أصول الفرقة الناجية ( 2 / 3 )

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: تأصيل الوعي

اقتباس

تكلمنا في الجزء الأول من أصول الفرقة الناجية عن معنى مصطلح الفرقة الناجية أو أهل السنة والجماعة، ونشأته التاريخية، وأهم السمات والملامح العامة لأهل السنة والجماعة، وتكلمنا أيضا عن منهجهم في التلقي والاستقاء، وسنتكلم هذه المرة بمشيئة الله عن أهم الخصائص الأخلاقية والسلوكية لأهل السنة والجماعة، والأصول العقدية العامة لأهل السنة والجماعة.

 

 

 

 

تكلمنا في الجزء الأول من أصول الفرقة الناجية عن معنى مصطلح الفرقة الناجية أو أهل السنة والجماعة، ونشأته التاريخية، وأهم السمات والملامح العامة لأهل السنة والجماعة، وتكلمنا أيضا عن منهجهم في التلقي والاستقاء، وسنتكلم هذه المرة بمشيئة الله عن أهم الخصائص الأخلاقية والسلوكية لأهل السنة والجماعة، والأصول العقدية العامة لأهل السنة والجماعة.

 

فلقد اختص الله عز وجل الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة بمجموعة من السمات الأخلاقية والخصائص السلوكية، امتازوا بها عن غيرهم من أهل البدعة والضلالة، فكانوا بها شامة وسط الناس، ومنارات في الظلمات، من أهم هذه الخصائص والسمات:

 

1 ـ أهل السنة خير الناس للناس، مصداقا لقوله عز {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، فأهل السنة هم حملة ميراث النبوة علما وعملا، قولا واعتقادا، ولا شك أن أبرز الجوانب العملية، هي الجوانب الأخلاقية والسلوكية في التعامل مع الناس، فهم قد نهلوا من معين النبوة الرقراق بالرحمة والمحبة والصبر والشفقة والإحسان والصفح إلى آخر أخلاق النبوة الرفيعة، فكان هذا زادهم، وكانت هذه أخلاقهم، شعارهم في الحياة، قوله صلى الله عليه وسلم " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وقوله: " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا "، " ولا يؤمن لأحدكم حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه ".

 

2 ـ أهل السنة يأتمون بالكتاب والسنة في جميع علاقاتهم، فهم قد جعلوا بين أيديهم ميزانا يقيمون به كل علاقاتهم وتعاملاتهم مع الناس، هو ميزان الشرع الحنيف، فهم دائما يتعاطون أوامر الشرع في كل معاملة، فيأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، يقابلون الإساءة بالإحسان، والجهل بالعفو والغفران.  

 

3 ـ أهل السنة هم أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فسر خيرية أهل السنة، هي التزامهم بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أمر الله ورسوله، فهم ورثة الأنبياء الذين ما ابتعثهم الله إلا لإقامة هذه الشعيرة، ولا تمنعهم هذه الشعيرة من المحافظة أهل على الجماعة والتزام الطاعة في المعروف 

 

4 ـ أهل السنة يحملون أمانة العلم والعمل، وهي أمانة مزدوجة لا يقل ثقل إحداهما عن الأخرى، الأولى أمانة العلم والالتزام والدعوة والجهاد، والأخرى أمانة المحافظة على الجماعة المسلمة بمعناها العام والشامل، وهم يسيرون في ذلك بميزان دقيق على هدى من الشرع الحكيم وحده متحررين من سلطة الهوى وألف العادة وسيطرة المذهب أو الطريقة أو الطائفة.  

 

5 ـ أهل السنة ولاؤهم للحق وحده، فهم لا يوالون ولا يعادون إلا على بصيرة من الله، وفي الله وحده، ومن هذا المنطلق هم ينظرون إلى كل فرد أو طائفة أو تجمع على هذا الأساس وحده، وينبذون أي أسس دنيوية، وأي روابط أرضية من عصبية أو قومية أو مذهبية أو قبلية، فمن كان مؤمنا وجبت موالاته من أي صنف كان، ومن كان كافرا أو فاجرا وجبت معاداته من أي صنف كان، ومن اجتمع فيه إيمان وفجور، وُالى وعُدي حسب ما اجتمع فيه، وهو عين القصد والإنصاف الذي لن تجده إلا عند الفرقة الناجية، وولاء أهل السنة لبعضهم البعض ولاء عاما، بغض النظر عن انتماءاتهم المختلفة ومذاهبهم الفقهية، فالأصل عندهم أنهم يد واحدة، ويعذر بعضهم بعضا، ولا يسارعون إلى الاتهام والتضليل والتفسيق لبعضهم البعض، لذلك فهم لا يمتحنون أحدا بأمور ما أنزل الله بها من سلطان، ولا يتعصبون لأسماء أو أحزاب أو شعارات أو أشخاص أو مذاهب، يوالون ويعادون على أساس الدين والتقوى فحسب.  

 

6 ـ أهل السنة يعملون على تأليف القلوب واجتماع الكلمة، فهم يحبون الخير لكل المسلمين، لذلك لو تناظروا في أي مسألة حتى ولو كانت في باب المسائل العلمية أو العملية، تناظروا بغية الوصول إلى الحق مع بقاء الألفة والمودة بينهم.  

 

أما عن أهم الأصول العقدية التي قام عليها اعتقاد الفرقة الناجية، اعتقاد أهل السنة والجماعة، والتي أصبحت علما مميزا لهم عن غيرهم من أهل الأهواء والبدع والإحداث في الدين، فهي كالآتي:

 

1 ـ اعتقاد الفرقة الناجية في صفات الله عز وجل: إثبات بلا تكييف، وتنزيه بلا تشبيه، فأهل السنة والجماعة يثبتون صفات الله عز وجل، بلا تكييف ولا تعطيل ولا تأويل ولا تحريف، إثباتا يوافق الكتاب والسنة كما ورد فيهما، ودستورهم في ذلك قوله عز وجل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، وأهل الباطل والابتداع في الدين من الفرق الضالة، مثل الجهمية والمعتزلة والرافضة، وأيضا أهل التأويل الباطل وأصحاب المذاهب الكلامية مثل الأشاعرة والماتريدية والكلابية، لا يثبتون صفات الله، بل يتيهون في أودية الضلال، إما نفيا كليا، أو تعطيلا جزئيا، أو تأويلا فلسفيا.   

 

2 ـ اعتقاد الفرقة الناجية في القرآن الكريم: أنه كلام الله عز وجل غير مخلوق، منزل منه عز وجل على عبده ورسوله الكريم، منه بدأ وإليه يعود.

 

3 ـ اعتقاد الفرقة الناجية أن الله عز وجل لا يرى في الدنيا، وما رآه أحد في الدنيا، وأن الذي يراه هم أهل الإيمان والنجاة في الجنة وفي عرصات يوم القيامة، وأن أي حديث أو أثر ورد فيه رؤية أحد من البشر، حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يصح ولا يثبت، ويعد مخالفا لما صح من الأحاديث والأخبار، كما ورد في صحيح مسلم، من حديث الدجال الذي جاء فيه: " واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت "

 

4 ـ أهل السنة والجماعة يؤمنون بكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم خبره، في كل يكون بعد الموت، بداية من خروج الروح حتى المستقر، أما جنة وإما نار، فيؤمنون بفتنة القبر، وعذابه ونعيمه، ومنكر ونكير، وعروج الروح إلى بارئها، ثم عودتها، والنفخ في الصور، والنشور من الموت، والبعث إلى يوم القيامة، وأهوال يوم القيامة، والسؤال والحساب، والصحف ذات اليمين وذات الشمال ،والميزان، والحوض والشفاعات، والصراط على جانبي جهنم، أحد من السيف وأدق من الشعر، من جاوزه فقد نجا، ومن تعثر فقد هوى، ثم القنطرة التي يهذب عليها أهل الجنة، ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم أول من يدخل الجنة ، وأول أمة تدخلها أمته، وأكثر الأمم في الجنة أمته، فهم ثلثي أهل الجنة.  

 

5 ـ الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة يؤمنون بالقدر بجميع درجاته، خيره وشره، فهم يؤمنون بعلم الله القديم الذي علم به جميع الأحوال من جميع الخلائق إلى قيام الساعة، ويؤمنون بكتابة هذا العلم في اللوح المحفوظ الذي أودعه الله عز وجل مقادير الخلائق جملة وتفصيلا، ويؤمنون بمشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وكل ما في الكون من حركة ولا سكون إلا بمشيئته، كما أنهم يؤمنون بأنه خالق الخلق وخالق أفعالهم وخالق قدرتهم ومشيئتهم، وهو أمر عباده بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته، وهو سبحانه يحب المؤمنين والمتقين، ويكره الكافرين والمنافقين.  

 

6 ـ الفرقة الناجية، تعتقد أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، وهو يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وأهل السنة يعتقدون أن الإيمان أصل وفروع، وأن الأيمان لا يزول إلا بزوال الأصل، لذلك فهم لا يكفرون أحدا من أهل القبلة بمطلق المعاصي، كما يفعل الخوارج، ولا يخلدونه في النار كما تفعل المعتزلة، ويقولون هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فهم لا يعطون الاسم المطلق، ولا يسلبون مطلق الاسم.  وفرع من هذه المسألة فإن أهل السنة متفقون على جواز اجتماع العذاب والثواب في الشخص الواحد، ولكنهم في نفس الوقت لا يوجبون العذاب أو الثواب لمعين إلا بدليل خاص، فإن اللعنة من باب الوعيد لا يحكم بها إلا على وجه العموم، أما المعين فلا يلحق به الوصف، لاحتمالية قيام ما يمنع لحوقه به، من سابقة مغفرة، أو حسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو شفاعة مقبولة، فلا يشهد عندهم لمعين بجنة أو نار إلا بنص ودليل خاص من الكتاب والسنة.  

 

7 ـ الفرقة الناجية يحبون صحابة رسول الله صلى الله عليهم وسلم جميعا، ويتولونهم، وأهل بيته وأزواجه، مع التأكيد على عدم العصمة لأحد منهم، فالعصمة دفنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهل السنة والجماعة قلوبهم سالمة من الغل تجاه الصحابة، وألسنتهم عفيفة من الخوض فيما وقع بينهم من شجار وخلاف، ويقدمون العشرة على من سواهم، والمهاجرين على الأنصار، وأهل بدر على غيرهم، من غير تنقيص من المفضول أو طعن فيه، فهم خير القرون في الأمة، خير الخلق بعد الأنبياء والمرسلين.  

 

8 ـ الفرقة الناجية تصدق بكرامات الأولياء، وأن ما يجري على أيديهم من خوارق العادات، هو محض منة من الله عز وجل عليهم، ابتداء منه سبحانه، من غير مسألة منهم، وكرامة لهم على صالح أعمالهم، وحسن معتقدهم، وسلامة إتباعهم لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.  

 

9 ـ الفرقة الناجية مجمعة على قتال من خرج على شريعة الإسلام، وإن تكلم بالشهادتين، وأتى ببعض شعائر الدين، كما فعل الصحابة مع مانعي الزكاة، لذلك فهم يغزون مع أمرائهم، أبرارا كانوا أم فجارا، من أجل إقامة الدين.  

 

10 ـ أهل السنة والجماعة يقبلون الاختلاف في بعض المسائل دون تكفير أو تفسيق أو تبديع للمخالف، فقد اختلفوا في عثمان وعلي أيهما أفضل، والجمهور على تقديم عثمان، وخالف في ذلك وكيع والثوري، فقدموا عليا رضي الله عن الجميع، واختلفوا في حكم تارك المباني الأربعة، بعد أن اتفقوا على كفر من لم يأت بالشهادتين، أما الاختلاف في المسائل العملية فهو أكثر مما ينحصر، ولكنه منضبط بالأصول الأخلاقية والسلوكية التي سبق وأن ذكرناها.  

 

وللحديث بقية

 

 

أصول الفرقة الناجية ( 1 / 3 )

 

أصول الفرقة الناجية ( 3 / 3 )

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات