اكتشاف الموهوبين في الهدي القرآني والنبوي

جمال القرش

2022-10-09 - 1444/03/13
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

الفراسة: إدراك الأشياء بقوة الذكاء ووفرة الفطنة، وقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يتفرس في أصحابه ليكتشف النابغين والموهوبين منهم، ومن ذلك تفرسه لعبد الله بن الزبير بن العوام، أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق..

الموهبة: استعداد فطري لدى المرء للبراعة في فن أو نحوه، وقيل: القدرة المعرفية الابتكارية في التفكير والإنتاج، والمواهب العالية في مجالات خاصة.

 

والموهبة في بدايتها محض نعمة من الله وفضل ويكتمل نضجها بعوامل مكتسبة من أهمها البيئة الصالحة، والعناية بأسباب صَقْلها كالتعليم والتدريب.

 

والموهوب: مَن وهبه الله استعدادًا عقليًا أو نفسيًا أو بدنيًا عاليًا، ثم تميز به في مجال من المجالات النافعة لأمته.

 

1- اكتشاف الموهوبين في الإسلام، ومن صور اكتشاف النبي لقدرات الصحابة:

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ"(الترمذي، وانظر صحيح الترمذي/ 3791).

 

2- واكتشف ابن عباس -رضي الله عنهما-

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ"(البخاري/75، ومسلم/2477).

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ الْخَلاءَ فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا قَالَ مَنْ وَضَعَ هَذَا فَأُخْبِرَ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ"(مسلم/ 2477).

 

3- واكتشف أبا عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه-

عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِين هذه الأُمَّةُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ"(متفق عليه: البخاري/3744، مسلم/ 2419).

 

4- واكتشف قُراء الصحابة -رضوان الله عليهم-

عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَبَدَأَ بِهِ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ"(متفق عليه: البخاري/ 3808، مسلم/ 2464).

 

5- واكتشف مواهب أهل اليمن

عن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً الإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْفِقْهُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ"(متفق عليه).

 

ومن صور رعاية الموهوبين في الهدي القرآني والنبوي:

* الإشادة بأصحاب القدرات العالية: ومن أمثلة ذلك:

(أ) الإشادة بقوة موسى -عليه السلام- وأمانته يظهر ذلك في قصة شعيب عندما مدحت إحدى ابنتي شعيب موسى -عليه السلام-، قال تعالى: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ)[القصص: 26] .

 

(ب) مدح المؤمن القوي، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن القوي خير عند الله من المؤمن الضعيف، وفي كل الخير… "(رواه مسلم/ 465).

 

* إسناد المهمات العظيمة لذوي المواهب الخاصة: ومن أمثلة ذلك:

(أ) اختيار موسى لأخيه هارون وزيرًا له بسبب فصاحة لسانه، وقوة بيانه، قال تعالى: (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ)[القصص:34].

 

(ب) اصطفاء طالوت على سائر بني إسرائيل لعلمه وقوته، قال تعالى: (قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ)[البقرة:247].

 

(ج) اصطفاء ملك مصر ليوسف -عليه السلام-، وتمكينه في دولته لما ظهرت مواهبه في العلم، والخلق الكريم، وتأويل الرؤى، (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ)[يوسف:54](1).

 

* الاهتمام بذوي القدرات وإكسابهم مهارات تؤهلهم للقيادة:

ومن أمثلة ذلك: اختيار موسى لفتاه (يوشع بن نون) أثناء سفره ورحلته مع الخضر، لنبوغه، واستعداده، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً)[الكهف:60]. وقد ظهرت أثار تلك الرعاية، حيث أصبح الغلام عالم بني إسرائيل بعد موت موسى -عليه السلام-.

 

* الإشارة إلى استثمار المواهب قبل أن تسبق إليه قوى الشر:

ومن صور ذلك: حادثة أصحاب الأخدود، حيث استثمر الراهب قدرات الغلام الموهوب، وخلصه من علم الكاهن الفاسد.

 

* وسائل الكشف عن الموهوبين:

ملاحظة الموهبة في سنٍ مبكر: ِومن أمثلة ذلك:

ظهور موهبة على بن أبي طالب -رضي الله عنه- مبكرًا، حيث أسلم وهو ابن عشر سنين، وامتاز بشجاعة فائقة وهو في سن الشباب، عندما نام مكان النبي -صلى الله عليه وسلم- ولبس ثوبه -رضي الله عنه-، فقربه النبي -صلى الله عليه وسلم- منه، وأحاطه برعاية خاصة، وزوجه ابنته فاطمة، وكان شجاعًا مقدامًا، عندما كبر، فعن أَبِي بُرَيْدَةُ -رضي الله عنه- قَالَ: حَاصَرْنَا خَيْبَرَ فَأَخَذَ اللِّوَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَانْصَرَفَ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْ الْغَدِ، فَخَرَجَ فَرَجَعَ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ، وَأَصَابَ النَّاسَ يَوْمَئِذٍ شِدَّةٌ وَجَهْدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي دَافِعٌ اللِّوَاءَ غَدًا إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، لا يَرْجِعُ حَتَّى يُفْتَحَ لَهُ، فَبِتْنَا طَيِّبَةٌ أَنْفُسُنَا أَنَّ الْفَتْحَ غَدًا، فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلَّى الْغَدَاةَ، ثُمَّ قَامَ قَائِمًا، فَدَعَا بِاللِّوَاءِ وَالنَّاسُ عَلَى مَصَافِّهِمْ، فَدَعَا عَلِيًّا وَهُوَ أَرْمَدُ فَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ اللِّوَاءَ، وَفُتِحَ لَهُ"(رواه أحمد رقم/ 21915).

 

* الفراسة:

الفراسة: إدراك الأشياء بقوة الذكاء ووفرة الفطنة، وقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يتفرس في أصحابه ليكتشف النابغين والموهوبين منهم، ومن ذلك تفرسه لعبد الله بن الزبير بن العوام، أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق.

 

عن عُرْوَة بْن الزُّبَيْرِ وَفَاطِمَة بِنْت الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُمَا قَالا خَرَجَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ حِينَ هَاجَرَتْ وَهِيَ حُبْلَى بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَدِمَتْ قُبَاءً فَنُفِسَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ خَرَجَتْ حِينَ نُفِسَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِيُحَنِّكَهُ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْهَا فَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَكَثْنَا سَاعَةً نَلْتَمِسُهَا قَبْلَ أَنْ نَجِدَهَا، فَمَضَغَهَا، ثُمَّ بَصَقَهَا فِي فِيهِ، فَإِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ بَطْنَهُ لَرِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ قَالَتْ أَسْمَاءُ ثُمَّ مَسَحَهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ، ثُمَّ جَاءَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ لِيُبَايِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ الزُّبَيْرُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -عليه الصلاة والسلام- حِينَ رَآهُ مُقْبِلا إِلَيْهِ ثُمَّ بَايَعَهُ"(رواه مسلم/ 2998).

 

* الوراثة:

الوراثة إحدى وسائل اكتشاف الموهوبين، باعتبار أنها عامل أساسي في نقل بعض الصفات الأساسية كالذكاء، وسمات الشخصية، ومن صور ذلك:

عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول وهو يوصي رجلاً: "يا فلان أقل من الدين تكن حرًا، وأقل من الذنوب يهن عليك الموت، وانظر في أي نصاب تضع ولدك، فإن العرق دساس"(مسند الشهاب/ ج1/270).

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم"(رواه ابن ماجه رقم/ 1968).

 

* اختبارات الذكاء: وهي عبارة عن طرح أسئلة لاكتشاف القدرات، والمواهب، وقد فعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه، ليختبر مع عندهم من العلم (1).

عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟! فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّه: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ"(رواه البخاري/ 59) .

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات