تحقيق تخريج مسألة ‘من أدرك ركعتي الجمعة أو أحدهما فقد أدرك الجمعة‘

الإمام الحافظ أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات: أحكام الخطبة

اقتباس

وسألت أبي عن حديثين رواهما ياسين بن معاذ الزيات، عن الزهري:
قال البيهقي: ياسين بن معاذ الزيات: كوفي ضعيف، جرحه يحيى بن معين، والبخاري وغيرهما من الحفاظ، وهذا الحديث إنما يروى عن ابن أبي مليكة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً، وعن عروة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً.

 

 

 

585-وسألت أبي عن حديثين رواهما ياسين بن معاذ الزيات، عن الزهري:

أحدهما: عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: من أدرك ركعتي الجمعة أو أحدهما فقد أدرك الجمعة، ومن لم يدركهما ولا أحدهما فليُصَلِّ (1) الأولى -قال ياسين -أو قال: "الظهر أربعاً".

 

والآخر[2]: عن سعيد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أسلم على شيء فهو له".

قال أبي: أما حديث سعيد عن أبي هريرة فمتنه "من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها".

وهذا حديث لا أصل له [3].

رجال الإسناد:

• ياسين بن معاذ الزيات اليمامي، أبو خلف الكوفي ضعيف، متفق على تضعيفه.

انظر الكامل في الضعفاء 7/2641، الميزان 4/358، لسان الميزان 6/238.

• الزهري: محمد بن مسلم، ثقة ثبت، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 501.

• سعيد بن المسيب، ثقة ثبت، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 501.

• أبو هريرة، صحابي جليل، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 501.

 

تخريج الحديث: تضمنت هذه المسألة حديثين:

الحديث الأول: عن أبي هريرة، مرفوعاً: "من أدرك من الجمعة ركعة..." الحديث.

وقد رواه ياسين بن معاذ الزيات، واختلف عليه:

1- فرواه يحيى بن أيوب، والضحاك بن مخلد، ويوسف بن أسباط، عن ياسين، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة.

 

2- ورواه الأبيض بن الأغر، عن ياسين، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.

 

3- ورواه بكر بن بكار، ووكيع - في أحد وجهين عنهما -، وعبدالله بن الحارث، عن ياسين عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة.

 

4- ورواه وكيع، وبكر بن بكار - في أحد وجهين عنهما -، عن ياسين، عن الزهري، عن سعيد، أو أبي سلمة، عن أبي هريرة.

 

الوجه الأول:

أخرجه الدارقطني في السنن 2/11، رقم 8، والطبراني في الأوسط 9/298، رقم 8651 - ومن طريقه أبو موسى المديني في اللطائف (ق 49/أ) -، ورواه البيهقي في الخلافيات (2/ق 91/ب)، من طريق يحيى بن أيوب.

 

والبيهقي في الخلافيات (2/ق 91/ب) من طريق الضحاك بن مخلد.

والخطيب في تاريخ بغداد 11/257، من طريق يوسف بن أسباط.

كلهم، عن ياسين، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة. نحوه.

 

وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث بهذا اللفظ عن الزهري إلا الزيات.

 

الوجه الثاني:

أخرجه ابن عدي في الكامل 7/2642، من طريق عكرمة بن يزيد، عن الأغر، به.

وذكره الدارقطني في العلل 9/219.

 

 

الوجه الثالث:

أخرجه الدارقطني في السنن 2/10، رقم 3، وفي العلل 9/224، والبيهقي في الخلافيات (2/ق 91/ب) من طريق بكر بن بكار.

وابن عدي في الكامل 7/2642، من طريق عبدالله بن الحارث.

وابن أبي عمر في مسنده (المطالب العالية 1/295، رقم 748)، وسحنون في المدونة 1/147، من طريق وكيع.

كلهم عن ياسين، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة[4]، عن أبي هريرة.

 

الوجه الرابع:

أخرجه الدارقطني في السنن 2/11، رقم 7، وفي العلل 9/223، عن بدر بن الهيثم، عن هارون بن إسحاق، عن وكيع، به.

وتابعه بكر بن بكار في أحد الوجهين عنه: ذكره الدارقطني في العلل 9/219.

 

الحديث الثاني:

عن أبي هريرة، مرفوعاً: "من أسلم على شيء فهو له":

أخرجه أبو يعلى في مسنده 10/226، رقم 5847، عن أحمد بن جميل المروزي.

وابن عدي في الكامل 7/2642، - ومن طريقه البيهقي في الكبرى 9/113 -، ورواه البيهقي أيضاً، من طريق هشام بن خالد.

كلاهما عن مروان بن معاوية، عن ياسين بن معاذ، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.

 

وقال البيهقي: ياسين بن معاذ الزيات: كوفي ضعيف، جرحه يحيى بن معين، والبخاري وغيرهما من الحفاظ، وهذا الحديث إنما يروى عن ابن أبي مليكة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً، وعن عروة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً.

 

النظر في المسألة:

مما تقدم يتضح أن ياسين بن معاذ، قد روى الحديث الأول، واضطرب فيه:

 

1- فرواه يحيى بن أيوب، والضحاك بن مخلد، ويوسف بن أسباط، عن ياسين، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة.

 

2- ورواه الأبيض بن الأغر، عن ياسين، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.

 

3- ورواه بكر بن بكار، ووكيع - في أحد وجهين عنهما -، وعبدالله بن الحارث، عن ياسين عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة.

 

4- ورواه وكيع، وبكر بن بكار - في أحد الوجهين عنهما -، عن ياسين، عن الزهري، عن سعيد، أو أبي مسلمة، عن أبي هريرة.

ومداره في هذه الأوجه جميعاً على ياسين بن معاذ، وهو كما تقدم في ترجمته ضعيف، ولعله كان يرويه على هذه الأوجه جميعاً.

 

وقال في متنه لجميع الأوجه: "من أدرك من الجمعة ركعة".

 

وقد خالفه جمع كبير من الثقات الحفاظ فرووه عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة".

 

وقد أخرج هذا الوجه البخاري ومسلم وغيرهما، كما تقدم في المسألة رقم 519.

 

قال ابن عدي في الكامل 7/2646: وقد رواه جماعة ضعفاء عن الزهري، فيهم ياسين الزيات، ومعاوية بن يحيى الصدفي، وحجاج بن أرطأة، وغيرهم. والباقون الثقات، عن الزهري، قالوا: "من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك".

 

وقال أيضاً في 2/646: وهذا يرويه [5] التقات عن الزهري، ولا يذكرون الجمعة، وإنما قالوا: "من أدرك من الصلاة ركعة"، وإنما ذكر الجمعة مع حجاج قوم ضعفاء عن الزهري.

قلت: وفد اختلف على أكثر الرواة عن الزهري، مما ليس هنا مجال البسط فيه، وانظر لذلك علل الدارقطني 9/213 - 225، التلخيص الحبير 2/42، إرواء الغليل 3/84.

ومنه يتبين صحة ما ذهب إليه أبو حاتم من قوله: وأما حديث سعيد عن أبي هريرة فمتنه:

"من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها".

أي بخلاف المتن الذي رواه ياسين: "من أدرك الجمعة"، والله أعلم.

والحديث من وجهه الراجح عن الزهري صحيح؛ فقد أخرجه البخاري ومسلم، والله أعلم.

 

أما الحديث الثاني فقد تفرد ياسين بروايته من هذه الطريق، ونص البيهقي أنه لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا مرسلاً.

ومنه يتضح صحة قول أبي حاتم: وهذا حديث لا أصل له، يعني من حديث أبي هريرة مرفوعاً.

ولكن لمتنه شواهد يرتقي بها إلى الحسن. (انظر نصب الراية 3/410، الإراوء 6/156).

 

-------

[1] وقع في جميع النسخ: "فليصلي".

[2] وقع في جميع النسخ: "والأخرى".

[3] يعني بقوله: "وهذا حديث لا أصل له" أي الحديث الثاني، وهو: "من أسلم على شيء فهو له؛ لأن الحافظ ابن حجر نقل هذا عنه في التلخيص 4/133، في تخريجه للحديث الثاني، ولا يعني به الحديث الأول؛ لأن الأول حديث صحيح مشهور، بغير هذا المتن،كما سيأتي، والله أعلم.

[4] وقع في المطبوع من المدونة: "عن سعيد، عن أبي سلمة"، ولعله تصحيف، عن: "وأبي سلمة" أو: "أو أبي سلمة" كما سيأتي في الوجه الرابع. حيث إن طبعة المدونة كثيرة التصحيف، والله أعلم.

[5] وقع في المطبوع من الكامل: "وهذا لا يرويه الثقات..."، وهو كذلك في المخطوط (ق71/ب، نسخة الظاهرية)، ولكن وضع فوق حرف: "لا" علامة التضبيب، وهو الصواب؛ إذ إنه مخالف لسياق الكلام، ثم وجدته قد وقع على الصواب في ذخيرة الحفاظ 4/2191، والله أعلم.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات