قضايا دعوية معاصرة (3) الاجتهاد والتقليد

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

رابعا: الاختلاف في الفرعيات ليس مقبولا بإطلاق، بل منه ما هو مقبول، ومنه ما هو مذموم، فما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه، لا يحل الاختلاف فيه لمن علمه، والاختلاف عندها مذموم، وما كان يحتمل التأويل ويدرك قياسا فهو

 

 

 

 

 

لقد كان من الإيجابيات الكبرى التي تذكر للعمل الإسلامي المعاصر أنه كسر حاجز التقليد الذي ظلت الأمة حبيسة أسواره وأغلاله لقرون عديدة، تراجعت خلالها قيمة وأثر وفعالية الفقه الإسلامي في الحياة العامة، حيث جمدت الأمة عند أقوال وآراء واجتهادات قرون خلت، فجاء العمل المعاصر ليحمل على عاتقه إرجاع الأمة لمنابعها الأولى في العمل بالأدلة الشرعية، وأزال الغبار عن كتب الحديث والسنة، بعد أن كادت أن تندثر وينساها الناس، في ظل اشتغال الأجيال المتتابعة بكتب الفقه والشروح والمتون والفروع، وجددوا العمل بفقه الحديث ودراسته وأعادوا مجالس التحديث للحياة، حتى عادت للسنة مكانتها ومنزلتها اللائقة.

 

ومع عودة دراسة الحديث والسنة، عاد الكلام عن قضية تاريخية من قضايا العمل الإسلامي؛ إلا وهي قضية الاجتهاد والتقليد، والشد والجذب بين أنصار كل فريق، والغلو الذي حدث في القضية من كل جانب، حتى صار الأمر إلى غلو مفرط وتنطع قبيح، بين من ينكر كل صورة من صور التجديد، ولا يرى إلا وجوب الإتباع للإنتاج العلمي والفقهي لسلف الأمة، والدوران في فلك مقالات الأولين، وبين من فتح باب التجديد على مصراعيه مشرعا لكل والج، ونودي بالتجديد في كل شيء حتى في الكليات والقطعيات المحكمات، بصورة أهدرت معها كل النقولات بدعوى التجديد والاستنارة وإعمال العقل.

 

لذلك كان من الضروري وضع الضوابط العامة الحاكمة لعملية الاجتهاد والتقليد، وتميز الثوابت من المتغيرات في هذه القضية الهامة، حتى لا نتجاوز محكما مقطوعا به تحت دعوى التجديد أو الإحياء، أو تتهارج الصفوف بسبب الخلاف في أمور ظنية متشابهة تحت مسمي التمسك بالأصول وآثار السلف، وفي النهاية جمع الكلمة على الأصول الثابتة من الكتاب والسنة والإجماع.

 

ثوابت قضية الاجتهاد والتقليد:

 

أولا: محل الاجتهاد في كل ما لم يرد به النص، فكل ما ورد في النص القاطع الصريح، وكل ما أجمعت عليه الأمة وتلقته بالقبول؛ فهو من الأمور التي لا يسوغ الاجتهاد فيها، حيث لا يحل لأحد خرق ومخالفة النص والإجماع الثابت كائنا من كان، والواجب فيه هو الإذعان والإتباع، قال تعالي: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) [ الأحزاب 36 ]، وقال تعالى: ( ومن يشاقق الرسول من بعد تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين ونوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) [ النساء 115 ]. قال الغزالي - رحمه الله  - في المستصفى: " والمجتهد فيه كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي، وإنما نعني بالمجتهد فيه ما لا يكون المخطئ فيه آثما، كوجوب الصلوات الخمس والزكوات، وما اتفقت عليه الأمة من جليات الشرع، فيها أدلة قطعية يأثم فيها المخالف، فليس ذلك محل اجتهاد ".

 

ثانيا: عصمة الإجماع، حيث أنه لا عصمة لأحد بعد النبي -صلى الله عليه وسلم  - إلا لما أجمعت عليه الأمة وتلقته بالقبول، واستقر عبر الأجيال، وقد اتفقت كلمة العلماء على ذلك، وكلامهم أشهر وأكثر من ذكره في هذا المقام.

 

ثالثا: لا إثم على المجتهد ولو أخطأ، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فأخطأ فله أجر "، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - - رحمه الله  - -: " ومذهب أهل السنة والجماعة أنه لا إثم على من اجتهد وإن أخطأ "، وقال الآمدي في الإحكام: " اتفق أهل الحق من المسلمين على أن الإثم محطوط عن المجتهدين في الأحكام الشرعية "، وقال ابن القيم - - رحمه الله  - -: " وأما الحكم المؤول، فهو أقوال المجتهدين المختلفة التي لا يجب إتباعها، ولا يكفر ولا يفسق من خالفها، فإن أصحابها لم يقولوا: هذا حكم الله ورسوله، بل قالوا: اجتهدنا برأينا، فمن شاء قبله، ومن شاء لم يقبله، ولم يلزموا به الأمة، قال أبو حنيفة: هذا رأيي، فمن جاءني بخير منه قبلناه. ولو كان هو عين حكم الله لما ساغ لأبي يوسف ومحمد  وغيرهما مخالفته فيه، .... ".

 

رابعا: ترك الإنكار على المخالف في المسائل الاجتهادية، فهذه المسائل لا ينكر فيها على المجتهد لا باليد، ولا بالقدح، أو النيل من دين المجتهد وعدالته، إنما يرد عليه بالآيات البينات والحجج العلمية، فمن بان له رجحان أحد القولين عمل به، قال النووي - رحمه الله  - في معرض شرحه لحديث مسلم " من رأي منكم منكرا فليغيره بيده " وبيان مراتب الناس في هذا الإنكار: " ثم العلماء لا ينكرون ما أجمع عليه الأئمة. وأما المختار فيه فلا إنكار فيه، لأن على أحد المذهبين كل مجتهد مصيب.

 

وهذا هو المختار عند كثير من المحققين أو أكثرهم، وعلى المذهب الآخر المصيب واحد، والمخطئ غير متعين لنا، والإثم مرفوع عنه، ولكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف، فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله، فإن العلماء متفقون على الحث على الخروج من الخلاف إذا لم يلزم منه إخلال بسنة، أو وقوع في خلاف آخر ". مع مراعاة أن المقصود بالخروج من الخلاف من هذا المقام هو العمل بالأحوط، أي الإتيان بالفعل على وجه يكون موضع اتفاق الجميع.

 

والسيوطي في كتابه الأشباه والنظائر يجعل من هذا المعنى قاعدة من قواعد الفقه بالكلية، فيقول: " لا ينكر المختلف فيه، وإنما ينكر المجمع عليه " مع عدة استثناءات ذكرها في الإنكار على المختلف فيه.

 

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن تقليد بعض العلماء في مسائل الاجتهاد، هل ينكر عليه أو يهجر ؟ وكذلك من يعمل بأحد القولين، فأجاب: " الحمد لله، مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه، فإن الإنسان يظهر له رجحان أحد القولين عمل به، وإلا قلد بعض العلماء الذين يعتمد عليهم في بيان أرجح القولين "، وقال ابن القيم: " والصواب الذي عليه الأئمة، أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل، يجب العمل به وجوبا ظاهرا، مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه فيسوغ فيها ـ إذا عدم فيها الدليل الظاهر الذي يجب العمل به ـ الاجتهاد لتعارض الأدلة أو لخفاء الأدلة فيها ". قال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم: " والمنكر الذي يجب إنكاره على من فعله مجتهدا أو مقلدا لمجتهد تقليدا سائغا " وقد قرر هذا الأصل الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مسائل العقيدة أيضا فقال: " فكون بعض العلماء يرخص بالتوسل بالصالحين، وبعضهم يخصه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه، فهذه المسألة من مسائل الفقه، ولو كان الصواب عندنا قول الجمهور: إنه مكروه، فلا ننكر على من فعله، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد ".  

 

رابعا: الاختلاف في الفرعيات ليس مقبولا بإطلاق، بل منه ما هو مقبول، ومنه ما هو مذموم، فما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه، لا يحل الاختلاف فيه لمن علمه، والاختلاف عندها مذموم، وما كان يحتمل التأويل ويدرك قياسا فهو من مسائل الاجتهاد التي يقبل فيها الاختلاف ولا تثريب على العامل بأي الأقوال وقتها، ومن هنا يستبان خطأ من أطلق القول بأن الخلاف شر كله، أو رحمة كله، ففيه من الرحمة عند التوسعة على المكلفين، وفيه من الشر العظيم عند الشقاق والتدابر والبغي على المخالف، قال ابن تيمية: " والنزاع في الأحكام قد يكون رحمة إذا لم يفض إلى شر عظيم من خفاء الحكم، ولهذا صنف رجل كتابا سماه ( كتاب الاختلاف ) فقال أحمد: سمه ( كتاب السعة )، ونقل عن بعض العلماء أنه كان يقول: إجماعهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة "، وقال الجصاص في الأحكام: " وقد يختلف المجتهدان في نفقات الزوجات، وقيم المختلفات وأروش كثير من الجنايات، فلا يلحق واحدا منهما لوم ولا تعنيف وهذا حكم مسائل الاجتهاد. ولو كان هذا الضرب من الاجتهاد مذموما لكان الصحابة من ذلك الحظ الأوفر، ولما وجدناهم مختلفين في أحكام الحوادث، وهم مع ذلك متواصلون يسوغ كل واحد منهك لصاحبه مخالفته من غير لوم ولا تعنيف ".

 

خامسا: زلة العلماء مغفورة ولا يعتد بها، لأنها لم تصدر إلا عن اجتهاد معتبر، بل هي نتاج خفاء بعض الدليل، أو عدم ثبوته عنده، لذلك لا يشنع عليه بها أو يقلل من قدره، أو يهدر علمه وآراءه بسبب زلته تلك، قال  الشاطبي - رحمه الله  - في الموافقات: " إن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة، ولا الأخذ بها تقليدا له، وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع، ولذلك عدت زلة، وإلا لو كان معتدا بها لم يجعل لها هذه الرتبة، ولا نسب صاحبها إلى الزلل فيها، كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير، ولا أن يشنع عليه بها، ولا ينتقص من أجلها، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتا، فإن ذلك خلاف ما تقتضي رتبته في الدين ". قال ابن القيم في إعلام الموقعين: " ومن له علم بالشرع والواقع، يعلم قطعا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان، قد تكون منه الهفوة والزلة، هو فيها معذور بل ومأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين ". قال الحافظ الذهبي كلمات ذهبية مثل علمه وكتبه في ترجمة الإمام محمد بن نصر المروزي - رحمه الله -: " ولو أنه كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورا له، قمنا عليه وبدّعناه وهجرناه، لما سلم معنا لا ابن نصر، ولا ابن منده، ولا هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق، وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة ".  

 

خامسا: الاجتهاد المعتبر شرعا هو الصادر من أهله، فلا يعتبر الاجتهاد شرعا إلا إذا صدر ممن استجمع أدوات الاجتهاد، وأهل الاجتهاد هم الذين اضطلعوا بمعرفة ما يفتقر إليه الاجتهاد، وإلا كانت عملية الاجتهاد ألعوبة في يد العابثين والمحرفين، ومن اجتهد بغير أدوات الاجتهاد كان متبعا لهواه، عاصيا لمولاه، لا يتابع ولا يعتبر، قال تعالى ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ) [ ص 26] .

 

سادسا: التقليد جائز للعاجز عن الاجتهاد، وذلك لقوله عز وجل: ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) [ النحل 43] وهذا نص قرآني يحتم على الجاهل الرجوع لأهل الذكر وسؤالهم عما لا يعلمه، وكذا حديث الشجة الشهير وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: " قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال " رواه ابن ماجه وأبو داود وأحمد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " والذي عليه جماهير الأمة أن الاجتهاد جائز في الجملة، والتقليد جائز في الجملة، لا يوجبون الاجتهاد على كل أحد ويحرمون التقليد، ولا يوجبون التقليد على كل أحد ويحرمون الاجتهاد، وأن الاجتهاد جائز للقادر على الاجتهاد، وأن التقليد جائز للعاجز عن الاجتهاد ". قال ابن قدامة -رحمه الله -: " وأما التقليد في الفروع فهو جائز إجماعا فكانت الحجة فيه الإجماع " وقال " وذهب بعض القدرية إلى أن العامة يلزمهم النظر في الدليل وفي الفروع أيضا، وهو باطل بإجماع الصحابة ". قال الرازي في المحصول: " يجوز للعامي أن يقلد المجتهد في فروع الشريعة خلافا لمعتزلة بغداد ". وهنا يأتي الحديث عن مسألة أخرى متفرعة من هذا الأصل، وهي وجوب إتباع المقصر الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد لإمام من الأئمة، وذلك حتى لا ينفرد بفهم ليس له فيه سابقة في مسألة من المسائل، وإلا عدّ مبتدعا في الدين، ومتبعا لغير سبيل المؤمنين من حيث لا يدري.

 

سابعا: التقليد نوعان مشروع وممنوع، فالمشروع هو عمل العامي بمذهب المجتهد دون معرفة دليله معرفة تامة، أما الممنوع فهو التقليد التي قامت الأدلة البينة على خلافه، أو تقليد إمام بعينه دون سواه، بحيث تقبل جميع آرائه وإن تبين مخالفتها للحق، وترد أقوال غيره من الأئمة، وإن شهدت لصحتها النصوص. وعلى هذا جوّز العلماء دراسة الفقه على الطريقة المذهبية بشرط عدم التعصب، كما استحسنوا ذكر الأدلة للمستفتي إذا كان أهلا لفهمها، وإن كان ذلك ليس شرط واجب النفاذ على المفتي. قال ابن القيم في إعلام الموقعين: " ينبغي للمفتي أن يفتي بلفظ النص مهما أمكنه، فإنه يتضمن الحكم والدليل مع البيان التام، فهو حكم مضمون له الصواب ،... وقد كان الصحابة والتابعون والأئمة الذين سلكوا على منهاجهم يتحرون ذلك غاية التحري ". وقال الشاطبي: " فتاوى المجتهدين بالنسبة للعوام كالأدلة الشرعية بالنسبة للمجتهدين، والدليل عليه أن وجود الأدلة بالنسبة للمقلد وعدمها سواء؛ إذ كانوا لا يستفيدون منها شيئا، فليس النظر في الأدلة والاستنباط من شأنهم، ولا يجوز لهم ألبتة ". ويتضح كلام الشاطبي من تتبع كتب الحديث حيث يري استدلال التابعين الصغار بأقوال من قبلهم من التابعين الكبار، وهؤلاء يستدلون بأقوال وأعمال من قبلهم من الصحابة، وهي أقوال وأفعال لم تذكر أدلتها، فدل ذلك على عدم اشتراط ذكر الأدلة لصحة الفتوى، أو جواز العمل بها، فإيراد الأدلة للعامي لا يخرجه من دائرة التقليد من الناحية العلمية.

 

أما ما ورد من عبارات الأئمة و العلماء في النهي عن  التقليد، والاحتياط في الدين، فهي عبارات ذات دلالات، ويجب أن تنزل على وجهها الصحيح، فهي سيقت في سياق نهي الناس عن الإتباع فيما قامت الأدلة على خلافه، وعلى ما تبين للجميع فساده وبطلانه، وفي سياق دعوة من يمتلك أدوات الفهم والتحصيل لئن يبحث وينظر في الأدلة ويرتقي في العلوم والمعارف، وفي سياق النهي عن التعصب المذموم الذي يفضي لتقديم قول الإمام والمجتهد على النصوص الشرعية، قال الإمام مالك - رحمه الله-: " يجب على العوام تقليد المجتهدين في الأحكام، كما يجب على المجتهدين الاجتهاد في أعيان الأدلة ". وقال العز بن عبد السلام - رحمه الله  - بعد إنكاره التقليد وبيان بطلانه: " ويستثنى من ذلك العامة، فإن وظيفتهم التقليد لعجزهم عن التوصل إلى معرفة الأحكام بالاجتهاد، بخلاف المجتهد فإنه قادر على النظر المؤدي إلى الحكم ".

 

ثامنا: الدليل الصحيح السالم من المعارضة لا يجوز رده مطلقا، فلا يرد لقول أحد من الناس مهما كانت درجته ورتبته، وإلا كان ذلك إخلالا بأصل الدين، قال تعالى: ( اتخذوا أحبارهم رهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا ) [ التوبة 31 ]، وقد أخرج الترمذي في تفسير هذه الآية عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - أنه قال: يا رسول الله، ما عبدوهم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه ؟ " قال: قلت: بلى. قال: " فتلك عبادتهم " قال ابن تيمية: " وهؤلاء اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا، حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله، يكونون على وجهين: الأول: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله إتباعا لرؤسائهم، مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل. فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركا، وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم، فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف الدين واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله، مشركا مثل هؤلاء. والثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام ثابتا، ولكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب، ... ثم ذلك المحرم للحلال، والمحلل للحرام، إن كان مجتهدا قصده إتباع الرسول لكن خفي عليه الحق في نفس الأمر، وقد اتقى الله ما استطاع، فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه، بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به ربه، ولكن من علم أن هذا خطأ فيما جاء به الرسول ثم اتبعه على خطئه، وعدل عن قول الرسول، فهذا له نصيب من هذا الشرك الذي ذمه الله، لاسيما إن اتبع في ذلك هواه، ونصره باللسان واليد، مع علمه بأنه مخالف للرسول، فهذا شرك يستحق صاحبه العقوبة عليه، ولهذا اتفق العلماء على أنه إذا عرف الحق لا يجوز له تقليد أحد في خلافه ".

 

 

قضايا دعوية معاصرة (1) العذر بالجهل

قضايا دعوية معاصرة (2) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قضايا دعوية معاصرة (4) الإيمان والكفر

 

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات