائجه هي الأفضل، وهكذا، فيستعلي عن اكتساب المهارات، ومطالعة كل جديد، ومناقشة كل ما يأتي من غيره.

 

5–الهوى وحب الذات: إن الإبداع في الدعوة يحتاج إلى تجرد في الصناعة وإخلاص في العمل؛ لأن الهوى وحب الذات قد يطغيان عل صاحبهما ويدفعانه لصناعة نسخ مكررة من ذاته، ورسم ملامح طموحاته في نفوس الآخرين لتفكر كما يفكر، وتناقش كما يناقش، وتهتم بما يهتم، ولا ترفع رأساً ولا تخطو خطوة في غير ما يريد. وإن الوسط الدعوي الذي تُشكِّل فيه (صناعة القوالب) أساس بنائه، حيث يرتدي بعضهم رداء غيره لا يتحقق فيه الإبداع ولا تنمو فيه قابلية التعلم، ويُحصر فيه المرء في دائرة ضيقة وحياة رتيبة، ومن الصعب جداً أن يتوفر في بيئة فقيرة في إبداع أفرادها الأداءُ الجيد والمعنويات المرتفعة. إن تربية القوالب لا تُخرج غير نسخ مكررة تتآكل شخصيتها، ويبهت طموحها، ويخفت بداخلها نبض الإبداع، وقد تذهب بصاحبها إلى موتِ فكرهِ وضعف عقله.وفي المقابل؛ فإن الوسط الدعوي القائم على مراعاة تميز الآخرين في شخوصهم وفتحِ مجالات التجديد والابتكار، يمنح المشاركين في هذا الوسط مساحات كبيرة نحو الإيجابية والعطاء كطريق سريع إلى التطور والإبداع.

 

ثالثاً: مظاهر وعوارض ضيق الأفق:

 

1-التبرم الشديد بالمنهج الدعوى أو الحركي الذي ارتضته غيره من أبناء الحركة الإسلامية والسائرين على درب الدعوة، من أجل التمكين لدين الله في الأرض، ووصف هذا المنهج بالتخلف والجهل وعدم الصلاحية، وعدم الفهم الصحيح للواقع، بل ووصف القائمين عليه بالركون إلى الدنيا إيثاراً للعافية والسلامة.

 

2-النظرة الجزئية أو حصر الجهد في جوانب، وإن كانت مفيدة إلا أنها لا تمثل وحدها الدعوة المتكاملة، ولا يعدو دورها عن كونها لبنة في بناء الدعوة، قد تستهلك طاقة كبيرة، ووقتاً طويلاً، مثل العمل على بناء مسجد أو إنشاء جمعية خيرية، أو إلقاء موعظة، أو تأليف كتاب، أو قراءة ومطالعة، أو عيادة مريض.

 

3-الجمود الفقهي، وذلك بالإصرار على التقنين والإلزام لعموم المسلمين، باتباع رأي معين في مسائل الفروع، قد يكون الصواب في غيرها، أو قد ترجحت في زمان سابق، وغدت اليوم مرجوحة، أو التنازع في موارد الخلاف، والمسائل الاجتهادية، وجعلها معقدا للولاء والبراء، وهكذا دواليك. وما ذلك كله إلا عرضاً من أسوأ أعراض ضيق الأفق وقصر النظر، لأنه مآله أن ينتهي إلى التعصب المذموم وهو داء الأمة الذي ذر قرنه فيها منذ قرون، فأقعدها عن التجديد والإبداع والتفكير، حتى غدا الاجتهاد والتجديد تهمة تعدل المروق عن الدين في بعض العصور وبعض الأماكن.

 

4-الصلابة أو الشدة عند التقصير في سنة من السنن، أو هيئة من الهيئات، والسكوت وعدم تغير القلب أو تمعر الوجه عند تضييع فريضة من الفرائض، أو واجب من الواجبات، فتراه مثلاً يقيم الدنيا ولا يقعدها على من لا يهتم بتقصير ثيابه، أو لا يحافظ على السواك، أو لا يلبس الساعة في اليد اليمنى، ولا تتحرك فيه شعرة عندما يرى حكم الله معطلاً في الأرض، وأهل الباطل يصدون عن سبيل الله، ويسومون أولياء الله سوء العذاب.

 

5-علاج المشكلات التي تعاني منها الأمة الإسلامية بطريق تعاطى المسكنات دون البحث عن أصل الداء، وسبب العلة، ثم اجتثاث هذا الأصل، أو هذا السبب من جذوره، فمثلاً نسمع ونرى علاج مشكلة الحانات والبارات ومراكز الفيديو الداعرة، إنما يكون بالتكسير وإشعال الحرائق، وحقيقة العلاج يجب أن ينصرف إلى إيجاد السلطان الذي يقيم شرع الله في الأرض، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ثم إحداث وعى في الأمة يغير العرف العام ويجعلها تحمل مسئولية أو أمانة تطبيق شرع الله بنفسها.

 

6-استعجال النتائج أو قطف الثمار قبل أوانها، وقد قيل: من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه.

 

رابعاً: خطورة ضيق الأفق:

 

مرض ضيق الأفق من الأمراض ذات الآثار الجانبية الكثيرة والخطيرة؛ لأنه في الأصل يمثل خللاً في الرؤية ونقصاً في الإبداع، لذلك فكل آثاره تظهر وللآسف بعد الشروع في الأعمال الدعوية، أو الانتهاء منها وانتظار النتائج، فلا يجد الداعية من ثمرات عمله شيئاً، بسبب ضيق أفقه منذ البداية، ومن أبرز هذه الآثار:

 

1-تبديد الجهود وإهدار الطاقات: تبديد الجهود وإهدار الطاقات في أمور نافعة مفيدة لكنها ثانوية بل هامشية، وإذا بددت الجهود، وأهدرت الطاقات في مثل هذه الأمور، فإن المسلم العامل سيعجز بعد ذلك ويفقد القدرة على مواجهة المهام الجسام، والتبعات الضخمة. ولعل هذا الأثر هو المفهوم من توجيه القرآن للمسلمين في بداية الدعوة إلى أن يقيموا الإسلام في أنفسهم وأن يحسنوا الترابط فيما بينهم (قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى)[الأعلى:15،14]، (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)[الشمس:10،9]، دون أن يستجيبوا لأي إثارة أو يردوا على أي أذى أو اضطهاد يوجه إليهم من عدوهم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) [ النساء: 77]، (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 97 ـ 99]. وكل هذا من أجل أن تنمو طاقاتهم، وتتضاعف جهودهم بل ويحتفظ بهذه الجهود وتلك الطاقات لتوجه نحو النافع والمفيد في الوقت المناسب وفي اللحظة المناسبة.

 

2-اليأس والقنوط: وذلك أن ضيق الأفق أو قصر النظر سيواجه في طريقه كثيراً من العقبات والصعاب، ولن يستطيع -لضيق أفقه أو لقصر نظره- استيعاب هذه العقبات وتلك الصعاب، ومحاولة التغلب عليها وتكون النتيجة: اليأس والقنوط، بل القعود عن أداء الدور والقيام بالواجب، ولعمري ذلك هو أهم ما يسعى إليه أعداء الله؛ ليخلوا لهم الجو ويفسح أمامهم المجال: "خلا لك الجو فبيضي واصفري ".

 

3-حرمان التوفيق: ذلك أن ضيق الأفق أو قصر النظر نادراً ما يصادفه التوفيق والنجاح، ومن يفقد التوفيق والنجاح لا يبقى لديه ما يغرى به الناس، حتى يكسب منهم نصيراً، أو على الأقل مؤيداً، والواقع يؤيد ذلك، فكم من ضيق أفق أو قصير نظر يعيش ويموت وليس من حوله إلا أفراداً يعدون على الأصابع، فضلاً عن نفور كثير من الناس منه، وإعراضهم عنه.

 

4–سهولة القضاء عليه: وذلك من جانب أعداء الدعوة الذين خبروا نفس الأساليب التي يسير عليها، بالتالي سيسهل عليهم إجهاض دعوته، وقد تكرر ذلك مرارا خلال العهود السابقة، عندما كانت الدعوة الإسلامية تتركز على نطاق جغرافي أو زماني أو ثقافي معين لا تتجاوزه، كان أعداؤها يضربونها بمنتهى السهولة بمحاصرة هذا النطاق.

 

إن الإبداع الحقيقي يحتاج لصناعة عقول متحررة من قوالب التكرار ومساوئ الاستنساخ، محلِّقة في رحابة التجديد. والتواصل الإيجابي بين الداعية ومن حوله من خلال توجيه التصورات والمشاعر نحو البناء وتوفير بيئة موائمة للرقي بالأداء الإبداعي، هي التي تنتج تلك الشخصيات المبدعة. وإن الهزيمة الحقيقية التي تحدث بداخلنا وتقتل ذواتنا، عندما يغدو مبلغ طموحنا هو تقليد الآخرين وتبني أفكارهم، بحيث نحلق حول شخوصهم، ونبرع في تلقي الأفكار دون صناعتها، وفي استهلاكها دون القدرة على توليد أفكارنا الخاصة؛ فتتعطل حواسنا عن العمل، ويُقتل في ذواتنا القدرة على المبادرة والتجديد.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات