بصائر الداعية في أوقات الفتن

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

فمن طبائع الفتن أنها تتزين للناس في بدايتها، حتى تغريهم بملابستها والوقوع فيها، فإذا وقعوا فيها أذهبت العقول والأحلام، وأبقت الحسرة والآلام، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تكون فتنة تعرج فيها عقول الرجال...

 

 

 

 

من أهم أولويات الدعاة في هذه الأيام، الاستبصار بطبائع الفتن، وكيفية النجاة منها، فهذا الزمان مليء بالفتن والابتلاءات، فإن الفتن قد أصبحت تترى كالسحب المتراكمة، تتواتر عمياء صماء مطبقة، كقطع الليل المظلم، ويتفاوت الناس في مدى استبصارهم بحقيقة الفتن، واستجلاء عواقبها، تبعا لما أوتوه من التقوى والفقه، والقلوب هي عيون المؤمنين وقت الفتن، بها يبصرونها ويعرفون حقيقتها، والناس وقت إطباق الظلمات، يبحثون عن المنارات، يبحثون عمن يأخذ بأيديهم وسط تيه الفتن والاختلافات، والدعاة هم منارات هذه الأمة، ومشاعلها المضيئة وقت الفتن، وزوارق النجاة في بحور الأمواج المتلاطمة، الدعاة والعلماء هم عقل الأمة وقت الفتن، وقت أن تطيش العقول، وتموت القلوب، وتشكك النفوس، لذلك كله، كان الدعاة هم أحوج الناس لمعرفة طبائع الفتن، والاستبصار بنور الكتاب والسنة، في كيفية التصدي للفتن وتفادي آثارها الخطيرة .  

 

فالفتن واقعة لا محالة في أمة الإسلام، وكل ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لابد أن يقع بقدر الله عز وجل، تصيب الجميع، والسعيد من عصمه الله عز وجل، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم من آطام المدينة، ثم قال: " هل ترون ما أرى ؟ " إني أرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر " وتشبيه الفتن بالقطر يدل على الكثرة والعموم، وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتنة "،  ولقد أولى الشرع الحنيف عناية كبيرة بالفتن، وذخرت دواوين السنة وكتبها بالنصوص المحذرة والكاشفة والمفسرة للفتن، ولا يوجد كتاب من كتب السنة، إلا وفيه باب مستقل أو كتاب للفتن، ليكون لدى المسلمين عامة، والدعاة خاصة، ذخيرة كبيرة من المعرفة بطبائع هذه الفتن، وبالتالي يكن الجميع على استعداد وحذر، فالتحذير من الشر باب من أبواب الخير، كما قال حذيفة رضي الله عنه: " كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني "، فالدفع أسهل من الرفع، والتخلية مقدمة على التحلية، وإنما يقع في الشر من لا يعرفه، قال عمر رضي الله عنه: " يوشك أن ينقض الإسلام حجرا حجرا من جهل عادات الجاهلية "

 

أصل الفتنة في اللغة بمعنى الاختبار والابتلاء، أما في الشرع فقد وردت على معاني كثيرة، حسب إضافتها وسياقها، قال ابن القيم رحمه الله: " الفتنة التي يضيفها الله سبحانه إلى نفسه، أو يضيفها رسوله إليه، كقوله: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} [الأنعام: 53]، وقوله {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ } [الأعراف: 155]، هي بمعنى الامتحان والاختبار والابتلاء من الله لعباده بالخير والشر، بالنعم والمصائب، فهذه لون، وفتنة المشركين لون، وفتنة المؤمن في ماله وولده وجاره لون آخر، والفتنة التي يوقعها بين أهل الإسلام، كالفتنة بين أهل الجمل وأصحاب علي ومعاوية رضي الله عنهما. ... "

 

ومن طبائع الفتن التي يجب على كل داعية أن يعرفها:

 

أولا: جاذبية الفتن

 

فمن طبائع الفتن أنها تتزين للناس في بدايتها، حتى تغريهم بملابستها والوقوع فيها، فإذا وقعوا فيها أذهبت العقول والأحلام، وأبقت الحسرة والآلام،  فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تكون فتنة تعرج فيها عقول الرجال، حتى ما تكاد ترى رجلا عاقلا "، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: " أخاف عليكم فتنا كأنها الدخان، يموت فيها قلب الرجل، كما يموت بدنه " فالفتن تجذب القلوب، وتأسر النفوس، ومغرية تدفع على الوقوع فيها، والتلبس بحبائلها، قال ابن حزم رحمه الله: " نوّار الفتنة لا يعقد "، والنوّار: الزهر ؛ ويقال: عقد الزهر: إذا تضامّت أجزاؤه فصار ثمرا، ومعنى كلام ابن حزم أن للفتنة مظهرا خادعا في مبدئه، حتى يستحسن الناس صورتها، وينخدعوا بها ويعقدا عليها الآمال، عندها سرعان ما تنتهي وتتلاشى، لا تبقي لهم سوى الحسرة والندم، مثل الزهرة تموت سريعا قبل أن تتفتح، وتعطي ثمرتها.  وهذا الأمر ملاحظ بقوة في أوقات وقوع الفتن والاختلافات بين الدعاة والمشايخ، فتجد الأتباع يسارعون فيهم، فيتعصب كل فريق لشيخه ومعلمه، وتنقلب حربا ضروسا، من تراشق بالألفاظ، واتهامات للنوايا، واستحضار لمواقف سابقة، وربما تحول النزاع اللفظي إلى قتال تسال فيه الدماء، وتزهق فيه الأرواح، كما حدث في القتال بين أتباع المذاهب الفقهية في بغداد وخراسان في القرن الخامس والسادس الهجري.  فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن بين يدي الساعة الهرج "، قالوا: وما الهرج ؟ قال: القتل، إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضا، حتى يقتل الرجل جاره ،ويقتل أخاه، ويقتل عمه، ويقتل ابن عمه " قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ ؟ قال: " إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء، وليسوا على شيء "

 

ثانيا: سرعة الانتشار

 

فمن طبائع الفتن أنها متى وقعت، فإنها سرعان ما تتطور، وتخرج عن السيطرة، حتى أن من أشعلها في البداية، يصعب عليه وقفها أو إطفائها، ولا يسلم منها إلا من عصمه الله عز وجل، قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } [الأنفال: 25]، فالفتنة إذا جففت منابعها، وسدت ذرائعها، وحسمت مادة أوائلها، وأخذ على يد سفهائها، سلمت الأمة من غوائلها، وكفى الناس شرها، وهذا ظاهر ومشاهد عبر التاريخ، ومنذ الفتنة الأولى التي وقعت أيام الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه، فمن يلاحظ أحداث سير هذه الفتنة، يعلم أنه لو ضرب عثمان رضي الله عنه بيد من حديد على مروجي الشائعات وأصحاب الفتنة منذ البداية، وكانوا في يديه وتحت حكمه والشرع يؤيده، لو فعل ذلك وقتها كما أشار عليه الزبير رضي الله عنه، لانحسمت مادة الفتنة، وانتهى الأمر، ولكنه آثر العفو والسلامة، وصفح عن المتمردين، فما لبثوا إلا قليلا، حتى ألبوا الأطراف عليه، وملئوا الدنيا شائعات كاذبة بحقه، وتطورت الأحداث سريعا، حتى انتهت بمقتله شهيدا مظلوما رضي الله، وانتهكت حرمة المدينة، ورفع سيف القتل الأمة، فلم يوضع حتى وقتنا الحالي، وكسر باب الفتنة، ولا يعلم متى يغلق.  وسيناريو فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه ما زال يتكرر في الأمة، حتى لا يكاد يخلو منه عصر أو بلد ولا حول ولا قوة إلا بالله.  

 

ثالثا: الصبر دواءها والعجلة ووقودها

 

فمن طبائع الفتن، أنها تقوى بالعجلة وتشتعل بالتسرع، وتضعف بالصبر، وتنطفئ بالحلم والأناة.  فعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: وأيم الله، لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، ولمن ابتلي فصبر، فواهّا " فالفتن تحتاج إلى عزيمة قوية، يتصبر بها الداعية في مواجهتها، حيث تعصف الفتن بالقلوب والعقول، لذلك قرن الله عز وجل بين الفتنة والصبر، لبيان أن الصبر هو دواء الفتنة الأنجع، فقال: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 110]، وقال في موضع آخر {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان: 20]، والصابر على دينه وقت الفتن، كالقابض على الجمر، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.  

 

 في حين أن العجلة والطيش والتسرع هو وقود الفتنة الذي يسهم في اشتعالها وانتشارها، فمن يحرم الرفق والحلم والتؤدة يحرم الخير كله، والعجلة هي: فعل الشيء قبل وقته اللائق به، وكانت العرب تسمي العجلة أم الندامات، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " التأني من الله، والعجلة من الشيطان، وما أحد أكثر معاذير من الله، وما من شيء أحب إلى الله من الحلم "، قال على بن أبي طالب رضي الله عنه: " إن أول ما عوّض الحليم من حلمه أن الناس كلهم أعوانه على الجاهل " وقال معاوية رضي الله عنه: " لا يبلغ العبد مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله، وصبره شهوته، ولا يبلغ ذلك إلا بقوة العلم "، فالعبد إذا حرم نور العلم كان أسرع الناس في الفتن، وأكثرهم تأثرا بهم وانغماسا فيها، فالجهال دائما ما كانوا وقودا للفتن والاضطرابات، يتبعون كل ناعق، ويلبون كل داع، فالفتنة يعرفها العالم وهي مقبلة، ويعرفها الجاهل وهي مدبرة، وعن حذيفة رضي الله عنه قال: " إياكم والفتن لا يشخص إليها أحد، فو الله، ما شخص إليها أحد، إلا نسفته، كما ينسف السيل الدمن، إنها مشبهة مقبلة، حتى يقول الجاهل: هذه تشبه، وتبين مدبرة، فإذا رأيتموها: فاجثموا في بيوتكم، وكسروا سيوفكم، وقطعوا أوتاركم "، قال أبو حاتم محمد بن حبان البستي رحمه الله: " العاجل لا يلحق، كما أن الرافق لا يكاد يسبق، والساكت لا يكاد يندم، ومن نطق لا يكاد يسلم، وإن العجل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويحمد قبل أن يجرب، ويعزم قبل أن يفكر، ويمضي قبل أن يعزم، والعجل تصحبه الندامة، وتعزله السلامة "، الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أحلم الناس عند الفتن، وأكثرهم تعقلا، قام سوق الفتنة ولم يشهدها، إلا عدد قليل جدا مما اضطرتهم الظروف للمشاركة، وقد رد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه على بنيه الذي أنكر عليه تخلفه عن الأحداث الملتهبة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، بقوله " أي بني أفي الفتنة تأمرني أن أكون رأسا ؟ لا والله، حتى أُعطى سيفا، إن ضربت به مسلما، نبا عنه، وإن ضربت به كافرا، قتله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يحب الغني الخفي التقي"،  قال الشاعر محمد بن بشير

 

        قدر لرجلك قبل الخطو موضعها *** فمن علا زلقا عن غزة زلجا

 

لذلك كان على الدعاة واجبات عديدة في أوقات الفتن، من أهم هذه الواجبات:

 

أولا: وجوب التثبت من الأخبار

 

فإن التثبت من الأخبار قبل تصديقها، فضلا عن إذاعتها، منهج قرآني أصيل، يستراح به من القيل والقال، ويوفر كثيرا من الجهد والطاقة المهدرة في تلافي آثار أخبار كاذبة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [الحجرات: 6]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 94]، وقد نزلت هذه الآية في رجل من بني سليم مر بنفر من الصحابة، فسلّم عليهم، فقال أحدهم: " ما سلّم علينا إلا ليتعوذ من القتل " فلحق به وقتله، وأخذوا غنمه، وأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزلت الآية، والذين يسارعون في تناقل الأخبار وترديدها دون تمحيص وتثبت، هم أكثر الناس حدة وعجبا بالنفس، وتعصبا للرأي، تحملهم تلك الصفة الذميمة، للمسارعة في القيل والقال، وإن اتقاء الغواية في الرواية، والتحري والتثبت من الأخبار التي تتداولها الألسن، وقت الفتن والاضطرابات، من أهم أسباب حسمها ووأدها في مهدها.  

 

ثانيا: وجوب حفظ اللسان

 

كل مكلف ابتداء يجب عليه حفظ لسانه، كفه عن الخوض فيما حرم الله، ويزداد الوجوب توكيدا في حق الدعاة، ثم يرتفع الأمر لدرجة الإجماع الذي لا يجوز خرقه، أيام الفتن والاضطرابات، لأن هذه الأيام تكثر فيها الأقاويل، وتزداد شهوة الشائعات، والمبالغات والتهويلات، وعندها تكون الآذان مستعدة لاستقبال كل ما يقال، قال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء: 53]، وقال: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، قال ابن القيم رحمه الله: " ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام، والظلم، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، ومن النظر المحرم، وغير ذلك ،ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول "، وحركة اللسان هي أيسر حركات الجوارح كلها، وفي نفس الوقت أشدها ضررا على العبد، والأحاديث في ضبط اللسان، وتحرى الكلام، كثيرة جدا، وكذلك في فضل الصمت، وبيان ما فيه من نجاة وسلامة لعبده في دينه ودنياه، كثيرة جدا.  مع مراعاة الموازنة بين الصمت والكلام، فأيهما تبين الخير فيه، كان أولى من الآخر، وفي الحديث عن أم حبيبة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: قال رسول الله: " كل كلام ابن آدم عليه، لا له، إلا أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو ذكر لله "، وفي الحديث الشهير: " من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " والبعض يظن أنه إذا كف يده، فقد اعتزل الفتنة، ولا يدري أنه لا ينجو حتى يكف لسانه أيضا، عن ابن مسعود رضي الله عنهما أنه لما ذكرت عنده الفتن ،وسئل: أي أهل ذلك الزمان شر؟ قال: كل خطيب مسقع، وكل راكب موضع "  أي من يحرض عليها بلسانه وبسنانه.  

 

ثالثا: التركيز على العمل الصالح

 

في مواطن الفتن والنوازل، ينشغل كثير من الناس بتتبع الأخبار، ويولعون بذلك، وتكون كلمة " سمعت " و" قالوا " , و " أظن "، و "أتوقع "، مما تفنى معه الأعمار بلا فائدة، وينصرف الناس عن الطاعة والعبادة وسائر الحقوق والصالحات، بسبب السهر والسمر والجدل والقيل والقال، والإغراق فيتتبع الأخبار والأحداث، في حين أن الهدي النبوي في التعامل مع الفتن، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا، ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا "، وقد استيقظ صلى الله عليه وسلم فزعا ذات ليلة من نومه، وقال: " سبحان الله ! ماذا أنزل الله من الخزائن ؟ ماذا أنزل من الفتن ؟ من يوقظ صواحب الحجرات ـ يقصد أزواجه ـ لكي يصلين ؟ رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة " فالعمل الصالح وسيلة للثبات على الحق، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66]، قال الحسن البصري: " نفسك إذا لم تشغلها بالحق، شغلت بالباطل "

والاشتغال بالعبادة في أوقات الفتن من أعلى القربات والدرجات، قال صلى الله عليه وسلم: " العبادة في الهرج كهجرة إلي "، وكان إذا أصابه هم أو خصاصة فرع إلى الصلاة، ونادى بها جامعة، مثلما حدث وقت الكسوف والخسوف.  

 

 

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات