(مؤامرة اغتيال صلاح الدين الأيوبي) تحالف الباطنية مع الصليبيين

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: شخصيات تاريخية

اقتباس

بعد أن حقق الهجوم الإسلامي هدفه من إحراق آلات الحصار الصليبية؛ عاد المسلمون داخل المدينة وهم يضمرون الهجوم-ليلاً-على الصليبيين وهم غارون، ولما حل ظلام يوم الأربعاء 2 محرم سنة 570هـ حمل المسلمون مثل الشهب المحرقة على شياطين الصليبيين وهم نائمون في خيامهم، فحصدوهم حصدًا بين قتيل وأسير، فحاول الصليبيون الفرار إلى مراكبهم، فاقتحم المسلمون البحر وأدركوهم قبل أن يفروا بمراكبهم ونسفوا الكثير من تلك السفن، فغرقت بمن فيها، وتكبد الصليبيون خسائر مادية وبشرية، وعادوا إلى صقلية وهم يجرون أذيال الخيبة والندامة بحيث لم يجرؤا على مثلها مرة أخرى..

 

 

 

 

كان ظهور الدولة العبيدية-المسماة زوراً وبهتانا بالفاطمية-للعلن في أواخر القرن الثالث الهجري في أقصى بلاد المغرب نذير شؤم وكارثة عامة للأمة الإسلامية بأسرها، ولكن انتقال الدولة الفاطمية إلى مصر سنة 357هـ،كان بمثابة التحول العالمي في موازين القوة الدولية، إذ كانت الدولة الفاطمية الخبيثة ندًا شرسًا وعدوًا لدودًا للدولة العباسية والمسلمين السُّنة، ولم تكتف الدولة الفاطمية-فقط-بنشر عقائد التشيع الضالة والأفكار الباطنية المنحرفة، ولكن وضعت يدها بيد أعداء الأمة مثل: البيزنطيين، والنورمان، والفرنج، وتحالفوا معهم عدة مرات ضد العالم الإسلامي.

 

 صلاح الدين وسقوط الدولة الفاطمية:

 

دارت الأيام دورتها وعملت السنن الربانية عملها، وحق على تلك الدولة الظالم أهلها القول، وقيض الله-عز وجل-من أبطال الإسلام من أباد تلك الدولة وقوض أركانها، وكان ذلك البطل: صلاح الدين الأيوبي الذي استطاع أن يقضي على الفاطميين، ويقصيهم  من حكم البلاد، ووضع خطة شاملة للتخلص من آثار الحكم الفاطمي، فألغى الشعائر والبدع الضالة، وافتتح المدارس والمعاهد التي تنشر الدين الصحيح، وعزل كل رجال وأولياء الحكم البائد، وأعلن المذهب الشافعي مذهبًا رسميًا للدولة الجديدة، واستقبلت بلاد مصر عهدًا جديدًا من الحق والعدل والهداية، وولت أيام الفاطميين النحسات.

 

ولأن الدولة الخبيثة استمرت لأكثر من قرنين من الزمان على أرض مصر، فإن مسألة سقوطها لم يكن حدثًا هينًا أو عاديًا، فكما هو الحال في كل دولة قائمة، لا بد أن يكون لها أتباع وأولياء وأنصار، يستفيدون من وجودها ويحاربون من أجل بقائها، فإن الدولة الفاطمية البائدة كان لها أنصار وأولياء نقموا بشدة على صلاح الدين الأيوبي صنعه، وتحولت نقمتهم على الوضع الجديد إلى خطط ومؤامرات بقصد إحياء موات الدولة الفاطمية، وإعادة الفكر الشيعي الخرافي إلى ما كان عليه. وكانت خيوط المؤامرة تنسج ببطء على يد مجموعة من زعماء الدولة الفاطمية البائدة، من أمثال الشاعر عمارة اليمني المتهم في دينه بالزندقة والانحلال، وعبد الصمد الكاتب، وناظر الديوان القاضي العوريس، وداعي الدعاة ابن عبد القوي، ومؤتمن قصر الخلافة، هؤلاء وغيرهم تآمروا على الحكم الجديد بقصد التخلص منه مهما كان السبيل لذلك.

 

 الخطة الشيطانية: 

 

اتفق هؤلاء المتآمرون على وضع خطة شيطانية تقوم على عدة محاور، بحيث يقوم كل طرف مشترك فيها بدوره المنوط به حتى تكتمل بنود الخطة في النهاية محققة هدفها الأساسي وهو الإطاحة بحكم صلاح الدين الأيوبي وإعادة الدولة الفاطمية. وتتلخص بنود تلك الخطة الشيطانية في المحاور الآتية:

 

1-مكاتبة كل أعداء صلاح الدين الأيوبي من الصليبيين، سواءً صليبي الساحل الشامي، أو صليبي الدولة البيزنطية، أو صليبي جزيرة صقلية المعروفين بالنورمان، والتنسيق مع الطرف الموافق منهم على الهجوم البحري على السواحل المصرية، وكان الذي تولى مكاتبة الصليبيين هم بنو الوزير الخائن المقتول شاور، وبنو قائد الجيوش الصالح بن رزيك وكلاهما من أولياء وعمال الدولة الفاطمية.

 

2-تحريض أنصار الدولة البائدة، وتجميعهم وتهيئتهم للقيام بالثورة والانتفاضة ضد حكم الأيوبيين، وذلك عند خروج صلاح الدين للقاء الصليبيين الذين سيهاجمون السواحل المصرية، والذي تولى تحريض الناس ونشر الفكرة هو ابن عبد القوي داعي الدعاة، ونجاح الحمامي، و القاضي العويرس.

 

3-إضعاف قوة صلاح الدين العسكرية بتشتيت جنوده وأمرائه على عدة جبهات من أجل تسهيل القضاء عليه، وكان الشاعر عمارة اليمني مكلفًا بتلك المهمة، إذ أخذ في إقناع الأمير توران شاه الأيوبي؛ الأخ الشقيق لصلاح الدين وأكبر أمرائه، بالتوجه إلى بلاد اليمن وإخضاعها للخلافة العباسية، وقد أغره بكثرة خيراتها وسهولة أخذها، حتى خرج توران شاه بالفعل إلى هناك، وظنوا أنهم بذلك قد أضعفوا من قوة صلاح الدين أمام خطتهم الشريرة.

 

وصلت رسائل المتآمرين إلى الصليبين في الشام وفي صقلية، فوجدوا فيها فرصة لا تفوت، فالصليبيون في الشام ومنذ أيام حكم بلدوين الثالث وعموري الأول ملوك بيت المقدس الصليبيين، وهم يحاولون احتلال مصر ومر نبأ تلك المحاولات في ثنايا الكلام عن معركة الأم المقدسة، فأخذوا في إرسال الرسل والسفارات إلى صلاح الدين الأيوبي بحجة مناقشته بعض القضايا بين الجانبين مثل: تأمين طرق الحجيج من الجانبين، أو وقف القتال لجني الثمار وموسم الحصاد وهكذا، ولكن في الباطن كانت تلك السفارات تتصل بالمتآمرين وتنسق معهم على موعد الهجوم ومكانه وخطوات تنفيذ الخطة الشيطانية.

 

في نفس الوقت الذي استجاب فيه الصليبيون في الشام بخطة المتآمرين الشيطانية، استجاب لها-أيضًا-جليام الثاني ملك صقلية ورأى فيها فرصة كبيرة لتدمير قوة مصر البحرية والتي حققت نجاحات باهرة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، ولكن جليام الثاني لم يتبع طريقة الصليبيين في الشام بإرسال السفراء والجواسيس، بل شرع في تجهيز حملة بحرية ضخمة، وحشد من أجل ذلك كل إمكانيات وثروات جزيرة صقلية.

 

 انكشاف المؤامرة:

 

وعلى نار هادئة جرى طبخ بنود تلك الخطة الشيطانية وقد نجحت في تحقيق الكثير من أهدافها المرحلية، فقد وافق الصليبيون في الشام وفي صقلية على الهجوم على السواحل المصرية، واستجاب أنصار وأتباع الدولة الفاطمية للخطة، وتم تجنيد الكثيرين منهم؛ استعدادًا للانقضاض على السلطة القائمة، والأمير توران شاه قد خرج إلى بلاد اليمن، وانتشى المتآمرون وظنوا أنهم قادرون على ما يريدون، ولكن خابت الظنون من حيث لا يحتسبون.

 

فقد كشف الله-عز وجل-أمرهم، وفضح كيدهم بعد أن أعماهم الله-عز وجل-وطمس على بصيرتهم، فبدأ بعض المتآمرين في التعامل مع المحيطين به على أن عودة الدولة الفاطمية واقع لا محالة، وتخلت الشياطين عن حذرها، ومنهم عبد الصمد الكاتب، الذي كان يعمل في كتابة الرسائل في قصر آخر خلفاء الدولة البائدة "العاضد بالله"، وكان عبد الصمد يتزلف إلى "القاضي الفاضل" وهو أقرب أصدقاء صلاح الدين الأيوبي، بغية أن ينال خطوة ودرجة في دولة الأيوبيين، فلما شارفت الخطة على النجاح، أخذ عبد الصمد الكاتب في معاملة "القاضي الفاضل" بجفاء ويتجاهله في مواقف عديدة، بعد أن يتزلف إليه كلما رآه، وكان القاضي الفاضل من أذكياء الزمان فشعر أن وراء هذا التغير شيء ما، فدس أحد رجاله الموثوق فيهم وهو ابن نجا الواعظ على عبد الصمد الكاتب؛ حتى يستعلم له حقيقة الأمر، فلما دخل ابن نجا في زمرة القوم كشف خطتهم الخطيرة، فأسرع وأخبر القاضي الفاضل، والسلطان صلاح الدين الأيوبي.

 

وفي 2 رمضان سنة 569هـ تم القبض على المتآمرين ومواجهتهم بالتهم الموجه ضدهم فاعترفوا بجرمهم، فاستفتى صلاح الدين العلماء والفقهاء في شأنهم، فأفتوا بوجوب قتلهم جزاءً وفاقًا لخيانتهم لدينهم وأمتهم.

 

 حملة جليام الثاني: 

 

كان لصليبي الشام العديد من الجواسيس والعيون داخل مصر، لذلك وصلت إليهم أخبار القبض على المتآمرين وإعدامهم سريعًا مما جعلهم يصرفون النظر عن خطة الهجوم على السواحل المصرية، أما ملك صقلية جليام الثاني فلم تصله الأخبار بنفس السرعة فواصل العمل الدؤوب؛ من أجل تعمير الأسطول الذي سيهاجم به السواحل المصرية، حتى أتم بناءه، وكان ذلك الأسطول مكونًا من 282 قطعة بحرية مختلفة الأحجام والأنواع، حشد على متنها  خمسين ألف مقاتل، وألف فارس، وآلات الحصار، واقتحام الأسوار مثل: المجانيق، والعوادات، والدبابات، وهو في أتون الاستعداد وصلته أخبار انكشاف المؤامرة وإعدام الخونة، وبالتالي الشق الخاص بانتفاضة الداخل قد توقف، ومع ذلك لم تثن تلك الأخبار جليام الثاني عن حملته الصليبية على مصر، وتأكيدًا لذلك المعنى أرسل إلى بابا روما يطلب منه مباركة الحملة وإضفاء صفة الصليبية عليها.

 

كانت الإسكندرية أكبر موانئ السواحل المصرية وأهمها، الهدف الأول للحملة البحرية الصليبية، فانطلقت الحملة الضخمة، حتى وصلت إلى المياه الإقليمية للإسكندرية في 26 ذي الحجة سنة 569هـ، وكان صلاح الدين الأيوبي وقتها عائدًا لتوه من حصاره لمدينة (الكرك) الشامية، وكان معسكرًا بجنوده في مدينة (فاقوس) بالشرقية، فلم تصله الأخبار في الحال.

 

نزلت القوات الصليبية على البر عند منطقة المنارة، وهجموا على الحامية القليلة التي تراقب الشاطئ من تلك الناحية، فدخل الناس إلى أسوار المدينة، وزحفت مراكب الصليبيين إلى داخل الميناء، وحطموا السفن التجارية الراسية به، ونزلوا بجمعهم على البر وضربوا معسكرهم، واستعدوا لحصار المدينة، ونصبوا المجانيق والدبابات، وكانوا قد جلبوا معهم حجارة سود عظيمة ملطخة بالقار والمواد المشتعلة، لاستخدامها في تحطيم الأسوار.

 

الصليبيون النورمان ظنوا أن احتلالهم للإسكندرية مسألة وقت، وأنها ستسقط لا محالة، ولكنهم فوجئوا بصمود أهل الإسكندرية ودفاعهم البطولي عن مدينتهم، فقد ثبت المسلمون لهجمات الصليبين واستطاعوا إحراق عدة سفن لهم عن طريق بعض العمليات الفدائية، وظل المسلمون على ثباتهم وصمودهم لمدة يومين كاملين، والصليبيون عاجزون عن اقتحام أسوار المدينة.

 

في اليوم الثالث للهجوم الصليبي وصل صلاح الدين بجنوده من معسكره بفاقوس، وبمقدمه تغيرت دفة القتال تمامًا، وتحول المسلمون من الدفاع إلى الهجوم، وقد شرع صلاح الدين في تنظيم الصفوف، ووضع خطة للهجوم على الأعداء، وبالفعل في صبيحة أول يوم من عام 570هـ فتح صلاح الدين الأيوبي أبواب الإسكندرية وخرج بأهل الإسكندرية مثل السيل الكاسح وانقضوا على معسكر الصليبيين، فأحرقوا آلات الحصار من مجانيق ودبابات.

 

بعد أن حقق الهجوم الإسلامي هدفه من إحراق آلات الحصار الصليبية؛ عاد المسلمون داخل المدينة وهم يضمرون الهجوم-ليلاً-على الصليبيين وهم غارون، ولما حل ظلام يوم الأربعاء 2 محرم سنة 570هـ حمل المسلمون مثل الشهب المحرقة على شياطين الصليبيين وهم نائمون في خيامهم، فحصدوهم حصدًا بين قتيل وأسير، فحاول الصليبيون الفرار إلى مراكبهم، فاقتحم المسلمون البحر وأدركوهم قبل أن يفروا بمراكبهم ونسفوا الكثير من تلك السفن، فغرقت بمن فيها، وتكبد الصليبيون خسائر مادية وبشرية، وعادوا إلى صقلية وهم يجرون أذيال الخيبة والندامة بحيث لم يجرؤا على مثلها مرة أخرى.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات

قاتل الله الروافض المجوس.. فهم خنجر مسموم في ظهور الامة