سلسلة أمراض على طريق الدعوة (15) الخوف المذموم

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

من الأمراض الخطيرة التي تعترض طريق الدعاة إلى دين الله عز وجل بحيث صارت مثل العقبة الكؤود التي تتحطم عليها طموحات وآمال كثير من الدعاة ؛ مرض الخــوف المذموم، أو الخوف من المخلوقين، وكي يتحرر العبد المخلص والداعية الصادق من هذا المرض الذي قتل الكثيرين، لابد من التعرف على طبيعة هذا المرض وأعراضه وآثاره وتداعياته على الداعية والدعوة والمجتمعات المسلمة.

 

 

 

 

الخوف لغة واصطلاحا:

 

الخوف يأتي في اللغة بعدة معان منها: الفزع، تقول: خاف من فلان: فَزعَ، وأخافه فلان: فزَّعه منه. ومنها توقع حلول مكروه أو فوت محبوب، تقول: خَافَ خوفا ومخافة وخِيفة: توقع حلول مكروه أو فوت محبوب.

 

أما الخوف في الاصطلاح، فقد ورد بألفاظ كثيرة وتعريفات عديدة لأهل العلم، تتفق كلها في المعنى منها:

 

تعريف الغزالي: الخوف: هو تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في المستقبل.

 

تعريف الجنيد: الخوف: توقع العقوبة على مجاري الأنفاس. أي إذا صرفت في غير ذكر الله.

 

تعريف الكفوي: الخوف: غمّ يلحق لتوقع مكروه، وكذا الهم، أما الحزن فهو غمّ يلحق من فوات نافع، أو حصول ضار. وهو أكثر التعريفات انضباطا.

 

تعريف آخر: الخوف: انفعال في النفس يحدث لتوقع ما يرد من المكروه أو يفوت من المحبوب.

 

وبالنظر للكتاب والسنة نجد أن تعريف الغزالي والكفوي هما الأكثر دقة وقبولا وموافقة للكتاب والسنة، قال تعالى: ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) [ البقرة: 277].

 

ولابن القيم كلام نفيس في التفرقة بين الخوف والخشية والرهبة والوجل والهيبة، في سفره الحافل مدارج السالكين فيقول: الخشية أخص من الخوف، فإن الخشية للعلماء بالله، قال تعالى: ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) [ فاطر: 28] فهي خوف مقرون بمعرفة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني أتقاكم لله، وأشدكم له خشية "، فالخوف حركة، والخشية انجماع، وانقباض، وسكون. أما الرهبة فهي: الإمعان في الهرب من المكروه، وهي ضد الرغبة التي هي سفر القلب في طلب المرغوب فيه. أما الوجل: فرجفان القلب، وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته أو لرؤيته. أما الهيبة: فخوف مقارن للتعظيم، والإجلال، وأكثر ما يكون مع المحبة والمعرفة، والإجلال: تعظيم مقرون بالحب. فالخوف لعامة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمحبين، والإجلال للمقربين، وعلى قدر العلم، والمعرفة يكون الخوف والخشية "

 

الخوف المذموم:

 

هذا بالنسبة لتعريف الخوف بصفة عامة، ولكن الخوف كمرض يعترض طريق الدعوة له معنى معين، وهو الخوف المذموم أو الخوف من المخلوقين، ومن الطواغيت والظلمة الذين هم عادة أكبر أعداء الإسلام وأبرز خصوم الدعوة إلى الله - عز وجل -، بحيث يكون هذا الخوف مقعدا عن الدعوة، وصادا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومانعا من بذل النصيحة لمن يحتاجها، وهذا الخوف المذموم والذي يكون من المخلوقين، وله عدة مظاهر منها:

 

1 ـ طاعة المخلوق في معصية الخالق إلى حد التفاني مع هذا المخلوق ولو مع الذل والهوان.

 

2 ـ القعود عن القيام بواجب الجهاد ونصرة المستضعفين، وترك شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا مبرر مقبول.

 

3 ـ تتبع عورات المسلمين والتجسس عليهم بدافع تحصيل مرضاة بعض المخلوقين، أو خوفا منهم.

 

4 ـ ترك الكثير من شعائر الهدي الظاهر خوفا من إيذاء المخلوقين أو سخريتهم من إلتزامه بهذه السنن.

 

5 ـ الوشاية بالدعاة وكشف عوراتهم لدى خصوم الدعوة وأعداء الدين.

 

ومن صور الخوف المذموم أيضا ؛ الخوف الذي يقعد بصاحبه، ويصيبه باليأس من روح الله، ويقتل الرجاء في قلبه، ويجعله أسير هواجسه ووساوسه. الخوف الذي يصيب بعض الدعاة بالتوتر والقلق النفسي، ويدفعهم للبحث دائما عن إرضاء بعض المخلوقين، وإن كان في معصية الخالق، وهو ما سيورثهم بعد ذلك سخطة من الله لا تفارقه أبدا إلا أن يتوب إلى الله. والله عز وجل قرن في معظم الآيات التي تتحدث عن الخوف، بين الخوف منه سبحانه، والخوف من المخلوقين، حتى يكون الناس على بصيرة بخطورة صرف هذه العبادة الراقية لأحد من المخلوقين، قال تعالى: ( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ) [ آل عمران: 175] وقال: ( فلا تخشوهم واخشون ) [ المائدة: 3]، وقال: ( أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ) [التوبة: 13]، وقال في شأن الخوف المقعد والموروث لليأس والقنوط ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا على من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ) [ الزمر: 53] وقال: ( إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) [ يوسف: 87]

 

أسباب وقوع الداعية في الخوف المذموم:

 

الأصل في المسلم فضلا عن الداعية السائر على درب المرسلين أنه لا يخاف إلا من خالقه، ولا يخشي إلا من رازقه، فكيف يقع الداعية في هذا الداء الوبيل الذي يقعده عن خدمة الإسلام ودعوة الناس ؟

 

بالنظر لأحوال من وقع في هذا الداء يتضح لنا أن معظم الأسباب تنتدرج تحت عدة أمور:

 

1 ــ البيئة القلقة ؛ فقد يتواجد الداعية أو ينشأ ويترعرع في بيئة قلقة يسيطر عليها الخوف والتوجس من كل المحيطين، وهذه البيئة الضاغطة تشكل وعي الداعية من حيث لا يدري، فتراه يتخوف من كل سائل، ويتوجس من كل غريب، ويتحسس في كلمة كلمة يكتبها أو يقولها.

 

2 ـ التعرض لصور من الإيذاء ؛ النفسي أو البدني بصورة قد تؤثر في نفسية الداعية وتدفعه للقعود عن العمل والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويلزمه الرعب والخوف والفزع من كل خطوة قد يتوقع حصول الإيذاء بسببها، لذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن أي صورة من صور الإيذاء للمسلم، فيقول: " من اشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه " يقول الإمام النووي تعليقا على هذا الحديث: " فيه تأكيد حرمة المسلم، والنهي الشديد عن ترويعه، وتخويفه، والتعرض له بما قد يؤذيه، وقوله " وإن كان أخاه لأبيه وأمه " مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد سواء من يتهم فيه، ومن لا يتهم، وسواء كان هذا هزلا ولعبا أم لا ". وفي الحديث الآخر: " لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ". وقال أيضا :" كل المسلم على المسلم حرام دمه، وماله، عرضه ".

 

3 ـ شيوع الظلم وتلاشي العدل؛ فقد يكون انتشار الظلم والاستبداد في المجتمع من الأسباب الدافعة لكثير من الدعاة للحذر والخوف من ممارسة العمل الدعوي، فإن الظلم إذا ضرب بأطنابه في بلد ما، وألقى بجرانه بين الناس، وإن العدل إذا تلاشي بصورة تصيب المظلوم باليأس من دفع الظلم وصولة الظالم عليه، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي لشيوع الرعب والخوف من الظلمة، لأن المظلوم لن يجد من يرد عنه صولة الظالم.

 

4 ـ عدم تطبيق شرع الله - عز وجل -؛ فإن الشريعة الإسلامية حال تطبيقها تكون بمثابة الضمانة المؤكدة لردع الظلم ومنع الاعتداء بغير حق، ومن ثم استقرار المجتمعات، واستقامة الأعمال كلها، وفي مقدمتها العمل الدعوي، لذلك فقد دعا الله - عز وجل - عباده المؤمنين إلى التحاكم إلى شرعه، وجعل هذا التحاكم علامة الإيمان، ودليل الإسلام، قال تعالى: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) [ النساء: 65] وقال ( فاحكم بينهم بما أنزل الله إليك ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ) [ المائدة: 48]

 

5 ـ الانغماس في المباحات والملذات ؛ فإن العبد إذا طان دأب حياته التوسع في المباحات والانغماس في الملذت بدعوى أنها زينة الله التي أباحها لعباده، فإن نفسه تألف هذه الملذات ولا تطيق فراقها، ومن ثم يصاب العبد بالخوف الشديد من ولوج أي طريق قد يقوده لفقدان أو البعد عن هذه الملذات.

 

6 ـ الوقوع في المعاصي؛ فالمعصية تورث صاحبها ذلا وضعفا وسقوط هيبة ومنزلة، لأن المعصية تبعده عن الله - عز وجل -، والعبد إذا ابتعد عن الله صار في قبضة الشيطان يعبث به ويخوفه ويلقي الفزع في قلبه، فترى العاصي دائما خائفا، يخاف من هتك ستره، وانكشاف سره. هذا في حق المسلم العادي فما بالكم بالداعية الذي يفترض فيه أنه يدل الناس على الخير وينهاهم عن الشر، فهذا خوفه من هتك ستره أعظم وأقوى، لأن فضيحته ستكون أبلغ وأوقع.

 

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات