سطوة القرآن (2ـ 2)

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-09 - 1444/03/13
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

وهكذا نجد الأثر السريع للقرآن، لقد تلقوه مبهورين، يستوي في ذلك المؤمنون والكافرون: هؤلاء يُنبهرون فيؤمنون، وهؤلاء يُنبهرون فيهربون، ثم يتحدث هؤلاء وهؤلاء عما مسَّهم، فإذا هو حديث غامض لا يعطيك أكثر من صورة المسحور المبهور، الذي لا يعلم موضع السحر فيما يسمع من هذا النظم العجيب، وإن كان ليُحس منه في أعماقه هذا التأثير الغريب.

 

 

 

تكلمنا في الجزء الأول عن سطوة القرآن على النفوس والقلوب والمخلوقات جميعاً، فذكرنا سطوته على الجمادات، وسطوته على الجآن، وسطوته على مشركي قريش، ونواصل الكلام عن سطوته على مشركي قريش والعجم من غير العرب وأخيراً الرسول -صلى الله عليه وسلم-والمؤمنين.

 

 خوف المشركين من فتنة نسائهم وأولادهم بسماعهم للقرآن:

لما اشتد أذى المشركين بالمسلمين، وهاجر بعض الصحابة إلى الحبشة، رغب أبو بكر -رضي الله عنه- بالهجرة، فلقيه ابن الدُّغنَّة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض، وأعبد ربي، قال ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يُخرج، إنك لتكسب المعدوم، وتصل الرحم، أنا لك جار، ارجع اعبد ربك ببلدك.

 

فرجع معه وطاف على أشراف قريش وأبلغهم بأنه أجار أبا بكر فرضوا بجواره، وقالوا له: مُر أبا بكر فليعبد ربه في داره، فليصلَّ بها وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن بصلاته، ولا يقرأ في غير داره. فابتنى أبو بكر مسجدًا بفناء داره، فكان كل يوم يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيجتمع عليه نساء المشركين وأبناؤهم يتعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلاً بكَّاءً لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن.

 

وأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم، فقالوا له: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، وإنه قد جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره، وأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا بهذا فانْهَه، وإن أبى أن يفعل ذلك فاسأله أن يرد عليك ذمتك، فإنا كرهنا أن نُخفر ذمتك. فجاء إلى أبي بكر يطلب منه ألا يجهر بتلاوة القرآن الكريم، فقال أبو بكر: إني أرد إليك جوارك، وأرضي بجوار الله ورسوله.

 

فهذه الأخبار تؤكد إقرار المشركين بقوة تأثير القرآن، ولولا الكبر والعناد والحرص على استمرار نفوذهم ومكاسبهم لأسلموا، ويكفي تواصيهم فيما بينهم بالاجتهاد في الحيلولة بين الناس وبين سماعهم للقرآن حتى لا يتأثروا بسماعه فيؤمنوا:( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ([فصلت: 26].

 

 من هنا ندرك حكمة تكليف المسلم بأن يمكن المشركين من سماع كلام الله: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) [التوبة: 6]، ولم يكلف المسلم بما بعد السماع. فالإسماع هو الأداة الأولى والمباشرة لنقل كلام الله إلى الآخرين، وهو الوسيلة الأنسب لفتح القلوب إلى هدى الله.

 

سطوة القرآن في إسلام الأوائل:

وفي مقابل تأثر الكافرين بالقرآن مع عدم إسلامهم بسبب كبرهم وعنادهم، وحرصهم على مصالحهم؛ نجد أن العامل المشترك لإسلام من أسلم من المسلمين الأوائل هو سماعهم للقرآن أيضًا.

 

فهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول في قصة إسلامه: فلما سمعت القرآن رقَّ له قلبي فبكيت، ودخلني الإسلام .

 

 وقال الطفيل بن عمرو الدوسي -رضي الله عنه- وقد حشا في أذنيه كُرسُّفاً؛ لئلا يسمع القرآن: فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله. فسمعت كلاماً حسناً، فقلت في نفسي: واثكل أمي، والله إني لرجل لبيب شاعر، ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ قال: فعرض عليَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-الإسلام، وتلا عليَّ القرآن، فو الله ما سمعت قولاً قط أحسن منه، ولا أمرًا أعدل منه فأسلمت.

 

وهذا الجبير بن مطعم يأتي المدينة مع أسارى بدر فيسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور، فلما قرأ: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) قال جبير: كاد قلبي أن يطير، وفي رواية  وذلك أول ما وقر من الإيمان في قلبي.

 

وحكت أم سلمة -رضي الله عنها- أن النجاشي استقرأ جعفرًا -رضي الله عنه- القرآن، قالت: فقرأ عليه صدرًا من (كهيعص)، فبكى النجاشي، حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى اخضلوا مصاحفهم، حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة .

 

وجاء وفد من نصاري الحبشة إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، لما سمعوا به، فتلا عليهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- كلام الله فلما سمعوا القرآن، فاضت أعينهم من الدمع ثم استجابوا لله، وآمنوا به.

 

والسيرة مليئة بالأحداث التي تؤكد هذا المعنى وكيف أن الأثر الذي كان يُحدثه القرآن في نفس مستمعه هو السبب المباشر في إسلام الأنصار، ومن قبلهم المهاجرين. فهذا هو أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ، وكانا سيدي (الأوس)، قد عزما على إخراج مصعب بن عمير من يثرب بعد أن تزايد عدد من أسلم من أهلها على يديه، وكان مصعب في بستان من بساتين بنى (عبد الأشهل) يدعو الناس إلى الإسلام، ويقرأ عليهم القرآن. فبدأ أُسيد بأن أخذ حربته، ومضى نحو البستان، فلما رآه أسعد بن زرارة مقبلاً قال لمصعب: ويحك يا مصعب، هذا سيد قومه، وأرجحهم عقلاً: أسيد بن حضير، فإن يسلم يتبعه في إسلامه خلق كثير، فاصدق الله فيه. وقف أسيد بن حضير على الجمع، والتفت إلى مصعب وصاحبه أسعد، وقال: ما جاء بكما إلى ديارنا، وأغراكما بضعفائنا؟! اعتزلا هذا الحي إن كانت لكما بنفسيكما حاجة. فالتفت مصعب إلى أسيد قائلا: يا سيد قومه، هل لك في خير من ذلك؟ قال: وما هو؟! قال: تجلس إلينا، وتسمع منا، فإن رضيت ما قلناه قبلته، وإن لم ترضه تحولنا عنكم ولم نعد إليكم. فقال أسيد: لقد أنصفت، وركز رمحه في الأرض وجلس، فأقبل عليه مصعب فكلمه عن الإسلام، وقرأ عليه شيئاً من آيات القرآن، فانبسطت أساريره، وأشرق وجهه، وقال: ما أحسن هذا الذي تقول، ما أجلّ ذلك الذي تتلو!! كيف تصنعون إذا أردتم الدخول في الإسلام؟ قال مصعب: تغتسل وتطهر ثيابك، وتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتصلي ركعتين، ففعل.

 

وهكذا نجد الأثر السريع للقرآن، لقد تلقوه مبهورين، يستوي في ذلك المؤمنون والكافرون: هؤلاء يُنبهرون فيؤمنون، وهؤلاء يُنبهرون فيهربون، ثم يتحدث هؤلاء وهؤلاء عما مسَّهم، فإذا هو حديث غامض لا يعطيك أكثر من صورة المسحور المبهور، الذي لا يعلم موضع السحر فيما يسمع من هذا النظم العجيب، وإن كان ليُحس منه في أعماقه هذا التأثير الغريب.

 

سطوة القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم:

 لقد كان حبه -صلى الله عليه وسلم- للقرآن، واهتمامه به لا يُوصف، فقد سيطر القرآن على عقله، واستحوذ على مشاعره، وبلغت قوة تأثيره عليه أن شيَّب شعره، فقد دخل عليه يوماً أبو بكر -رضي الله عنه- فقال له: شبت يا رسول الله قبل المشيب. فقال له مبينًا السبب: " شيبتني هود وأخواتها قبل المشيب ".

وفي يوم من الأيام قال لعبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "اقرأ عليَّ القرآن"، فقال: أقرأ عليك، وعليك أُنزل؟!، قال: "إني أحب أن أسمعه من غيري". قال: فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا جئت إلى هذه الآية (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا) [النساء:41] قال: "حسبك"، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.

لقد تشبع -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن تشبعًا تامًا، وتأثر به تأثرًا بالغًا لدرجة أن الإمام الشافعي - رحمه الله- يعتبر أن كل ما حكم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو مما فهمه من القرآن. لقد اختلطت معاني القرآن بشخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وامتزجت بها، فصارت تتمثل واقعًا حياً في شخصه، وكأن القرآن أصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرً*رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ) [الطلاق: 10، 11] لقد كان بحق: قرآنا يمشي على الأرض، لذلك عندما سئلت السيدة عائشة -رضي الله عنها-عن خلقه -صلى الله عليه وسلم- قالت: كان خلقه القرآن، يرضي لرضاه، ويسخط لسخطه .

 

 

سطوة القرآن على الجيل الأول: 

ذاق صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حلاوة الإيمان من خلال القرآن، وأدركوا قيمته وقدرته الفذة على التغيير وبث الروح، فأقبلوا عليه، وانشغلوا به، وأعطوه الكثير من أوقاتهم، وانجذبت مشاعرهم نحوه عند لقائهم به لدرجة الاستغراق والهيمنة، حتى أصبحوا لا يملكون دمعهم حين يبدأون التلاوة، بل إن بعضهم كان يمرض من شدة أثر القرآن عليه، والبعض الآخر كانت الأنوار تشاهد في داره عند قراءته، والكثير منهم كان يعيش مع آية من الآيات ساعات طوالاً يقرؤها ويكررها ويبكي، ولا يملُّ من ذلك. وإليك أخي بعضًا من الأخبار التي وردت عن مظاهر تأثر الصحابة -رضوان الله عليهم- بالقرآن:

في أثناء مرض الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال لمن حوله: "مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس". فقالت عائشة: يا رسول الله، إن أبا بكر رجل رقيق، إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه".

 

 وعن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر كيف كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سمعوا القرآن؟ قالت: "تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله" .

 

وكان عمر بن الخطاب يمر بالآية فتخنقه، فيبقى في بيته أيامًا يُعاد، يحسبونه مريضًا.

 

وفي يوم من الأيام قال بعض الصحابة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألم تر ثابت بن قيس بن شماس لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح؟! قال: "فلعله قرأ بسورة البقرة"، فسُئل ثابت، فقال: قرأت سورة البقرة.

 

وقال رجل من أهل مكة لمسروق – أحد التابعين-: هذا مقام أخيك تميم الداري، لقد رأيته ذات ليلة حتى أصبح أو كاد أن يصبح يقرأ آية من كتاب الله، يركع ويسجد ويبكي )أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) فلم يزل يرددها حتى أصبح.

وكان عباد بن بشر يقوم بحراسة المسلمين بعد أن عسكروا في مكان، وأخلدوا للنوم وهم في طريق عودتهم من غزوة ذات الرقاع، ولما وجد الجو هادئًا بدأ في الصلاة وقراءة القرآن، وفي أثناء ذلك لمحه أحد المشركين فأصابه بسهم فلم يتحرك من مكانه، بل نزعه وأكمل صلاته، ثم رماه بسهم ثان فنزعه وأكمل صلاته، ثم رماه بثالث فنزعه وركع وسجد وسلَّم وأيقظ صاحبه عمار بن ياسر، ولما سأله عمار لماذا لم توقظني منذ أول سهم؟ قال له: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها فلما تابع عليَّ الرمي ركعت فآذنتك، وأيم الله لولا أن أُضيَّع ثغرًا أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها، لقد كان شعوره -رضي الله- عنه بلذة القراءة، أشد بكثير من شعوره بالألم!!

 

 وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لما نزلت (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا) وأبو بكر الصديق قاعد فبكى حين أنزلت، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما يبكيك يا أبا بكر؟ قال: يبكيني هذه السورة.

 

 وهذا أسيد بن حضير بينما كان يقرأ في الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت. فقرأ فجالت الفرس، فسكت وسكنت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف وكان ابنه يحيى قريباً منها، فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره رفع رأسه في السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال له: "اقرأ يا ابن الحضير، اقرأ يا ابن الحضير" قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريباً، فرفعت رأسي فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظُلَّة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال: "وتدري ما ذاك؟ "قال: لا، قال: تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها، لا تتوارى منهم".

 

 وعن البراء قال: قرأ رجل الكهف، وفي الدار دابة، فجعلت تنفر، فنظر فإذا ضبابة أو سحابة قد غشيته، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "اقرأ فلان! فإنها السكينة تنزلت عند القرآن، أو تنزلت للقرآن ".

 وعن أبي غزية الأنصاري قال: كان رجل من الأنصار قائمًا يقرأ، فجاءت كهيئة القبة السوداء، فيها كهيئة الصلاصل، حتى أظلته، ففزع، ونفر فرسه، فانصرفت على فرسه فارتفعت، فلما أصبح أتى رسول الله -صلى الله- عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تلك السكينة أَذِنَتْ القرآن حين سمعته، أما إنك لو ثبت رأيت منها عجبا".

 

 وروى الزهري أن عبد الله بن عباس كان يُقرئ عبد الرحمن بن عوف في خلافة عمر بن الخطاب قال عبد الله بن عباس: لم أر أحدًا يجد من القشعريرة ما يجد عبد الرحمن عند القراءة.

 

 ولما قدم أهل اليمن المدينة في زمن أبي بكر -رضي الله عنه- فسمعوا القرآن، فجعلوا يبكون، فقال أبو بكر الصديق: هكذا كنا ثم قست القلوب.

 

 عن عبيد بن عمير قال: صلى بنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- صلاة الفجر فافتتح سورة يوسف فقرأها حتى إذا بلغ (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) [يوسف: 84] بكى حتى انقطع فركع.

 

 وعن عبد الله بن أبي مليكة قال: صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة، فكان يصلي ركعتين، فإذا نزل قام شطر الليل، ويرتل القرآن حرفاً حرفاً، ويكثر في ذلك من التسبيح والنحيب.

 

سطوة القرآن على العجم: 

الانفعالات وما يصاحبها من قشعريرة ووجل وخشوع وسجود حال سماع القرآن، ليست مجرد افتراضات نظرية أو أحوال مثالية يذكرها لنا القرآن من باب التحفيز، بل لقد تكررت صورها كثيرًا عبر العصور، ولا تزال تتكرر وإن كانت أقل بكثير من الماضي لأسباب عديدة ليس منها أبدًا فقدان القرآن لخاصية تأثيره على القلوب، فالمعجزة القرآنية لا زالت وستظل تعمل حتى قيام الساعة، فهي محفوظة بحفظ الله. ولكن العجيب أن هذه الأحوال قد طرأت حتى على غير العرب. فمشركو قريش قد تأثروا بالقرآن وخضعوا لسلطانه لأنهم كانوا أرباب البيان والبلاغة، ومع ذلك عجزوا أن يأتوا بسورة من مثله، ولكن أن يخضع غير العرب الذين لا يعلمون شيئاً عن إعجازات البلاغة القرآنية، فهذا هو حقاً عنوان سطوة القرآن على النفوس والقلوب.

 

المستشرقة الانجليزية (هوني) التي نشأت في أسرة انجليزية مسيحية، وشغفت بالفلسفة ثم سافرت إلى كندا لإكمال دراستها، وهناك في الجامعة أتيح لها أن تتعرف على الإسلام، وأن تنتهي إليه. تقول (هوني) واصفة حالها مع لقاءاتها الأولى بالقرآن:

"لن أستطيع مهما حاولت، أن أصف الأثر الذي تركه القرآن في قلبي، فلم أكد أنتهي من قراءة السورة الثالثة من القرآن حتى وجدتني ساجدة لخالق هذا الكون، فكانت هذه أول صلاة لي في الإسلام ".

 

 ذكر الدكتور نجيب عبدالله الرفاعي ضمنه تجارب واقعية أجراها بنفسه بقراءة القرآن ـ آية الكرسي تحديداً ـ على غير المسلمين ممن يقابلهم أثناء سفره أو مشاركته في دورات تدريبية في البلاد الأجنبية منذ عام 1995، إذ أبى أن يأخذ منهم علماً دنيوياً دون أن يهديهم ما يفيدهم وإن كان لحظات يوصل إليهم فيها رسالة الإسلام بكلام الله أداء لواجب الدعوة إليه سبحانه، و نتائج القراءات كانت عجيبة جداً، وكان بعضهم تترقرق عيناه بالدمع وقد يبكي بشدة، وبعضهم كان يشرح بعض المعاني التي دارت بذهنه وهو يسمع القراءة دون أن يفهم العربية، و كان قد خضع قرابة 300 فرد لهذه التجربة فردياً و جماعيا ومن التعليقات التي قالها من سمعوا القراءات واصفين شعورهم أو ما خيل لهم أنهم فهموه:  أمان ـ سلام ـ وقاية وحماية ـ طاقة جبارة ـ كأنها شعاع نوراني يحيط بنا ويحمينا جميعاً ـ ذبذبات مريحة دخلت جسمي ـ وجدت فيه الهداية الذاتية ـ سعادة وفرح داخلي ـ كأنه بوابة مفتوحة مع الإله.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات