سلسلة معالم الشخصية الربانية (3) القدوة أو حسن السمت

عصام خضر - عضو الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

إن هؤلاء القادة المربين البارزين في علمهم وفكرهم مع قلة عبادتهم وبذلهم وتضحياتهم وضعف سلوكهم لا يمكن أن تنمو في ظلهم دعوة قوية تغير الأمة ، بل هم بهذه التركيبة الخطيرة يقتلون فيمن حولهم كثيراً من المعاني السامية الجميلة من صفاء القلوب وقوتها وصدق المحبة والأخوة وحسن العبادة والإقبال عليها ، والاستقامة والورع ، والبذل والعطاء والتضحية والحياة للدعوة.

 

 

 

 

القدوة الحسنة هي من أفعل الوسائل وأقربها للنجاح وأكثرها فاعلية في حياة القادة الربانيين والمربين وهي أكثر فاعلية في التأثير على الناس وهي من أهم الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها العلماء والدعاة والمربون الربانيون... وتظل كلمات القادة والمربين مجرد كلمات ويظل المنهج مجرد حبراً علي ورق ويظل معلقا في الفضاء ما لم يتحول إلي حقيقة واقعة تتحرك في واقع الأرض وما لم يترجم إلي تصرفات وسلوك ومعايير ثابتة ، عندئذ يتحول المنهج إلي حقيقة واقعة ، وتتحول الكلمات إلي سلوك وأخلاق عندئذ فقط تؤتي الكلمات ثمارها في حياة الدعاة و المصلحين . 

لقد علم الله سبحانه – وهو يضع ذلك المنهج العلوي المعجز – أنه لابد من قلب إنسان يحمل هذا المنهج ويحوله إلي حقيقة ، لكي يعرف الناس أنه حق ثم يتبعوه.

وصفة القدوة من الصفات الهامة للعلماء والدعاة الربانيين وهي عنصر رئيس ذو أهمية بالغة في البناء والتربية وفي استمالة قلوب الناس للحق واستجابتهم للأوامر الإلهية لأنهم يرون هذه الأوامر متمثلة في أشخاص.

والقدوة ليست الصفة الوحيدة التي ينبغي أن يتحلى بها العلماء والدعاة كما أنها ليست وحدها الكفيلة في بناء الأشخاص وتربيتهم فهناك جوانب أخري يجب مراعتها في التوجيه وفي البناء التربوي إلا أن هذه الجوانب الأخرى لا تؤتي ثمارها أيضا بغير القدوة الصالحة ، بل قد تأتي بثمار عكسية إذا وجدت القدوة السيئة . فالقدوات التي يغلب عليها الجانب النظري أو الفكري ويضعف عندها الجانب العملي والروحي والدعوي فتنة للمتعلمين والمتربين ولهذه الشخصيات تأثيرها السلبي على المسيرة التربوية ، حيث يصبح مألوفا أن نقرأ ونتعلم ثم نتكلم أو نكتب ، ولا يهم بعد ذلك أن تكون أرواحنا وقلوبنا وأعمالنا وبذلنا على نفس الدرجة التي يوحي بها كلامنا أو شهرتنا.

ومثل هذه الشخصيات لا تؤثر مواعظها في القلوب كما قال مالك بن دينار: إن العالم إذا لم يعمل بعمله زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا (1) .

إن هؤلاء القادة المربين البارزين في علمهم وفكرهم مع قلة عبادتهم وبذلهم وتضحياتهم وضعف سلوكهم لا يمكن أن تنمو في ظلهم دعوة قوية تغير الأمة ، بل هم بهذه التركيبة الخطيرة يقتلون فيمن حولهم كثيراً من المعاني السامية الجميلة من صفاء القلوب وقوتها وصدق المحبة والأخوة وحسن العبادة والإقبال عليها ، والاستقامة والورع ، والبذل والعطاء والتضحية والحياة للدعوة.

نعم يقتلون كل هذه المعاني حين يراهم هؤلاء بمنأى عن العمل والنصب وهم القادة المربون المشار إلى علومهم وأفكارهم .

ولقد كان - صلى الله عليه وسلم – قدوة للناس يرونه تتمثل فيه هذه الصفات والطاقات كلها فيصدقون هذه المبادئ الحية لأنهم يرونها رأي العين ولا يقرأونها في كتاب ! يرونها في بشر فتتحرك لها نفوسهم وتهفو لها مشاعرهم ويحاولون أن ينهلوا منها كل بقدر ما يطيق أن ينهل وكل بقدر ما يحتمل كيانه الصعود . يقول الشاطبي: إذا وقع القول بيانا فالفعل شاهد له ومصدق (2).

وما الذي جعل الأمام أحمد إماماً للسنة إلا بتصديق قوله لفعله بصبره وثباته في المحنة وإحيائه عقيدة السلف.

فها هو أبو جعفر الأنباري صاحب الإمام أحمد يقول: لما حمل أحمد إلى المأمون، أخبرت، فعبرت الفرات، فإذا هو جالس في الخان، فسلمت عليه، فقال: يا أبا جعفر، تعنيت. فقلت: يا هذا، أنت اليوم رأس، والناس يقتدون بك، فو الله لئن أجبت إلى خلق القرآن، ليجيبن خلق، وإن أنت لم تجب، ليمتنعن خلق من الناس كثير، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت، لابد من الموت، فاتق الله ولا تجب. فجعل أحمد يبكي، ويقول: ما شاء الله. ثم قال: يا أبا جعفر، أعد علي. فأعدت عليه، وهو يقول: ما شاء الله (3).

فالذي ينقصنا بعد الإخلاص؟ هو القدوات، وإن من أبرز الجوانب التي ينبغي أن يتصف بها القادة لتفعيل القدوة في حياة الأتباع والمتربين وجعلهم من المستويات الجيدة الفعالة هو الابتعاد عن المباحات يقول ابن القيم : قال لي يوماً شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه في شيء من المباح : هذا ينافي المراتب العلية ، وإن لم يكن تركه شرطاً في النجاة . ثم يقول ابن القيم : فالعارف يترك كثيراً من المباح إبقاء على صيانته ، ولا سيما إذا كان ذلك المباح برزخا بين الحلال والحرام (4).

إنها الصيانة التي نريدها للربانيين وهم يزاولون عملية الصعود في مدارك السالكين، وعملية الصعود هذه علم كيف أتقنها يحى بن يحى الذي أهداه الإمام مالك جزاء على ذلك لقب عاقل أهل الأندلس وذلك أنه رحل إلي الإمام مالك وهو صغير وسمع منه وتفقه وكان مالك يعجبه سمته وعقله ، روي أنه كان يوماً عند مالك في جملة أصحابه إذ قال قائل : قد حضر الفيل، فخرج أصحاب مالك لينظروا إليه غيره فقال له مالك : لم تخرج فترى الفيل ، لأنه لا يكون بالأندلس ، فقال له يحى : إنما جئت من بلدي لأنظر إليك وأتعلم من هديك وعلمك ولم أجئ لأنظر إلى الفيل فأعجب به مالك وسماه عاقل أهل الأندلس (5).

إنه من المباح مشاهدة حيوان غريب ولكن وقت القادة أضيق من أن يشغلوا شيئا منه في مباح لا يجني من ورائه شيئا لقضيتهم التي تشغلهم ليل نهار.

أشياء كثيرة من المباح نقترفها أمام من نهتم بهم ونوجههم ونربيهم ، ثم نشتكي من سلبية غير أصلية طرأت عليهم دون علمنا بأننا من المتسببين في نشؤ السلبية بسبب سهو عن محاسبة دائمة للنفس حتى نكون في حمى مما نوشك أن نرتع فيه من مزالق .

كما إننا لا نستغرب عندما يطلق (ابن الحاج) على الخطورة التى تترتب على ذلك (السم القاتل) ويعلل ذلك بأن: الغالب علي النفوس الاقتداء في شهواتها وملذاتها وعاداتها أكثر مما تقتدي به في التعبد الذي ليس لها فيه حظ فإذا رأت ذلك من عالم وإن أيقنت أنه محرم أو مكروه أو بدعة، تقول لعل لهذا العالم ، العلم بجواز ذلك لم نطلع عليه أو رخص فيه العلماء فإذا رأت من هو أفضل منها في العلم والخير يرتكب شيئا من ذلك ، فأقل ما فيه من القبح الاستصغار والتهاون بمعاصي الله تعالى (6).

وفي سيرته - صلى الله عليه و سلم - جملة من الحوادث والأمثلة ظهر فيها كيف كان لخلقه - صلى الله عليه و سلم- وسمته الحسن الأثر الكبير فى تربية أصحابه – رضي الله عنهم –.

ففي صلح الحديبية وبعد أن فرغ صلى الله عليه وسلم من قضية الكتاب قال للصحابة – رضي الله عنهم – « قوموا فانحروا ، ثم احلقوا » يقول الراوي : ( فوالله ما قام منهم رجل واحد حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلما لم يقم منهم أحد ، قام فدخل على أم سلمة ، فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة : يا رسول الله : أتحب ذلك ؟ أخرج ثم لا تكلم أحدا منهم حتى تنحر بدنتك ، وتدعو حالقك فيحلق لك ، فقام فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك : نحر بدنته ، ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضا ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما ) (7)، من هذا المثال يتبين لنا مدى فاعلية التربية الصامتة في تربية الأتباع.

كذلك ينبغي للقادة الربانيين أن يوضحوا بعض تصرفاتهم التي يفعلونها- لاسيما التي تحمل التأويل السيء- فقد يضطر المربي أحياناً إلي أن يتكلم مع امرأة من محارمه أمام المتربى فإن لم يوضح له تلك التصرفات ، فإن ذلك سيجعله يطبق تماماً ما رأى من قدوته ظاناً أن ذلك هو الصواب .

ولم تفت على مربي الرعيل الأول - صلى الله عليه وسلم – أهمية هذا الأمر فعندما جاءت صفية – رضي الله عنها – زوج الرسول – صلى الله عليه و سلم – إليه تزوره في اعتكافه بالمسجد فتحدثت عنده ساعة ثم قامت تنقلب فقام النبي – صلى الله عليه و سلم – معها يقلبها ، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم :«على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي» فقالا سبحان الله يا رسول الله ، و كبر عليهما ، فقال النبي – صلى الله عليه و سلم - : «إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا» (8).

يقول ابن دقيق العيد: وهذا متأكد في حق العلماء ومن يقتدى به فلا يجوز أن يفعلوا فعلاً يوجب سؤ الظن بهم وإن كان لهم فيه مخلص لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم ، ومن ثم قال بعض العلماء : ينبغي للحاكم أن يبين للمحكوم عليه وجه الحكم إذا كان خافياً نفياً للتهمة (9).

وفي حنين وجنود المسلمين يفرون والأعداء يرشقونهم بالنبل، هل كان قدوتهم يكتفي بوعظهم بالثبات في مثل هذا الموقف ؟ إن مئات الكلمات والمواعظ والخطب الرنانة في الثبات لا تفعل فعله صلى الله عليه وسلم لا سيما والجنود في حالة من الخوف والهلع . إنهم في حاجة في مثل هذا الموقف إلي القائد الرباني القدوة الذي يرجعهم إلي الجادة التي انحرفوا عنها.

فهذا هو العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه – شاهد عيان يروي ماذا فعل صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف الحرج قال : شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نفارقه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي ، فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار ، قال عباس : وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أكفها إرادة آلا تسرع وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – «أي عباس، ناد أصحاب السمرة»، فقال عباس – وكان رجلا صيتا – فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السمرة . وماذا كانت نتيجة هذا الموقف يقول العباس : فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها ، فقالوا : يالبيك يا لبيك (10).

إن مسؤلية القائد مسؤلية عظيمة أمام الله تبارك وتعالى وأمام أتباعه فلا ينبغي له أن يتوارى في المواقف التي ينبغي أن يظهر فيها سواء في حل المشاكل أو فيما يتعلق بمواجهة الناس في أي أمر من أمور الدعوة ، فلقد كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس سباقاً في شدائد الأمور فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه - قال : كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وكان أجود الناس وكان أشجع الناس ، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت ، فتلقاهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – راجعاً وقد سبقهم إلي الصوت وهو على فرس لأبي طلحة عري وفي عنقه السيف وهو يقول: «لم تراعوا، لم تراعوا» (11) .

إن المرء ليقف مشدوها لهذه الشجاعة النادرة ، ينطلق الناس قبل الصوت مجرد سماعهم له ، فيجدون القدوة المربي قد سبقهم بل وقد رجع وهم في بداية الانطلاق ، إن هذه الدعوة الصامتة للشجاعة هي التي خرجت أعمى كابن أم مكتوم – يصر على الجهاد ويحمل الراية ويقاتل حتى يقتل ، وهي التي خرجت أعرج – كعمرو بن الجموح – يبكي لأنه أعفي من الجهاد ثم يطلب بإلحاح مشاركة المجاهدين ويقول: إنّي لأرجو أن أستشهد فأطأ بعرجتي هذه في الجنة !! ويقاتل حتى يقتل (12).

إن القدوة الأولى المتمثلة في المربي الأول محمد – صلى الله عليه وسلم – هي التي خرجت أجيالاً على مر العصور عرفنا من خلالها معنى الصبر والتحمل والشجاعة .

فهذا هو يوسف بن يحي البويطي ، خليفة الإمام الشافعي ، وكانت الفتاوى ترد على البويطي من السلطان ، فمن دونه وهو متبوع في صنائع المعروف كثير التلاوة ، لا يمر يوم وليلة غالباً حتى يختم ، فسعى به من يحسده وكتب فيه إلي ابن أبي دؤاد بالعراق فكتب إلي والي مصر أن يمتحنه أي يسأله هل القرآن مخلوق أم غير مخلوق وهي بدعة المعتزلة ، وكان على رأسهم ابن أبي دؤاد – فامتحنه فلم يجب أي بخلق القرآن – فقال له : قل فيما بيني وبينك ، قال : إنه يقتدي بي مائة ألف ولا يدرون المعنى. وكان أمر أن يحمل إلي بغداد في أربعين رطل حديد – يقول الربيع صاحب الشافعي – ولقد رأيته على بغل وفي عنقه غل وفي رجليه قيد وبين الغل والقيد سلسلة حديد وهو يقول – إنما خلق الله الخلق بكن فإذا كانت مخلوقة فكأن مخلوقاً خلق بمخلوق ، ولئن أدخلت عليه لأصدقنه – ولأموتن في حديدي هذا حتى يأتي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم (13).

بل إن التجرد من عبودية العبيد وعبودية المال والإخلاص لله صفة لازمة للقادة الربانيين المربين ومن دون ذلك يصبح من المتعذر عليه أن يُنشأَ جيلا من الدعاة إذ أن الناس جبلوا على اتباع المتجرد الذي لا ينوي بعمله إلا وجه الله .

جاء في ترجمة الخطيب البغدادي ، أنه دخل عليه بعض العلوية وفي كمه دنانير فقال للخطيب فلان يسلم عليك ويقول لك اصرف هذا في بعض مهماتك ، فقال الخطيب : لا حاجة لي فيه ، وقطب وجهه ، فقال العلوي : كأنك تستقله ونفض كمه على سجادة الخطيب وطرح الدنانير عليها فقال : هذه ثلثمائة دينار ، فقام الخطيب محمراً وجهه وأخذ السجادة وصب الدنانير على الأرض وخرج من المسجد.

وحركة نفض السجادة التي لم تستغرق دقيقة واحدة من الخطيب ، ربت أتباعه الذين كانوا في المسجد على معاني العزة وحقارة العبودية لغير الله ، ظهرت في قول أحدهم: ما أنس عز خروج الخطيب وذل ذلك العلوي وهو قاعد على الأرض يلتقط الدنانير من شقوق الحصير ويجمعها (14).

وأهل القدوة الحقيقيون لا يكاد يوجد عليهم مقال، فعن مسروق أن امرأة جاءت إلى ابن مسعود ، فقالت: أنبئت أنك تنهى عن الواصلة؟ قال: نعم، فقالت: أشيء تجده في كتاب الله، أم شيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: أجده في كتاب الله وسمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: والله لقد تصفحت ما بين دفتي المصحف، فما وجدت فيه الذي تقول، فقال: فهل وجدت فيه (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر: 7]؟ قالت: نعم، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى عن النامصة والواشرة والواصلة والواشمة إلا من داء» قالت المرأة فلعله في بعض نسائك؟ قال لها: ادخلي، فدخلت ثم خرجت، فقالت: ما رأيت بأسا.(15) فهذا إن وقع منه فهو قدحٌ في خيره وصلاحه وعلمه، لأنه يجب عليه تغيير ذلك، وإن كان هذا في حق الناس كلهم ممنوعاً في النكاح وغيره، لكن في حق القدوة آكد.

وفي مجلس البخاري رحمه الله رفع إنسان قذاة من لحيته وطرحها في الأرض في المسجد، قال الراوي: فرأيت محمد بن إسماعيل ينظر إليها وإلى الناس، فلما غفل الناس، رأيته مد يده ورفع القذاة من الأرض، فأدخلها في كمه، فلما خرج من المسجد، أخرجها وطرحها على الأرض (16)، فكأنه صان المسجد عما تصان عنه اللحية. ولذلك كان أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله يقول: قال أبو عبيد القاسم بن سلام زرت أحمد بن حنبل فلما دخلت عليه بيته قام فاعتنقني وأجلسني في صدر مجلسه فقلت: يا أبا عبد الله أليس يقال صاحب البيت أو المجلس أحق بصدر بيته أو مجلسه قال: نعم يقعد ويقعد من يريد قال: فقلت: في نفسي خذ إليك أبا عبيد فائدة ثم قلت: يا أبا عبد الله لو كنت آتيك على حق ما تستحق لأتيتك كل يوم فقال: لا تقل ذاك فإن لي إخوانا ما ألقاهم في كل سنة إلا مرة أنا أوثق في مودتهم ممن ألقى كل يوم قال: قلت: هذه أخرى يا أبا عبيد فلما أردت القيام قام معي قلت: لا تفعل يا أبا عبد الله قال: فقال: قال: الشعبي من تمام زيارة الزائر أن يمشي معه إلى باب الدار ويؤخذ بركابه قال: قلت: يا أبا عبد الله من عن الشعبي قال: ابن أبي زائدة عن مجالد عن الشعبي قال: قلت: يا أبا عبيد هذه ثالثة (17).

 

الهوامش:

------------------

(1) صفة الصفوة لابن الجوزي (3/283).
(2) الموافقات للشاطبي (3/ 317).
(3) سير أعلام النبلاء (11/239).
(4) مدارك السالكين ( 2/26).
(5) طبقات الفقهاء (ص 152).
(6) المدخل لابن الحاج ( 1/107).
(7) صحيح البخاري (7/101).
(8) صحيح البخاري (2035).
(9) فتح البارى (4/280).
(10) صحيح مسلم (1775).
(11) صحيح البخاري 02908) .
(12) قال الألباني رواه ابن هشام (2/ 139)، عن ابن إسحاق، قال: وحدثني أبي إسحاق بن يسار عن أشياخ من بني سلمة به، وهذا سند حسن إن كان الأشياخ من الصحابة، وإلا فهو مرسل. وبعضه في المسند) 5/ 299)، من حديث أبي قتادة رضي الله عنه، وزاد: فقتلوا يوم أحد، هو وابن أخيه ومولى لهم، فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كأنّي أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة» . وسنده صحيح.
(13) طبقات الشافعية (1/275).
(14) طبقات الشافعية (3/14).
(15) مسند أحمد (3945) وقال شعيب الرناؤوط إسناده قوي.
(16) تاريخ بغداد (2/13).
(17) طبقات الحنابلة (1/260).
 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات