اسْتَنْوَق الجملُ واسْتَدْيَكت الدَّجاجة بمكر التغريبيين للبلاد السعودية

عبد المحسن بن حمد العباد البدر

2022-10-09 - 1444/03/13
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

وفي تولية النساء على الرجال وذُلِّ الرِّجال أمام النساء اختلالٌ للموازين وقلبٌ للحقائق، وتقديم للحرث على الحارث، والمقوم عليه على القوَّام، فأصبح المؤخَّر مقدَّماً والمقدَّمُ مؤخَّراً، والتابع متبوعاً والمتبوع تابعاً، والله المستعان، قال الشاعر كما في معجم الأدباء لياقوت الحموي (17/198)..

 

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

 

أما بعد، فقد كتبت كلمة بعنوان «بيان جناية التغريبيين ‏على العهد السلماني والعهد الذي قبله» نشرت ‏بتاريخ 10/1/1438هـ، ‏ذكرت فيها ‏أن التغريبيين ‏الماكرين بالبلاد السعودية حكومة وشعبا سعوا ‏جاهدين لتحول النساء‏ فيها من المحافظة ‏على احتجابهن‏ وبعدهن ‏عن مخالطة الرجال ‏إلى سفورهن ‏‏عن وجوههن ‏واختلاطهن ‏بالرجال، وذلك في عهد الملك عبد الله -رحمه الله-، حيث دخلت ‏‏فيه ثلاثون امرأة في مجلس الشورى ‏جلسن مع الرجال في جلسات المجلس وفيهن السافرات عن وجوههن، ‏وإنه في العهد السلماني ‏تم دخول النساء في بعض المجالس البلدية بناء على ‏ما اتخذ في عهد الملك عبد الله -رحمه الله- ‏من دخولهن في المجالس البلدية ترشحا وترشيحا عند بدء الدورة الجديدة، وقلت في تلك الكلمة: «وقد أساء التغريبيون الماكرون بالبلاد السعودية حكومة وشعبا بتخصيص العهد السلماني بالسعي لإحداث ثلاثة أشياء هي: إصدار تنظيم لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ترتب عليه إضعافها وذهاب هيبتها، وقد كتبت بمناسبته كلمة بعنوان: «التغريبيون المتبعون للشهوات يريدون أن تميل هذه البلاد ميلا عظيما» نشرت في 14/7/1437هـ.

 وسعيهم لإنشاء هيئة عامة للترفيه يخشى فيها تجاوز ما هو مباح إلى ما لا يجوز شرعا مما سلمت منه هذه البلاد فيما مضى، مثل افتتاح دور السينما التي تسخط الله وتدمر الأخلاق، وسبق أن كتبت في ذلك كلمة بعنوان: «بيان خطورة افتتاح دور السينما في بلاد الحرمين» نشرت في 1/1/1430هـ، وسعيهم لتعيين وكيلة لرئيس الهيئة العامة للرياضة للقسم النسائي».

 

ومما زاد الطين بله والخرق اتساعا بعد ذلك ‏تعيين امرأة عميدة لكلية الطب بالطائف ‏تكون مرجعا للرجال مدرسين وطلابا‏، وقد نشرت هذا الحدث ‏السيئ ‏صحيفة عكاظ بتاريخ 30/5/1438هـ، جاء فيها: «سجلت جامعة الطائف أمس، تعيين أول عميدة في الجامعات السعودية لشطري الطلاب والطالبات، في خطوة جديدة ومهمة في القطاع الأكاديمي، بعد صدور قرار وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى، بتعيين البروفيسورة دلال محيي الدين نمنقاني، عميدة لكلية الطب في الجامعة، وأصبحت الدكتورة نمنقاني بعد صدور القرار الوزاري، رسميا أول عميدة لكلية تضم أعضاء هيئة تدريس وطلابا من الجنسين في الجامعات الحكومية بالمملكة، بعد أن كان يقتصر التعيين في منصب العمادة على الرجال».

 

‏وأيضا تعيين امرأة ‏عضوا في مجلس إدارة شركة السوق المالية السعودية تداول‏ واختيارها ‏رئيسة لهذا المجلس، ‏وقد نشرت هذا الخبر صحيفة الرياض بتاريخ 28/5/1438هـ،  ذكرت فيه إعادة تشكيل المجلس ‏بقرار مجلس الوزراء رقم (273) بتاريخ 9/5/1438هـ، من سبعة أشخاص منهم امرأة، ‏وأن هذا المجلس ‏اختار في أول جلسة له المرأة وهي: ‏سارة السحيمي لتكون رئيسة ‏لهم.

 

‏وهذه الأحداث المؤلمة التي زُج فيها النساء ‏في الاختلاط بالرجال بل وترئيسهن عليهم ‏توضح انطباق المثل المشهور: ‏«اسْتَنْوَق الجملُ واسْتَدْيَكت الدَّجاجة»، ‏وسبق أن كتبت رسالة بعنوان: ‏العدل في شريعة الإسلام وليس في الديمقراطية المزعومة» طبعت مفردة عام 1426هـ، وضمن مجموع كتبي ورسائلي (6/329ـ375)، من مباحثها ما يلي: «اسْتَنْوَق الجملُ واسْتَدْيَكت الدَّجاجة"

وهذا مثلٌ يُضرَبُ لنزول الرِّجال عن أقدارهم في تشبُّههم بالنساء، وارتفاع النساء عن منازلهنَّ إلى التشبُّه بالرِّجال، وكلٌّ من الأمرين مذمومٌ، ولكنَّه أشدُّ في حقِّ الرِّجال، كما قال الشاعر:

وما عجب أنَّ النِّساءَ ترجَّلت *** ولكن تأنيث الرِّجال عُجابُ

 

وذلك لأنَّ النساءَ في ترجُّلهنِّ يطلبنَ رفعةً مذمومة، والرِّجال يهبطون بتأنُّثهم من علوٍّ إلى سُفل، فهم أشدُّ ذمًّا وأسوأ حظًّا، يتَّضح ذلك بتسلُّط النساء على الرجال في الولايات أو تسليطهنَّ عليهم من قِبَلهم في البلاد الكافرة ومَن اقتدى بهم من المسلمين، فيقف الرجلُ الذي جعل الله له القوامة على النساء أمام المرأة المتسلِّطة أو المسلَّطة وهي بكامل زينتها واضعة حقيبة أدوات التجميل بجانبها، يقف أمامها في ذُلٍّ وهوان، وهذا شيء غير معروف في تاريخ الإسلام، وإنَّما استورده بعضُ المسلمين من حضارات جديدة وديمقراطية مزعومة لا صلةَ لها بالإسلام.

 

وقد لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من تشبَّه من الجنسين بالآخر، ففي صحيح البخاري (5885) عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المتشبِّهين من الرِّجال بالنساء، والمتشبِّهات من النساء بالرِّجال»، وقد حصل في هذا الزمان ما لم يحصل في الجاهلية الأولى من تبرُّج النساء، حتى وصل ذلك في كثير من بلاد المسلمين إلى إخراج بعض النساء في الأسواق والطُرُقات رؤوسَهنَّ ونحورَهنَّ وأذرعهنَّ وأعضادهنَّ وسُوقهنَّ وبعض أفخاذهنَّ، وفي مقابل ذلك أسبل الرِّجال ثيابهم حتى غطوا كعابَهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار» رواه البخاري (5787)، وفي صحيح مسلم (106) عن أبي ذر -رضي الله عنه-، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «ثلاثةٌ لا يُكلِّمهم الله يوم القيامة ولا ينظرُ إليهم ولا يُزكِّيهم ولهم عذابٌ أليم، قال: فقرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرَّات، قال أبو ذر: خابوا وخسروا! مَن هم يا رسول الله؟ قال: المُسبِلُ، والمنَّانُ، والمنفِّقُ سلعتَه بالحلف الكاذب»، فهذا الصنف من الرجال  نُهوا عن الإسبال فأسبَلوا، وذاك الصنف من النساء أُمِرنَ بالحجاب وتغطية أقدامهنَّ فخالفن وأظهرنَ كثيراً من زينتهنَّ، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ثلاثةٌ لا يدخلون الجنَّة: العاقُّ لوالديه، والدَّيوث، ورَجلةُ النساء» (رواه الحاكم (1/72)، وصحَّحه ووافقه الذهبي).

 

والمرأة التي تُمكَّن من الولايات العظمى أو ما دونها من الولايات على الرِّجال من أهل هذا الوعيد في هذا الحديث.

 

وفي تولية النساء على الرجال وذُلِّ الرِّجال أمام النساء اختلالٌ للموازين وقلبٌ للحقائق، وتقديم للحرث على الحارث، والمقوم عليه على القوَّام، فأصبح المؤخَّر مقدَّماً والمقدَّمُ مؤخَّراً، والتابع متبوعاً والمتبوع تابعاً، والله المستعان، قال الشاعر كما في معجم الأدباء لياقوت الحموي (17/198):

قد قُدِّم العَجْبُ على الرُّوَيس *** وشارف الوهدُ أبا قُبيسِ

 

وطاول البقلُ فروعَ الميْس *** وهبت العنز لقرع التيسِ

 

وادَّعت الروم أبًا في قيس *** واختلط الناس اختلاط الحيسِ

 

إذ قرا القاضي حـليف الكـيس *** معـاني الشـعـر على العـبـيــسي».

 

وما أعظم جناية التغريبيين على العهد السلماني في سعيهم لإحداث هذه الأمور الستة السيئة فيه، لاسيما آخرها الذي فيه ترئيس هاتين المرأتين على الرجال؛ فإن ولاية النساء على الرجال دليل على عدم الفلاح؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» رواه البخاري (4425)، وقد قال شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه في مجموع فتاويه (5/224): «ومن المعلوم أن الدعوة إلى سفور المرأة عن وجهها دعوة باطلة ومنكرة شرعا وعقلاً ومناهضة للدين الإِسلامي ومعادية له ... ودعاة السفور المروجون له يدعون إلى ذلك إما عن جهل وغفلة وعدم معرفة لعواقبه الوخيمة، وإما عن خبث نية وسوء طوية لا يعبأون بالأخلاق الفاضلة ولا يقيمون لها وزنا»، إلى أن قال: «إنهم يدعون إلى تحرير المرأة من الفضيلة والشرف والحياء والعفة إلى الدناءة والخسة والرذيلة وعدم الحياء ... والدعوة إلى السفور ورفض الحجاب دعوة لا تعود على المسلمين ذكورهم وإناثهم بخير في دينهم ولا دنياهم، بل تعود عليهم بالشر والفجور وكل ما يكرهه الله ويأباه، فالحكمة والخير للمسلمين جميعا في الحجاب لا السفور في حال من الأحوال»، وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في شرح كتاب رياض الصالحين (2/485): «ثم إن أعداءنا أعداء دين الله، وأعداء شريعته، وأعداء الحياء يريدون أن يُقحِموا المرأة في وظائف الرجال، حتى يُضيِّقوا على الرجال الخناق، ويجعلوا الشباب يتسكَّعون في الأسواق، ليس لهم شغل، ويحصل من فراغهم هذا شر كبير وفتنة عظيمة، لأن الشباب والفراغ والغنى من أعظم المفاسد كما قيل:

إنَّ الشَّباب والفراغَ و الجِده *** مفسدةٌ للمرء أيُّ مَفْسَده

 

فهم يُقحمون النساء الآن بالوظائف الرجالية ويدَعون الشباب، ليفسد الشباب وليفسد النساء. أتدرون ماذا يحدث؟ يحدث بتوظيفهن مع الرجال مفسدة الاختلاط، ومفسدة الزنا والفاحشة، سواء في زنى العين، أو زنى اللسان، أو زنى اليد، أو زنى الفرج، كل ذلك محتمل إذا كانت المرأة مع الرجل في الوظيفة. وما أكثر الفساد في البلاد التي يتوظَّف الرجال فيها مع النساء ... ولا شك أن أعداءنا وأذناب أعدائنا ـ لأنه يوجد فينا أذناب لهؤلاء الأعداء، درسوا عندهم وتلطَّخوا بأفكارهم السيئة، ولا أقول إنهم غسلوا أدمغتهم، بل أقول إنهم لوَّثوا أدمغتهم بهذه الأفكار الخبيثة المعارضة لدين الإسلام».

 

أقول بعد ذكر كلام هذين العالمين الجليلين: من يُصدّق أن التغريبيين المعادين للدولة السعودية سيتم لهم وقوع هذه الأحداث المؤلمة قبل مضي عقدين من الزمان على وفاتهما رحمهما الله، بل وفي العهد السلماني الذي ما كان يُتوقع حصوله فيه؟!

 

وإن من الخير لخادم الحرمين الملك سلمان حفظه الله التخلص من هذه الأحداث وأن يسلم عهده  من إحداث كل ما يعود عليه بالمضرة في الدنيا والآخرة، ومما يحصل للشعب السعودي من تدمير الأخلاق، ومن تعرض البلاد السعودية حكومة وشعبا لما يجلب العقوبات العاجلة والآجلة.

 

وأسأل الله -عز وجل- أن يحفظ على بلاد الحرمين أمنها وإيمانها وسلامتها وإسلامها، وأن يوفق ولاة الأمر فيها لكل خير، وأن يسلّمهم من مكر اعدائهم الذين هم في ثياب أصدقاء الذين يسعون لأن تكون هذه البلاد تابعة لغيرها في الشر لا متبوعة في الخير، إنه سميع مجيب.

 

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات