لغة الجسد في التعليم النبوي

سليمان بن أحمد السويد

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

قال أبو قتادة -رضي الله عنه-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على المِنبر للأنصار: "ألا إنَّ الناس دثاري، والأنصار شعاري، لو سلك الناس واديًا وسلكَت الأنصارُ شعبة لاتبعتُ شعبة الأنصار، ولولا الهجرةُ لكنت رجلًا من الأنصار، فمن وَلي من الأنصار فليُحسن إلى مُحسنِهم، وليتجاوز عن مُسيئهم، ومن أفزعهم فقد أفزع هذا الذي بين هاتَين" وأشار إلى نفسِه صلى الله عليه وسلم؛ (رواه أحمد).

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة وهدًى للعالمين؛ قال صلى الله عليه وسلم: "... إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا، ولكن بعثَني معلِّمًا ميسرًا"؛ (رواه مسلم).

وقد بلَغ عليه صلوات ربي وسلامه الغايةَ في الكمال البشري في تعليمه.

 

سنتطرق في هذه المقال إن شاء الله تعالى لأسلوبٍ وجانبٍ واحد من الأساليب النبوية في التعليم؛ ألا وهو لغة الجسد، وسيكون البحث من خلال ما جمعه صاحب كتاب "الوسائل التعليمية في السنة النبوية، مسند الإمام أحمد نموذجًا" فهد بن إبراهيم الفعيم؛ حيث قسم رسالته إلى قسمين:

• استخدام الجسم وأجزائه كوسيلة تعليمية.

 

• استخدام الجمادات وما في حكمها كوسيلة تعليمية.

 

ومَن قرأ الرسالة ظهر له جليًّا حجم عناية النبي -صلى الله عليه وسلم- واستخدامه للُغة الجسد في تعليمه وتوجيهاته.

 

والرسالة جمعَت المادة مع تعليقات تربوية نافعة من قِبل المؤلف وفقه الله، فأحببت في هذا المقال القيامَ بأمرين:

تسليط الضوء على هذا الجانب.

 

والأمر الثاني: تصنيف ما ورد في استخدام جسده الطاهر للتعليم؛ وفق المجال الذي تم استخدام الجسد فيه.

 

فأقول وبالله التوفيق: ما ورد في رسالة الفعيم من الأحاديث يمكن تصنيفه إلى خمسة أنواع، وهي:

الأول: استخدام لغة الجسد؛ لتوضيح فكرة غير واضحة.

 

الثاني: استخدام لغة الجسد؛ لترسيخ وتوكيد فكرة ومفهوم واضح؛ من باب التأكيد والتثبيت.

 

الثالث: استخدام لغة الجسد كوسيلة مستقلة؛ لتوصيل الفكرة أو بعض أجزائها.

 

الرابع: استخدام لغة الجسد بالتطبيق العمَليِّ للفكرة والمفهوم.

 

الخامس: استخدام لغة الجسد؛ لجذب انتباه المستمع لما سيطرح.

 

وإليك الأنواع بأمثلتها:

النوع الأول: استخدام لغة الجسد لتوضيح فكرة غير واضحة:

1- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يُقبَض العلم ويَظهر الجهل والفتن، ويَكثر الهرج" قيل: يا رسول الله، وما الهرج؟ فقال: هكذا بيده، فحَرفَها؛ كأنه يريد القتل؛ (رواه البخاري).

 

2- أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قرأ هذه الآية: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) إلى قوله تعالى: (سَمِيعًا بَصِيرًا) [النساء: 58]، "قال: رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضع إبهامه على أذنِه والتي تَليها على عينه، قال أبو هريرة: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرؤها ويضع إصبَعيه. قال ابن يونس: قال المقري: يعني أن الله سميعٌ بصير؛ يعني أنَّ لله سمعًا وبصرًا"؛ (رواه أبو داود).

 

3- قال الإمام أحمدُ: حدثنا يزيدُ بن هارون، أخبرنا شعبة، قال: سمعتُ سوادة القشيريَّ يحدِّث عن سَمُرة بن جُندب، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يغرنكم أذان بلال، ولا هذا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير"، وأومَأ بيده هكذا، وأشار يزيدُ بيده اليمنى؛ (أحمد في المسند).

 

4- عن عائشة -رضي الله عنه- قالت: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي، ثم أشار إلى القمر، فقال: "يا عائشة، استعيذي بالله من شرِّ هذا؛ فإن هذا هو الغاسق إذا وقب"؛ (رواه أحمد).

 

5- عن أبيِّ بن كعب -رضي الله عنه- "عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فإذا جدارٌ يريد أن ينقضَّ فأقامه)، قال بيديه فرفَعهما رفعًا"؛ رواه أحمد.

 

النوع الثاني: استخدام لغة الجسد لترسيخ وتوكيد فكرة ومفهوم واضح:

1- عن الفضل -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشيةَ عرفة، غَداةَ جمع للناس حين دفَعنا: "عليكم السكينة" وهو كافٌّ ناقتَه، حتى إذا دخل مِنًى حين هبط مُحسِّرًا، قال: "عليكم بحَصى الخَذْف الذي يُرمى به الجمرة"، ورسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يُشير بيده كما يَخذِف الإنسان"؛ (رواه مسلمٌ، وأحمدُ، واللفظ له).

 

2- عن ابن عمر -رضي الله عنه-: أن رجلًا من أهل البادية سأل رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- عن صلاة الليل، فقال بإصبعَيه: "مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل"؛ (رواه أحمد).

 

3- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى ابن مريم"، قال: "وكان من بني إسرائيل رجل عابد يُقال له: جريج، فابتنى صومعة وتعبد فيها"، قال: "فذكَر بنو إسرائيل يومًا عِبادة جريج، فقالت بَغيٌّ منهم: لئن شِئتم لأفتِننَّه! فقالوا: قد شِئنا"، قال: "فأتته فتعرَّضَت له، فلم يلتفت إليها، فأمكنَت نفسها من راعٍ كان يُؤوي غنمَه إلى أصل صومعة جُريج، فحملَت، فولدَت غلامًا، فقالوا: ممَّن؟ قالت: مِن جريج. فأتَوه فاستنزَلوه، فشتموه وضربوه، وهدَموا صومعته، فقال: ما شأنكم؟! قالوا: إنك زنيتَ بهذه البغي، فولدَت غلامًا. قال: وأين هو؟ قالوا: ها هو ذا. قال: فقام فصلى ودعا، ثم انصرف إلى الغلام فطعَنه بإصبَعه، وقال: بالله يا غلام، مَن أبوك؟ قال: أنا ابن الراعي! فوثبوا إلى جُريج فجَعلوا يُقبِّلونه، وقالوا: نبني صومعتك من ذهب. قال: لا حاجة لي في ذلك، ابنوها من طين كما كانت". قال: "وبينما امرأةٌ في حجرها ابنٌ لها ترضعه، إذ مرَّ بها راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثل هذا". قال: "فترَك ثديها، وأقبل على الراكب فقال: اللهم لا تجعلني مِثله". قال: "ثم عاد إلى ثديها يمَصُّه"؛ قال أبو هريرة: فكأني أنظرُ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحكي علَيَّ صنيع الصبي ووضْعَه إصبعَه في فمه، فجعل يمصها. "ثم مر بأمة تُضرب، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثلها". قال: "فترك ثديها، وأقبل على الأمة فقال: اللهم اجعلني مثلها". قال: فذلك حين تراجَعا الحديث، "فقالت: حَلْقى! مر الراكب ذو الشارة فقلتُ: اللهم اجعل ابني مثله، فقلتَ: اللهم لا تجعلني مثله، ومُرَّ بهذه الأمة فقلتُ: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فقلتَ: اللهم اجعلني مثلها! فقال: يا أمَّتاه إن الراكب ذا الشارة جبَّار من الجبابرة، وإن هذه الأمَة يقولون: زنَت، ولم تزنِ، وسرقَت، ولم تسرق، وهي تقول: حسبي الله"؛ (رواه أحمد).

وفي رواية عند أحمد: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "كان جريجٌ يتعبَّد في صومعته، قال: "فأتته أمه، فقالت: يا جريج، أنا أمك، فكلِّمني"، قال: "وكان أبو هريرة يصِف كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصفُها، وضَع يده على حاجبه الأيمن...".

 

4- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثَل البخيل والمتصدق كمثَل رجلين عليهما جُبَّتان من حديد قد اضطرَّت أيديهما إلى ثُديِّهما وتراقيهما، فجعل المتصدِّق كلما تصدق بصدقةٍ انبسطَت عنه حتى تَغشى أناملَه وتعفوَ أثرَه، وجعل البخيلُ كلما همَّ بصدقة قلَصَت وأخذَت كل حلقة بمكانها"؛ قال أبو هريرة: "فأنا رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول بإصبعه هكذا في جيبه، فلو رأيتَه يوسِّعها، ولا تتوسَّع"! (متفق عليه).

 

5- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول صلى الله عليه وسلم جمَع أصابعه فوضعَها على الأرض، فقال: "هذا ابن آدم"، ثم رفعها فوضَعها خلف ذلك قليلًا، وقال: "هذا أجَلُه"، ثم رمى بيده أمامه قال: "وثَم أمله"؛ (رواه أحمد).

 

6- قال عقبة بن عامر -رضي الله عنه-: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "تدنو الشمس من الأرض فيَعْرق الناس، فمِن الناس مَن يبلغ عرقُه عقبَيْه، ومنهم مَن يبلغ إلى نصف الساق، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ العَجُز، ومنهم من يبلغ الخاصرة، ومنهم من يبلغ منكبيه، ومنهم من يبلغ عنقه، ومنهم من يبلغ وسطَ فيه - وأشار بيده فألجَمها فاه: رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشير هكذا - ومنهم من يغطِّيه عرقه"، وضرَب بيده إشارةً؛ (رواه أحمد).

 

7- عن المستورِد بن شداد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم إصبَعه هذه في اليم، فلينظر بما يرجع"، وأشار بالسبابة؛ (رواه أحمد).

 

8- بعد أن عدَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- عددًا من أسباب دخول الجنة قال لمعاذِ بن جبل -رضي الله عنه-: "ألا أخبرك بمِلاكِ ذلك كلِّه؟" فقلت له: بلى يا نبي الله، فأخَذ بلسانِه، فقال: "كفَّ عليك هذا"، فقلتُ: يا رسول الله، وإنَّا لمؤاخَذون بما نتكلم به؟! فقال: "ثكلتك أمُّك يا معاذ! وهل يَكبُّ الناسَ في النار على وجوههم - أو قال: على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم؟!"؛ (رواه أحمد).

 

9- قال طارق بن الأشيم الأشجعي: حدثني أبي أنَّه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإذا أتاه الإنسانُ يسأله قال: يا نبيَّ الله، كيف أقول حين أسأل ربي؟ قال: "قل: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني"، وقبَض كفَّه إلا الإبهام وقال: "هؤلاء يجمعن لك خير دنياك وآخرتك"؛ (رواه أحمد).

وفي رواية عن عبدالله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: "أتى رجلٌ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إني لا أقرأ القرآن، فمُرني بما يُجزِئني منه، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قل: الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله". قال: فقالها الرجل، وقبض كفه، وعد خمسًا مع إبهامه، فقال: يا رسول الله، هذا لله تعالى فما لنفسي؟ قال: "قل: اللهم اغفر لي وارحمني، وعافني واهدني، وارزقني". قال: فقالها: وقبض على كفه الأخرى، وعد خمسًا مع إبهامه، فانطلق الرجل وقد قبض كفيه جميعًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لقد ملأ كفيه من الخير"؛ (رواه أحمد).

 

10- قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: كأني أنظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يحكي نبيًّا من الأنبياء، ضربه قومه فأدمَوه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"؛ (رواه البخاري).

 

11- عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنه-ما: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اتخذ خاتمًا من ذهب، فجعله في يمينه، وجعل فصَّه مما يلي باطن كفه، فاتخذ الناس خواتيم الذهب، قال: فصعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المنبر، فألقاه، "ونهى عن التختُّم بالذهب"؛ (رواه أحمد).

وهذا النوع والذي يَليه مِن أكثرِها تطبيقًا فيما ورد في الكتاب.

 

النوع الثالث: استخدام لغة الجسد كوسيلة مستقلة لتوصيل الفكرة أو بعض أجزائها:

1- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "في الجمعة ساعة لا يوافقها مسلمٌ وهو قائم يصلي يسأل خيرًا إلا أعطاه"، وقال بيده؛ قلنا: يُقلِّلها يزهِّدها؛ (متفق عليه).

 

2- عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بُعثت أنا والساعة كهاتين" قال: وضم السبَّابة والوسطى؛ (رواه مسلم).

 

3- عن سفيان الثقفي -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله، أخبرني بأمرٍ في الإسلام لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: "قل: آمنتُ بالله، ثم استقم" قال: يا رسول الله، فأيَّ شيء أتَّقي؟ قال: فأشار بيده إلى لسانه؛ (رواه أحمد).

 

4- قال أبو قتادة -رضي الله عنه-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على المِنبر للأنصار: "ألا إنَّ الناس دثاري، والأنصار شعاري، لو سلك الناس واديًا وسلكَت الأنصارُ شعبة لاتبعتُ شعبة الأنصار، ولولا الهجرةُ لكنت رجلًا من الأنصار، فمن وَلي من الأنصار فليُحسن إلى مُحسنِهم، وليتجاوز عن مُسيئهم، ومن أفزعهم فقد أفزع هذا الذي بين هاتَين" وأشار إلى نفسِه صلى الله عليه وسلم؛ (رواه أحمد).

 

5- عن أبي ذر قال: كنت أمشي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في حرَّة المدينة عشاءً ونحن ننظر إلى أحُد، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا ذر" قال: قلتُ: لبيك يا رسول الله، قال: ما أحبُّ أن أحُدًا ذاك عندي ذهب، أَمْسى ثالثةً عندي منه دينار، إلا دينارًا أَرصُده لدَين، إلا أن أقول به في عباد الله: هكذا - حثا بين يديه - وهكذا - عن يمينه - وهكذا - عن شماله"، قال: ثم مشَينا فقال: "يا أبا ذر"، قال: قلت: لبيك يا رسول الله، قال: "إن الأكثرين هم الأقلُّون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا" مثلَما صنع في المرة الأولى؛ (متفق عليه، واللفظ لمسلم).

ورُوي نحوُه مع أبي هريرة -رضي الله عنه- - مما يشير لتَقصُّد هذا الأسلوب للتعليم – (رواه أحمد).

 

6- عن أبي عثمان قال: "كتب إلينا عمرُ ونحن بأذربيجان: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لبس الحرير إلا هكذا"؛ وصف لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إصبعيه، ورفَع زهير الوسطى والسبابة؛ (متفق عليه).

 

7- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن عال جاريتين حتى تبلُغا جاء يوم القيامة أنا وهو"، وضم أصابعه؛ (رواه مسلم).

 

8- عن سهل -رضي الله عنه-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا"، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرَّج بينهما شيئًا؛ (رواه البخاري).

 

9- عن ابن عمر -رضي الله عنه-ما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إنا أمة أميَّة لا نكتب، ولا نحسب؛ الشهر هكذا وهكذا"؛ يعني: مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين؛ (متفق عليه).

 

10- عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعضَلةِ ساقي - أو بعضَلةِ ساقه - قال: فقال: "الإزار هاهنا، فإن أبيتَ فهاهنا، فإن أبيت فهاهنا، فإن أبيتَ فلا حقَّ للإزار في الكعبين، أو: لا حقَّ للكعبين في الإزار"؛ (رواه أحمد).

 

11- عن ابن عمر، عن عمر -رضي الله عنه-ما - قال: لا أعلمه إلا رفعه - قال: "يقول الله تبارك وتعالى: مَن تواضع لي هكذا - وجعل يَزيد باطنَ كفِّه إلى الأرض، وأدناها إلى الأرض - رفعتُه هكذا"، وجعل باطن كفه إلى السماء، ورفعها نحو السماء؛ (رواه أحمد).

وهذا النوع كسابقه يَكثر وجوده في الأحاديث، فيُكتفى منه بهذا القدر، ويَكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.

 

النوع الرابع: استخدام لغة الجسد بالتطبيق العملي للفكرة والمفهوم:

1- عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى نُخامة في القبلة، فشقَّ ذلك عليه حتى رُئي في وجهه! فقام فحكَّه بيده، فقال: "إن أحدكم إذا قام في صلاته، فإنه يناجي ربه - أو: إن ربه بينه وبين القبلة - فلا يَبزُقنَّ أحدكم قِبَل قبلتِه، ولكن عن يساره، أو تحت قدميه" ثم أخذ طرف ردائه، فبصق فيه، ثم رد بعضه على بعض، فقال: "أوْ يفعل هكذا"؛ (رواه البخاري).

 

2- جاء رجل إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: إني أجنبتُ فلم أُصِب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أمَا تذكر أنَّا كنا في سفر أنا وأنت فأما أنت فلم تصلِّ، وأما أنا فتمعَّكتُ فصليت، فذكرتُ للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما كان يكفيك هكذا" فضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- بكفَّيه الأرضَ ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفَّيه؟! (متفق عليه).

 

3- حدث عمرو بن يحيى، عن أبيه، قال: "كان عمي يُكثر من الوضوء، قال لعبدالله بن زيد: أخبرني كيف رأيتَ النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ؟ فدعا بتَورٍ من ماء فكفَأ على يديه، فغسَلهما ثلاثَ مِرار، ثم أدخل يدَه في التَّور، فمضمض واستنثر ثلاث مرات من غَرفة واحدة، ثم أدخل يده فاغترف بها، فغسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يديه إلى المرفقين مرَّتين مرتين، ثم أخذ بيده ماءً فمسح رأسه، فأدبر بيديه وأقبل، ثم غسل رجليه فقال: هكذا رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ"؛ (رواه البخاري).

 

4- عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، أن عبدالله بن العباس والمِسْورَ بن مخرمة اختَلفا بالأبواء، فقال عبدالله بن عباس: يغسل المحرم رأسه، وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه، فأرسلني عبدالله بن العباس إلى أبي أيوب الأنصاري فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستر بثوب، فسلمتُ عليه، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبدالله بن حنين، أرسلني إليك عبدالله بن العباس أسألك: كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغسل رأسه وهو محرم؟ فوضع أبو أيوب يده على الثوب، فطأطأه حتى بدا لي رأسُه، ثم قال لإنسانٍ يصب عليه: اصبُب، فصبَّ على رأسه ثم حرك رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر وقال: "هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل"؛ (رواه البخاري).

 

النوع الخامس: استخدام لغة الجسد لجذب انتباه المستمع لما سيطرح أو طرح:

أي إن الإشارة لا تدل على المعنى؛ بل المقصود منها لفتُ انتباه الموجودين وتركيزِهم لما سيُقال فقط.

 

1- ذكَر النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابة -رضي الله عنه-م ما جرى من قتلِ قادة المسلمين في غزوة مؤتة، ثم قال: "ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد ولم يكن من الأمراء؛ هو أمَّرَ نفسه". فرفَع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصبعيه وقال: "اللهم هو سيف من سيوفك فانصُره"؛ (رواه أحمد).

وهذا الرفع إما للدعاء أو لجذب الانتباه، وإن كان للدعاء فقد حقَّق الغاية مِن جذب الانتباه؛ ولذلك ذكَره راوي الحديث.

 

2- عن جابر بن عبدالله قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته واشتد غضبه، حتى كأنه منذِرُ جيش يقول: "صبَّحَكم ومساكم". ويقول: "بُعثتُ أنا والساعة كهاتين"، ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى؛ (رواه مسلم).

 

من خلال هذا العرض يظهر جليًّا أن استخدام لغة الجسد وتصوير الأفكار والمفاهيم من خلال الجسد لم يكن حدثًا عارضًا في تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ بل عملًا مقصودًا؛ بدلالة كثرته وتنوُّعه.

 

كما يلاحَظ أيضًا أثرُه على الصحابة -رضي الله عنه-م، الذي ظهر جليًّا في حكايتهم له واهتمامهم بذِكره في الحديث؛ مما يدل على قوة تأثيره عليهم.

 

فصلى الله على مُعلِّم الناس الخير، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات