إعداد الخطبة

سامي بن خالد الحمود

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: بناء الخطبة

اقتباس

الخطبة رسالة موجهة ورحلة ذات هدف. والإنسان الذي يبدأ في مكان غير محدد، ينتهي عادة في المكان ذاته.إن أي قصور في هذه المرحلة سيكون له تبعاته وآثاره السيئة على مستوى الخطبة، وعلى قدرات الخطيب. وليعلم الخطيب المبتدئ أنه لا يمكنه أن يتغلب على الخوف والتوتر العصبي حين يخوض المعركة بعدة ضعيفة أو بلا عدة على الإطلاق.

 

 

لا يوجد رجل عاقل يبدأ ببناء بيت من دون وضع خطة له، لكن لماذا يبدأ بإلقاء خطبته من دون أي نوع من الاستعداد أو التخطيط ؟
الخطبة رسالة موجهة ورحلة ذات هدف. والإنسان الذي يبدأ في مكان غير محدد، ينتهي عادة في المكان ذاته.
إن أي قصور في هذه المرحلة سيكون له تبعاته وآثاره السيئة على مستوى الخطبة، وعلى قدرات الخطيب.
وليعلم الخطيب المبتدئ أنه لا يمكنه أن يتغلب على الخوف والتوتر العصبي حين يخوض المعركة بعدة ضعيفة أو بلا عدة على الإطلاق.
خطوات تحضير الخطبة:
ما هو التحضير؟ هل هو قراءة كتاب ؟ هذا نوع واحد منه، لكن ليس بالنوع الأفضل.
فالقراءة ربما تساعد لكن إذا حاول الخطيب أن يأخذ الكثير من الأفكار الجاهزة من كتاب ويوردها كما هي، فستأتي خطبته هزيلة وناقصة.
التحضير الجيد يمكن أن يمر بعدة خطوات متوالية:
تحديد موضوع الخطبة:
حدد موضوعك مسبقاً، حتى يتسنى لك الوقت للتفكير فيه طيلة أيام التحضير.
بعض الخطباء يقترف خطأً كبيراً باختيار المواضيع التي تهمه وإهمال المواضيع التي تهم المستمعين. لذلك ادرس جمهورك، وفكر باحتياجاته ورغباته.
التفكير الصحيح:
التفكير والاستنتاج والتذكر من أهم مقومات التحضير الجيد. وبالتالي فهو يحتاج إلى التركيز وإعمال الذهن.
إذا حددت موضوع خطبتك اكتب جميع الأفكار المتعلقة بالمادة التي تخطر ببالك، ودع عقلك يبحث عن المزيد منها، تلك هي الطريقة التي من خلالها يتدرب العقل على الإنتاج وبها تبقى عملياتك الذهنية نشطة وبناءة.
فكر بالموضوع مراراً، ناقشه مع أصدقائك واجعله موضوع حديثك، اسأل نفسك جميع الأسئلة الممكنة التي تتعلق به. فإذا كنت تتحدث مثلاً عن الطلاق، اسأل نفسك ما هي أسباب الطلاق وما هي نتائجه الاقتصادية والاجتماعية.
وينبغي أن يكون التفكير في جو هادئ بحيث لا يحول بينك وبين حديث النفس ومراجعة العقل أي حائل، كما ينبغي أن تكون عند التفكير والإلقاء فارغاً من الشواغل النفسية، مقللاً من الطعام والشراب حتى لا تذهب بِطنتك بفِطنتك، وتكون نشيطاً خفيف الروح حاضر الذهن سريع البديهة.
الجمع والانتقاء:
على الخطيب أن يجيد التعامل مع المراجع المتعلقة بموضوعه، يأخذ منها الأدلة التي تقوي حجته، ويقتبس منها الشواهد والملح التي تثري خطبته.
أمام الخطيب سيل جارف من المعلومات، فما الذي يختاره منها ليقدمه إلى مستمعيه ؟
من العيوب التي يقع فيها بعض الخطباء أنهم ينقلون المعلومات لمجرد النقل بعيداً عن النظر والانتقاء، بل ربما نقل بعضهم الخطبة بكاملها قبيل وقت إلقائها، فأنى لهذا أن يكون ملماً بموضوعه، فضلاً عن أن يكون مؤثراً في خطابه.
إن الجمع والانتقاء الذكي يقوم على أمرين:
أ - روح الوفرة العمق والشمولية:
العمق والشمولية في جمع المعلومات له عدة فوائد منها:
1ـ التأكد من صحة المعلومات الواردة في الخطبة.
2- انتقاء أفضل المعلومات وأنسبها لتحقيق الهدف من الخطبة.
3- اكتساب الخطيب قوة مؤثرة في إلقاء الخطبة بسبب إلمامه الوافر وقناعته بما يعرضه على الناس.
ب - حسن التميز:
وذلك باختيار أنسب المعلومات، وصياغتها بأرقى العبارات، ثم دمجها في وحدة فنية متجانسة.
كما قال أحد الباحثين: " أنتجت مليون عينة نباتية لأجد واحدة أو اثنتين منها أفضل من سائر العينات، وبعد ذلك أتلفت جميع العينات الرديئة ".
صياغة الخطبة:
تبنى الخطبة عادة على ثلاثة أجزاء:
أولاً: المقدمة.
ثانيا: الموضوع.
ثالثًا: الخاتمة.
عناصر متداخلة متناسقة، يبلغ الترابط بينها جودته حسب مقدرة الخطيب وغزارة علمه وخبرته. وقد لا يلزم مراعاة هذه الأجزاء في كل خطبة، لكن الخطب الطويلة كخطبة الجمعة غالباً ما تبنى على هذه العناصر.
أولاً: المقدمة:
ينبغي أن يهتم الخطيب بمقدمته وافتتاحيته، فيأتي بعبارات الاستهلال التي توحي للسامع بمقصود الخطبة، مما يشد الانتباه ويهيئ النفوس، وقد يكون ذلك بآيات قرآنية زاجرة أو مرغبة أو بعض الحكم البليغة.
وإن الناظر في افتتاحيات السور في القرآن الكريم يدرك ما تثيره في النفس من الإجلال والشوق والرغبة في المتابعة.
ومعروف عند المتقدمين من السلف - رحمهم الله - أن ما لا يبتدأ بالحمد فهو الأجذم الأبتر، وما لم يزين بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو المشوه.
كيف تفتتح الخطبة؟
من المهم أن تفتتح بمقدمة مثيرة، وبشيء يأسر الانتباه في الحال.
وإذا أردت أن تستخدم مقدمة يجب أن تكون قصيرة كلائحة الإعلان. لأن ذلك يتطابق مع مزاج المستمع للحديث الذي لسان حاله يقول: أعطنا ما عندك بسرعة واجلس.
ومن الخطأ الذي يقترفه الخطيب المبتدئ الاعتذار في مقدمته بكونه ليس بخطيب، أو أنه ليس لديه ما يقوله، فهذا الأمر يضعف تفاعل الجمهور معه.
لا تفعل ذلك أبداً، بل ابدأ بشيء مثير منذ الجملة الأولى، وليس الثانية أو الثالثة.
مقترحات للافتتاحية:
1. إثارة الانتباه:
أَثِرْ انتباه جمهورك منذ أول جملة، فإنك بهذا تحوز على اهتمامهم ومتابعتهم.
إن الجملة الابتدائية تثير الفضول، وتمضي بنا قدماً، فنرغب في متابعة الاستماع إلى الخطيب، فإنه بذلك يشوقنا.
والناس مجبولون على حب الاستطلاع، ومعرفة ما أخفي عنهم. ولذا فإن فن الإضمار يعتبر من أهم وسائل إثارة فضولهم وانتباههم.
مثال تطبيقي:
تأمل في أسلوب الإضمار الذي اعتمد عليه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة، ومدى تأثيره في المخاطبين.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: عَبْدٌ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ. فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَبَكَى فَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْمُخَيَّرُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ. [1]
2. قصة مثيرة.
إنها بداية مثيرة جداً، فالنفوس تحب الاستماع إلى القصص والروايات ومتابعة أحداثها أكثر من الكلام النظري المجرد.
3. سؤال يحرك الأذهان .
من الافتتاحيات المميزة أن يبدأ الخطيب بطرح سؤال لاستدراج الجمهور إلى التفكير، والتعاون معه.
إن استخدام هذا السؤال الافتتاحي هو واحد من أبسط وأضمن الطرق لفتح أذهان جمهورك والدخول إليها.
مثال تطبيقي:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَه، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ[2].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَن يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّار [3].
4. ضرب الأمثال:
يصعب على المستمع العادي أن يتتبع العبارات المجردة طويلاً. لكن من السهل عليه الاستماع إلى الأمثلة. لماذا إذن لا تبدأ بواحد منها ؟ افتتح بمثل، أثر الاهتمام، ثم تابع تقديم ملاحظاتك العامة.
مثال تطبيقي:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ. هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَال:َ فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا[4].
عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَة[5].
عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِه [6].
5. الاستعراض
من الطرق السهلة لجذب الانتباه استعراض شيء يتطلع إليه المخاطبون.
مثال تطبيقي:
عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قال: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرِيرًا بِشِمَالِهِ وَذَهَبًا بِيَمِينِهِ ثُمَّ رَفَعَ بِهِمَا يَدَيْهِ فَقَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لإِنَاثِهِمْ[7].
6. ربط الموضوع بمصالح المستمعين، أو واقعهم الملموس
ابدأ ببعض الملاحظات التي تعالج مباشرة مصالح جمهورك الشخصية. فهذه من أفضل الوسائل الممكنة للبدء بالخطبة. ومن المؤكد أن تستحوذ على الانتباه. فنحن نهتم جداً بالأشياء التي تمسنا أو تمس واقعنا الذي نعيشه.
أمثلة تطبيقية:
قال تعالى: )غُلِبَتِ الرُّومُ) الآيات إلى قوله (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) الروم:1-5. مدخل إلى الحديث عن الإيمان: السعادة مطلب كل إنسان فأيّنا لا يحب أن يكون سعيداً، و الأمن من أهم مقومات الحياة فمن منا تستقر حياته بلا أمن.
إن السعادة والأمن ثمرتان من ثمار الإيمان، فبالإيمان يسعد الإنسان ويتحقق الأمان ....... الخ .
7. قوة الانتباه الناتجة عن الحقائق الباهرة:
إن الحقائق الباهرة عبارة عن سلسلة من الصدمات، فهي توقظنا من أحلام اليقظة وتسلب انتباهنا.
هذه الحقائق يمكن أن يعرضها الخطيب بأرقام معبرة، أو أوصاف ساحرة.
أما الأرقام المعبرة فإن لغة الأرقام من أقوى اللغات، فالرقم الواحد قد يحدث أثراً في النفوس لا تحدثه آلاف الكلمات.
وأما الأوصاف الساحرة فإنها تشد انتباهنا شدًّا أقوى من المعلومات المجردة.
أمثلة تطبيقية: أرقام معبرة
1 ـ افتتاحية عن الالتزام بالحجاب الشرعي: تقول إحدى الدراسات الميدانية المنشورة بمجلة الدعوة أن 86 % من النساء اللواتي يلبسن العباءة على الكتف يتعرضن للمعاكسة .
2ـ افتتاحية عن التدخين: خلال عشر سنوات يبلغ طول السجائر التي يدخنها المدخن العادي الذي يدخن عشرين سيجارة فقط يومياً: خمسة كيلو مترات وأربعين متراً، كل هذه الأمتار تصب في بدنه سموماً قاتلة .
3ـ افتتاحية عن تربية الأبناء على الصلاة:أظهرت نتائج بحث أجري بإحدى المدارس المتوسطة، نشرته جريدة الجزيرة أن 60% من الطلاب لا يؤدون الصلاة.
مثال تطبيقي: أوصاف ساحرة
افتتاحية عن مأساة شعب مسلم: آلاف من البشر يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.. أجسادهم عارية، وبطونهم خاوية.. قتل رجالهم، واستبيحت نساؤهم، ويتم أطفالهم.. فهذا رجل قد ربّى أولاده سنوات طويلة يعود إلى بيته وإذا به قد دمّر على رؤوس أولاده فلا يرى إلا جثثاً هامدة. وهذه فتاة قد دنست عفتها تشكو إلى الله ظلم المعتدين، وهذه طفلة بريئة تخرج من بين الأنقاض وقد فقدت أبويها وإخوتها.. تقدم رجلاً وتؤخر أخرى، لا تدري إلى أين تذهب.
إنهم إخوانكم المسلمون المضطهدون في...........
8. موجز الخطبة الإجمال قبل التفصيل
من المقدمات الناجحة أن يقدم الخطيب لمستمعيه عرضاً مجملاً لعناصر الخطبة، ثم يشرع في تفاصيل الخطبة. إن هذه المقدمة ستكون مفتاحاً لأذهان المستمعين، ومعيناً لهم على فهم الخطبة ومتابعة أجزائها.
أمثلة تطبيقية:
قال تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
خطبة عن انحراف الناشئة.
يبدأ بعرض مجمل لعناصر الخطبة وهي: نعمة الأولاد، مسؤولية الوالدين عن تربية أولادهم، من مظاهر انحراف الأولاد، أسباب الانحراف، العلاج
ثم يشرع في تفصيل الخطبة.
ثانيًا: الموضوع:
وهو مقصود الخطبة الأعظم.
وقد يكون من المناسب التصريح به في مبتدأ الخطبة لا سيما إذا كان من قضايا الساعة التي يخوض فيها المجتمع ويتطلع إلى كلامٍ شافٍ فيها.
وقد لا يحسن التصريح به، إما لأنه شائك، أو يوجب انقسام الناس، وفي هذه الحالة ينبغي أن يدخل عليه الخطيب دخولاً متدرجاً، ويتناوله تناولاً غير مباشر، ليأخذ السامعين بتسلسل منطقي فيصل إلى مبتغاه باعتدال.
وموضوع الخطبة عادة ما يبنى على ركنين أساسيين هما:
1. العرض والإيضاح.
2. الاستدلال.
أما العرض والإيضاح: فبذكر الصفات والخواص والمزايا لذات الموضوع، وقد يكون بالاستعارات والتشبيهات وضرب الأمثال، والإجمال ثم التفصيل، وبالصلة والتضاد والتقابل.
وأما الاستدلال: فغالباً يحتاج الموضوع إلى ما يدعمه بالأدلة والحجج والبراهين والشواهد، وهي عادة ما تكون من الكتاب والسنة وأقوال السلف، وإيراد بعض الوقائع والأحداث من باب القياس والاعتبار.
وإذا كان موضوع الخطبة في الإصلاح والتوجيه فعلى الخطيب أن يعلم أنه كالطبيب، فعليه قبل وصف الدواء تشخيص الداء فيتعرف على العلل والأمراض الشائعة، ويشخص الداء ويعرف الأعراض، فإذا استبان له ذلك رجع إلى الكتاب والسنة فوضع الدواء، وكلما دقق التشخيص سهل العلاج.
أمثلة تطبيقية:
يمكن أن يعمد الخطيب إلى المنكرات الفاشية ولا سيما ما كان منها قريب العهد، وحديثه على ألسنة الناس أو ذائعاً في الصحف. ثم يقدم من هذه الوقائع أكبرها ضرراً وأسوأها أثراً، فيجعله محور خطبته وموضوع عظته، ثم يفكر فيما ينشأ عن هذا الحادث أو المنكر من الأضرار الخلقية والاجتماعية والصحية والمالية، ويحصي هذه المضار في نفسه أو بقلمه ثم يستحضر ما جاء فيه من الآيات والأحاديث الصحيحة وآثار السلف، ثم يأخذ في كتابة الموضوع.
إذا أراد الحض على عمل صالح أو مشروع نافع أو الحث على خلق فاضل، فليفكر في مزاياه وآثاره الحسنة تفكيراً عميقاً، وليستحضر ما يناسبه من الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح، ثم يسلك في الكتابة.
ما الهدف من الخطبة؟
الخطبة رسالة موجهة لها هدف محدد. فعلى الخطيب أن يحدد هدفه من الخطبة، ويُبدئ فيه ويعيد عرضاً وتكراراً عبر أجزاء الخطبة، ويسعى إلى تحقيقه.
وأهداف الخطب كثيرة ومتنوعة، منها: إيضاح أمر غامض، أو تصحيح مفهوم خاطئ، أو حث على فعل معروف، أو ترك منكر، أو إقناع بفكرة معينة.
وحدة الموضوع:
غالباً ما يفشل الخطاب لأن الخطيب يبدو وكأنه يسعى لإنشاء سجل العالم خلال وقت محدد. فيقفز من نقطة لأخرى بسرعة فيخرج المستمع بلا شيء عن كل شيء.
ولهذا ينبغي أن يقتصر الخطيب على موضوع واحد يستوفي عناصره، ويحبـِّر كلماته، ويستوعب معالجته، لأن تشعب المواضيع وتعدد القضايا في المقام الواحد يُشتّت الأذهان، ويُنسي بعضها بعضاً.
اختيار الألفاظ :
ينبغي أن تكون ألفاظ الخطبة سهلة النطق لا يتعثر اللسان في إبرازها، ولا تتزاحم حروفها فلا تتقارب مخارجها ولا تتباعد، كما ينبغي أن تكون ذات جرس خاص يهز النفس ويثير الشعور، وتكون الجمل ذات مقاطع قصيرة كل جملة في معناها.
أما عبارات الخطبة فينبغي أن تتسم بالوضوح والبيان، لتكون سهلة الإدراك من السامعين.
وعندما يتحدث الخطيب عن موضوع غريب عن مستمعيه فلا يظن أنه سيثير اهتمامهم بمجموعة من العموميات والألفاظ الطنانة الرنانة ؟
هذا غير ممكن لأنه يجب أن يثير اهتمامهم أولاً، والمتابعة ثانياً، والفهم وهو المقصود أخيراً.
إن من البيان سحراً، عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِه، فَأَطِيلُوا الصَّلاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا[8].
هل المراد بهذا الحديث المدح أو الذم ؟
نقل الإمام النووي عن القاضي الخلاف في هذا الحديث، ثم ذكر أن الصحيح المختار أن المراد به المدح لأن الله امتن على عباده بتعليمهم البيان، وشبهه بالسحر لأنه يصرف القلوب ويميلها إليه[9].
إن من أهم خصائص الأسلوب الخطابي عنصر الشعور والوجدان والإثارة والتشويق الذي يسحر القلوب ويأخذ بالألباب، فعلى الخطيب أن يعتني بالأساليب البلاغية ويختار لكل عبارة قالبها المناسب.
وإذا أراد السجع فليختر منه ما ليس بمتكلف، قصير الفقرات، سهل المأخذ، يخف على السمع، ويحرك المشاعر بحسن جرسه.
ويرتبط بالسجع رعاية المقاطع والفواصل، واختيار الجمل القصيرة، نظراً لأثرها على المستمع عند الوقوف على آخرها.
تجنب المصطلحات العلمية الدقيقة:
إذا كنت من ذوي الاختصاصات العلمية - عالماً أو طبيباً أو مهندساً ـ فضاعف حذرك حين تتحدث إلى الآخرين، وعبر بألفاظ واضحة مقدماً التفاصيل الضرورية.
إنه لعمل جيد أن تختار إنساناً يبدو الأقل ذكاء من بين الجمهور وتحاول أن تثير اهتمامه بنقاشك، وهذا لا يمكن فعله إلا من خلال العبارة السهلة والأسلوب الواضح.
مراعاة السامعين:
ينبغي للخطيب أن يراعي حال التأدية استعداد السامعين، فينزل في العبارة مع العامة على قدر عقولهم متجنباً الألفاظ اللغوية البعيدة عن مداركهم ويتوسط مع الأوساط، ويتأنق مع الخاصة، فيكون مع جميع الطبقات حكيماً يضع الأشياء في مواضعها، وفي كل حال يتجافى في كلامه عن كل زخرف باطل.
وعليه أن يستعين بالشواهد من الحكم النثرية والشعرية، والملح التاريخية في إيصال رسالته إلى أذهان السامعين وإنفاذها في قلوبهم ودفع السآمة والملل عنهم.
أسلوب الوصف التصويري في عرض القصص أو الحوادث:
هذه مسألة هامة. وهي في الحقيقة جانب من جوانب البلاغة في لغتنا العربية، وسر من أسرار الخطابة المؤثرة.
ويكمن هذا السر في التعبير بالفعل المضارع في عرض المشاهد والأحداث عوضاً عن الفعل الماضي.
إن الغرض البلاغي من تصوير المشهد بهذا الأسلوب هو أن يستحضر المخاطب صورته في ذهنه، كأنها ماثلة أمامه، ويشعر أنه يعيش في أجوائه، فيستولي الخطاب على قلبه، ويحرك مشاعره.
أمثلة تطبيقية:
تأمل قول الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام وهو يقص رؤياه على ابنه إسماعيل عليه السلام وكأنها رأي العين قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك الآية.
وقال عز وجل في تصوير مشهد الأرض وهي تخضرّ بنزول الماء من السماء ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فتصبح الأرض مخضرة الآية.
قارن بين هذين الأسلوبين:
في أحد أيام السنة الثالثة والعشرين من الهجرة خرج عمر بن الخطاب إلى المسجد في صلاة الفجر، وكان إذا أقيمت الصلاة سوى الصفوف بقوله استووا، فلما كبر هجم عليه الشقي أبو لؤلؤة المجوسي فطعنه عدة طعنات بسكين ذات حدين .
المكان:مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة.. الزمان: اليوم الأخير من خلافة الفاروق.
يخرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من بيته ليصلي بالناس صلاة الفجر.. يدخل الفاروق المسجد.. تقام الصلاة.. يتقدم عمر ويسوي الصفوف بقوله: استووا.. استووا.. يرفع يديه ويكبر.. فإذا بالشقي أبو لؤلؤة المجوسي يهجم عليه فيطعنه عدة طعنات بسكين ذات حدين .
المقارنة بين الواقع والمأمول:
في نقد الأخطاء، وتقويم السلوكيات قد يسأم الناس إذا اقتصر الناقد على الأفكار النظرية فقط.
لكن قلما يفشل في جذب انتباههم والتأثير في نفوسهم إذا عرض بعض المشاهد من أحوالهم الملموسة، وقارن بين هذه المشاهد ومشاهد من الأحوال الصحيحة المأمولة.
إن أكثر الأشياء إثارة لاهتمامنا هي أحوالنا التي نقع فيها. إذ كل واحد منا يشعر في هذه الحالة بأنه معني بهذا الكلام دون سواه.
مثال تطبيقي:

 عرض مشاهد من الأحوال الملموسة مقارنة بمشاهد من الأحوال المأمولة أحوال السلف 
 1- رجل يسهر مع رفاقه، ثم ينام عن صلاة الفجر.  كان المريض في عهد الصحابة يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف.
 2– شاب يبكي لهزيمة فريقه، وآخر يبكي في أغنية أو تمثيلية.  سعيد بن عبد العزيز يبكي لما فاتته صلاة الجماعة.
 3- تساهل بعض نسائنا في الحجاب.  خروج نساء الأنصار عندما نزل الأمر بالحجاب وكأنهن الغربان.

إن مثل هذه المقارنات سيكون أثرها في نفوس السامعين أبلغ من النقد المجرد.

تأمل في هذا الدرس النبوي الذي يعتمد على أسلوب المقارنة التي تحث على الاقتداء.
عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رضي الله عنه قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلا تَدْعُو لَنَا؟! فَقَال: قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُون[10].
بين الجدية والدعابة:
ربما تكون واحداً من الذين يمتلكون روح المرح والدعابة.
إن كان الأمر كذلك، نـمِّ هذه الروح بكل الوسائل تكن موضع ترحيب أينما خطبت.
لكن إذا كانت موهبتك تقع في نواحٍ أخرى، فمن غير اللائق أن تحاول ارتداء قناع لا يناسبك.
هل معنى هذا أن تكون الخطبة ثقيلة ضخمة وفي غاية الرزانة ؟
كلا، يمكنك تسريب روح الدعابة باللجوء إلى أمثلة محلية من واقع المخاطبين تلائم المناسبة.
لاحظ بعض التناقض، صفه بشكل مضخم. فهذا النوع من المرح أكثر نجاحاً من النكات التافهة.
باستطاعة كل إنسان تقريباً أن يداعب الجمهور بتجميع الأفكار أو الصفات المتناقضة.
هذا مع مراعاة نوع الخطبة وحال المخاطبين فما يقال في حفل ترويحي ليس كما يقال في خطبة الجمعة.
مثال تطبيقي:
كان اختيار جيل الصحابة: الجهاد والشهادة، لكن طائفة من شبابنا اختيارهم بيبسي اختيار الجيل الجديد كما تقول الإعلانات التجارية. فإن لم يكن كذلك فاهتمامات تافهة وهوايات ساذجة، أشبه ما تكون بفقاعات البيبسي.
ما إن تدخل فترة الامتحان حتى تعلن الأسر حالة الطورائ في البيوت، فاللهو ليلة الامتحان أو النوم صبيحته جريمة كبرى.. لكن أين هذا الاستنفار والحرص على الأبناء في صلاة الفجر وهي ركن الدين.
مبدأ التكرار:
التكرار من أهم مبادئ فن الخطابة. لأن تفهم الأفكار الجديدة يحتاج إلى وقت طويل، بحيث يبقى الذهن مسلطاً عليها.
وينقسم التكرار إلى قسمين:-
القسم الأول: تكرار الجمل الطويلة
وهذا النوع لا يحسن أن يكون بالألفاظ ذاتها، إذ النفوس تنفر من ذلك، بل يكون بعبارات جديدة، بل وبأساليب مختلفة تارة بالتقرير، وتارة بالاستفهام، وتارة بالترغيب أو الترهيب، وتارة بالاستنكار، وغيرها من الأساليب البلاغية.
مثال تطبيقي:
في القرآن الكريم الكثير من هذا النوع. ومن ذلك تقرير التوحيد، وقصص الأنبياء، وأحداث القيامة.
القسم الثاني: تكرار الكلمات الرئيسية أو الهامة:
فإذا مر الخطيب بهذه الكلمات فلـه أن يكررها حتى تثبت في قلوب السامعين.
أمثلة تطبيقية:
قال الله تعالى (الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ) عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَقُولُ: أَنْذَرْتُكُمْ النَّارَ أَنْذَرْتُكُمْ النَّارَ أَنْذَرْتُكُمْ النَّار. حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلاً كَانَ بِالسُّوقِ لَسَمِعَهُ مِنْ مَقَامِي هَذَا، قَالَ: حَتَّى وَقَعَتْ خَمِيصَةٌ كَانَتْ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ[11].
عَنْ مِحْجَنِ بْنِ الأدْرَعِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: يَوْمُ الْخَلاصِ وَمَا يَوْمُ الْخَلاصِ. يَوْمُ الْخَلاصِ، وَمَا يَوْمُ الْخَلاصِ؟. يَوْمُ الْخَلاصِ وَمَا يَوْمُ الْخَلاصِ، ثَلاثًا، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا يَوْمُ الْخَلاص؟ قَالَ: يَجِيءُ الدَّجَّالُ فَيَصْعَدُ أُحُدًا فَيَنْظُرُ الْمَدِينَةَ فَيَقُولُ لأَصْحَابِه:ِ أَتَرَوْنَ هَذَا الْقَصْرَ الأبْيَضَ، هَذَا مَسْجِدُ أَحْمَدَ ثُمَّ يَأْتِي الْمَدِينَةَ، فَيَجِدُ بِكُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَكًا مُصْلِتًا، فَيَأْتِي سَبْخَةَ الْجَرْفِ فَيَضْرِبُ رُوَاقَهُ ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلاثَ رَجَفَاتٍ، فَلا يَبْقَى مُنَافِقٌ وَلا مُنَافِقَةٌ وَلا فَاسِقٌ وَلا فَاسِقَةٌ إِلا خَرَجَ إِلَيْهِ، فَذَلِكَ يَوْمُ الْخَلاص[12].
عن أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ ثَلاثًا قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الإشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ. قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ [13].
توضيح الأفكار بأحوال واقعية ومحددة:
إن إحدى الوسائل المضمونة والسهلة التي توضح أفكارك هي توضيحها بأحوال ووقائع محددة.
كن واقعياً ومحدداً. إذ إن صفة التحديد لا تزيد من الوضوح فحسب، بل إنها تزيد من الإقناع والإثارة والتسلية أيضاً.
مثال تطبيقي: حول موضوع الكذب
قد يقع بعض الناس في الكذب حال عام
قد نقع في الكذب خلال أدائنا لوظائفنا حال واقعي
قد نتأخر عن الحضور إلى العمل، أو نرتكب خطأً، أو نتقدم بطلب إجازة فنقع في الكذب حال واقعي ومحدد
تأمل واقعية الرسول صلى الله عليه وسلم وتحديده، وهو يدعو إلى التصدق في هذه الخطبة الواضحة المؤثرة:
عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَدْرِ النَّهَارِ قَالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوْ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلالاً، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَة) إِلَى آخِرِ الآيَةِ (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) وَالآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّه)َ تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِه،ِ مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِه، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، حَتَّى قَالَ: وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ قَال: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ[14].
طول الخطبة:
فن الإيجاز والإطناب يختلف من حال إلى حال، بحسب حال السامعين في إقبالهم ومللهم، ونوع الموضوع، وظروف الإلقاء.
ويحسن من الخطيب أن يعود سامعيه على زمن معتدل ثابت يلتزمه، فإنهم إذا عرفوه بانضباطه ودقة التزامه أحبوه ولازموا حضوره.
ومن الخير للخطيب وجمهوره أن ينفضوا وهم متعلقون به من غير ملل أو سآمة.
إن الخطيب الذي لا يصيغ خطابه ليتناسب مع روح العصر السائدة والمتميزة بالسرعة لن يكون موضع ترحيب، وفي بعض الأحيان، يثير كراهية الآخرين. لذلك كن مختصراً.
عن أَبُي وَائِلٍ قال: خَطَبَنَا عَمَّارٌ فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا[15].
كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ فَقَالَ لَهُ رَجُل: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ، قَال: أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا[16].
•ذكر عن أحد شعوب أفريقيا البدائية أنه عندما يلقي الخطيب خطاباً طويلاً جداً خلال اجتماع القرية، فإن الجمهور يسكته بالصراخ: كفى ! كفى !
• ويقال أن قبيلة أخرى كانت تسمح للخطيب بالتحدث طالما يستطيع وهو مرتكز على ساقٍ واحدة. وعندما تلمس مقدمة ساقه الأخرى الأرض، يتوجب عليه التوقف عن الكلام.
الجدة والتغيير:
ويعني ذلك ألا يلتزم الخطيب طريقاً واحدة أو وتيرة واحدة في أسلوبه وطريقة إلقائه، بل يكون استفهامياً تارة، وتقريرياً أخرى، وضرباً للأمثال، وتلمساً للحكم والأسرار، مع ما يطلب من معايشة الأحداث، ومتابعة المتغيرات.

ثالثًا: الخاتمة:
بعد أن يفرغ الخطيب من عرض موضوعه، وسوق أدلته، وضرب أمثلته، وبيان دروسه، وعبره، وترهيبه، يحسن أن يُنهي خطبته بخاتمة مناسبة تكون قوية في تعبيرها وتأثيرها، لأنها آخر ما يطرق سمع السامع ويبقى في ذهنه.
كيف تختم الخطبة ؟:
هل تود أن تعلم في أي جزء من أجزاء خطبتك تظهر تجربتك ومهارتك وبراعتك ؟
في الافتتاحية وفي الخاتمة. كما قيل: " تعرفهم من خلال دخولهم وخروجهم ".
إن الخاتمة في الحقيقة هي أكثر النقاط إستراتيجية في الخطبة. فما يقوله الإنسان في النهاية ـ أي ما يبقى يرن في آذان المستمعين ـ هو الكلمات التي ربما تبقى عالقة في أذهانهم.
هناك من ينهي خطبته بـ" هذا ما لدي حول الموضوع " ثم يتوقف وقوفاً اضطرارياً.
وهناك الخطيب الذي يقول كل ما عليه قوله، لكنه لا يدري كيف يختتم خطبته.
إنه ليس من الحكمة أن تحاول إنشاء الخاتمة وأنت تواجه الجمهور فيما أنت واقع تحت ضغط وتأثير الخطبة، وفيما ذهنك مشغول بما تقول.
ما هو العلاج ؟
يجب أن يخطط الخطيب للخاتمة مسبقاً، ويدرك بالتحديد الأفكار التي سينهي بها خطبته.
إن الخطباء المشهورين شعروا أنه من الضروري كتابة وحفظ الكلمات المناسبة لخاتمتهم. فإذا ما اتبع المبتدئ خطواتهم، فنادراً ما يندم على ذلك.
ولأن الخطاب المرتجل قد يعدل أو يختصر خلال عملية الأداء ليناسب التطورات غير المرتقبة ويتناغم مع انفعالات المستمعين، فإن من الحكمة أن تخطط لخاتمتين أو ثلاث، فإن لم تناسب إحداها ناسبت الأخرى.
مقترحات للخاتمة:
1. آيات كريمة أو حديث نبوي:
يمكن أن يختم الخطيب بآيات قرآنية لم يسقها من قبل تجمع موضوعه في الترغيب والترهيب أو التدليل والإثبات، وقد تكون حديثاً نبوياً مناسباً.
2. دعاء:
بين يدي الخطيب طائفة من الأدعية القرآنية أو النبوية المأثورة، يمكن أن يختار منها ما يناسب الموضوع، ويجعله خاتمة لخطبته. كما يمكن أن ينشئ من دعائه الخاص ما يدعم الهدف المراد من الخطبة ويقويه في نفوس المستمعين.
3. تلخيص الأفكار:
الخطيب ميال لتغطية أفكار كثيرة حتى في خطاب قصير تتراوح مدته بين ثلاث أو خمس دقائق.
ومع ذلك، قلة من الخطباء تدرك ذلك. فهي تفترض أن تلك الأفكار واضحة وجلية في أذهانها، وبالتالي هي واضحة في أذهان المستمعين.
لكن الأمر يختلف كلياً لأن الخطيب كان قد فكر ملياً بما سيقوله. بينما أفكاره كلها هي جديدة بالنسبة للمستمع، بعضها يعلق في الذهن، ومعظمها يتدحرج باضطراب. فعلى الخطيب أن يتدارك هذا الأمر بأن يختم خطبته بخاتمة، تجمع أفكاره، وتلخص موضوعه، بعبارات مغايرة، وطريقة مختصرة.
وقد قيل: أخبرهم أولا ًبما تنوي إخبارهم به، ثم أخبرهم، ثم أخبرهم بما أخبرتهم.
4. مقتطفات شعرية:
وفي الحقيقة، إذا استطعت الحصول على قطعة شعرية ملائمة لنهايتك، يكون الأمر مثالياً. فهي تمنحك النكهة المطلوبة، وستمنحك الوقار والتفرد والجمال.
ودواوين الشعر كثيرة جداً، والخطيب الناجح ينتقي منها أروع الشعر وأعذبه.
وإذا أعياه البحث في الدواوين أو ضاق به الوقت فليستعن بالكتب التي تعتني بجمع وتصنيف المقطوعات الشعرية الجيدة حسب المواضيع المختلفة.
5. خاتمة مرحة:
فقد قيل: " اتركهم دائماً يضحكون عندما تختم حديثك ".
إذا كنت تملك القدرة على فعل ذلك بلا تكلف، وكان نوع الخطبة والموقف مناسباً، فإن الأمر يكون جيداً.

 

 

 

 

 [1] البخاري [ 466 ] ومسلم [ 2382 )
[2] رواه مسلم [ 2589]
[3] رواه مسلم [ 2581].
[4] رواه البخاري [ 528 ] ومسلم [ 667].
[5] رواه البخاري [ 21.1 ] ومسلم [ 2628].
[6] رواه أحمد [ 15357 ]، والترمذي [ 2376 ]وقال: حديث حسن صحيح ، وصححه الألباني في صحيح الجامع [5620)
[7] رواه النسائي [ 5144 ]، وأبو داود [ 4057]، وابن ماجه [ 3595 ]واللفظ له، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه.
[8] رواه مسلم [ 869 ].
[9] انظر شرح صحيح مسلم: النووي 6 / 226 ، وسياق الحديث يرجح ما اختاره رحمه الله.
[10] رواه البخاري [ 9643].
[11] رواه أحمد [ 17931 ] والدارمي [2812 ] وقال الألباني في تحقيقه لمشكاة المصابيح [ 5687]: إسناده صحيح.
[12] رواه أحمد [ 18496 ] بسند صحيح.
[13] البخاري [ 2654 ]ومسلم [ 87]
[14] رواه مسلم [ 1.17]
[15] رواه مسلم [869]
[16] رواه البخاري [ 7. ] ومسلم [ 282]

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات