كيف ينمي الخطيب ملكة الخيال الخطابي؟

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: بلاغة الخطيب

اقتباس

ونظراً لعلو مكانته، وخطورة منبره؛ لابد له من تملك الخيال الواسع، الذي يعينه على تحديث الخطبة، وإصابة الهدف بها، وغرس المحاسن من خلالها، وإحداث التغيير الإيماني والفكري والاجتماعي عبرها، ومن خلال رسائلها ومضامينها ودقائقها. فليس الخطيب مجرد جمّاع، ولقاط وصياح، بل هو أبعد من ذلك وأعمق.

إن الخطبة وظيفة شرعية، كتب الله لها القبول، وجملها بمزاهر الإجلال والهيبة والوقار، وصبغها بمنائر الحسن والجودة والحيوية. يأخذ بالقلوب ويخطف الأبصار، ويحدث هزة اجتماعية، وفكرية في أذهان الناس؛ فيستشعرون أنهم أمام شخص، ويُخلص لدينه، وينْصب لأجلهم، ويتهمم لرغباتهم، ويصون عقولهم وأذواقهم. وهذا كله في نظرنا، -بعد توفيق الله وإسباغه لرحماته على من شاء من عباده-يعود إلى اتساع خيال الخطيب، الذي يوسع الفكر، ويرتقي بالروح، ويبسط اللسن، ويحدث التحول الإبداعي، والابتكاري في حياة الخطيب.

 

وإذا كان البلغاء يعزفون – دائماً - على (خيال الشاعر)، وضرورة سقيه ونمائه بالحفظ والصور الجمالية، والثروة اللفظية، وإدراك مكامن الفكرة، وحسن التعبير عنها، فإن الخطيب لايقل مكانةً عن الشاعر، واحتياجه الدائم إلى الخيال الواسع الخصيب المكتظ بالثقافة الشرعية، والعمق العلمي، والذوق البياني، والإجادة العقلية، بل قد نقول: إنَّ الخطيب (شاعر أمة، ورائد فكرها، وصدى أشجانها وخطوبها).

 

ونظراً لعلو مكانته، وخطورة منبره؛ لابد له من تملك الخيال الواسع، الذي يعينه على تحديث الخطبة، وإصابة الهدف بها، وغرس المحاسن من خلالها، وإحداث التغيير الإيماني والفكري والاجتماعي عبرها، ومن خلال رسائلها ومضامينها ودقائقها.فليس الخطيب مجرد جمّاع، ولقاط وصياح، بل هو أبعد من ذلك وأعمق.

 

وكل معضلات الخطب المعاصرة؛ من إعداد وترتيب وانتقاء وإلقاء وتأثير، والتي تجعل كثيراً من الخطباء، مثل موظفي البلدية؛ يؤدون وظيفة بلا روح، أو غاية، أو حماس، يمكن تحصيلها والغلبة عليها، من خلال توسيع آفاق الخيال المتصلة بالفكر، وجودته، وحذقه، وفهمه ومرونته، والمتشبع بالمعاني الشرعية، والدلائل النبوية، بحيث لا يند ولا يحيد، بل يسير سيرة المجتهد اللبيب، والحاذق الأريب الممتع بالمعارف الدينية، والتأصيلات العلمية، والنخب الأدبية، التي تجعل من كلامه، السحر الحلال، والمشرب السلسال! من تهواه القلوب، وتشوقه شوق الظامىء على لهف، والحائر على فاقة، والطالب على نهم واستباق. فالدعوة الخطابية بحاجة إلى الخطيب، ذي العقل الفسيح، والخيال المبتكر، الذي يصنع الجودة والإبداع، في تعاطيه المنبري، ويخترق سُتور الفائدة؛ ليستخلص روائع الدرر، ومحاسن العبر، وكرائم المواعظ.

 

ومن أهم أدوات تنمية ملكة الخيال الواسع والخصب لدى الخطيب ما يلي:

 

أولاً: المطالعة المستديمة:

 

قال تعالى: (اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ [ سورة القلم: 1-4].فليس شىء في هذه الحياة أثمن من غذاء القلوب والأرواح، المتمثل في (القراءة ) التي هي تاج العلماء، وزاد العقلاء، حيث لايورث الفهم، ويوسع القلب، ويهدي الروح، شىء كالقراءة والاطلاع، فمن أوتيها فقد أوتي خيراً  كثيراً، وبلغ مرتقىً عظيماً، فالداعية إلى الله-ولاسيما الخطيب المنبري- يحتاج إلى القراءة وليست العابرة، أو الموسمية والمرحلية بل القراءة المستديمة، التي تلج في الكتب، وتغوص في المعارف، وتبقر المعلومات وتقتنص الفوائد المنتخبة، والعوائد الملتهبة، والتي لاغنى للمتحدث والملقي عنها.

 

من المؤسف –جداً وكثيراً- أن يضعف (الجانب القرائي) في حياة الأمة، وخصوصاً الدعاة والعلماء!! حيث يكتفون بمعارف عامة، عن الإسلام والدعوة، ثم يسيرون مبلغين وناصحين، دون تزود وارتياد ومضاعفة!!

 

إن القراءة المستديمة، تحدث آثاراً عجيبة في حياة الخطيب منها: سعة الفكر والخيال، والخبرة بالحياة، وحل المشكلات الدعوية، والتمكن الشرعي المطلوب وحيازة الفقه المراد، ومضاعفة الوعي المنبري، والبصيرة بالواقع والحياة، وفهم  الناس والمجتمعات، والتلون في الموضوعات، والطرح، مما يعني الظفر (بوعاء) حشي، علماً ونوراً وهداية، ولايزال القارىء النهم، يضاعف من جهده رجاء الفوز والبلوغ، واستكمال كل لذائذ الاستمتاع، والصفاء النفسي، الذي جعله الله - تعالى - في (منحة القراءة)  التي تنير القلوب، وتفتح الدروب، وتداوي الأخطاء والعيوب. قال –تعالى-: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي المَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) [ المجادلة: 11]، وأولى مفاتيح العلم وأسهلها، القراءة، والجد، والتحصيل، وعدم الكسل، والتراخي، والانقطاع.  وأولى العلوم بالقراءة هي العلوم الشرعية من توحيد، وفقه، وتفسير، وسيرة، وحديث، وتاريخ، وعربية، فإنها كلها من الأهمية بمكان، فينظر لما يحسن منها، فيتأمله ويتخصص فيه، ثم إنه يعالج ضعفه في بقية العلوم الأخرى، ويحرص على تقفي كل وسائل التحصيل والجمع في هذا العصر المنفتح والمتطور، ويهتم بالكتب الجوامع، التي تغني عن كثير من المطولات، وقضى الله لها بالقبول وحسن الفائدة، نحو تفسير ابن كثير وتاريخه، وزاد المعاد لابن القيم، ورياض الصالحين للنووي، ومشكاة المصابيح، وفيض القدير للمناوي، وسبل السلام للصنعاني، وكتب ابن القيم الروحية والترقيقية نحو: المدارج، والجواب الكافي، ودار السعادة، والفوائد، والعدة، ومختصرات الصحيحين، وكتب إئمة الدعوة، ورسائل ابن باز، وابن عثيمين، وابن السعدي، ولا يفوته الاستفادة من كتب الحفاظ المشاهير: كابن تيمية، وابن حجر، وابن رجب، والذهبي، والشوكاني، وصديق حسن خان، وغيرهم من العلماء .يديم النظر في كتبهم، ويلخص ويتحفظ، ويختصر حتى المحك، من حسن الفهم ودقة التقييد، وروعة النقد والاستفادة، ويُرى له ذلك في خلق وعمل !!

 

فإن مثل هذه المراجع، إذا أدمنها وعكف عليها، كافية -بعد توفيق الله- من سد فراغ المنبر  وعلاج هموم الدعوة ومشكلاتها، وإذا ما كسل الخطيب عن القراءة، واكتفى بالدراية العامة، والتلقيط من هنا وهناك؛ كسدت بضاعته وضاق فكره، وكلت روحه وهان تأثيره وموقعه، لذلك نؤكد هنا أن القراءة مفتاحه، والقراءة خياله، والقراءة رقيه، والقراءة تأثيره وقيادته.

 

ثانياً: الثقافة المتنوعة:

 

وهو معنى أوسع يشمل القراءة الجادة، والمتفننة، وكذلك التفاعل واستيعاب كل ماتضخه الحضارة الحديثة، من أفكار وصناعات وثقافات، وفلسفات، فيعي المنجزات العصرية، والتحولات المجتمعية، ويفقه الحاسوب والنت، ويعيش آلام العصر وأفراحه، ويهتم بالأخبار والصحف، والمجلات ويرصد تحركاتها، ويلتقي بالعلماء والمحيطين والمثقفين الذين ينيرون ثقافته، فيناقشهم، ويأخذ ويراجع، ويدقق، ويستفيد من كتب الطب العامة، والإدارة والتربية، وعلم النفس، وما يسمى بالعلوم الحديثة، التي قد لا يكون فيها علم شرعي مفيد!! لكن العلم بها مطلوب في هذه الأزمان؛ ليعي الخطيب عصره، ويفقه سبيله، ويدري كيف يخاطب الناس، ويعزف على مشاعرهم.

 

ويهتم بالكتب السياسية، التي تحدد وضعية العالم المعاش، وكيفية التحليل السياسي الموضوعي، وموطن المسلمين في العلاقات الدولية، بحيث إذا أراد التحدث عن فاجعة، أو قضية معينة، كان لديه القدرة العالية، على النقاش والإبانة، دون غفلة أو اندفاع غبر مرصود.  والسفر والضرب في الأرض لون من التثقيف الحيوي والمتفنن لمن تيسر له ذلك؛ ليكتشف عمق الدعوة الإسلامية، ويلتقي برموزها، وممارسي الخطابة فيفيد منهم، ويفيدون منه، فإن العلم رحم بين أهله، وكل قضايا العصر الجادة والملحة، لابد -للخطيب اليقظ- أن يسأل عنها، ويقرأ فيها؛ ليدرك غثها من سمينها، سواء كانت شرعية، أو فكرية، أو تقنية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، المهم أن لايتغافل عن كل ماحوله، بل يعي -تمام الوعي- ويمتطي صهوة الحزم والاهتمام، وهذا نوع من الفقه القلبي، واليقظة النفسية، التي يحضنا القرآن عليها، ويعنف هاجريها . ومن التثقيف اللازم؛ وعي حركة المجتمعات، وعاداتها، وأخلاقها، الذي يُعينه على فهم رسالته الدعوية، ولئلا يُخطئ، أو يتجنى في معالجة قضية اجتماعية معينة.

 

ثالثاً: التنسيق المنبري:

 

وهو عبارة عن التحام ثقافي مع أطراف العملية المنبرية من مراجع ومنتديات، وخطباء، ودورات، بحيث لا يكون (الخطيب الفاضل) معزولاً بين كتبه وأفكاره، بل عليه الإطلال على رفقاء المنبر؛ وذلك من خلال مشروع إصلاحي وتربوي متكامل، يشمل عدة نقاط وأفكار مقترحة من أهمها:

 

1-صياغة (منتدى خطباء المحافظة)؛ للنقاش، والتطوير، والتعارف والتزاور.

 

2-قراءة كل ما يُطرح من خطب مطبوعة، أو الكترونية والاستفادة من محاسنها.

 

3-تكوين خزينة منبرية معينة، بثقافة الخطيب، وما يتحتم عليه معرفته.

 

4-الانضمام في دورات الخطباء، والإلقاء، الفقهية منها والأدبية، وحض الأوقاف، ومكاتب الدعوة، على تفعيل هذا الجانب.

 

5-تبادل الخطباء لأماكنهم، وتزويد بعضهم بعضاً بالأفكار والمصورات المفيدة.

 

6-التشاور عن موضوعات مناسبة، أو قضايا جاذبة، وكيفية التعامل معها، حسب المنهج الشرعي القويم؛ لمنع الزلل، وإصابة الحق.

 

7-تكوين رؤى شبه موحدة فيما يخص المنبر، ومستقبل الدعوة في المحافظة المقصودة، بحيث يقل الخلاف، ويتلاشى النزاع، ويحققوا قوله –تعالى-: (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر: 1-3]

 

رابعاً: التركيز على التفسير:

 

تفسير القرآن من أجل العلوم الشرعية، وأشرفها، وأشملها، فهو يحوي اللغة، والبلاغة، والفقه، والأصول، والحديث، والتاريخ، والسيرة، والملاحم، وهكذا، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يجمع المائة تفسير في الآية الواحدة، ويناجي ربه في الصلاة بأنه يفهمه القرآن ويعلمه ما خفي عنه من تفسيره، وكان يقرأه قراءة تأملية، دقيقة، يغوص في بحار الآيات، ويستخرج دررها وذخائرها الباهرة، ويتأمل ذلك، وينتزع منه ما يكون أحاديث مهمة، وموضوعات تذكير، وبينات وعظ وتوجيه.

 

خامساً: تنمية ملكة الحفظ:

 

في الحديث النبوي " احفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم " كما في حديث وفد عبد القيس في الصحيحين. وهو أداة تحفيظية وتدريبية، لابد أن يعيشها الإنسان، لاسيما الخطيب! ليتهيأ إلى مرتبة (الارتجال) والحديث بلا أوراق وقصاصات مكتوبة، ومجالات الحفظ كثيرة يستطيع الخطيب من خلالها؛ تنمية مهاراته، وملكة الحفظ عنده، ومن أبرزها: القرآن الكريم كله أو معظمه، النصوص النبوية، وتكرار المختصرات الشهيرة كالأربعين للنووي، ورياض الصالحين، ومختصرات الصحيحين للمنذري، والزبيدي، واللؤلؤ والمرجان. الآثار السلفية، والرقائق، والملح والإيمانيات، المروية عن الخلفاء الراشدين، وكبار أئمة التابعين: كالحسن، وسعيد، وابن سيرين، وابن المبارك، والزهري، والأئمة الأربعة، وسهل التستري، وهي موجودة في المدارج، والإحياء، وجامع العلوم والحكم، وصفة الصفوة وغيرها. حكم العرب، وأمثالهم، ومواعظهم، وكلماتهم السائرة، التي تزيد من روعة الموضوعات وحيويتها، وتعلي من شأنها وترسخ مفهومها، وهي مبثوثة في مراجعها الخاصة: كالأمثال للميداني، وكتب الأدب العامة. الشعر والقصائد الشعرية في شتى المناسبات والمشاهد، في الحكم والأخلاق والفضائل؛ فإنها ترقق الطبع، وتوسع العقل، وتحدث جرساً جماليا، ً منعشاً للمتحدث والسامعين.

 

سادساً: التفكير العميق:

 

والمراد به إعمال الفكر عند الاختيار، والبحث والجمع، والمعايشة، بحيث يحصل للنفس تشبع فكري وروحي من المادة المطروحة، ويحصل ما يشبه الاستقرار النفسي تجاه ذلك. وتذكر بعض الدراسات الحديثة، أن التفكير لنصف ساعة يومياً بصمت وتأمل، يزيد من فاعلية الدماغ، بل يضاعف إنتاجه وإبداعه. والفكر في مجال خطبة الجمعة ينصرف إلى الدعوة وقضاياها، وكيفية إيصالها، وفي الموضوعات المختارة وأوجه الدلالة والهداية فيها، وكيفية طرقها، وتناولها، والمحاسن والمساوئ العائدة من ذلك، وأثناء التقييد والكتابة، أي الأفكار المقدَّمة والتي في المؤخرة وهلم جرّا.

 

وإذا كان المنهج التفكيري العميق؛ ديدن الخطيب في اقتناص موضوعاته، وجمعها ورصها، واستخلاص المهم منها، ولا يهمل التفكير بدءاً، أو انتهاءً، وليلاحظ البعد التأثيري والنهائي لكل موضــوع، فإن ذلك ينمي عنده ملكة فكرية بالغة الأهمية وهي ملكة " الاعتبار" أو" النظر في العواقب "

 

إذ كم من موضوع غيور حماسي؛ يفضي إلى ردة فعل مغايرة، وكم من غضبة لله ورسوله؛ تفضي إلى ما لا يُحمد عقباه؛ بسبب سوء التوقيت، أو فجاجة العبارات، أو سوء التحضير، أو تضخيم القضية؛ لذلك، التفكير المتعمق هو رافد أساسي وحيوي في مسيرة الخطب المنبرية، ما ينبغي له أن يغفل عنها. قال –تعالى-: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ) [الحجر: 75]، وقال –تعالى-: (وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) [يوسف: 105].

 

وبالفكر العميق نتجاوز مرحلة التقليد والتلقين، إلى مرحلة التفكير والقناعة بمضامين الموضوع ومآلاته. كما ينفع هذا النهج في إدراك أخطاء (الخطب السابقة)، ومحاولة تصحيحها، وكشف اعوجاج نقلة الخطب من مكان إلى آخر، دون اعتبار وملاحظة، ومناسبة، وقد جاء عن علي -رضي الله عنه- كما في صحيح البخاري –معلقاً- "حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله ؟!" وقال ابن مسعود  -رضي الله عنه- كما في مقدمة صحيح مسلم: "ما أنت محدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة"!! ولذلك كان لابد من تحضير الخطبة والإعداد لها قبل الجمعة بثلاثة أيام على أقل تقدير؛ لتكونَ الخطبة مواتية، ولائقة من جميع وجوه النجاح والتأثير.

 

سابعاً: المراجعة والتقويم:

 

ومقصودها التمييز للجيد من الرديء، والصحيح من السقيم ، وتعويد الفكر الإنساني على المناقشة والفحص، والسبر، والأخذ والرد، وهذا عامل في غاية الأهمية لاتساع الخيال؛ لأنه إعمال للعقل ونقد للأخطاء، وكشف للذنوب ومراجعة للدعوة، التي في حقيقتها ممارسة اجتهادية، تخضع للخطأ والصواب، وكل جهود المصلحين -عبر التاريخ- جهود بشرية، لم يدَّعوا فيها الوحي، ولا الإلهام؛ حتى يحكم لصوابها أو بقداستها المطلقة، وكل من ألَّف بعد القرآن والسنة؛ لم يقل بصحة كتابه، أو سلامة فكره وانضباطه وتوقيته!!، ولذلك نحن الآن لما نطالع بعض المصادر المطبوعة في الخطب نلاحظ، ونصحح، ونرى عدم مناسبة كثير منها لحياتنا الحديثة، وتجد بعض الخطباء كتابه مشحون بالأخبار الضعيفة !! وآخر في التفلسف، وآخر أديب بلا نصوص ومواعظ نبوية!!، وآخر حماسي سياسي، محترق بلا معالجة وترقيق وتهذيب، وكل ذلك نوع من المراجعة النقدية لتراثنا الخطابي. وأنت -كخطيب ممارس-  لابد أن تعيش هذه المنزلة من العمل الدعوي، بأن تقوم بمراجعة وفحص كل أعمالك السابقة، فما ألقيته قبل سنوات؛ لا يمكن تكراره بحذافيره الآن، ولذلك تُراجع نفسك في كل مرحلة جديدة من عمرك أو من حياتنا الدعوية، ومن المراجعة النقدية؛ الإصغاء لنصائح الآخرين، وتوجيه المستمعين بحيث يستفاد من عقولهم وأفكارهم ونقدهم، وأن يتحلى الخطيب بالنفس الراقية أخلاقياً والمتواضعة اجتماعياً.

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات