سِلْسِلَةُ أَمْرَاضٍ عَلَى طَريقِ الدَّعْوةِ (18) الْكِبر

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

والمتكبر مصطلح مع نفسه في مواطن الفخار، عندما يعظمه الآخرون، ويوقرونه، إلا إنه حيث كان إهماله والتنزيل من قدره؛ فهو متصارع مع نفسه، مختل في توازنه؛ لذلك فأكثر المتكبرين سريعو الغضب لأنفسهم، لا يطيقون المكوث في مكان لا يعبرون عن أنفسهم فيه، كما إن كثيراً من المتكبرين، على علاقة سيئة بكثير من المحيطين بهم.

 

 

 

 

الكبر: شعور خادع بالاستعلاء، مصحوب باحتقار الناس والترفع عليهم، فهو انفعالات داخلية -أساساً- كما قال الله: (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ...) [غافر: 56]، وما يظهر من سلوكيات المتكبر ترجمة لهذه الانفعالات. والكبر في اللغة: التعظيـم، أي إظهار العظمة، والتكبر، والاستكبار، بمعنى التعظّم، ومنه قوله تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) [الأعراف: 146] أي أن هؤلاء يرون أنهم أفضل الخلق، وأن لهم من الحق ما ليس لغيرهم.

 

أما في الاصطلاح: فهو إظهار الإعجاب بالنفس، واحتقار الآخرين، وقد ينال من ذواتهم، ويتـَرفع عن قبول الحق منهم، والنبي-صلى الله عليه وسلم-قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً. فقال-صلى الله عليه وسلم-: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس". وبطر الحق أي: ردّ الحق، فمن علامة الكبر؛ عدم سماع الحق. وغمط الناس: أي لا يرى الناس شيئاً، بل يرى أنه أفضل منهم. والله-عز وجل-يقول: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ) [ الأعراف: 40]، وقال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60] فالله-عز وجل-هو الكبير، وهو من له الكبرياء في السماوات والأرض، وله الأسماء الحسنى، والصفات العلى، له الجلال، والكمال، والجمال، وله الملك كله، والعزة كلها (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) [الجاثية: 36ـ 37].

 

الفرق بين الكبر ومرادفاته:

 

1-الفرق بين الكِبْر والزهو:

 

أنَّ الكِبْر إظهار عظم الشأن، وهو فينا-خاصة-رفع النفس فوق الاستحقاق، والزهو على ما يقتضيه الاستعمال رفع شيء إياها، من مال، أو جاه، وما أشبه ذلك، ألا ترى أنه يقال: زها الرجل وهو مزهو، كأنَّ شيئًا زهاه، أي: رفع قدره عنده، وهو من قولك: زهت الريح الشيء، إذا رفعته، والزهو: التزيد في الكلام.

 

2-الفرق بين الكِبْر والكِبْرياء:

 

أنَّ الكِبْر ما ذكرناه، والكِبْرياء هي العز والملك، وليست من الكِبْر في شيء، والشاهد قوله تعالى:(وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ) [يونس: 78]. يعني الملك، والسلطان، والعزة، وأما التَّكبر فهو إظهار الكِبْر، مثل: التشجع، إظهار الشَّجَاعَة.

 

وقال أبو العباس القرطبي: (الكِبْر والكِبْريَاء في اللغة: هو العظمة، يقال منه: كَـبُرَ الشيءُ، بضمِّ الباء، أي: عَظُمَ، فهو كبيرٌ وكُبَار، فإذا أفرَطَ قيل: كُبَّار، بالتشديد؛ وعلى هذا يكونُ الكِبْر والعظمةُ اسمَيْن لمسمًّى واحد.

 

وقد جاء في الحديث ما يُشْعِر بالفرق بينهما؛ وذلك أنَّ الله-تعالى-قال: " الكبرياء ردائي، والعظمة إِزاري، فمن نازعني واحِدًا منهما..."، فقد فرَّق بينهما بأنْ عبَّر عن أحدهما بالرداء، وعن الآخر بالإزار، وهما مختلفان، ويَدُلُّ -أيضًا-على ذلك: قوله تعالى: (فمن نازعني واحِدًا منهما...)؛ إذ لو كانا واحدًا، لقال: فمن نازعنيه).

 

3-الفرق بين الكِبْر والتيه:

 

أنَّ الكِبْر هو إظهار عظم الشأن، وهو في صفات الله-تعالى-مدح؛ لأنَّ شأنه عظيم، وفي صفاتنا ذمٌّ؛ لأنَّ شأننا صغير، وهو أهل للعظمة، ولسنا لها بأهل، والشأن هاهنا؛ معنى صفاته التي هي في أعلى مراتب التعظيم، ويستحيل مساواة الأصغر له فيها على وجه من الوجوه، والكبير الشخص، والكبير في السن، والكبير في الشرف، والعلم يمكن مساواة الصغير له، أما في السن فبتضاعف مدة البقاء في الشخص؛ تتضاعف أجزاؤه، وأمَّا بالعلم فباكتساب مثل ذلك العلم.

 

والتيه أصله الحيرة والضلال، وإنَّما سمِّي المتكبر تائهًا على وجه التشبيه بالضلال والتحير، والتيه من الأرض ما يُتَحيَّر فيه، وفي القرآن (يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ...) [المائدة: 26] أي: يتحيرون.

 

4-الفرق بين الجَبَروت والجبرية والكِبْر:

 

الفرق بين الجَبرية، والجبروت، والكِبْر: أنَّ الجبريَّة أبلغ من الكِبْر، وكذلك الجبروت، ويدل على هذا فخامة لفظها، وفخامة اللفظ تدل على فخامة المعنى، فيما يجري هذا المجرى.

 

5-الفرق بين العُجْب والكِبْر:

 

أنَّ العُجْب بالشيء شدة السرور به؛ حتى لا يعادله شيء عند صاحبه، تقول: هو مُعجب بفلانة، إذا كان شديد السرور بها، وهو معجب بنفسه، إذا كان مسرورًا بخصالها.

 

ولهذا يقال: أعجبه، كما يقال: سُرَّ به، فليس العُجْب من الكِبْر في شيء، وقال علي بن عيسى: "العجب: عقد النفس على فضيلة لها ينبغي أن يتعجب منها، وليست هي لها".

 

6-الفرق بين الاستنكاف، والاستكبار:

 

الاستنكاف: تكبر في تركه أنفة، وليس في الاستكبار ذلك، وإنَّما يستعمل الاستكبار حيث لا استخفاف، بخلاف التَّكبر، فإنَّه قد يكون باستخفاف. والتَّكبر: هو أن يرى المرء نفسه أكبر من غيره، والاستكبار طلب ذلك بالتَّشبع وهو التزين بأكثر ما عنده.

 

موقف الإسلام من آفة الكبر:

 

الكِبْر من أوَّل الذنوب التي عُصي الله-تبارك وتعالى-بها، والآيات، والأحاديث، وآثار السلف والخلف، في التحذير من هذا الداء الخطير كثيرة، ومتواترة، منها:

 

قال الله-تعالى-مبيِّنًا سبب امتناع إبليس عن السجود لآدم: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) [البقرة: 34].

 

قال الطبري: "وهذا، وإن كان من الله-جل ثناؤه-خبرًا عن إبليس، فإنه تقريعٌ لضُربائه من خلق الله الذين يتكبرون عن الخضوع لأمر الله، والانقيادِ لطاعته فيما أمرهم به، وفيما نهاهم عنه، والتسليم له فيما أوجب لبعضهم على بعض من الحق".

 

وقال عوف بن عبد الله للفضل بن المهلب: " إنِّي أريد أن أعظك بشيء، إيَّاك والكِبْر، فإنَّه أول ذنب عصى اللهَ به إبليسُ، ثم قرأ: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ...) [البقرة: 34].

 

والكِبْر سبب رئيس في هلاك الأمم السابقة: فهؤلاء قوم نوح ما منعهم عن قبول الدعوة، والاستماع لنداء الفطرة والإيمان، إلا الكِبْر، فقد قال الله-تعالى-على لسان نبيِّهم نوح-عليه السلام-:(وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا) [نوح: 7].

 

وهؤلاء قوم عاد ظنوا-بسبب تكبرهم-أنَّه لا قوة أشدُّ من قوتهم، فقد قال الله عنهم: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ) [فصلت: 15-16].

 

وها هي ثمود -من بعدهم-ينهجون نفس النهج في الاستكبار والتعالي، فيردون دعوة الله-عزَّ وجلَّ-، ويكذبون نبيه -عليه السلام-: (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ 75 قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) [الأعراف: 75-76].

 

وقال الله-تعالى-عن قوم نبي الله شعيب-عليه السلام-: (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ) [الأعراف: 88].

 

أما فرعون فقد ملأ الدنيا كبرًا وعجبًا وخيلاءً، حتى وصل به الحال أن ادَّعى الربوبية والألوهية، قال الله -تبارك وتعالى- : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ )[القصص: 38-40].

 

والكِبْر سبب في الإعراض عن آيات الله والصد عنها، قال الله-تبارك وتعالى-: (وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [الجاثية: 7-8].

 

وهو سبب للصرف عن دين الله، قال الله -تبارك وتعالى-: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ) [الأعراف: 146].

 

وهو سبب لدخول النَّار والخلود فيها، قال الله-تبارك وتعالى-: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ) [الأحقاف: 20].

 

وعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-، عن النَّبي-صلى الله عليه وسلم-، قال: "لا يدخل الجنَّة من كان في قلبه مثقال ذرَّة من كبر! فقال رجل: إنَّ الرَّجل يحبُّ أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسناً؟ قال: إنَّ اللَه جميل يحبُّ الجمال، الكبر: بطر الحقِّ وغمط النَّاس " قال النووي في شرح الحديث: "قد اختلف في تأويله. فذكر الخطابي فيه وجهين: أحدهما: أن المراد التكبر عن الإيمان، فصاحبه لا يدخل الجنة-أصلًا-إذا مات عليه. والثاني: أنَّه لا يكون في قلبه كبر، حال دخوله الجنَّة، كما قال-الله تعالى-:( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ) [الأعراف: 43]. وهذان التأويلان فيهما بعد، فإن هذا الحديث ورد في سياق النهي عن الكِبْر المعروف، وهو الارتفاع على الناس، واحتقارهم، ودفع الحق، فلا ينبغي أن يحمل على هذين التأويلين المخرجين له عن المطلوب. بل الظاهر ما اختاره القاضي عياض، وغيره من المحققين، أنَّه لا يدخل الجنة دون مجازاة إن جازاه. وقيل: هذا جزاؤه لو جازاه، وقد يتكرم بأنه لا يجازيه، بل لا بد أن يدخل كل الموحدين الجنة إمَّا أولًا، وإمَّا ثانيًا بعد تعذيب بعض أصحاب الكبائر الذين ماتوا مصرين عليها. وقيل: لا يدخل مع المتقين أوَّل وهلة".

 

وقال ابن القيم: "فسَّر النَّبي الكِبْر بضده فقال: الكِبْر بطر الحق وغمط الناس. فبطر الحق: رده، وجحده، والدفع في صدره، كدفع السائل. وغمط الناس: احتقارهم، وازدراؤهم. ومتى احتقرهم وازدراهم: دفع حقوقهم وجحدها واستهان بها".

 

وعن حارثة بن وهب الخزاعي-رضي الله عنه-عن النَّبي-صلى الله عليه وسلم-قال: "ألا أخبركم بأهل الجنَّة؟ كل ضعيف متضاعف؛ لو أقسم على الله لأبرَّه، ألا أخبركم بأهل النَّار؟ كل عتلٍّ، جواظٍ مستكبرٍ".

 

وعن أَبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-، عن النَّبي-صلى الله عليه وسلم-قال: "احتجَّت الجنة والنار، فقالت النَّار: فيَّ الجبَّارون والمتكبرون. وقالت الجنة: فيَّ ضعفاء الناس ومساكينهم، فقضى الله بينهما: إنَّك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنَّك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما عليَّ ملؤها ".

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا يكلِّمهم الله يوم القيامة، ولا يزكِّيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذابٌ أليم: شيخ زان، وملك كذَّاب، وعائلٌ مستكبر" .يقول ابن تيمية: "فهؤلاء الثلاثة: اشتركوا في هذا الوعيد، واشتركوا في فعل هذه الذنوب مع ضعف دواعيهم؛ فإنَّ داعية الزنا في الشيخ ضعيفة، وكذلك داعية الكذب في الملك ضعيفة؛ لاستغنائه عنه وكذلك داعية الكِبْر في الفقير، فإذا أتوا بهذه الذنوب-مع ضعف الداعي-دلَّ على أنَّ في نفوسهم من الشرِّ الذي يستحقون به من الوعيد ما لا يستحقه غيرهم "

 

قال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-: "إنَّ العبد إذا تواضع لله رفع الله حَكَمَتَه، وقال له: انتعش نعشك الله، فهو في نفسه حقير، وفي أعين الناس كبير، وإذا تكبَّر وعتا وَهَصَه  الله إلى الأرض، وقال له: اخسأ خسأكَ الله، فهو في نفسه كبير، وفي أعين الناس حقير، حتى يكون عندهم أحقر من الخنزير"، وعوتب علي-رضي الله عنه-في لبوسه فقال: "إن لبوسي هذا أبعد من الكِبْر، وأجدر أن يقتدي بي المسلم"، وقال الحسن: "إنَّ أقوامًا جعلوا الكِبْر في قلوبهم، والتواضع في ثيابهم، فصاحب الكساء بكسائه أعجب من صاحب المطرف  بمطرفه ما لم تفاخروا "، وقال وهب: "لما خلق الله جنة عدن نظر إليها، فقال: أنت حرام على كل متكبر" ، وقال الأحنف بن قيس: "عجبًا لابن آدم يتكبر وقد خرج من مجرى البول مرتين" ، وقال محمد بن الحسين بن علي: "ما دخل قلب امرئ شيء من الكِبْر قط، إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك أو كثر"، وقال النعمان بن بشير-على المنبر-: "إنَّ للشيطان مصالٍ وفخوخًا، وإنَّ من مصالي الشيطان وفخوخه؛ البطر بأنعم الله، والفخر بإعطاء الله، والكِبْر على عباد الله، واتباع الهوى في غير ذات الله"، وقال سعد بن أبي وقَّاص لابنه: "يا بني: إيَّاك والكبر، وليكن فيما تستعين به على تركه: علمك بالذي منه كنت، والذي إليه تصير، وكيف الكبر مع النِّطفة التي منها خلقت، والرحم التي منها قذفت، والغذاء الذي به غذيت ".

 

أنواع الكبر:

 

الأولى: أن يكون الكبر مستقراً في قلب الإنسان فيرى نفسه خيراً منهم إلا أنه يجتهد ويتواضع فمثل هذا الشخص قلبه شجرة الكبر مغروسة فيه إلا أنه قد قطع أغصانها بإخفائه للكبر.

 

الثانية: أن يظهر ذلك بأفعاله بأن يترفع في المجالس ويتقدم على أقرانه؛ فيظهر منه احتقاره للناس كأن تريد أن تدخل فتجلس في مكان منتصف عالٍ والبقية في مكان منخفض.

 

الثالثة :أن يظهر العبد الكبر بلسانه؛ كأن يزكى نفسه-دائماً-فيقول أنا-والحمد لله-أصلِّى بالليل والناس نيام، وأتصدق بالمال الكثير، وأنا تصدقت بمالي كله لله-عز وجل-فأما التكبر بالمال-وغالباً ما يكون بين الملوك والتجار- فالتاجر يأتي بسيارة بمئات الألوف، وغيره يأتي بأفخم منها فيأتي آخر بأغلى منهما؛ ليتفاخر عليهما ،كذلك الملوك فهذا يأتي بقصر منيف على ساحل كذا،  وآخر يأتي بأفضل منه على جزيرة كذا، وأما التكبر بالجمال فهذا يجرى بين النساء، والتكبر بالعلم يوجد بين المرائين، وكذلك التكبر بالنسب، فأكثر ما يجرى بين الناقصين الجاهلين؛ لأنه تكبر في غير معنى، فهل لك يد في أنك ابن فلان أو علان  فهذا جهل ونقص .

 

 

 

مظاهر الكبر:

 

وقد قسم العلماء الكبر إلى باطن وظاهر، فالباطن: خلق في النفس، والظاهر: أعمال تصدر عن الجوارح، فالأصل هو الخلق الذي في النفس، وهو الرضا إلى رؤية النفس فوق المتكبر عليه؛ وبه ينفصل الكبر عن العجب؛ فإن العجب لا يستدعي غير المعجب. والكبر سمات تظهر في سلوكيات المتكبر حتى تعلو كلامه وحركاته وسكناته. بل وطموحاته وأفكاره، وينتج عنها وضع نفسه في مكانة أعلى من الآخرين،
وقد يحاول المتكبر أن يخفي تلك الصفة الذميمة إذا انكشف بعض حاله ولكنه يقاسي في سبيل ذلك ثم إذا بصفته تلك تنكشف شيئاً فشيئاً في فلتات اللسان، ومختلف المواقف، وهناك مظاهر للتكبر يعرف أو يستدل عليه بها، نذكر منها:

 

1-الاختيال في المشية، مع لي صفحة العنق، وتصعير الخد، قال-تعالى-: (ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله) [الحج: 9]، وقال: (ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور) [لقمان: 18].

 

2-الإفساد في الأرض عندما تتاح الفرصة مع رفض النصيحة، والاستنكاف عن الحق، قال-تعالى-: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد * وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم) [البقرة: 205، 206].

 

3-التقعر في الحديث، ففي الحديث: "إن الله-عز وجل-يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه، كما تخلل البقرة بلسانها"، وفي حديث آخر: " ألا أنبئكم بشراركم؟ فقال: هم الثرثارون المتشدقون "

 

4-إسبال الإزار بنية الاختيال والتكبر، يقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: "من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة " قال أبو بكر: إن أحد جانبي إزاري يسترخي، إني لأتعاهد ذلك منه، قال: لست ممن يفعله خيلاءً".

 

5-محبة أن يسعى الناس إليه، ولا يسعى هو إليهم، وأن يمثلوا له قياماً إذا قدم أو مر بهم، وقد جاء في الحديث: "من أحب أن يمتثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار"

 

6-محبة التقدم على الغير في المشي أو في المجلس أو في الحديث أو خلافه.

 

أسباب الكبر:

 

قد يكون الكبر ناتجاً عن شعور بالنقص أو شعور بالكمال، فهو في كلتا الحالتين ناتج عن إدراك خادع للذات، فإذا توافرت في يد الشخص الأدوات التي يعبر بها عن هذا الشعور الخادع؛ ظهر الكبر في سلوكه. والإنسان محب لنفسه بالأصالة ساعٍ إلى تجميل ذاته وتزينها، فاهتمامه بنفسه أكثر من أي شيء آخر في العالم، والمتكبر تكمن مشكلته في أنه يرى نفسه على إنه شيء كبير للغاية، وقد يعلم عن نفسه النقص في جانب من الجوانب؛ لكنه يعتز بذلك النقص اعتزازاً ينسيه مساوئه.

 

والمتكبر مصطلح مع نفسه في مواطن الفخار، عندما يعظمه الآخرون، ويوقرونه، إلا إنه حيث كان إهماله والتنزيل من قدره فهو متصارع مع نفسه مختل في توازنه؛ لذلك فأكثر المتكبرين سريعو الغضب لأنفسهم، لا يطيقون المكوث في مكان لا يعبرون عن أنفسهم فيه، كما إن كثيراً من المتكبرين على علاقة سيئة بكثير من المحيطين بهم. ومن أهم أسباب الكبر:

 

1-الفهم الخاطئ لتواضع الآخرين، فمبالغة الآخرين في التواضع، وهضم النفس من بعض الناس قد تحملهم على ترك التجمل والزينة في اللباس ونحوه، وعلى عدم المشاركة بفكر، أو برأي في أي أمر من الأمور، بل والعزوف عن التقدم للقيام بمسؤولية أو تحمل أمانة، وقد يرى ذلك من لم يدرك الأمور على حقيقتها؛ فيوسوس له الشيطان وتزين له نفسه أن عزوف الآخرين عن كل ما تقدم؛ إنما هو للفقر أو لقلة ذات اليد، وإلا لما تأخروا، أو توانوا لحظةً، وتظل مثل هذه الوساوس، وتلك التزيينات؛ تلح عليه وتحيط به من هنا وهناك؛ حتى ينظر إلى الآخرين نظرة ازدراء وسخرية، في الوقت الذي ينظر فيه إلى نفسه نظرة إكبار وإعظام، وقد لا يكتفي بذلك ، بل يحاول إبرازها في كل فرصة تتاح له، أو في كل مناسبة تواتيه، وهذا هو التكبر .وقد فهم السلف ذلك فحرصوا على التحدث بما يفيض الله عليهم من نعم، وعابوا على من يغفل هذا الأمر من حسابه. قال الحسن بن على-رضى الله تعالى عنهما-: "إذا أصبت خيراً أو عملت خيراً؛ فحدث به الثقة من إخوانك "، وقال بكر بن عبد الله المزني:" من أعطى خيراً فلم يُر عليه سُمِّيَ بغيضَ الله، معادياً لنعم الله ".

 

2-اختلال المعايير، فقد يكون السبب أو الباعث على التكبر؛ هو اختلال القيم أو معايير التفاضل عند الناس، ذلك أن الجهل قد يسود في الناس إلى حد اختلال القيم أو معايير التفاضل عندهم، فتراهم يفضلون صاحب الدنيا، ويقدمونه حتى لو كان عاصياً أو بعيداً عن منهج الله، في الوقت الذي يحتقرون فيه البائس المسكين، الذي أدارت الدنيا ظهرها له؛ حتى وإن كان طائعاً ملتزماً بهدى الله، ومن يحيا في هذا الجو؛ يتأثر به-لا محالة-إلا من رحم الله ويتجلى هذا التأثر في احتقار الآخرين، والترفع عليهم. وقد ألمح القرآن والسنة إلى هذا السبب، أو إلى هذا الباعث من خلال رفض هذا المعيار، ووضع المعيار الصحيح مكانه، إذ يقول الله-سبحانه وتعالى-: (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين* نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون) [المؤمنون: 55، 56]، وقال-تعالى-: (وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين*قل إن ربى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، ولكن أكثر الناس لا يعلمون*وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى، إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون) [سبأ: 35 ـ 37].

 

وإذ يقول النبي-صلى الله عليه وسلم-لأصحابه، وقد مرّ عليه رجل: "ما تقولون في هذا الرجل؟ قالوا: رأيك في هذا، نقول هو من أشرف الناس، هذا حري إن خطب أن يخطب، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أنْ يسمع لقوله، فسكت النبي-صلى الله عليه وسلم-ومرَّ رجل آخر فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-ما تقولون في هذا؟ قالوا: نقول والله يا رسول الله، هذا من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب لم ينكح، وإن شفع لا يشفع، وإن قال لا يسمع لقوله، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: " لهذا خير من ملء الأرض مثل هذا ". فمعيار التفاضل -لا تفاضل بأصحاب الدنيا، ولا أصحاب الجاه والسلطان، لا تفاضل بأصحاب الجمال ولا بكثرة الأتباع، ولا بأمثال هذه الأشياء-إنما معيار التفاضل (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، "إن أقربكم منى مجلساَ يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطؤون أكنافاً "وأن التدين وحسن الخلق وطاعة الله عز وجل هي المعايير التي تفاضل بين الناس.

 

3-الغفلة والنسيان، الغفلة عن المنعم، والنظر إلى نعمه ومنحه، فقد يكون السبب في التكبر؛ إنما هو مقارنة نعمته بنعمة الآخرين، ونسيان المنعم، ذلك أن من الناس من يحبوه الله-سبحانه-بنعم يحرم منها الآخرين، كالصحة، أو الزوجة، أو الولد، أو المال، أو الجاه، أو المركز، أو العلم، أو حسن الحديث، أو الكتابة، أو التأليف، أو القدرة على التأثير، أو كثرة الأنصار والأتباع، الخ. وتحت بريق وتأثير هذه النعم؛ ينسى المنعم، ويأخذ في الموازنة، أو المقارنة بين نعمته ونعمة الآخرين؛ فيراهم دونه فيها، وحينئذٍ يحتقرهم ويزدريهم ويضع من شأنهم، وهذا هو التكبر .وقد لفت القرآن الكريم النظر إلى هذا السبب، أو إلى هذا الباعث من خلال حديثه عن قصة صاحب الجنتين  فقال-تعالى-: (واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً * كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً وفجرنا خلالهما نهراً * وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً ) [ الكهف: 32-34]، والغفلة والنسيان قد يدفعان المتكبر لنسيان حقيقة هامة، وهي أن النعم لا تدوم ، وقد تتحول عن صاحبها في أي لحظة ،وبعض الناس قد تأتيه النعمة من الدنيا ، وتحت تأثيرها وبريقها يظن دوامها أو عدم التحول عنها ، وينتهي به هذا الظن إلى التكبر، أو الترفع، أو التعالي على عباد الله ، كما قال صاحب الجنتين لصاحبه: (ما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمةً ، ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيراً منها منقلباً )، وكما قال الله -عز وجل-في شأن الإنسان: (ولئن أذقناه رحمةً منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة، ولئن رجعت إلى ربى إن لي عنده للحسنى ) [ فصلت: 50]

 

4 ـ الاغترار بالسبق، ذلك أن بعض الناس قد يحبوهم القدر بفضيلة السبق في بعض خصال الخير، مثل تحصيل العلم أو الدعوة أو الجهاد، وإذا بهم ينظرون إلى اللاحق نظرة ازدراء واحتقار، ولسان حالهم أو مقالهم ينطق في استكبار: ومن هؤلاء الذين يعملون الآن؟ لقد كانوا عدماً أو في حكم العدم يوم أن مشينا على الأشواك، وتحملنا مشاق ومتاعب الطريق، حتى عبَّدناها لهم ولغيرهم من الناس. وقد لفت المولى-سبحانه-إلى هذا السبب أو إلى هذا الباعث حين بين: أن السبق لا يعتبر، ولا قيمة له إلا إذا كان معه الصدق، فقال (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم) [التوبة: 160]. ولم ينظر المولى سبحانه إلى سبق هؤلاء إلا من خلال ما قدموه من الأدلة على صدقهم وثباتهم على الحق، مثل: الهجرة والنصرة واتباع سبيل المؤمنين، وحسن الصلة بالله ومعرفة الفضل لذويه. وهكذا صار مبدأ الإسلام :( ليس الفضل لمن سبق، بل لمن صدق) وصدق الله (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً) [الأحزاب: 23].

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات