تناقض محيِّر بين الفتاوى والقرارات!

ادارة الموقع

2022-10-09 - 1444/03/13
التصنيفات:

 

 

 

 

عبد الرحمن بن ناصر البراك

ملتقى الخطباء: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن المرأة في هذه البلاد المحافظة العزيزة المملكة العربية السعودية، التي ينظر إليها المسلمون على أنها بلاد التوحيد والسنة، والمحافَظة على الأخلاق، ويعصر قلوبهم أن تتحول عن هذه المنزلة بتأثير التغريبيين؛ من الجهال والمنافقين، وأهم مجالات تأثيرهم وجهودهم: المرأة، كما كانت أهم أدوات المستعمر (المحتل) في ترسيخ جذوره، وتحقيق أهدافه في البلاد التي وقعت تحت سيطرته من بلاد المسلمين.

أقول: إن المرأة في هذه البلاد العزيزة المحافِظة، يتجاذبها أمران متناقضان مؤثران في مسيرة المرأة؛ أحدهما تأثيره علمي، والآخر تأثيره عملي.

الأول: فتاوى علماء هذه البلاد التي تحرم الاختلاط بين الرجال والنساء، في العمل والتعليم، وفي شتى المجالات، وهذه الفتاوى فيها الحجة والإعذار، والعمل بها صمام الأمن والسلامة في حاضر الأمة ومستقبلها.

والثاني: قرارت رسمية تفعِّل الاختلاط، وتفتح الأبواب أمام المرأة لكسب المال، ولو كان فيه ما فيه من الخطر على العرض والكرامة، ولو زعموا ما زعموا من الضوابط لتمرير القرارات، ومعلوم أن التأثير الأقوى ما يوصل إلى المال، ويحقق الشهوات، ولو كان مشتملا على المخالفات، كما في ابتعاث البنات، وعملهن مضيفات، وممثلات، وبائعات (كاشيرات). وفي الإعلام في أنواع البرامج المؤثرة على السامع والمشاهد، إلى غير ذلك من الأعمال التي رسخ فيها الاختلاط في الداخل والخارج.

وإليك نماذج من هذه الفتاوى والقرارات:

1ـ قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله مفتي المملكة الأسبق ـ في جوابه لمن سأل عن حكم الاختلاط ـ : " اختلاط النساء بالأجانب في دور العلم والحوانيت والمكاتب والمستشفيات والحفلات ونحو ذلك، هذا في الحقيقة قد يظن السائل في بادئ الأمر أنه لا يؤدي إلى افتتان كل واحد من النوعين بالآخر، ولكشف حقيقة هذا الأمر فإنا نجيب عنه من طريقين: مجمل، ومفصل.

أما المجمل : فهو أن الله تعالى جبل الرجال على القوة والميل إلى النساء، وجبل النساء على الميل إلى الرجال، مع وجود ضعف ولين، فإذا حصل الاختلاط نشأ عن ذلك آثار تؤدي إلى حصول الغرض السيئ ، لأن النفوس أمارة بالسوء، والهوى يعمي ويصم، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر.

وأما المفصل: فالشريعة مبنية على المقاصد ووسائلها، ووسائل المقصود الموصلة إليه حكمها حكمه، فالنساء مواضع قضاء وطر الرجال، وقد سد الشارع الأبواب المفضية إلى تعلق كل فرد من أفراد النوعين بالآخر، وينجلي ذلك بما نسوقه لك من الأدلة من الكتاب والسنة" ثم ساق ـ رحمه الله ـ الأدلة. مجموع رسائل وفتاوى 10/26.

2ـ وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، مفتي المملكة السابق: "إن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال المؤدي إلى الاختلاط سواء كان ذلك على جهة التصريح أو التلويح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر، ومتطلبات الحضارة أمر خطير جدا، له تبعاته الخطيرة، وثمراته المرة، وعواقبه الوخيمة، رغم مصادمته للنصوص الشرعية، التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها، والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه.

ومن أراد أن يعرف عن كثب ما جناه الاختلاط من المفاسد التي لا تحصى، فلينظر إلى تلك المجتمعات التي وقعت في هذا البلاء العظيم، اختياراً أو اضطراراً، بإنصاف من نفسه، وتجرد للحق عما عداه، يجد التذمر على المستوى الفردي والجماعي، والتحسر على انفلات المرأة من بيتها، وتفكك الأسر.

ونجد ذلك واضحاً على لسان كثير من الكتَّاب، بل في جميع وسائل الإعلام، وما ذلك إلا لأن هذا هدم للمجتمع، وتقويض لبنائه، والأدلة الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية، وتحريم النظر إليها، وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله، أدلة كثيرة قاضية بتحريم الاختلاط؛ لأنه يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه ." انتهى من الفتاوى 1/17

وجاء في فتوى اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعوديه للإفتاء برقم (24937) وتاريخ 23/11/1431 هـ، عن حكم عمل المرأة في وظيفة محاسبة (كاشير) مانصه:

"لا يجوز للمرأة المسلمة أن تعمل في مكان فيه اختلاط بالرجال، والواجب البعد عن مجامع الرجال، والبحث عن عمل مباح لا يعرضها لفتنة ولا للافتتان بها ، وما ذكر في السؤال يعرضها للفتنة ويفتتن بها الرجال، فهو عمل محرم شرعاً وتوظيف الشركات لها في مثل هذه الأعمال تعاون معها على المحرم فهو محرم أيضا".

3ـ وجاء أيضا في فتاوى اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية برقم (25146) وتاريخ 3/7/1432هـ، ما هذا نصه:

"إن عمل المرأة وتعليمها يجب أن لا يترتب عليه اختلاطها بالرجال؛ بل لابد أن يكون في مكان مستقل لا يعمل فيه إلا النساء؛ لأن الشريعة جاءت بتحريم الاختلاط بين الرجال والنساء، ومنعه، والتشديد فيه، كالاختلاط في مجالات التعليم والعمل، وكل ما يفضي إلى الاختلاط، قال تعالى: (وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) [الأحزاب: 53]، وحكم هذه الآية عام للنساء المسلمات إلى يوم القيامة.

ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المرأة في بيتها خيراً لها من صلاتها في المسجد، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن) متفق عليه، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

 

وعليه؛ فيحرم الاختلاط بين الرجال والنساء فيما ذكر سابقاً، سواء كان ذلك بخلوة أو بدونها، ولا يجوز أن تعمل المرأة مع الرجال، كأن تكون سكرتيرة لمكتب الرجال، أو في الاستقبال لمكان غير خاص بالنساء، أو عاملة في خط إنتاج مختلط، أو محاسبة في مركز أو محل تجاري، أو صيدلية، أو مطعم يختلط فيه العاملون من الرجال والنساء؛ لما يترتب على ذلك من آثار سيئة على الأسرة والمجتمع.

واللجنة: توصي الجميع بتقوى الله سبحانه وتعالى، والالتزام بأحكام شرعه، رجالاً ونساء، طاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وبالله التوفيق". انتهى.

وفي مقابل هذه الفتاوى الصريحة تأتي قرارات رسمية مخالفة لهذه الفتاوى العلمية. وأولها: قرار وزير العمل السابق الذي نشر في جريدة الجزيرة في يوم الخميس 23/5/1426 أن وزير العمل قد أصدر قرارا هذا نصه: "... وقد حدد القرار برنامجاً زمنياً يتكون من مرحلتين لقصر العمل في هذه المحلات على المرأة السعودية، وهما:

ـ قصر العمل في محلات وأماكن بيع الملابس النسائية الداخلية في الأسواق العامة والأسواق المركزية وأقسام المتاجر الكبرى والمحلات التجارية الأخرى على المرأة السعودية، خلال سنة واحدة من تاريخ صدور القرار.

ـ قصر العمل في محلات بيع العباءات والملابس النسائية الجاهزة على المرأة السعودية، خلال سنتين من تاريخ صدور القرار ". انتهى. وقد أورد بعض الفضلاء جملة من الإيرادت التي تدل على الخلل الكبير في هذا القرار.

الثاني: القرار الوزاري ذو الرقم أ/121 الصادر في 2/7/1432 وجاء فيه ما نصه:

"ـ اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأنيث وسعودة وظائف مصانع الأدوية العاملة في المملكة بعد حصولهن على التدريب اللازم؛ إذ تشير المعلومات المتوفرة إلى أنه يعمل بمصانع الأدوية (2472) منهم (1793) غير سعوديين.

ـ اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأنيث وسعودة وظائف بقية المصانع التي لديها خطوط إنتاج، وتعيين مواطنات، بعد حصولهن على التدريب اللازم، للقيام بالأعمال التي ستناط بهن بتلك المصانع (خلال شهرين).

ـ اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ قرار قصر العمل في محلات بيع المستلزمات النسائية على المرأة السعودية، وفقا للضوابط المحددة لذلك (شهر)".

يضاف إلى ما تضمنته هذه القرارات: الواقعُ العملي القائم على الاختلاط بين الجنسين في الخطوط الجوية، والإعلام، والمستشفيات، والملتقيات في وزارة التربية وغيرها، فكلٌّ يناقض مضمون فتاوى أهل العلم في هذه البلاد. لكن بنسب، وما أحسن ما صدر من اللجنة المختصة في وزارة الداخلية من القرار القاضي بمنع توظيف المرأة في وظائف كاشيرات (محاسبات) في الأسواق، حيث رأت اللجنة ضرورة العمل بفتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء رقم ( 24937 ) وتاريخ 23/11/1431هـ، المتضمنة منع توظيف المرأة بوظائف كاشيرات.

ونحن أمام هذا التضاد بين الفتاوى والقرارات ندعو إلى العمل بالفتاوى الشرعية الداعية إلى منع الاختلاط بين الرجال والنساء بجميع صوره، وإيقاف العمل بالقرارات المستلزمة لوقوع الاختلاط المحظور، والعمل بالحلول التي اقترحها أهل العلم والغيرة، محافظة على تميز هذه البلاد، وسيرتها الأولى، فإن هذا هو الصراط المستقيم، وهو الطريق لسلامة المجتمع، من أن يستشري فيه الفساد، وتشيع فيه الفاحشة، كما نحذر من اتباع الهوى، وإيثار الدنيا على الآخرة، وإيثار المال على الحرمات والأعراض.

فيجب على كل مسلم ومسلمة أن يؤثروا سلامة العرض والكرامة على كسب المال بالطرق المفضية إلى الاختلاط الحرام، وإن هذا الواقع لفتنةٌ يكشف الله بها الصادقين من الكاذبين في دعوى الإيمان والدين. (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين).

نسأل الله أن يحفظ على هذه البلاد دينها وأمنها وطهرها، وأن يفق ولاة أمرنا لما يحبه الله، ويرضاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 

 

المصدر: مجموعة الحقيل البريدية

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات