سفيانُ بن عُيينةَ (إمامُ الصِّحة والتَّوثيق)

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: شخصيات تاريخية

اقتباس

قال أبو نُعيم: "ومنهم الإمام الأمين, ذو العقلِ الرَّصين, والرأي الرَّاجح الرَّكين, المستنبط للمعاني, والمرتبط للمباني؛ أبو محمد سُفيان بن عيينة الهلاليُّ؛ كان عالماً ناقداً وزاهداً عابداً؛ علمه مشهور, وزهده معمور".

 

 

 

 

اسمه ومولده وصفته

 

اسمه: سُفيان بنُ عيينة بن أبي عمران؛ ميمونُ الهلاليُّ؛ أبو محمد الكوفيُّ, مولى محمد بن مزاحم, أخي الضَّحاك بن مزاحم، الإمام الكبير حافظ العصر, شيخ الإسلام, أبو محمد الهلاليُّ الكوفي, ثم المكيُّ.

 

مولده: عن محمد بن عمر, قال: "أخبرني ابنُ عيينة: أنه وُلد سنة سبع ومائة".

قال: ابنُ سعد: "وكان أصلُه من أهل الكوفة, وكان من عمال خالد بن عبدالله القسريِّ, فلما عُزل خالدٌ عن العراق, وولي يوسف بن عمر الثقفيُّ, طلب عمالَ خالد, فهربوا منه, فلحق عيينةُ بن أبي عمران بمكة , فنزلها".

 

صفته: قال المزيُّ: "وكان أعور".

 

طلب الحديث, وهو حَدَثٌ, بل غلامٌ, ولقي الكبار, وحمل عنهم علماً جماً, وأتقن, وجوَّد, وجمع, وصنَّف, وعمَّر دهراً, وازدحم الخلق عليه, وانتهى إليه علوُّ الإسناد, ورُحِل إليه من البلاد, وألحق الأحفاد بالأجداد.

 

سمعت أحمد بن النَّضر الهلاليَّ, سمعت أبي يقول: "كنت في مجلس سُفيان بن عيينة, فنظر إلى صبيٍّ, فكأنَّ أهلَ المسجد تهاونوا به لصغره, فقال سفيان: (كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) [النساء: من الآية94], ثم قال: يا نضر، لو رأيتني ولي عشر سنين, طولي خمسةُ أشبار, ووجهي كالدِّينار, وأنا كشُعلة نار, ثيابي صغار, وأكمامي قصار, وذيلي بمقدار, ونعلي كآذان الفأر, أختلف إلى علماء الأمصار, كالزُّهريِّ, وعمرو بن دينار, أجلسُ بينهم كالمسمار, مِحبرتي كالجوزة, ومقلمتي كالموزة, وقلمي كاللوزة, فإذا أتيتُ, قالوا: أوسِعوا للشيخ الصغير، ثم ضحك.

 

قال غياثُ بن جعفر: "سمعتُ ابنَ عيينة يقول: أوَّلُ من أسندني إلى الأسطوانة, مِسعر بن كدام, فقلت له: إنِّي حَدَثٌ, قال: إنَّ عندك الزُّهريَّ, وعمرو بن دينار".

 

كان أبي صيرفياً بالكوفة, فركبه دينٌ فحملنا إلى مكة, فصرتُ إلى المسجد, فإذا عمرو بن دينار, فحدَّثني بثمانيةِ أحاديث, فأمسكتُ له حماره حتى صلَّى, وخرج, فعرضتُ الأحاديثَ عليه, فقال: بارك الله فيك.

 

ثناءُ العلماء عليه

 

قال أبو نعيم: "ومنهم الأمام الأمين, ذو العقل الرَّصين, والرأي الراجح الرَّكين, المستنبط للمعاني, والمرتبط للمباني؛ أبو محمد سُفيان بن عيينة الهلالي؛ كان عالماً ناقداً وزاهداً عابداً؛ علمُه مشهور, وزهدُه معمور".

 

قال الذهبيُّ: "طلب الحديث؛ وهو حَدَث, بل غلام, ولقي الكبار, وحمل عنهم علماً جماً, وأتقن, وجوَّد, وصنَّف, وعمَّر دهراً, وازدحم الخلقُ عليه, وانتهى إليه علوُّ الإسناد, ورُحل إليه من البلاد, وألحق الأحفاد بالأجداد".

 

وقال عليُّ بن المدينيِّ: "ما من أصحاب الزُّهريِّ أحدٌ, أتقنُ من سفيانَ بن عيينة".

 

وقال أحمد بن عبدالله الجليُّ: "كان ابنُ عيينةَ ثبتاً في الحديث؛ وكان حديثُه نحواً من سبعةِ آلاف, ولم تكن له كتب".

 

وقال بهز بن أسد: "ما رأيتُ مثلَ سفيان بن عيينة؛ فقيل له: ولا شعبةَ؟ قال: ولا شعبة".

 

وقال يحيى بن معين: "وهو أثبتُ الناس, في عمرو بن دينار".

 

وقال ابنُ المدينيِّ: "قال لي يحيى القطانُ: ما بقيَ من معلميَّ أحدٌ غيرُ سفيان ابن عيينة؛ وهو إمامٌ منذ أربعين سنة".

 

وقال ابن المبارك: "سُئل سفيانُ الثوريُّ عن سفيان بن عيينة, فقال: ذاك أحدُ الأحدين, ما أغربه"!.

 

وقال ابو حاتم الرازيُّ: "سُفيان بن عيينة, إمامٌ, ثقة, كان أعلمَ بحديث عمرو ابن دينار من شعبةَ", قال: "وأثبتُ أصحاب الزهريِّ هو ومالك".

 

وقال الربيع بن سليمان: "سمعتُ الشَّافعيَّ يقول: لولا مالكٌ وسفيان؛ لذهب علمُ الحجاز".

 

وقال عليٌّ: "وسمعت بشر بن المفضل, يقول: ما بقي على وجه الأرض أحدٌ, يُشبه سفيان بن عيينة".

 

وقال عثمانُ بن سعيد الدراميُّ: "سألت يحيى بن معين؛ قلت له: ابنُ عيينةَ أحبُّ إليك, في عمرو بن دينار, أو الثوريُّ؟ فقال: ابنُ عيينةَ أعلمُ به, قلت: فابنُ عيينةَ أحبُّ إليك فيه, أو حمادُ بن زيد, قال: ابنُ عيينة أعلمُ به, قلت: فشعبة؟ قال: وأيش روى عنه شعبة!؟ إنما روى عنه نحواً من مائة حديث".

 

وقال محمد بن إسحاق: "وكان ثقة, ثبتاً, كثير الحديث, حجةً, توفِّي؛ وهو ابن إحدى وتسعين سنة".

 

سعة علمه

 

قال حرملة بن يحيى: "سمعت الشافعيَّ يقول: ما رأيتُ أحداً من الناس فيه من آلة العلم, ما في سفيان بن عيينة, وما رأيت أحداً أكفأ في الفتيا منه".

 

قال الشافعيُّ: "وجدت أحاديث الأحكام كلها, عند ابن عيينة, سوى ستة أحاديث, ووجدتُها كلَّها عند مالك, سوى ثلاثين حديثاً".

 

قال الذهبيُّ: "فهذا يوضِّح لك, سعة دائرة سفيان في العلم؛ وذلك لأنه ضم أحاديث العراقيين, إلى أحاديث الحجازيِّين, وارتحل, ولقي خلقاً كثيراً, ما لقيهم مالك, وهما نظيران بالإتقان".

 

وقال عبد الرحمن بن مهديِّ: "كان ابنُ عيينة من أعلم الناس بحديث الحجاز".

 

وقال ابن وهب: "لا أعلم أحداً, أعلمَ بالتفسير من ابن عيينة". وقال أحمد: "ما رأيت أعلم بالسُّنن منه".

 

ولقد كان خلقٌ من طلبة الحديث يتكلَّفون الحجَّ, وما المحرك لهم سوى لقي سفيان بن عيينة, لإمامته وعلوِّ إسناده.

 

وجاور عنده غيرُ واحد من الحفاظ.

 

ومن كبار أصحابه المكثرين عنه: الحميديُّ, والشافعيُّ, وابن المديني, وأحمد, وإبراهيم الرماديُّ.

 

قال الإمام الشافعيُّ: "لولا مالك وسفيان بن عيينة لذهب علم الحجاز".

 

 قال حرملة: "سمعت الشافعيَّ يقول: ما رأيتُ أحداً فيه من آلة العلم ما في سفيان بن عيينة, وما رأيت أكفَّ عن الفُتيا منه، قال: وما رأيت أحداً أحسن تفسيراً للحديث منه".

 

قال عليُّ بن المديني: "ما في أصحاب الزهريِّ أحدٌ أتقنَ من سفيان بن عيينة".

 

اتِّباعه للسنة

 

قال الذهبي: "كان سفيانُ صاحب سنة, واتِّباع".

 

قال الحافظ ابن أبي حاتم: "حدثنا محمد بن الفضل بن موسى, حدثنا محمد بن منصور الجواز, قال: رأيت سفيان بن عيينة, سأله رجل: ما تقول في القرآن؟ قال: كلام الله؛ منه خرج, وإليه يعود".

 

وقال محمد بن إسحاق الصاغاني: "حدثنا لورين, قال: قيل لابن عيينة: هذه الأحاديث التي تُروى في الرؤية؟ قال: حقٌّ على ما سمعناها؛ ممَّا نثق به ونرضاه".

 

وقال إبراهيم بن سعيد الجوهريُّ: "سمعتُ ابن عيينة يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص".

 

وقال أحمد بن إبراهيم الدروقي: "حدثني أحمد بن نصر قال: سألت ابن عيينة وجعلت ألحُّ عليه, فقال: دعني أتنفَّس, فقلت: كيف حديثُ عبدالله, عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الله يحملُ السَّماوات على إصبع".

 

وحديث: "إنَّ قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرَّحمن".

 

وحديث: "إنَّ الله يَعجب أو يَضحكُ ممَّن يذكرُه في الأسواق".

 

فقال سفيان: "هي كما جاءت نُقِرُّ بها ونُحدِّث بها بلا كيف".

 

وقال أبو العباس السراج في تاريخه: "حدَّثنا عباس بن أبي طالب، حدثنا أبو بكر عبدالرحمن بن عفان, سمعت ابن عيينة في السنة التي أخذوا فيها بشراً المريسي بمنى, فقام سفيان في المجلس مغضباً, فقال: لقد تكلّموا في القدر والاعتزال, وأمرنا باجتناب القوم, رأينا علماءنا, هذا عمرو بن دينار, وهذا محمد بن المنكدر, حتى ذُكر أيوب بن موسى, والأعمش, ومسعراً, ما يعرفونه إلا كلام الله, ولا نعرفُه إلا كلام الله, فمن قال غير ذا, فعليه لعنةُ الله مرتين, فما أشبهَ هذا بكلام النصارى، فلا تجالسوهم".

 

زهده وأقواله في الزهد:

 

قال أحمد بن أبي الحواري: "قلتُ لسفيان بن عيينة: ما الزهد في الدنيا؟ قال: إذا أُنعم عليه, فشكر, وإذا ابتلى ببلية فصبر, فذلك الزُّهد".

 

وقال المسيب بن واضح: "سُئل ابن عيينة عن الزهد, قال: الزُّهد فيما حرَّم الله, فأمَّا ما أحلَّ الله؛ فقد أباحه الله؛ فإنَّ النَّبيِّين قد نكحوا, وركبوا, ولبسوا, وأكلوا, لكن الله نهاهم عن شيءٍ, فانتهوا عنه, وكانوا به زهاداً".

 

وعن أحمد بن عبده، حدثنا سفيان بن عيينة, قال: "الزهد في الدنيا: الصبر, وارتقاب الموت".

 

وعن حرملة بن يحيى قال: "أخذ سفيان بن عيينة بيدي, فأقامني في ناحية, وأخرج من كُمِّه رغيف شعير, وقال لي: دع -يا حرملة- ما يقولُ الناس: هذا طعامي منذ ستين سنة".

 

دررٌ من أقواله

 

عن محمد بن ميمون الخياط, قال: "سمعتُ سفيان بن عيينة يقول: إذا كان نهاري نهارَ سفيهٍ, وليلي ليلَ جاهل, فما أصنعُ بالعلم الذي جمعت".

 

وعن إبراهيم الجوهريِّ قال: "سمعت سفيان بن عيينة, يقول: إنما أربابُ العلم الذين هم أهله, الذين يعملون به".

 

وعن عليِّ بن الجعد قال: "سمعت سفيان بن عيينة, يقول: من زِيدَ في عقله, نقص من رزقه".

 

وعن سيد بن داود, عن ابن عيينة قال: "من كانت معصيته في الشهوة؛ فارجُ له التوبة؛ فإنَّ آدم – عليه السلام – عصى مشتهياً, فغُفر له, وإذا كانت معصيته في كبر؛ فأخشى على صاحبه اللَّعنة؛ فإنَّ إبليس عصى مستكبراً, فلُعن".

 

وعن أبي معمر قال: "حدَّثنا سفيان بن عيينة, قال: ليس العالمُ الذي الذي يَعرف الخير والشر؛ إنما العالم الذي يعرف الخيرَ فيتَّبعه, ويعرف الشر فيجتنبه".

 

وعن أحمد بن محمد بن أيوب، قال: "اجتمع الناس إلى سفيان بن عيينة, فقال: أحوجُ الناس إلى العلم العلماءُ؛ وذلك أنَّ الجهل بهم أقبح؛ لأنهم غاية الناس, وهم يُسألون".

 

وعن سفيان بن عيينة قال: "كان يُقال: جالس الحكماء؛ فإنَّ مجالستهم غنيمة, وصحبتهم سليمة, ومؤاخاتهم كريمة".

 

أبي موسى الأنصاريِّ, قال: "مِن أبرِّ البرِّ؛ كتمانُ المصائب, قال: وسمعتُ سفيان: لا تكن مثل العبد السوء, لا يأتي حتى يُدعى؛ ائت الصلاة قبل النداء, قال: وسمعت سفيان, يقول: قال رجل: من توقير الصلاة أن تأتيَ قبل الإقامة".

 

وعن إبراهيمَ بن الأشعث قال: "حدَّثنا سفيانُ بن عيينة, قال: كان يُقال: أشدُّ الناس حسرةً يوم القيامة ثلاثةٌ: رجلٌ كان له عبد؛ فجاء يومَ القيامة, أفضلَ عملاً منه, ورجل له مال؛ فلم يتصدق منه؛ فمات, فورثه غيرُه, فتصدَّق منه, ورجل عالمٌ, لم ينتفع بعلمه, فعلَّمه غيرَه, فانتفع به".

 

وقال أبو أيوب سليمان بن داود, عن سفيان بن عيينة: "كان يُقال: إنَّ العاقل إذا لم ينتفعْ بقليل الموعظة؛ لم يزدد على الكثير منها إلا شراً".

 

قال محمد بن يوسف الفريابيُّ: "كنت أمشي مع ابن عيينةَ, فقال لي: يا محمدُ, ما يُزهدني فيك إلا طلبُ الحديث, قلت: فأنت يا أبا محمد, أيُّ شيء كنت تعمل إلا طلب الحديث؟ فقال: كنتُ إذ ذاك صبياً لا أعقل".

 

قلت: "إذا كان مثلُ هذا الإمام يقولُ هذه المقالة في زمن التابعين, أو بعدهم بيسير, وطلبُ الحديث مضبوطٌ بالاتفاق, والأخذُ عن الأثبات الأئمة, فكيف لو رأى سفيان رحمه الله طلبة الحديث في وقتنا, وما هم عليه من الهنات والتَّخبيط, والأخذ عن جهلة بني آدم"!

 

أما الخيامُ فإنها كخيامهم  *** وأرى نساء الحيِّ غيرَ نسائها

 

وعن ابن عيينةَ قال: "الورعُ طلب العلم الذي يعرف به الورع".

 

ويُروى أنَّ سفيان كان يقول في كل موقفٍ: "اللهمَّ لا تجعله آخر العهد منك, فلما كان العامُ الذي مات فيه لم يقل شيئاً, وقال: لقد استحييتُ من الله تعالى".

 

وفاتـــــــه

 

عن الحسن بن عمران بن عيينة بن أبي عمران ابن أخي سفيان, قال: "حججتُ مع عمِّي سفيان, آخرَ حجةٍ حجَّها؛ سنة سبع وتسعين ومائة, فلمَّا كنا بجمع, وصلى, استلقى على فراشه, ثم قال: وقد وافيتُ هذا الموضع, سبعين عاماً, أقول في كل سنة: اللَّهمَّ لا تجعله آخر العهد من هذا المكان, وإنِّي قد استحييت الله؛ من كثرة ما أسأله ذلك, فرجع, فتُوفِّى في السنة الداخلة؛ يوم السبت؛ أولَ يوم من رجب؛ سنة ثمان وتسعين ومائةٍ ودُفن بالحجون".

 

رحمه الله رحمة واسعة, وأسكنه فسيح جناته.

 

 

------------------------------------------

المراجع والمصادر :

 

 

سير أعلام النبلاء ،

صفة الصفوة ،

الطبقات،

تذكرة الحفاظ ،

تهذيب الكمال ،

شذرات الذهب ،

البداية والنهاية ،

وفيات الأعيان ،

حلية الأولياء ،

تاريخ بغداد ،

تهذيب الأسماء واللغات ،

من أعلام السلف.

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات