الأحكام الشرعية ومصطلحات التشويه العلماني

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

التحرر من الحرية التي هي ضد العبودية، والإسلام هو أعظم مواثيق السماوية لتحرير البشرية، فقد جاءت دعوة التوحيد لتحرر العباد من عبادة بعضهم بعضا إلى عبادة رب العباد، بحيث يصير البشر أجمعين عبادا لله - رب العالمين -، وكل سعي إلى التحرر من العبودية لغير الله فهو من جنس الجهاد في سبيل الله - عز وجل -.

 

 

 

 

 

لقد دأبت العلمانية على بث الدعايات الكاذبة ضد الأحكام الشرعية، وكل من يطالب بتطبيقها في بلاد الإسلام، فأباطيل العلمانية مازالت تحاول النيل من كمال الشريعة، وتشويه محاسنها، ليشوشوا بتلك الفرى على العوام والبسطاء والأغرار، وأيضا على بعض المثقفين ودعاة التقدم، ويدغدغوا بها مشاعر الباحثين عن الحرية المنفلتة، ومن أجل ذلك يطلقون مجموعة من المصطلحات المغلوطة حول الشريعة الإسلامية، من أجل رسم صورة سلبية عن مستقبل البلاد تحت ظل الأحكام الشرعية، فيقولون أن تحكيم الشريعة وإعلاء مفهوم الحلال والحرام في أمور الحياة، سيخلق جوا خانقا للحريات، ويؤدي إلى الكبت والرجعية، وتحرم به المتع والطيبات، ويقتل به الإبداع بما يفرضه من محاسبة للضمائر والنوايا، وتنغلق الأمة به على نفسها، تجتر ذكريات ومآثر الماضي، وتقعد به عن مواكبة التطور والمدنية الحديثة !

 

ولاستجلاء هذه الشبه الباطلة، وتفصيل القول في ردها وجب على الدعاة التوجه إلى أرباب العلمانية وسدنتها بعدة أسئلة عن مرادهم بهذه المصطلحات التي يشيعونها مثل الكبت والرجعية، والتحرر والمدنية، حتى نبين القول الفصل في هذه الترهات التي ما يراد بها إلا تشويه الإسلام وأحكامه النقية.

 

أولا: مصطلح الكبت

 

الكبت في اللغة بمعنى الحجر والمنع، وقد يأتي بمعنى الخذلان والإهانة والذلة، كما في قوله تعالى: ( إن الذين يحآدّون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم ) [ المجادلة 5]. أما في الاصطلاح فهو يختلف حسب مراد قائله، فإذا كان المقصود من مصطلح الكبت هو الحجر على العقول أن تسرح في آفاق الفكر ومراقي النظر والإبداع والعطاء، أو الحجر على الغرائز الفطرية التي فطر الله عز وجل الناس عليها، وسد منافذها الطبيعية على غرار ما فعلته الرهبنة في أوروبا، فعندها يكون مصطلح الكبت بهذه الحيثية مذموما منهيا عنه في الشرع، بل جاء الإسلام في الأساس لتخفيف الآصار والأوزار التي وضعها المحرفون على كواهل أتباعهم.

 

فالتفكير فريضة إسلامية أصيلة، وجاءت الآيات والأحاديث والآثار بإعمال العقول في ملكوت السموات والأرض، وأيضا تلبية الغرائز الفطرية بالطرق التي رسمها الشرع الحنيف من سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، فكيف يدعي العلمانيون والمرجفون في مدائننا أن الإسلام يكبت الغرائز ويصادر الأفكار ويعتقل العقول ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.

 

أما إذا كان المراد بمصطلح الكبت الالتزام بالأوامر والنواهي الشرعية، بحيث يقف حيث أوقفه الله ورسوله مهما كانت البواعث والدواعي، ومهما تعارض ذلك مع شهواته ورغباته، فليس في ذلك كبت ولا قهر، بل هو عين الإسلام ولب الانقياد لأمر الله ورسوله، فالتكليف ما هو إلا إخراج العباد من طاعة شهواتهم وإتباع نزواتهم إلى طاعة مولاهم. وهل الدين إلا الدينونة والخضوع لما جاءت به الرسل وتنزلت به الكتب من عند الله تعالى ؟!.

 

أما بالنسبة لحرية الفكر، فالأحكام الشرعية تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: مواضع الإجماع التي قامت عليها أدلة قاطعة الثبوت والدلالة، اتفق أهل العلم على حجيتها القاطعة، وهذا القسم يمثل ثوابت الإسلام ومحكماته، لذلك سماها العلماء " الشرع المنزل " وواجب المسلمين تجاه هذه الأحكام هو الإذعان والانقياد، قال تعالى: ( وما كان لمون ولا مؤمن إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله فقد ضل ضلالا مبينا ) [ الأحزاب 36 ]، وقال ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) [ النساء 115].

 

أما القسم الثاني: فموارد الاجتهاد وهي التي لم يكن عليها أدلة قاطعة من كتاب أو سنة أو إجماع صحيح، وهي تمثل عمل العقل البشري في فهم أدلة الشرع المطهر، فالاجتهاد البشري غير معصوم فقد يخطئ ويصيب، ولذلك كان الغرض معها بالنسبة لأهل العلم هو الاختيار والترجيح تبعا لقوة الأدلة وظهور المصلحة.

 

هذا بالنسبة لأهل العلم أما بالنسبة للعامة وهم السواد الأعظم، فما عليهم إلا سؤال الثقات، ومن عمل منهم بأحد القولين في هذه المسائل الظنية لم ينكر عليه ولم يهجر، وكذلك من عمل بالقول الآخر، وهذا الأمر من محاسن الشريعة واتساعها وشمولها لنتاج العقول بما لا يحجر على المكلفين، مع العلم أن معظم الأحكام الشرعية تنتمي لهذا القسم. مما يؤكد على مرونة الشريعة وأنها جاءت بالسعة والتيسير ورفع الحرج.

 

أما إذا كان مصطلح الكبت بمعنى زجر النفس عن معصية الله - عز وجل - ونهيها عن الهوى، فذلك وأيم الله عين الدين، والحق الذي لا مراء فيه، فلا تقوم حضارة متكاملة راسخة إلا على أساسه. أما إذا كان المقصود بالكبت هو الزهد في الدنيا ومباهجها وزينتها ومباحاتها، وأخذ النفس بالعزائم، وترك فضول الحلال خشية الوقوع في الحرام، فهذا هو سلوك العبّاد الصالحين، والنسّاك المخبتين، العاملين الربانيين، ولكن هو في النهاية سلوك فردي ومنزع ورعي لا يصح حمل الأمة كلها عليه، فما يسع الفرد قد لا يسع الجماعة، بمعنى لا نرده ولا نأمر به ونعممه، فذلك فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء من عباده.

 

ثانيا: مصطلح الرجعية

 

مأخذ مصطلح الرجعية من الرجوع إلى الخلف، والعودة إلى الوراء، لإحياء مذاهب قد مضت، والولاء لعهود قد انقضت وحلت محلها عهود وأفكار جديدة. وهم يقصدون بذلك تشويه فكرة الرجوع إلى التراث الإسلامي، والاعتزاز بالخلافة الإسلامية كنظام للدولة والحكم. ونحن عندما نتناول المصطلح وعلاقة الأمة بتراثها وتنظيم الاستفادة منه لابد أن نوضح ما المقصود بالرجعية التي يتكلمون عنها. فإذا كان المقصود بالرجعية هو الانغلاق على مقولات مغلوطة وعقائد مدخولة كتلك التي راجت في عصور الانحطاط من الخرافة والكهانة والعقائد الجبرية ورفض الاستشراف إلى معطيات العلم الحديثة، فذلك مرفوض ومنكر بشدة في دين الله، فما الإسلام إلا إعلان لتحرير العقول والقلوب من أسر العادات والموروثات الجاهلية التي ورثها الناس عن آبائهم وأجدادهم دون عرضها على ميزان الشرع لرد الدخيل وتميز الفاسد عن الصالح. وهؤلاء الذين يعيشون في أسر بعض المقولات التاريخية والأفكار التراثية يسيئون للأمة أكثر مما ينفعون، وهم عبء ثقيل على الدعوة الإسلامية، ونموذج سيئ منفر للمتدينين.

 

أما لو كان المصطلح يعني الاقتداء بالسلف والتأسي بالصحابة والتابعين وخير القرون، والاستقامة على هداهم، ولاستفادة من الثروات العلمية العظيمة التي تركوها لمن بعدهم، فذلك الحق الذي لا يعدل به، بل لا تعدل عنه أي أمة، فما من أمة بغض النظر عن دينها أو تقدمها إلا وهي تحتفي بتراثها أيما احتفاء وتفاخر به الأمم، وكل أمة تنفصل عن تاريخها محكوم عليها بالعدم والزوال.

 

والخلاصة أن ليس كل من تعلق بالماضي مذموم، ولا كل من تعلق بالحاضر محمود، بل العبرة بموافقة الشرع، والمرجع في ذلك إلى الأدلة، وكل انحراف عن هذا الميزان غبش في الرؤية، وتغييب للوعي، وتلبيس على الأمة.

 

ثالثا: مصطلح التحرر

 

التحرر من الحرية التي هي ضد العبودية، والإسلام هو أعظم مواثيق السماوية لتحرير البشرية، فقد جاءت دعوة التوحيد لتحرر العباد من عبادة بعضهم بعضا إلى عبادة رب العباد، بحيث يصير البشر أجمعين عبادا لله - رب العالمين -، وكل سعي إلى التحرر من العبودية لغير الله فهو من جنس الجهاد في سبيل الله - عز وجل -.

فماذا يقصد إذا العلمانيون من مصطلح التحرر ؟

 

فإن قصدوا منه التحرر من أي لون من ألوان العبودية لغير الله، ومن الخوف إلا من الله، وكذا الرجاء والتوكل وسائر المقامات الإيمانية، فذلك عين ما ينشده الإسلام، بل هي من أواصر رابطة التوحيد، وأي نقض فيها يخرج بصاحبه من دائرة الإيمان. أما لو قصدوا من مصطلح التحرر التحلل من العبودية لله والخضوع لشرعه وأمره ونهيه، بحيث يكون الإنسان هملا عطلا بلا رقيب أو حسيب، فذلك لعمر الله هو عين الخسران ولب الكفران، وفيه من الغرور والبغي والظلم ومحاداة الله في أمره ومنازعته في ملكه، ما تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا، وسيد ولد آدم وخاتم المرسلين وإمام الأنبياء اختار مقام العبودية لما فيه من شرف ما بعده شرف بين يدي الله - عز وجل -، فكيف يأتي أقوام أجهل من دواب الأرض يحاول المروق من هذا المقام الأعظم، ويأخذون على عواتقهم مهمة تحرير البشر ـ بزعمهم ـ من أغلال التكليف الإلهي ؟! وهذا النوع من التحرر ما هو إلا إعلان العصيان على الكريم المنان، والانقلاب على رب الأرباب، وهو ما أجمع العلماء على كونه فسوق قد يخرج بصاحبه من دائرة الإسلام لو اقترن بجحود الحكم الشرعي تكذيبا به أو ردا أو استكبارا عن قبوله، وقد يبقيه في دائرة الإيمان إذا بقي عنصري التصديق والانقياد وكان التحرر إتباعا للشهوات وطاعة للنزوات.

 

وبجولة سريعة على المجتمعات التي أعلنت تحررها المزعوم عبر التاريخ، بحيث سمحت لأفرادها بفعل ما يحلو لهم دون رقيب أو حسيب وخرجت عن طاعة ربها، نجدها قد حق عليها القول فكان هلاكها سريعا وعقابها وخيما، وحفلت آيات الكتاب بصور العقاب والعذاب لهؤلاء الرافضين لطاعة ربهم. أما في العصور الحديثة فنجد مجتمعات التحرر عبارة عن مجتمعات متهتكة فاسدة ينخر في بنيانها الاجتماعي الكثير من الأمراض والآفات، فملايين من أطفال الزنا، وأمراض جديدة لم تكن في أسلافهم، وفواحش وفجور وانحلال وفنون للذة والشهوة شتى، وشكوى لا تنقطع من سوء الأخلاق وكثرة الشقاق، وكل ذلك من عواقب إتباع سنن المفسدين، والسير خلف المبطلين، و شرع الله عز وجل غالب ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات