مهارات التفكير الناقد ومصادر الخطيب

صـلاح فضـل توقه - عضو الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: بناء الخطبة

اقتباس

إن مثل هذه المواقف المخرج منها هو أن يكتسب الخطيب مهارات التفكير الناقد، ويتدرب عليها ويمارسها وينميها، وهذه المهارات تمثل فارقاً جوهرياً بين مواقف العجز أو الشك التي قد يجد فيها الخطيب نفسه، لعدم امتلاكه القدرة على التمييز بين الغث والسمين والصالح والفاسد، والخطأ والصواب.        

 

 

 

 

 

تشكل المصادر التي يعتمد عليها الخطيب في إعداد خطته الإستراتيجية لفترة زمنية قادمة حددها سلفا طبقاً لمعايشته للواقع الدعوي المتواجد فيه، عاملاً مهماً ورئيساً من عوامل نجاح هذه الخطة، وتشكل هاجساً يحتل مساحة كبيرة من جهده وفكره، حتى يستقر على هذه المصادر، وهذه المصادر تتنوع، وتتعدد، تبعاً لحيوية ويقظة الخطيب، فالمجتمع بل الكون بكل ما فيه هو مصدر إلهام لا ينضب للداعية، لو انتبه إليه.

 

قد يمتعض البعض من هذه البداية، ويتهمنا بالفلسفة الجوفاء، والسفسطة الكاذبة والدوران في حلقة مفرغة لا طائل من ورائها، إلا إضاعة الوقت أو الاستعراض اللفظي ! ثم يكمل اعتراضه بالتأكيد على أن مصادر إعداد الخطبة متواجدة وبوفرة في الكتب، وشرائط الكاسيت، الأقراص المدمجة، المواقع الدعوية على الشبكة العنكبوتية – انترنت –.........   وهذه من وجهة نظره لا تحتاج إلى اجتهاد للوصول إليها!

 

هذا هو الخطيب النمطي، المنكب على ذاته ولا يعي بما يدور من حوله، يدور في مجموعة من الخطب لا يحيد عنها قيد أنملة !

 

والخطيب النمطي هذا لا يخرج  في إعداد للخطبة عن خيارين لا ثالث لهما، إما أن يختار خطبة جاهزة  معدة سلفا من موقع الكتروني أو كتاب للخطب، أو خطبة مسجلة لواحد من المشايخ فيتقمص شخصيته في كل حالاتها أثناء وجوده على المنبر، وإما أن يجمعها من كتب هنا وهناك.

 

وهذه ولا شك ليست  كافية لإعداد خطبة منهجية منضبطة علميا !

 

وهنا لابد أن نسأل

 

ما الذي يضمن لنا صحة المصادر التي استقى منها الخطيب خطبته سواء نقلها عن شيخ سماعاً أو مشاهدة، أو كتابة ؟!

 

ما الذي يضمن لي صحة ما جمعته من مصادر أخر ؟

 

هل لصفات ومهارات الخطيب الشخصية دوراً في إعادة تقييم هذه المصادر؟

 

إن السهولة في الجمع دون عناء، هي في ذاتها إعاقة للتفكير وإبطال لعمل العقل، الذي ارتكن لا شعوريا إلى الأسماء المشهورة، أو المصادر التي يراها مميزة، وهذه قد تسبب له مشاكل عدة، وتوقعه في حرج بالغ، قد يهز من هيبته، ويقلل من قناعات الجمهور به مما يفقده كثيرا من مصداقيته أمام جمهوره، وبالتالي يفشل دعويا وينفض الناس من حوله.

 

فعلى الرغم من أن هذه المصادر يسرت على الخطيب التنقل بين مصادر العلم المختلفة، إلا أنها في حقيقة الأمر زادت من تبعات مهمته الدعوية، وألقت على كاهله بأعباء جديدة لابد من القيام بها، وهي  تدقيق وتمحيص كل ما يصل إليه، أو يقع تحت بصره، وذلك حتى لا يفاجئ بأنه قد استعان بأحاديث مكذوبة أو ضعيفة، أو يسرد أحداث على أنها وقعت ولم تقع أصلا، أو ينسب عمل شخص إلى آخر ،..............

 

إن مثل هذه المواقف المخرج منها هو أن يكتسب الخطيب مهارات التفكير الناقد، ويتدرب عليها ويمارسها وينميها، وهذه المهارات تمثل فارقاً جوهرياً بين مواقف العجز أو الشك التي قد يجد فيها الخطيب نفسه، لعدم امتلاكه القدرة على التمييز بين الغث والسمين والصالح والفاسد، والخطأ والصواب.       

 

وعليه أيضاً أن يكون محباً للمعرفة، واسع الإطلاع، لا يكل ولا يمل من البحث والتنقيب عن المعلومات ومصادرها، مع تمتعه برؤية واضحة للقضايا التي يبحث عنها، مرونة وسعة أفق تساعده على الانتقاء و الانتقال بين المصادر، ينفق من وقته وجهده الكثير حتى يصل إلي معلومات ومصادر موثق بها.

 

مهارات التفكير الناقد:

 

تتعدد مهارات التفكير الناقد بتعدد النظريات والمداخل العلمية التي تناولت من جهتها موضوع التفكير الناقد، وكطبيعة العلوم الإنسانية فإنه لا يوجد هناك اتفاق تام بين الباحثين فيها على تعريف محدد لأي من فروعها العلمية، وهذا ما نجده أيضا عند الحديث عن موضوع مهارات التفكير الناقد، ولذلك اجتهدنا قدر الإمكان أن نختار من بين هذه المهارات المتعددة للتفكير الناقد، الأكثر اقترابا وفائدة للخطباء والدعاة.

 

فهناك من أجمل مهارات التفكير الناقد في مجموعة من المهارات على النحو التالي:

 

التمييز بين الحقائق التي يمكن إثباتها والادعاءات أو المزاعم القيمية.

 

 التمييز بين المعلومات والادعاءات والأسباب المرتبطة بالموضوع وغير المرتبطة به.

 

تحديد مستوى دقة الرواية أو العبارة.

 

تحديد مصداقية مصدر المعلومات.

 

التعرُّف على الادعاءات والحجج أو المعطيات الغامضة.

 

التعرف على الافتراضات غير المصرَّح بها.

 

 تحري التحيُّز. 

 

التعرف على المغالطات المنطقية.

 

التعرُّف على عدم الاتساق في مسار التفكير أو الاستنتاج. 

 

 

تحديد قوة البرهان أو الادِّعاء. 

 

اتخاذ قرار بشأن الموضوع وبناء أرضية سليمة للقيام بإجراء عملي.

 

 

التنبؤ بمَرْتَبات القرار أو الحل. (1)

كما قام فاشيون وفاشيون(Fasion & Fasion, 1998) بتحديد خمس مهارات للتفكير الناقد على النحو الآتي:

 

1 - مهارة التحليل Analysis Skill:

 

      يقصد بالتحليل تحديد العلاقات ذات الدلالات المقصودة والفعلية بين العبارات والأسئلة والمفاهيم والصفات والصيغ الأخرى للتعبير عن اعتقاد أو حكم أو تجربة أو معلومات أو آراء.

 

2-  مهارة الاستقراء Induction Skill:

 

      يقصد بهذه المهارة أن صحة النتائج مرتبطة بصدق المقدمات، ومن الأمثلة على هذه المهارة الإثباتات العلمية والتجارب، وتعد الإحصاءات الاستقرائية استقراءً حتى لو كان هذا الاستقراء مبني على تنبؤ أو احتمال، كما يتضمن الاستقراء الدلالات والأحكام التي يصدرها الشخص بعد الرجوع إلى موقف أو أحداث.

 

3-  مهارة الاستدلال Inference Skill:

 

      تشير هذه المهارة إلى ممارسة مجموعة من العمليات التي تعتمد على توليد الحجج والافتراضات والبحث عن أدلة والتوصل إلى نتائج، والتعرف إلى الارتباطات والعلاقات السببية.

 

4 - مهارة الاستنتاج Deductive Skill:

 

      تشير هذه المهارة إلى تحديد وتوفير العناصر اللازمة لاستخلاص النتائج المنطقية للعلاقات الاستدلالية المقصودة أو الفعلية من بين العبارات أو الصفات أو الأسئلة، أو أي شكل آخر للتعبير. كما يقصد بالاستنتاج القدرة على خلق أو تكوين جدل أو نقاش من خلال خطوات منطقية، ومهارات الاستنتاج الفرعية هي: مهارة فحص الدليل، ومهارة تخمين البدائل، مهارة التوصل إلى استنتاجات.

 

5- مهارة التقييم Evaluation Skill:

 

      إنّ قياس مصداقية العبارات أو أية تعبيرات أخرى، ستصف فهم وإدراك الشخص، حيث ستصف تجربته، ووضعه وحكمه، واعتقاده، ورأيه، وبالتالي قياس القوة المنطقية للعلاقات الاستدلالية المقصودة أو الفعلية من بين العبارات أو الصفات أو الأسئلة، أو أي شكل آخر للتعبير.

 

وهذه المهارات ليست بجديدة ولا دخيلة على الفكر الإسلامي ومجال الدعوة الإسلامية، فالمتفحص للجهود المبذولة في هذا الميدان يجد أن الذين أثروا في الحياة الدعوية امتلكوا ناصية هذه المهارات وغيرها وإن لم تسمي بما نسميه بها الآن، فهي لا غني عنها لأي جهد بشري مميز، فكان هذا ديدن الصحابة الكرام الذين اختصوا بجمع القرآن الكريم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلى رأسهم الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه كما يعتبر علم الجرح والتعديل وهو علم الرجال الناقلين الرجال الناقلين لأحاديث النبي-  صلى الله عليه وسلم - والأخبار والآثار، وهو ثمرة رجال امتلكوا هذه المهارات، حتى خرجت لنا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم حسب تصانيف أهل الحديث في مصطلحاهم ،رواية ودراية، وبمراجعة منهج أئمة الحديث في تدوين السنة المطهرة يتبين لنا بجلاء هذه الأمور.

 

وهي علوم تفردت بها الأمة الإسلامية ونشأت في رحاب الشريعة وعلومها، وقامت على أسس رصينة من قواعد البحث والتفكير، مما يجعلها تقف شامخة تصد شبهات ومكائد أعداء الإسلام وخصومه.

 

 

------------

(1) http://www.alukah.net/culture/0/61012/#ixzz340PoVipL.

(2) مستوى مهارات التفكير الناقد لدى طلبة كلية العلوم التربوية الجامعية ( الأونروا) ، توفيق مرعي، محمد بكر نوفل.  بحث منشور بمجلة المنارة، المجلد 13، العدد 4

 

 

 

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات