دروس من الحج (2/ 2)

عبد الرحمن بن صالح المحمود

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

إن رحلة الحج بما فيه من إحرام وتجمع تختصر رحلة عمر الإنسان في هذه الحياة، فهل يعي هذا الدرس أولئك الذين أسرفوا على أنفسهم في معصية الله؟ هل يعيه أولئك الذين يظلمون الناس في أبدانهم وأموالهم وأعراضهم؟.

 

 

 

 

إن رحلة الحج بما فيه من إحرام وتجمع تختصر رحلة عمر الإنسان في هذه الحياة، فهل يعي هذا الدرس أولئك الذين أسرفوا على أنفسهم في معصية الله؟ هل يعيه أولئك الذين يظلمون الناس في أبدانهم وأموالهم وأعراضهم؟.

 

وبعد آيات الحج ومناسكه وفضله وتعظيم شعائر الله، يقول تبارك وتعالى:

(إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ . أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير . الَذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج:38-40] .

 

حيث التقى الحج بالجهاد في سبيل الله تعالى، إذ هو مدرسة من مدارس الجهاد، والجهاد ذروة سنام الإسلام، «وما ترك قوم الجهاد في سبيل الله إلا ذلوا» (رواه البخاري ومسلم)، والحـج يذكر الأمة ويعلمها الجهاد من خلال عدة أمور:

1- مشقة السفر إلى مكة، فهو شبيه بسفر المجاهدين في سبيل الله تعالى، وإن الرجل ليودع أهله وهو لا يدري هل يرجع إليهم أم لا. خاصة القادم من البلاد النائية.

 

2- السكن في المشاعر إذا نظرت إليه وجدته شبيهأ بمعسكرات الجهاد.

3- وتنقل وتحرك الحجاج إلى مني، ثم من منى إلى عرفات، ثم الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، ثم إلى منى، في أوقات محددة منضبطة، وكأنها تنقلات جيوش مجاهدة في سبيل الله.

 

4- وفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن سفر المرأة بدون محرم، قام رجل فقال: إن امرأتي خرجت حاجة، وإنني اكتتبت في غزوة كذا. فقال صلى الله عليه وسلم: «اذهب وحج مع امرأتك» (رواه البخاري (3006)، ومسلم(1341)). فنقله من جهاد إلى جهاد.

 

5- وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج والعمرة جهادأ بالنسبة للنساء، فقال: «عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة» (رواه ابن ماجه (2901)، وأحمد (6/ 165).

 

6- والرجل الذي وقصته دابته فمات محرما، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن تغطية رأسه عند تكفينه ودفنه، وقال: "إنه يبعثه يوم القيامة ملبيا" (رواه البخاري) (1265، 1266)، وفي غير موضع. ومسلم (1206).

 

إن الحج مدرسة جهادية تعلم المؤمن وتعلم الأمة، كيف تنقل نفسها من عاداتها المألوفة، ومن ترفها، إلى أن تنخلع من ذلك كله وتلحق بركب المجاهدين.

 

والحج فوق ذلك كله يعلم المؤمنين صفاء العقيدة وسلامتها وخلوصها من الشرك:

(1) فإبراهيم -عليه الصلاة والسلام- الذي بنى البيت دعا إلى الملة الحنيفية القائمة على إخلاص التوحيد لله، والبراءة من الشرك وأهله: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [الحج:26]،  فالحج مدرسة ترجع كل مسلم إلى الأصل العقدي الواجب الذي لا يجوز أن يفرط فيه، وهو التوحيد والبراءة من الشرك.

 

وينبثق من هذا التوحيد، الطاعة لله تعالى فيما أحب الإنسان أو كره، وسواء رضي عنه الآخرون أو لم يرضوا:

أ- هذا إبراهيم يترك ولده الرضيع إسماعيل وأمه هاجر، وقد أنزلهم في مكة قبل عمارتها وقبل بناء البيت، يتركهم بلا ماء، ولا زاد، ويذهب لأمر الله تعالى. وتلحق به هاجر وتقول له: كيف تتركنا ها هنا؟ وهو لا يلتفت إليها. ولكنها المرأة المؤمنة عرفت السر؛ فقالت: آلله أمرك بهذا؟ فأشار إليها أن نعم، قالت: إذن لا يضيعنا الله، ولم يضيعهم الله، بل تفجرت مياه زمزم تحت أقدام الرضيع (حديث صحيح رواه البخاري (3364)، بعد سعيها بين جبلي الصفا والمروة لتكون سنة وشريعة.

 

ب- ولما بلغ إسماعيل السعي مع أبيه وصار بحيث تتعلق نفس الوالد به أشد التعلق، أمره الله بأمر عظيم: أن يذبح ولده، فاستجاب الوالد دون تردد، واستجاب الولد وقال:..(يا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات من الآية:102]، وأسلما لربهما وتله للجبين، ووقع الامتثال الكامل، ولكن رحمة الله كانت واسعة، حيث فداه الله بذبح عظيم، فصارت الأضحية سنة.

 

ج- والحج انسلاخ من عادات الجاهلية، وما أحدثوه في الحج خاصة، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب مخالفة المشركين، مع أنهم أهله وقومه وعشيرته، ولكنه لم يكن متلوثأ بما تلوث به بعضنا في هذه الأيام من قوميات جاهلية:

1- فأحرم -صلى الله عليه وسلم-  في أشهر الحج، مخالفة للمشركين، ووقف مع الناس في عرفات، مخالفة لقريش الذين كانوا يقفون بالمزدلفة يزعمون أنهم أهل الحرم فلا يخرجون منه إلى الحل في عرفات، وأفاض من عرفات بعد الغروب، خلافا للمشركين، والأصل في هذا الدين، التوحيد والبعد عن الشرك، ثم يأتي بعد ذلك ما هو من أعمال الخير؟ كعمارة المسجد الحرام، ولقد عكس المشركون الأمر: فاهتموا بعمارة المسجد الحرام والسقاية، مع الشرك بالله تعالى.

 

قال تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [التوبة

 

دروس من الحج (1)

 

 

دروس من الحج (2)

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات