خواطر بين يدي الخطيب (2/ 3)

عامر المقاطي

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: بناء الخطبة

اقتباس

ومن تأمل خطب النبي-صلى الله عليه وسلم-وخطب أصحابه وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد وذكر صفات الرب-جل جلاله-وأصول الإيمان الكلية والدعوة إلى الله وذكر آلائه التي تحببه إلى خلقه وأيامه التي تخوفهم من بأسه، والأمر بذكره وشكره، الذي يحببهم إليه فيذكرون من عظمة الله وصفاته ما يحببه إلى خلقه؟ ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببهم إليه فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم. ثم طال العهد وخفي نور النبوة وصارت الشرائع والأوامر رسوماً...

 

 

 

 

تحدثنا أيها المبارك في الجزء السابق من هذه المقالة عن بعض الخواطر والتوجيهات التي تهم الخطيب في خطبته، وإليك البعض الآخر فأقول مستعينا بالله تعالى:

 

1-استيعاب الخطبة للموضوع:

 

 يخطئ بعض الخطباء الفهم حينما يظنون أن الخطبة يمكن أن تستوعب معظم المواضيع التي يراد طرحها، وهذا من وجهة نظري-الشيخ سعود الشريم-ليس بصحيح؛ لأنه يوقع في سلبيات متعددة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: -

 

الإكثار من الأدلة والنقاط المتعلقة بالموضوع بحيث ينسي آخرها أولها.

 

الإطالة على المستمعين في الخطبة، ومن ثم خروجها عن المقصود وهو التخفيف ولذلك نجد بعض الخطباء قد يتجاوز النصف ساعة فأكثر وهذا مشاهد.

 

إن المراد من طرح الموضوع؛ هو التذكير والعظة، وهذا يحصل من دون إطالة بل يكفي التركيز على أساسيات الموضوع، مع عدم لزوم الاستيعاب؛ لأنه كما قيل: الحر تكفيه الإشارة.

 

2-رفع الصوت في الخطبة:

 

 كتب بعض المؤلفين كتباً صدروها بوصايا للخطباء كطريق للخطيب الناجح وقد أفلحوا في بعضها وأخطأوا في البعض الآخر، وهي كثير نظراً لاعتمادهم على كتب غريبة في وصف الخطيب الناجح، ولم يراعوا في ذلك ما كان من هديه-صلى الله عليه وسلم-فكان مما فيها استنكار رفع الصوت في الخطبة أو الانفعال فيها، وأن ذلك تشنج يثير المستمعين ويذهب بجمال الخطبة وحيويتها.

 

ولا شك أن هذا خطأ واضح لم يكن لقائله نصيب من سنة المصطفى-صلى الله عليه وسلم-وهديه في خطبته حيث أنه ثبت عنه-صلى الله عليه وسلم-في صحيح مسلم " أنه كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم " وفي لفظ عند مسلم: " يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول على إثر ذلك وقد علا صوته...".

 

فتبين لك أيها القارئ مما سبق ذكره؛ أن رفع الصوت والحماس في الخطبة كان من هديه-صلى الله عليه وسلم-وهو من الأمور التي لها وقع في قلوب المستمعين مع ملاحظة أن رفع الصوت وعلوه هنا لا يراد به الصراخ المفزع الذي يذهب بجمال الخطبة ووقعها في نفس المستمع والله أعلم [وميض الحرم2].

 

3-اقتراح في التجديد: -

 

 من خلال استقرائي لجملة من الخطب العصرية لعدد من الخطباء على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم وأقاليمهم إلا أنني أجد اتفاقاً واضحاً في الاستدلال على المواضيع المطروحة بأحاديث مطروقة مبذولة بكثرة، وليس هذا احتقارٌ أو تقليلٌ من شأنها، كلا بل إنني أريد أن أصل إلى مرادي وهو التجديد في الأدلة؛ لأننا ربما نجد أن الخطباء حينما يخطبون عن موضوع ما وليكن-مثلاً-بر الولدين أو صلة الرحم يتفقون على أحاديث معينة مع أن هناك أحاديث لا تقل عنها صحة ولا صراحة في الموضوع ومع ذلك يُغفل عنها.

 

ولعلي أُرجع السبب في ذلك إلى أن بعض الخطباء يقتبس من غيره، أو أن يكون المرجع في مثل ذلك كتاب رياض الصالحين، وهو كتاب عظيم لكنه لم يستوعب الأحاديث كلها والذي أُريد أن أصل إليه هو أن اختيار الأحاديث التي تخفى على كثير من الناس بسبب قلة طرحها يضيف إليهم جديداً وهو معرفة الحديث والعمل به وفي هذا خير كبير للأمة وغاية ما يحتاج إليه الخطيب هو التنقيب في بطون كتب الحديث والخروج بمثل هذه الفوائد ... إلخ. [وميض الحرم3].

 

4-فائدة جليلة لابن القيم-رحمه الله-:

 

 يتحدث ابن القيم-رحمه الله-واصفاً خطب النبي-صلى الله عليه وسلم-وما آلت إليه الحال بعد النبي-صلى الله عليه وسلم-في عصر ابن القيم فيقول : وكذلك كانت خطبه- صلى الله عليه وسلم- إنما هي تقرير لأصول الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه وذكر الجنة والنار، وما أعد الله لأوليائه، وأهل طاعته، وما أعد الله لأعدائه، و أهل معصيته فيملأ القلوب، من خطبته، إيماناً وتوحيداً، ومعرفة بالله وأيامه لا كخطب غيره التي إنما تفيد أموراً مشتركة بين الخلائق وهي النوح على الحياة والتخويف بالموت فإن هذا أمر لا يحصل في القلب إيماناً بالله ولا توحيداً له ولا معرفة خاصة به ولا تذكيراً بأيامه ولا بعثاً للنفوس على محبته والشوق إلى لقائه فيخرج السامعون ولم يستفيدوا فائدة غير أنهم يموتون وتقسم أمولهم ويبلى التراب أجسامهم فياليت شعري أي أيمان حصل بهذا ؟وأي توحيد ومعرفة وعلم نافع حصل به؟

 

 ومن تأمل خطب النبي-صلى الله عليه وسلم-وخطب أصحابه وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد وذكر صفات الرب-جل جلاله-وأصول الإيمان الكلية والدعوة إلى الله وذكر آلائه التي تحببه إلى خلقه وأيامه التي تخوفهم من بأسه، والأمر بذكره وشكره، الذي يحببهم إليه فيذكرون من عظمة الله وصفاته ما يحببه إلى خلقه؟ ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببهم إليه فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم. ثم طال العهد وخفي نور النبوة وصارت الشرائع والأوامر رسوماً تقام من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها فأعطوها صورها وزيّنوها بما زيّنوها به فجعلوا الرسوم والأوضاع سنناً لا ينبغي الإخلال بها وأخلوا بالمقاصد التي لا ينبغي الإخلال بها؛ فرصّعوا الخطب بالتسجيع والفقر وعلم البديع فنقص بل عدم حظ القلوب منها وفات المقصود بها. اهـ.

 

وللحديث بقية بمشيئة الله تعالى

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات