أحكام شهر الله المحرم

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ بداية التأريخ بالهجرة النبوية 2/ فضيلة شهر الله المحرم 3/ فضل صيام عاشوراء وكيف يكون 4/ ضلال طائفتين في التعامل مع يوم عاشوراء

اقتباس

شهر محرم هو شهر الله الحرام، وهو من الأشهر الحرم التي عظمها الله- تعالى - وذكرها في كتابه فقال سبحانه وتعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة: 36]. وشرف الله - تعالى - هذا الشهر من بين سائر الشهور فسمي بشهر الله المحرم فأضافه إلى نفسه تشريفاً له وإشارة إلى أنه حرمه بنفسه وليس لأحد من الخلق تحليله.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد:

 

فيا أيها المؤمنون: فإن الله يقلب الليل والنهار لحكمة عظيمة ظاهرة للعِيان، كما يصرف الأيام والشهور على ما يشاء، وهكذا الأيام تطوى بأهلها، وهي رواحل تنقل الناس إلى آجالهم.

 

عباد الله: مع بداية العام الهجري نحب أن نقف معًا عدة وقفات لنا فيها عبرة وفائدة، ولنتحدث بادئ ذي بدء عن بداية العام ومَن الذي كتب التاريخ، فالكثير من الناس يظن أن بداية السنة والتأريخَ بالهجرة النبوية من عصر النبوة، وهذا خطأ، فلم يُعرف التأريخ بالهجرة إلا في زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في السنة السادسة عشرة، لما شكوا إليه أنهم تأتيهم خطابات لا يعلمون متى أرسلت، فاستشار عمر الناس فأشاروا عليه بوضع التأريخ، ثم اتفقوا على جعلِ شهرِ محرم أولَ الشهور، وأن يؤرخ بالهجرة النبوية.

 

فهذا تأريخنا معاشر المؤمنين، فكيف نستبدلُه بتأريخ أعدائنا من النصارى الذين يؤرخون بميلاد عيسى -عليه السلام-، ولهذا أفتى علماؤنا بتحريم التأريخ بالميلادي ونبذ الهجري، مهما كان عذرهم.

 

وبهذا نعرف خطأ الكثير من الناس عندما يقولون: إن الصحائف تطوى بنهاية العام، وقولهم: اختم سنتك بتوبة أو بصيام أو قيام، أو آخر جمعة في السنة وغيرها من أمور ما أنزل الله بها من سلطان.

 

معاشر المسلمين: شهر محرم هو شهر الله الحرام، وهو من الأشهر الحرم التي عظمها الله تعالى وذكرها في كتابه فقال سبحانه وتعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة: 36]. وشرف الله تعالى هذا الشهر من بين سائر الشهور فسمي بشهر الله المحرم فأضافه إلى نفسه تشريفاً له وإشارة إلى أنه حرمه بنفسه وليس لأحد من الخلق تحليله.

 

وقد رجح طائفة من العلماء أن المحرم أفضل الأشهر الحرم، قال ابن رجب: "وقد اختلف العلماء في أي الأشهر الحرم أفضل فقال الحسن وغيره: أفضلها شهر الله المحرم ورجحه طائفة من المتأخرين، ويدل على هذا ما أخرجه النسائي وغيره من حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الليل خير وأي الأشهر أفضل؟! فقال: "خير الليل جوفه، وأفضل الأشهر شهر الله الذي تدعونه المحرم". قال ابن رجب -رحمه الله-: "وإطلاقه في هذا الحديث "أفضل الأشهر" محمول على ما بعد رمضان كما في رواية الحسن المرسلة".

 

وقد كانت العرب تعظّمه في الجاهلية، وكان يسمّى بشهر الله الأصم من شدة تحريمه.

 

والصوم في شهر المحرم من أفضل التطوع، فقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل".

 

بيّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضل صيام شهر الله المحرم بقوله: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم". واختلف أهل العلم -رحمهم الله- في مدلول الحديث؛ هل يدل الحديث على صيام الشهر كاملاً أم أكثرِه؟! والظاهر والله أعلم أن المقصود الترغيبُ في الإكثار من الصيام في شهر المحرم لا صومُه كلَّه، لما أخرجه مسلم في صحيحه من قول عائشة -رضي الله عنها-: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان".

 

ومن أفضل الصيام في المحرم صوم يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي أنجى الله تعالى فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً ثم صامه النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رواه أهل الصحيح من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسئلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، فنحن نصومه تعظيماً له، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نحن أولى بموسى منكم، فأمر بصيامه". وفي رواية لمسلم: "فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه...".

 

أما فضل صيام يوم عاشوراء فقد دل عليه حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه مسلم من حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- وقال فيه: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صوم يوم عاشوراء فقال: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".

 

ولو صام المسلم اليوم العاشر لحصل على هذا الأجر العظيم حتى لو كان مفرداً له من غير كراهة كما رجحه ابن تيمية -رحمه الله-، ولو ضم إليه اليوم التاسع لكان أعظم في الأجر لما جاء في الصحيح من حديث ابن عباس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لئن بقيت أو لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع".

 

وأما الأحاديث التي وردت وفيها صيام يوم قبله وبعده أو صيام يوم قبله أو بعده فلم يصح رفعها للنبي -صلى الله عليه وسلم-، والعبادات كما هو معلوم توقيفية لا يجوز فعلها إلا بدليل، فتبين لنا أن أفضل الصيام صيام التاسع مع العاشر، ومن عجز عن صيام يومين فليصم العاشر فقط، إلا أن يختلف في دخول الشهر فيصوم ثلاثة أيام كما نص عليه الإمام أحمد ليستيقن صيام العاشر، ونحن في هذه السنة لا خلاف في دخوله فقد تبين بالكسوف، فيوم عاشوراء هو يوم الخميس القادم، فيصوم المرء الأربعاء والخميس القادمين.

 

اللهم يسّر لنا أعمال الخير، وأعنا عليها، أقول...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: لقد ضلَّ في هذا اليوم -أعني يوم عاشوراء- طائفتان:

 

طائفة شابهت اليهود فاتخذت عاشوراء موسم عيد وسرور، تظهر فيه شعائر الفرح كالاختضاب والاكتحال، وتوسيع النفقات على العيال، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة، ونحو ذلك من عمل الجهال، الذين قابلوا الفاسد بالفاسد، والبدعة بالبدعة.

 

وطائفة أخرى اتخذت عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، لأجل قتل الحسين بن علي -رضي الله عنهما- تُظهر فيه شعار الجاهلية من لطم الخدود وشق الجيوب، وإنشاد قصائد الحزن، ورواية الأخبار التي كذبها أكثر من صدقها، والقصد منها فتح باب الفتنة، والتفريق بين الأمة، وهذا عمل من ضلَّ سعيه في الحياة الدنيا، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً، وإن حضور أمثال هذه البدع، ولو كان للتسلية، فهذه منكرات عظيمة ولربما اشتملت على كفريات، لا يجوز حضورها إلا لمنكر، كما لا يجوز تمكينهم من إقامتها.

 

قال ابن تيمية -رحمه الله-: "وإن إظهار الحزن والندم على المصائب القديمة من أعظم المحرمات عند الله ورسوله". اهـ.

 

وقد هدى الله تعالى أهل السنة ففعلوا ما أمرهم به نبيهم -صلى الله عليه وسلم- من الصوم، مع رعاية عدم مشابهة اليهود فيه، واجتنبوا ما أمرهم الشيطان به من البدع، فلله الحمد والمنة.

 

وقد نصّ أهل العلم -رحمهم الله- أنه لم تثبت عبادة من العبادات في يوم عاشوراء إلا الصيام، ولم يثبت في قيام ليلته أو الاكتحال أو التطيب أو التوسعة على العيال أو غير ذلك... لم يثبت في ذلك دليل عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

أيها المؤمنون: إن التوسعة على العيال، في المطعم والملبس، وكذلك محاسبة النفس، والتوبة من الذنوب، في العام كله ولا تختص بنهاية العام ولا بدايته، بل هو مشروع ومطلوب العامَ كله.

 

عباد الله: إن التمسك بالسنة والعمل بها فخر وأجر، فالزموها تفلحوا، ومن السنة صيام عاشوراء كما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس قال: "ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم: يوم عاشوراء..". أخرجه البخاري (4/245) (ح2006)، ومسلم (1132).

 

إذا علم هذا فلا ينبغي للمسلم الحريص على الأجر أن يفوّت ذلك على نفسه.

 

اللهم وفقنا لاتباع السنة، واجعلنا من أهلها الذين يدعون إليها وبها يعملون وتحت لوائها يموتون ويحشرون.

 

اللهم اغفر للمسلمين...

 

 

 

المرفقات

شهر الله المحرم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات