ظاهرة تحطيم القدوات – أبعاد وأسباب

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

إن ظاهرة الطعن على العلماء، والأخيار، والفضلاء، ولمزهم، وغمزهم، والحط من شأنهم، والجناية عليهم، ومحاولة تحطيم هذه القدوات الرفيعة في الأمة؛ لهي من أعظم الجنايات على الدين، فهي خرق يتسع يوماً بعد يوم بسبب تكالب الأعداء على الأمة، واستغلال فترات ضعفها، وتراجعها الحضاري، والعلمي، والسياسي، وصور العدوان، والتطاول على العلماء، والأفاضل، والقدوات كثيرة، فهذا يصفهم بأنهم فقهاء الحيض والنفاس، وآخر يسخر منهم بقوله: متى يخرجون من فقه المراحيض ودورات المياه؟ وثالث يصف المجامع الفقهية بأنها فاتيكان الإسلام الذي يمارس الكهنوت بكل صوره، ورابع يقول عنهم: علماء المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطحية، وما أكل السبع. وخامس يتهكم على العلامة ابن حجر فيقول: هو ابن حجر، وأنا ابن زلط !!

 

 

 

 

إن الواقع الأليم والملتبس للأمة الإسلامية اليوم بحالات متباينة من الخلل الناشئ عن " التضخم الكمّي" الذي فرض نفسه على حساب " التربية النوعية " قد أفرز كثيراً من الظواهر المرضية من أخطرها: تطاول الصغار على الكبار، والجهال على العلماء، وطلبة العلم على بعضهم البعض، والدعاة بعضهم على بعض، حتى إن الواحد منهم لينسى كل محفوظاته من ديوان التآخي والمودة، وحقوق المسلم على أخيه المسلم، وسرعان ما يخرج إلى العدوان على غيره، بالقول والفعل، ويجردهم من كل فضل وخير، فلا يحلم أو يعفو أو يصفح، ولكن يجهل فوق جهل الجاهلينا، حتى إنه قد ينتدب نفسه للوقيعة في أئمة كرام اتفقت على أئمتهم الدنيا.

 

 وإن من أعظم حقوق عامة المسلمين-فضلاً عن أهل العلم-صيانة أعراضهم، ورعاية حقوقهم، فإن تحريم النيل من عرض المسلم أصل شرعي متين، عُلم بالضرورة من دين الإسلام، وحفظ العرض أحد الضروريات الخمس التي شُرعت من أجلها الشرائع، ولقد خطب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-على مسمع يزيد عن مائة ألف نفس من صحابته الأبرار في أعظم اجتماع مع أصحابه في حياته؛ حجة الوداع، فقال: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا ". والأعراض جمع عرض وهو موضع المدح والذم من الإنسان، سواء من نفسه أو في سلفه، أومن يلزمه أمره. وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله، وعرضه ". وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رجل: " يا رسول الله، إن فلانة يُذكر من صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها " قال: " هي في النار ".

 

إن ظاهرة الطعن على العلماء، والأخيار، والفضلاء، ولمزهم، وغمزهم، والحط من شأنهم، والجناية عليهم، ومحاولة تحطيم هذه القدوات الرفيعة في الأمة؛ لهي من أعظم الجنايات على الدين، فهي خرق يتسع يوماً بعد يوم بسبب تكالب الأعداء على الأمة، واستغلال فترات ضعفها، وتراجعها الحضاري، والعلمي، والسياسي، وصور العدوان، والتطاول على العلماء، والأفاضل، والقدوات كثيرة، فهذا يصفهم بأنهم فقهاء الحيض والنفاس، وآخر يسخر منهم بقوله: متى يخرجون من فقه المراحيض ودورات المياه؟ وثالث يصف المجامع الفقهية بأنها فاتيكان الإسلام الذي يمارس الكهنوت بكل صوره، ورابع يقول عنهم: علماء المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطحية، وما أكل السبع، وخامس يتهكم على العلامة ابن حجر فيقول: هو ابن حجر، وأنا ابن زلط !!

 

ومحطمو القدوات لا يضرون إلا أنفسهم، وهم يستجلبون لها-بفعلتهم الشنيعة-أخبث الأوصاف (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات: 11]، وهم شرار الخلق بشهادة النبي-صلى الله عليه وسلم-فعن عبد الرحمن بن غنم يبلغ به النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: " خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله، وشرار عباد الله المشّاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبراء العنت ". والمسلم عندما يشترك في الوقيعة في العلماء، والأئمة، والقدوات؛ فإنه-بفعلته تلك-يحشر نفسه في خندق واحد مع الأعداء الأصليين الذين يحاولون الطعن في الدين بهدم وتسوية قممه ورموزه وأنجاده، وهو مسلك قديم بدأه رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول، عندما طعن في الطاهرة المبرأة العفيفة (أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها وعن أبيها-في حادثة الإفك)، وعلى الأثر سار الروافض الأنجاس بالتعرض بالسب والتكفير لخير خلق الله بعد رسله وأنبيائه؛ صحابة الرسول-صلى الله عليه وسلم. وفي العصر الحديث ظهر المستشرقون وأذنابهم من بني جلدتنا وهدفهم الطعن في تراث الأمة وتشويه أوعية العلم مثل أبي هريرة-رضي الله عنه-. فكل من أراد الطعن في الإسلام؛ طعن في رموزه، وقدواته، وحملة شريعته، وفضلائه، والذابين عن حياضه، قال الإمام يحي بن سعيد-رحمه الله-: " إذا رأيت الرجل يتكلم في حماد بن سلمة، وعكرمة مولى ابن عباس؛ فاتهمه على الإسلام "، وكذلك ورد نفس الكلام في حق ابن المبارك-رحمه الله-. ومن ذلك: حرص الأبواق المنافقة على الطعن في المجددين الذين بعثوا وأحيوا سنن الإسلام المندرسة أمثال: عمر بن عبد العزيز، والشافعي، وصلاح الدين الأيوبي، ونور الدين محمود، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم من المجددين إلى يومنا هذا. من ذلك: تتبع عثرات العلماء والقدوات، وتصيد زلاتهم وأخطائهم، والفرح بها، وإذاعتها بين الناس، واغتنامهم في التأثيم والتحطيم وإسقاط الجاه والمنزلة، فعمر بن عبد العزيز ضرب خبيب بن الزبير حتى قتله، ومالك كان يأخذ الهدايا والعطايا من الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، وأبو حنيفة أخطأ في العقيدة في مسائل الإيمان والقرآن، وصلاح الدين خدم عند الفاطميين الزنادقة، وابن تيمية يقول بفناء النار، وأبو ثور يجيز الزواج من المجوسية، والنووي وابن حجر أخطئا في الأسماء والصفات، وهو باب لا ينتهي، ومن تتبع الزلات والعثرات؛ أوشك أن يزل زلة لا نجاة بعدها. وأخيراً ما يحدث هذه الأيام تحديداً من الطعن على الإمام البخاري وكتابه الجامع الذي لم يكتب مثله في الإسلام، والذي أجمع المسلمون على كونه أصح كتاب على وجه الأرض بعد كتاب الله-عز وجل-، والمحاولات المحمومة من الشخصيات المشبوهة المطعون في دينهم وعقيدتهم؛ لتشكيك الناس في صحيح البخاري، وهم يتبجحون في جراءة فجة عن كون هدفهم الحقيقي من هذه الحملات؛ هو صرف المسلمين عن الحديث النبوي بالكلية.

 

أسباب ظاهرة تحطيم القدوات:

 

1-افتقاد المنهجية العلمية الصحيحة، فالأصل في تلقي العلم؛ أن يكون على يد العلماء الربانيين المخلصين الذين يبتغون وجه الله أولاً، ثم يعرفون أدوات التدريس وملكات التعليم، فقد كان السلف يمنعون من كانت وسيلته إلى الفقه الكتب من الفتوى، ومن التدريس، كما يمنعون من تلقي القرآن من المصحف من الإقراء.

قال أبو زرعة-رحمه الله-: " لا يفتي الناس صحفي، ولا يقرئهم مصحفي". وقال الإمام ابن جماعة-رحمه اللَّه-: "وليجتهد على أن يكون الشيخ ممن له على العلوم الشرعية تمام الاطلاع، وله مع من يوثق به من مشايخ عصره كثرة بحث وطول اجتماع، لا ممن أخذ عن بطون الأوراق، ولم يعرف بصحبة المشائخ الحذاق". وقال الشيخ بكر أبو زيد-رحمه الله-: "الأصل في الطلب أن يكون بطريق التلقين والتلقي عن الأساتيذ، والمثافنة للأشياخ، والأخذ من أفواه الرجال لا من الصحف وبطون الكتب، والأول من باب أخذ النسيب عن النسيب الناطق وهو المعلم، أما الثاني عن الكتاب؛ فهو جماد فأنى له اتصال النسب " . وكما قال الشافعي-رحمه الله-:

 

من يأخذ العلم عن شيخ مشافهة *** يكن من الزيغ والتحريف في حرم

 

ومن كان أخذه للعلم عن كتب *** فعلمه عند أهل العلم كالعدم 

 

والشاهد: أن الكثيرين ممن يتصدى اليوم لانتقاد الأئمة والقدوات والرموز، ويتناولهم بالهمز، واللمز، والتجريح، هم في الأصل لم يتلقوا علومهم بصورة منهجية صحيحة، وعلى يد شيوخ، وعلماء، وأئمة يعرفون مقاصد الشرع ومرامي النصوص، لذلك تجدهم يقحمون أنفسهم في جبال شامخات، وقمم سامقات من العلم والتقى، بدعوى أنهم رجال، ونحن رجال

 

كناطح صخرة يوماً ليوهنها *** فما أوهي وضر قرنه الوعل.  

 

2-القراءة الخاطئة لسير بعض العلماء، فمن الأمور المعروفة تاريخياً ولها شواهد كثيرة، بل لا يكاد يخلو منها عصر أو جيل؛ كلام الأقران بعضهم في بعض، فيحاول بعضهم اعتبار ذلك موضع أسوة وقدوة، غافلاً عن القاعدة الجليلة التي أصلها العلماء في ذلك، وهي (أن كلام الأقران في بعضهم البعض يطوى، ولا يحكى)، إما لأنه ناشئ عن اجتهاد أو تأويل، وإما لأنه ناشئ عن تنافس ومعاصرة ومنافرة مذهبية، مما لا يكاد يسلم منه بشر، وما ينقل من ذلك إما لا يصح عنهم، وإما يصح فيجب أن نغض الطرف عنه، ونحمله-ما أمكن-على أحسن الوجوه، وإلا فيجب طيه وكتمانه، والاشتغال بالاستغفار لهم، كما رغبنا القرآن الكريم في ذلك. وقال الحافظ الذهبي-رحمه اللَّه-تعالى-: "كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة، أو لمذهب، أو لحسد، ما ينجو منه إلا من عصم اللَّه، وما علمت أن عصرًا من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس".

 

للإمام تاج الدين السبكي-رحمه اللَّه-كلاماً نفسياً جداً في هذا المعنى جاء فيه : " فكثيرًا ما رأيت من يسمع لفظة فيفهمها على غير وجهها، فيغير على الكتاب والمؤلف ومن عاشره، واستن بسنته مع أن المؤلف لم يرد ذلك الوجه الذي وصل إليه هذا الرجل، فإذا كان الرجل ثقة ومشهودًا له بالإيمان والاستقامة؛ فلا ينبغي أن يحمل كلامه وألفظ كتاباته على غير ما تعود منه، ومن أمثاله، بل ينبغي التأويل الصالح، وحسن الظن الواجب به وبأمثاله" ثم قال في فقرة أخرى : " ينبغي لك أيها المسترشد أن تسلك سبيل الأدب مع الأئمة الماضين، وأن لا تنظر إلى كلام بعضهم في بعض؛ إلا إذا أتى ببرهان واضح، ثم إن قدرت على التأويل وتحسين الظن فدونك، وإلا فاضرب صفحًا عما جرى بينهم، فإنك لم تخلق لهذا، فاشتغل بما يعنيك ودع ما لا يعنيك، ولا يزال طالب العلم عندي نبيلاً حتى يخوض فيما جرى بين السلف الماضين، ويقضي لبعضهم على بعض. فإياك ثم إياك أن تصغي إلى ما اتفق بين أبي حنيفة وسفيان الثوري، أو بين مالك وابن أبي ذئب، أو بين أحمد بن صالح والنسائي، أو بين أحمد ابن حنبل والحارث المحاسبي، وهلم جرًّا إلى زمان الشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ تقي الدين ابن الصلاح، فإنك إن اشتغلت بذلك خشيت عليك الهلاك، فالقوم أئمة أعلام، ولأقوالهم محامل ربما لم يفهم بعضها، فليس لنا إلا الترضي عنهم، والسكوت عما جرى بينهم، كما يفعل ذلك فيما جرى بين الصحابة رضي اللَّه عنهم ".

 

3-الجهل، وما أدراك ما الجهل! الجهل: هو رأس كل جريمة، وأس كل خطيئة، ومعول كل هادم، الجهل بالخالق والمخلوقين، الجهل بحقيقة النفس، الجهل المقصود هنا هو الجهل بقدر ومنزلة القدوات والعلماء، بحيث لا ينزلونهم منازلهم، ويبخسونهم مكانتهم التي يستحقونها، ولعل أنجع علاج لذلك؛ التعامل المباشر مع العالم، ولحظ سلوكه وسمته وهديه، أو مطالعة ترجمته ومصنفاته إن فاتت لقياه، ومعاشرة تلامذته، وهذه الواقعة خير تطبيق عملي على ما نقول: قال ابن المبارك: " قدمت الشام على الأوزاعي؛ فرأيته ببيروت، فقال لي: "يا خراساني من هذا المبتدع الذي خرج بالكوفة يكنى أبا حنيفة؟، فرجعت إلى بيتي، فأقبلت على كتب أبي حنيفة، فأخرجت منها مسائل من جياد المسائل، وبقيت في ذلك ثلاثة أيام، فجئت يوم الثالث، وهو-أي: الأوزاعي-مؤذن مسجدهم وإمامهم، والكتاب في يدي، فقال: "أي شيء هذا الكتاب؟. فناولته، فنظر في مسألة منها وقعت عليها: قاله النعمان، فما زال قائمًا بعد ما أذن حتى قرأ صدرًا من الكتاب، ثم وضع الكتاب في كمه، ثم أقام وصلى، ثم أخرج الكتاب حتى أتى عليها، فقال لي: "يا خراساني! من النعمان بن ثابت هذا؟ قلت: "شيخ لقيته بالعراق". فقال: "هذا نبيل من المشايخ؛ اذهب فاستكثر منه". قلت: "هذا أبو حنيفة الذي نهيت عنه". قال الحافظ ابن حجر-رحمه اللَّه-: "إن الذي يتصدى لضبط الوقائع من الأقوال، والأفعال، والرجال؛ يلزمه التحري في النقل، فلا يجزم إلا بما يتحققه، ولا يكتفي بالقول الشائع، ولاسيما إن ترتب على ذلك مفسدة من الطعن في حق أحد من أهل العلم والصلاح، وإن كان في الواقعة أمر فادح -سواء كان قولاً أو فعلاً أو موقفًا- في حق المستور، فينبغي أن لا يبالغ في إفشائه، ويكتفي بالإشارة؛ لئلا يكون وقعت منه فلته، ولذلك يحتاج المسلم أن يكون عارفًا بمقادير الناس وبأحوالهم ومنازلهم؛ فلا يرفع الوضيع، ولا يضع الرفيع ". 

 

4-التعصب الحزبي، والبغي، وعقد الولاء على غير الكتاب والسنة، فبعض الناس يربون أتباعهم على الولاء لأشخاصهم، والانتماء لذواتهم، أو جماعاتهم، ويوالون في ذلك ويعادون، دون اعتبار لمبدأ الحب في اللَّه، والبغض في اللَّه، وفي هؤلاء يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه اللَّه-تعالى-:"وليس لأحد أن ينتسب إلى شيخ يوالي على متابعته، ويعادي على ذلك، بل عليه أن يوالي كل من كان من أهل الإيمان، ومن عرف منه التقوى من جميع الشيوخ وغيرهم، ولا يخص أحدًا بمزيد موالاة؛ إلا إذا ظهر له مزيد إيمانه وتقواه، ويقدم من قدم اللَّه ورسوله عليه، ويفضل من فضله اللَّه ورسوله ". وقال في موضع آخر: "ومن نصب شخصًا كائنًا من كان، فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل؛ فهو (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا) [الروم: 32]، وإذا تفقه الرجل، وتأدب بطريقة قوم من المؤمنين، مثل أتباع الأئمة والمشايخ، فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هم العيار، فيوالي من وافقهم، ويعادي من خالفهم ".

 

5-حب الرئاسة والزعامة، ولا غرابة في حرص أهل الدنيا على الإمارة والولايات؛ فذلك أمر تعوّده الناس منهم، حتى أفضى الأمر إلى نزاعات، وخلافات، ومفاسد، وفتن كثيرة، وأدى كثير منها إلى سقوط بعض الدول، كسقوط الأندلس وغيرها. لكن المؤلم أن يتسلل هذا الداء إلى داخل التجمعات الدعوية، ويسيطر على بعض النفوس المريضة، شعرت أم لم تشعر، حتى يصير همّ الواحد منهم أن يسود على بضعة أفراد، دون التفكير بتوابع ذلك وخطورته. عن يوسف بن أسباط: سمعت سفيان يقول: "ما رأيت الزهد في شيء أقل منه في الرياسة، ترى الرجل يزهد في المطعم، والمشرب، والمال، والثياب، فإن نوزع في الرئاسة، حامى عليها وعادى". قال الفضيل بن عياض: "ما من أحد أحب الرياسة إلا حسد وبغى وتتبع عيوب الناس، وكره أن يذكر أحداً بخير". وقال سفيان الثوري: "ما أحب أحد الرياسة إلا أحب ذكر الناس بالنقائص والعيوب؛ ليتميز هو بالكمال، ويكره أن يذكر الناس أحدًا عنده بخير".

 

6-عدم الإنصاف، ومن مظاهره: كتمان الحسنات، ونشر الزلات، تتبع العورات، وهتك الحرمات، إذاعة الأسرار، ازدراء الأفهام، وتحوير الكلام، انتقاص المقام، وتسليط اللئام، نسيان الجميل، وجحد الكثير والقليل، تعظيم الهفوات، وفضح الخلوات، وقد يتنكر الطالب لشيخه الذي طالما أفاده، وعلمه، وأحسن إليه لأجل زلة زلها، أو غضبة غضبها، فيجحد كل ما مضى من إحسانه إليه، ويقول كما تقول كافرات العشير: "ما رأيت منك خيرًا قط"، ويطلق لسانه في ذم شيخه، والتشنيع عليه، ويقول الشاعر في مثل هذا:

فيا عجبًا لمن ربَّيت طفلاً *** ألقمه بأطراف البنان

أعلمه الرماية كل يوم *** فلما اشتد ساعده رماني

أعلمه الفتوة كل حين *** فلما طرَّ شاربه جفاني

أعلمه الرواية كل وقت *** فلما صار شاعرها هجاني

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات