الشريعة الإسلامية وتجارب التطبيق (1/2)

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

من أشهر شبهات بني علمان ضد شرع الله -عز وجل-؛ تلك الشبهات المتعلقة بتطبيق الشريعة الإسلامية، فتارة يتكلمون عن التجارب المعاصرة للتطبيق، وتارة يتكلمون عن اختلاف الفقهاء، وتارة يتكلمون عن كونها مطبقة بالفعل، وتارة أخرى يتكلمون عن عدم وجود برامج عملية تفصيلية لتطبيق الشريعة، وكلامهم طافح بالكذب والدجل، باطل أصلع لا خطام له ولا زمام، لذلك فقد توجب على الدعاة والعلماء الانتصاب للرد عليه...

 

 

 

 

 

ما أجهل الإنسان عندما ينتصب متذاكيًا ومتحاذقًا ومتفيهقًا للنيل والتشكيك فيما ثبت صحته يقينًا، وتم قبوله إجماعًا، وعُلم مصداقيته عقلاً وعرفًا!! ما أتعس الإنسان عندما ينتصب لمحاربة الوحي المعصوم، ويسعى في آيات الله تعالى معاجزًا، ويسخّر قلمه وعقله وفكره لخدمة إبليس وحزبه!! ما أضل الإنسان عندما يريد أن يطفئ نور الله -عز وجل- بترهات عقله وسفاسف فكره وتفاهات رأيه. وهذا هو مختصر حال كارهي الشريعة وأعداء الدين من العلمانيين والليبراليين، فحياتهم قد أوقفوها للصد عن سبيل الله والنيل من الشريعة المطهرة، والترويج لكل ما هو غربي وشرقي؛ فهم ما فتئوا يلقون كل يوم بشبهات جديدة على شرع الله والدعاة إلى دين الله، لهدف واحد وغرض واحد وهو تنفير الناس من هذه الشريعة وصدهم عن سبيل الله بكل ما أوتوا من قوة، وما هم بقادرين على ذلك -بإذن الله وحده-.

 

ومن أشهر شبهات بني علمان ضد شرع الله -عز وجل-؛ تلك الشبهات المتعلقة بتطبيق الشريعة الإسلامية، فتارة يتكلمون عن التجارب المعاصرة للتطبيق، وتارة يتكلمون عن اختلاف الفقهاء، وتارة يتكلمون عن كونها مطبقة بالفعل، وتارة أخرى يتكلمون عن عدم وجود برامج عملية تفصيلية لتطبيق الشريعة، وكلامهم طافح بالكذب والدجل، باطل أصلع لا خطام له ولا زمام، لذلك فقد توجب على الدعاة والعلماء الانتصاب للرد عليه، وتبيين كذبهم وضلالهم، وتنزيه الشريعة من افتراءاتهم، صيانة لدين الله تعالى من عبث العابثين وانتحال المبطلين ودجل الكذابين.

 

 أولاً: شبهة أن الشريعة مطبقة فعليًا:

 

هذه الشبهة على فجاجتها وعوارها البين ومجاوزتها للمعقول والمحسوس إلا أن لها أنصارًا يروجونها، ودعاة ينتصرون إليها، حتى بين بعض علماء السوء الذين لا هم لهم سوى إرضاء الطواغيت ولو على حساب دين رب العالمين، فهؤلاء المدعون الكاذبون يقولون: إن 99% من الشريعة مطبق بالفعل، وأدناهم نسبة له قال: 95%، بالتالي تصبح المطالبة بتطبيق الشريعة عبثًا وضجة مفتعلة لا فائدة من ورائها. ودعواهم تلك بنوها على أن معظم التشريعات القانونية -مدنيةً أو جنائيةً أو شخصيةً- هي متفقة مع النواحي الإجرائية لأحكام الشريعة، ويقرون باستثناء الحدود من التطبيق لصعوبة تطبيقها حاليًا لعدم توافر شروط تطبيقها بزعمهم.

 

والرد على هذه الشبهة لا يحتاج لواسع بيان أو كبير تفصيل، فبجولة سريعة على تلك القوانين التي يدّعون موافقتها للشريعة الإسلامية يتضح لنا مدى بعدها واختلافها وتناقضها برمتها مع الشريعة الإسلامية لاسيما في باب الجنايات، ولا أدل على ذلك من إباحة الزنا والخمر والسفور والملاهي والمراقص، بل والردة عن الدين بالكلية باسم حرية الإبداع.

 

والقوانين المدنية المطبقة في الغالبية العظمى للعالم الإسلامي ما هي إلا مختصر أكثر من عشرين مشروعًا غربيًا للقوانين، منها الفرنسي والسويسري والألماني والأمريكي والإنجليزي وشيء من شرع قليل!! فكيف يطلق عليها إذًا أنها متوافقة ومستقاة من الشريعة الإسلامية؟!

 

كما أن الشهادات الموثقة من فطاحل العلماء في المجامع العلمية والمحافل الدولية تؤكد على الحاجة لتطبيق الشريعة الإسلامية، وتطهير الذخيرة القانونية في دول العالم الإسلامي من القوانين الفاسدة المستقاة من الغرب والشرق والتي تخالف شرع الله صراحة؛ فقد جاء في توصية المؤتمر الثاني للفقه الإسلامي سنة 1965م والذي ضم مندوبين من خمس وثلاثين دولة مسلمة بضرورة الاستمساك بالشريعة الإسلامية كأساس للتشريعات القانونية في هذه البلدان. كذلك جاءت التوصية نفسها في مؤتمر 1966م مع مناشدة السلطات الحاكمة بالعمل على تنقية تشريعاتها من كل ما يخالف أحكام الإسلام. وقد أصبحت هذه التوصية بمثابة المقرر الثابت في كل المؤتمرات التالية حتى آخر هذه المؤتمرات في جدة سنة 1988م.

 

والعجيب أن المحاكم والقضاء الذي يعمل بهذه القوانين المشبوهة فيها قد شهد على تباينها مع أحكام الشريعة، وقد أثيرت هذه القضية خصوصًا بعد تفجر الأوضاع في مصر سنة 1981م، والتي شهد وقتها القضاء المصري بحاجة المشرع المصري لتنقية التشريعات القانونية من كل ما يخالف شرع الله تعالى؛ حتى لا يكون هناك مجال للفوضى والاضطراب والتباين بين الناس؛ لأن الشريعة رحمة كلها، عدل كلها، مصلحة كلها.

 

أما الكلام عن عدم ملائمة العصر لتطبيق بعض أحكام الشريعة، فهو افتراء على الله -عز وجل- عظيم، لا يقول به عاقل فضلاً عن مؤمن بالله ورسوله وما أنزل على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقد حاول بعض علماء السوء ترويج هذه الشبهة بالقول: إن الوعيد الذي ورد في الآيات لمن لم يتحاكم إلى شرع الله، إنما هو خاص بمن ترك الشريعة كلها، وليس بمن طبق بعضها وترك بعضها لعذر.

 

والجواب على هذه الترهات التي لا دليل عليها لا يحتاج من أدنى مسلم سوى أن يقرأ في كتاب الله -عز وجل- والآيات الدواحض لتلكم الأباطيل؛ فقد تمهد في محكمات الأدلة أن الكفر برسول واحد من رسل الله -عز وجل- كالكفر برسل الله جميعًا، وأن الكفر بآية واحدة من آيات الله -عز وجل- كالكفر بالكتاب كله، فهل قرأ هؤلاء الأفاكون قول الله -عز وجل-: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) [البقرة: 84]، وقوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) [النساء: 61]، وما أشبه موقف هؤلاء بموقف بعض الأنظمة المعاصرة التي تفزع إلى أحكام الشريعة مثل الزكاة إذا أصابتها قوارع الدهر من أزمات اقتصادية!! قال تعالى: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [النور: 48-51].

 

ثانيًا: شبهة افتقار الشريعة للبرامج العملية للتطبيق:

 

هذه الشبهة أراد العلمانيون منها إحراج الدعاة لتطبيق الشريعة الإسلامية بالتشنيع عليهم أنهم يقدمون حلولاً غير عملية، وأنهم يسوقون الوهم للبسطاء والعامة، فهم -بزعمهم- يقدمون للأمة منهجًا لم يسبروا أغواره، ولم يعرفوا أبعاده، ولا يملكون له برامج عملية.

 

وهم بهذه الشبهة الخبيثة يريدون تحويل الشريعة الإسلامية كلها إلى خانة واحدة وهي خانة المتشابه والمختلف فيه، ويهدرون بذلك كل المحكم والمجمع عليه، وهم بذلك يدخلون المسلمين في دائرة لا تنتهي من التفاصيل والخلافات الفقهية، وعلى الرغم من أن قضية الشريعة هي من صلب أصول الدين، ورفضها هو رفض للدين نفسه، إلا أن القضية برمتها تتحول في ظل هذه الشبهة إلى خلافات فقهية يسع أصحابها الادعاء بقبولها أو رفضها، والحجة تغير الفتوى مع تغير العصر.

 

والرد على هذه الشبهة يكون من عدة أوجه:

 

1 ـ التجربة التاريخية العريضة؛ فإننا عندما نطالب بتطبيق الشريعة، فإنما نطالب برد الشيء لأصله، واستعادة الوضع السابق الذي ظل قائمًا لأكثر من اثني عشر قرنًا ولم يسقط إلا على يد الاحتلال الصليبي لبلاد العالم الإسلامي مع أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، وطوال هذه الفترة المديدة كانت الشريعة مطبقة ولم يشتكِ أحد من افتقارها للبرامج العملية كما يدعي هؤلاء الأغمار.

 

2 ـ أن مشروعات تقنين الشريعة على كافة المذاهب الفقهية هي مشروعات كاملة وموجودة بالفعل، وتم إنجازها منذ فترة طويلة، واشتركت عدة جهات علمية معروفة في إعدادها مثل الأزهر ووزارة العدل المصرية والكويتية ورابطة العالم الإسلامي والعديد من المجامع الفقهية والعلمية، فادعاء افتقار الشريعة للبرامج العملية للتطبيق هو ادعاء بين الكذب والفساد، وينم عن جهل عريض بالقضية، وتدليس متعمد على عامة الناس، وقد أعد الأزهر في عهد شيخه الراحل عبد الحليم محمود مشروعًا متكاملاً لتقنين الشريعة الإسلامية في أكثر من ألف مادة، منها مشروع الإثبات في 181 مادة، وقانون السلطة القضائية في 513 مادة، وقانون العقوبات في 635 مادة، وقانون التجارة في 776 مادة وهكذا.

 

3 ـ ولو افترضنا جدلاً أن المنادين بتطبيق الشريعة لا يملكون هذه البرامج المرجوة، فهل هذا عائق عن البدء في تنفيذها؟! وهل يستحيل القيام بهذه المهمة المقدسة؟! وهل نفتقر إلى الجهات والمؤسسات القادرة والمتخصصة اللازمة لإنجاز هذا المشروع العظيم؟! فالدعوة إلى تطبيق الشريعة إرادة شعب ورغبة أمة وفريضة إسلامية لا يسع أي مسلم التعامي عنها ونسيانها، وهي ليست برنامجًا انتخابيًا لهذا الفصيل أو ذاك، بل هي مسؤولية الجميع حكامًا ومحكومين، راعيًا ورعية، ويجب على الجميع العمل والتكاتف من أجل إقامتها ونشر رايتها.

 

4 ـ إن المكتبة الإسلامية تذخر بمئات الدراسات والأبحاث والرسائل العلمية، في شتى المجالات ومختلف التخصصات، فيما يتعلق بسبل وأطر وآليات تطبيق الشريعة، ولا توجد جامعة إسلامية أو مراكز علمية فقهية أو بحثية إلا وتجد فيها مشاريع كاملة لتطبيق الشريعة، فالجانب العلمي لهذه البرامج متوافر بكثرة والحمد لله، والادعاء بالفقر أو الضعف هو ادعاء باطل، يكفينا للرد عليه وبكل فخر واعتزاز لجوء العديد من الدول الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا للنظم الاقتصادية المستقاة من الشريعة الإسلامية خاصة في نظام الصرافة والاقتراض، وبالاعتماد على البرامج العلمية المتوافرة بكثرة في المكتبة الإسلامية.

 

5 ـ أن المناهج العلمانية نفسها سواء كانت شيوعية أم اشتراكية أم ليبرالية أم رأسمالية تفتقر إلى البرامج العملية ذاتها التي يطالبون دعاة الشريعة بتوفيرها، فهي أيديولوجيات فكرية اعتمدت على ثورية التغيير دون النظر في التفاصيل، والثورة الفرنسية التي يتغنون بأمجادها لم تكن سوى ثلاثة شعارات فقط: الحرية والإخاء والمساواة، ومع ذلك لم يتهمها أحد بالافتقار إلى البرامج والآليات.

 

فالمشكلة ليست مشكلة آليات وبرامج بقدر ما هي مشكلة إرادة وتطبيق، وتوافر الرغبة الصادقة لدى النخب الثقافية في تطبيق الشريعة واعتمادها كمرجعية وحيدة للتحاكم والتقاضي والفصل بين الناس.

 

وللحديث بقية...

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات