هل تطبيق الشريعة مستحيل في عصرنا؟

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

هذه هي أبرز الشبه والأباطيل التي أوردها العلمانيون كصعاب وعقبات في طريق تطبيق الشريعة في وقتنا الحاضر، ومناقشتها ليست من الصعوبة بمكان على آحاد الدعاة وطلبة العلم فضلا عن المتخصصين، فهذه الشبه وإن كانت ساقطة بذاتها لعدم وجود أساس تقوم عليه إلا إننا من باب الإعذار إلى الله، ونصح المسلمين، وإنقاذ السذج الذين فتنوا وانخدعوا بمعسول هذه الشبه، سوف نقوم بتفنيدها والرد عليها:

 

 

 

 

 

يجادل كثير من العلمانيين والليبراليين الكارهين لتطبيق شرع الله، والرافضين لتحكيم الدين في حياة المجتمعات، حول قضية تطبيق الشريعة الإسلامية، ويشغبون على من يطالب بذلك بأمور كثيرة، الغرض منها في النهاية توصيل فكرة إستحالة تحقيق هذا التطبيق على أرض الواقع، ويسوقون في سبيل تكريس هذا المفهوم الجاهلي الكثير من الشبه والأباطيل لجعل هذا المطلب مجرد فرض نظري يستحيل تطبيقه واقعيا، وسوف نقوم بمناقشة هذه الشبه التي تم إيرادها على قضية التطبيق العملي للشريعة الإسلامية لعظم الحاجة في تبين مكانة هذه القضية من خريطة الدين وعلاقتها المباشرة بأصل الدين وعقيدته، فالحرب على أشدها، وكل يوم يتساقط ضحايا جدد لشبه العلمانيين وأضرابهم، ولابد للدعاة من التصدي لها بالتفنيد والدحض، فهذا واجبهم، وتلك الأمانة التي في أعناقهم، وهذا هو ميراث النبوة.

 

هل تطبيق الشريعة مستحيل؟

 

وضع العلمانيون والليبراليون مجموعة من الفروض الموهومة التي جعلوها بمثابة الصعاب والعقبات في طريق تطبيق الشريعة، من أبرزها:

 

1 ـ عدم صياغة أحكام الشريعة في شكل مجموعات قانونية واضحة المعالم ومبوبة ومرتبة وفق مقتضيات العصر، وعدا القرآن والسنّة ـ بزعمهم ـ هو حشد من كتب الفقه، الكثير منها متنافر ومتضارب في آرائه واستنباطاته. ويسوقون مثالا على هذا التضارب ـ بزعمهم ـ حد شارب الخمر، فيقولون أن الرسول صلى الله عليه وسلم ضرب فيه بالنعال، ثم ضرب فيه أبو بكر بالسياط أربعين، ثم جاء عمر وزادها إلى ثمانين. ويعتبرون هذا التضارب دليلا على أن التحريم الوارد في القرآن على بعض الأمور مثل شرب الخمر أو أكل الربا، لم يرد فيه عقوبة دنيوية، وإن فرض هذه العقوبات الدنيوية من الجلد أو غيره من اختراع النبي وأصحابه.

 

2 ـ أن الشريعة لم تتطور استجابة للظروف التاريخية والإقليمية، فهي تطبق في تركيا كما تطبق النيجر وبنجلاديش، وأن الشريعة التي كانت مطبقة في مصر في القرن السابع الميلادي هي نفسها التي تطبق في القرن الحادي والعشرين، على أساس ثابت وضعه الفقهاء، أنها صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان دون مراعاة للخصوصيات التاريخية والإقليمية.

 

3 ـ إن بعض أحكام القرآن راعت عند نزولها أحوالا تاريخية معينة، ويضربون مثلا على ذلك ـ وهو مثال باطل ـ بتعدد الزوجات، فقد اعتبروا هذا الحكم ومن على شاكلته مراعاة لأحوال المجتمعات العربية حديثة العهد بالجاهلية التي كان مباح فيها تعدد الزوجات دون ضابط، وأن الإسلام قد ليضبط هذه العادة مراعيا عدم استئصالها بالكلية حتى لا ينفر العرب الجاهليون من الدين جملة واحدة.

 

4ـ آيات الأحكام في القرآن لا تزيد عن ثمانين آية، كذلك الأحاديث النبوية، فأين الأدلة والأسانيد الإلهية على هذا الحشد الهائل من الأحكام الفقهية التي تزخر بها كتب الفقه والحديث والتي بلغت حدا مهولا من الضخامة والاتساع والشمول بحيث أنها تناولت كل دقائق الحياة اليومية ؟!.

 

5 ـ قالوا أيضا إن الخلفاء الراشدين كانوا يرون من حقهم سن تشريعات جديدة بصدد أمور مستجدة لم يرد فيها نص، بل وتغيير أحكام أوردها القرآن والسنّة متى اقتضت الضرورة ذلك، ويدللون على ذلك بتغيير عقوبة شارب الخمر.

 

6 ـ الإدعاء بأن المسلمين قد استراحوا لتطبيق القوانين الأجنبية بعد قرن كامل من تطبيقها ونسيان المجتمعات المسلمة للشريعة الإسلامية وآليات تطبيقها وعدم استعدادهم لتحمل تكلفة تطبيقها.

 

7 ـ الظروف الاجتماعية غير مهيأة خصوصا الاقتصادية والثقافية لتطبيق الشريعة، فحالة الفقر التي يعشيها معظم المسلمين تقف حائلا نحو التطبيق، ثم ضعف مستوى الثقافة الشرعية لدى رجال القضاء الذين سيناط بهم تطبيق الأحكام يجعل من مسالة التطبيق أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا.

 

8 ـ إن تطبيق الشريعة سيؤدي إلى تفتيت الوحدة الوطنية في المجتمعات التي يوجد بها أقليات دينية ـ نصرانية ويهودية ـ لأنهم سيرفضون الاحتكام لشريعة غير شريعتهم.

 

9 ـ زعموا أن الأوعية التي تلقت النصوص وعبرت بها الأجيال المتعددة حتى الآن والتي تتكون من الفقهاء والمحدثين والمفسرين والمؤرخين لم تكن أمينة على عملية النقل، حيث اخترعت ما شاء لها أن تخترع من النصوص، وأضافت إليها من الشروح والحواشي والتفاسير الكثير والكثير بدون وعي أو ضبط، حتى صارت الشريعة كما هائلا متناقضا متضاربا لا يمكن الاستفادة منه بشيء.

 

هذه هي أبرز الشبه والأباطيل التي أوردها العلمانيون كصعاب وعقبات في طريق تطبيق الشريعة في وقتنا الحاضر، ومناقشتها ليست من الصعوبة بمكان على آحاد الدعاة وطلبة العلم فضلا عن المتخصصين، فهذه الشبه وإن كانت ساقطة بذاتها لعدم وجود أساس تقوم عليه إلا إننا من باب الإعذار إلى الله، ونصح المسلمين، وإنقاذ السذج الذين فتنوا وانخدعوا بمعسول هذه الشبه، سوف نقوم بتفنيدها والرد عليها:

 

1 ـ الادعاء بأن الشريعة لم تقنن ساقط وواهي، فالشريعة بالفعل تم تقنينها عبر جهود العديد من المجمعات الفقهية في مصر والكويت والسعودية، كما أن العديد من الجامعات العلمية مثل الأزهر الشريف والجامعات الإسلامية في باكستان وماليزيا وغيرها قامت بوضع مشاريع متكاملة للشريعة الإسلامية، تم فيها صياغة أحكام الشريعة الإسلامية في شكل مواد وبنود كاملة في عمل موسوعي رائع، وأخص بالذكر ما قامت بها جامعة الأزهر في السبعينيات من القرن الماضي في ذلك المضمار. وناهيك عن ذلك هل يستطيع العلمانيون الإنكار على القانون الإنجليزي غير المكتوب، والمطالبة بوقف إصدار الأحكام في المحاكم الإنجليزية لحين كتابته ووضعه في مجلدات كما طالبوا دعاة تطبيق الشريعة بذلك ؟

 

2 ـ الادعاء بوجود عدة نسخ للشريعة الإسلامية بسبب اختلاف الفقهاء والعلماء والمذاهب، وأي النسخ سوف نطبق ؟ الإجابة بسيطة ؛ فالمطلوب هو تطبيق الإسلام كما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم والذي يؤمن به أكثر من مليار مسلم في أقطار الأرض، وشريعته المراد تطبيقها ما تلقاه أصحاب النبي ثم التابعين وتابعيهم ومن سار على دربهم واقتفى أثرهم من أئمة الهدى دون أئمة الضلال والزيغ.

 

3 ـ الادعاء بوجود تشريعات دنيوية لجرائم غير منصوص على عقوبة شرعية لها، والاستدلال على ذلك بعقوبة شارب الخمر، والاختلاف والتطور الذي لحق في شكل العقوبة. والجواب على ذلك أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يمتلك حق التشريع بأمر ووحي من الله كما قال تعالى: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في صدورهم حرج مما قضيت ويسلموا تسليما ) [النساء: 65]، فمنه الأمر ومنا الطاعة والتسليم، ثم إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد بدأ عقاب شارب الخمر بضربه بالنعال ثم شدد في العقوبة حين رأي العقوبة السابقة لم تفلح في منع هذه الجريمة، فضرب شارب الخمر في حياته أربعين ضربة بجريدتين، فجاء أبو بكر من بعده وسار على دربه، ثم جاء عمر فسار على ذلك حينا من الدهر، فلما اشتكى إليه ولاة الأقاليم من انتشار هذه الجريمة بسبب الشعوب حديثة العهد بالإسلام، استشار الصحابة في تغليظ العقوبة، فأجمعوا وقتها على رفعها إلى ثمانين، ففي صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-: " أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين، وقال وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس ؛ فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانين فأمر به عمر ".

 

 ومن جهة أخرى فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أمرنا بالعمل بسنّة الخلفاء الراشدين، ففي سنن أبي داود " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ ". ولقد كان من حق الخلفاء الراشدين سن الأحكام التي من شأنها سياسة الدولة وتدبير شئون الرعية مثل تدوين الدواوين وتنظيم البريد وتنظيم العمل في الأسواق وخلافه، ولكنهم لم يسنوا أحكاما وقوانين يلزمون بها المسلمون في العبادات والمعاملات بحيث يحلون حراما أو يحرمون حلالا، إلا من قبيل كيفية التطبيق والتنفيذ، كما أنهم لم يغيروا أحكاما منصوص عليها في الكتاب والسنة، وعمر لم يقطع يد السارق في عام الرمادة للمجاعة العامة وعدم توافر شروط إقامة الحد.

 

4 ـ أما دعوى صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان والتي يتهكم عليها خصوم الشريعة، فصلاحيتها حق من حيث الأحكام المنصوص عليها في الكتاب والسنة لأنها جاءت مراعى فيها الخصائص العامة للإنسان من حيث هو إنسان أيا كان مكانه وعصره، أما الأحكام الاجتهادية فهي تخضع لاعتبارات الزمان والمكان، لذلك اشترط أهل العلماء على من يتبوأ منصب الإفتاء أن يكون ملما بظروف الزمان والمكان وعليما بما يستحدثه الناس من عادات ومسالك وضروب، وما بهم من خصائص ويحيط بهم من ظروف وأوضاع، وإلا كانت فتواه خاطئة ومضللا للناس من حيث لا يدري. ولعل تغير الشافعي لمذهبه القديم بالعراق إلى الجديد في مصر من هذا الباب.

 

5 ـ الإدعاء بأن القرآن راعى الظروف التاريخية والجغرافية عند نزوله، ومن ثم يجب تجريد القرآن من النصوص المتعلقة بوقائع تاريخية معينة، هذا الإدعاء من الخطورة بمكان أن يهدم الشريعة الإسلامية من جذورها، لأن هذا الكلام معناه هدر مئات النصوص القرآنية تحت هذا المسمى، لذلك انتبه العلماء الأوائل لهذا الفهم المعوج، ووضعوا أصولا وقواعد للتعامل مع القرآن وفهم نصوصه، من أبرزها: "العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب ".

 

6 ـ الإدعاء بضخامة كتب الفقه وشروحه وحواشيها وشمولها وبيانها لأحكام كل شيء، فيا ليت شعري ؛ أتذم الشريعة بذاك أم تمدح ؟! فالاتساع والشمولية والضخامة والتنوع ثراء تشريعي يحتاجه كل قاض وحكم ومقنن، إذ يرفع عنه الحرج في الاجتهاد والتفكير في الكثير من القضايا، ويعطيه المجال للمقارنة والاختيار والاجتهاد بين هذه الحصيلة العلمية الضخمة. أما القول بأن هذا الأمر يتعارض مع ما هو ثابت عن كون آيات الأحكام لا تزيد عن ثمانين آية فقط، فهذا محض وهم وكذب متعمد، فابن العربي مثلا في كتابه الشهير " أحكام القرآن " وهو من التفاسير التي اهتمت باستنباط الأحكام الفقهية من القرآن ينص صراحة على استنباط أحكامه من أكثر من ثمانمائة آية، فجاء العلمانيون وأسقطوا صفرا من العدد متعمدين وقالوا: ثمانين، سبحانك هذا بهتان عظيم وإفك مبين.

 

7 ـ الإدعاء بأن الشعوب قد استراحت للقوانين الوضعية ورضيت بها وأنها سوف ترفض أحكام الشريعة لشدة غربتها عن الواقع والعصر، وبعيدا عن الآيات والأحاديث التي توجب تطبيق الشريعة، فهذا الإدعاء ترده كل الإحصائيات التي تمت واستطلاعات الرأي التي أجريت تؤكد على رغبة أغلبية الشعوب العربية والإسلامية في تطبيق الشريعة، ويقينها أن الشريعة ستكون طوق النجاة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعج بها المجتمعات العربية والإسلامية، وأيضا نتيجة الانتخابات المحلية والبرلمانية والتي يكتسحها عادة المطالبين بتطبيق الشريعة من أتباع التيارات الإسلامية، أيضا رصيد التجربة التاريخية الأليمة مع النظم والقوانين الوضعية، فبعد أكثر من قرن من الزمان معها تحولت الخلافة الإسلامية لدول صغيرة وممزقة وضعيفة وذليلة، واقعة تحت أسر المهانة والاحتلال والتبعية للشرق والغرب، ينخر الفساد في جنباتها، ويضرب الخراب بأطنابه في أركانها، وما ذلك كله إلا حصائد القوانين الوضعية التي فشلت في حل مشاكل وأزمات الأمة، بل ساهمت في زيادتها وتفاقمها. فهل يعقل أن يقال أن الشعوب قد استراحت لهذه الموروثات الكئيبة، وسترفض الشريعة الإسلامية ؟!

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات