الدعاة وكنز الأمة الاستراتيجي

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: تأصيل الوعي

اقتباس

خطاب الدعاة لشباب الأمة لابد أن يكون خطابا انتقائيا مخصوصا مركزا على إدخال تغيير كبير في جوهر حياتهم وسلوكياتهم وأنشطتهم العامة ، خطابا يدفع بالشباب لمعرفة أمثل الطرق وأفضل السيل نحو النهوض والارتقاء بالنفس والمجتمع ، خطابا يراعي إمكانات الشباب وطاقاتهم المتفاوتة من جيل لآخر ومن ومجتمع لآخر ، خطابا يستنفر أفضل وأنقى ما عند الشباب ، ويطلق العنان لأعمالهم المتميزة ، وتقديم النماذج الفذة والقدوات الحسنة في...

 

 

 

 

يعتبر الصراع الحضاري والأممي من أبرز سمات هذا العصر، فلا يخفى على أحد من الناس حجم العداء الكبير والمتنامي ضد الأمة الإسلامية ، هجمات منظمة وواسعة ومنهجية ضد العالم الإسلامي وعلى كل المستويات وفي شتى المجالات ، وهذا الهجوم في حد ذاته يعتبر علامة صحة والإمارة السير السليم ، بل يدل على تقدم العالم الإسلامي على أعدائه ولو على المستوى القيمي والأخلاقي ، وكما قال أحد الحكماء " لو طعنت في ظهرك فاعلم أنك في المقدمة " وهذا الأمر لابد أن يسترعى انتباه العقلاء والمخلصين والراغبين في خدمة دينهم وأمتهم ، فما سر قوة هذه الأمة ؟ وما تلك الطاقة الحيوية والمتجددة التي تتدفق في عروق الأمة وشرايينها ، فتبقي لها قوتها مستمرة وفاعلة ؟ والإجابة على هذا السؤال في كلمة واحدة ؛ إنهم الشباب ، فالأمة الإسلامية والمجتمعات الإسلامية مجتمعات فتية شابة عامرة بالقوة والنشاط ، فمعيار قوة كل أمة وقابليتها للنمو والتطور والتحضر ارتباطا شرطيا بنسبة الشباب في تركيبتها السكانية ، والعلاقة طردية بينهما ، لذلك فالمجتمعات الأوروبية مجتمعات آفلة في طور الرحيل ، إذ أن نسبة الشباب فيها أقل من 20% وهي نسب خطيرة ، في حين أن نسبة الشباب في العالم تتراوح من 35ـ 40 % من إجمالي السكان وهي من أعلى النسب على مستوى العالم ، مما يجعل الأمة مرشحة وبقوة نحو تبوء المراكز المتقدمة في العالم ، ولكن السؤال بل الأكثر أهمية كيف يتم تفعيل هذه الطاقات الكبرى للشباب الذين يعتبرون كنز الأمة الاستراتيجي ؟ 

الأمة المسلمة تمتلك عشرات الملايين من الشباب المتطلعين للرقي بأنفسهم وأمتهم ودينهم ، ولكنهم في الوقت نفسه يعانون من ضعف البصيرة وغياب البوصلة وجهل للوسيلة والطريقة التي يمكنه إتباعها من أجل تحقيق أهدافهم وغاياتهم ، ومن المعلوم عقلا وشرعا أن إعزاز الأمة لن يتم إلا بإعزاز الدين ، وإعزاز الدين لن يتم إلا بإعزاز أهله ، وهذا يقتضي أن يكون التركيز على الشباب بحيث يتوافر منهم شريحة معينة تكون قادرة على تولي زمام هذه المهمة العظيمة .

خطاب الدعاة لشباب الأمة لابد أن يكون خطابا انتقائيا مخصوصا مركزا على إدخال تغيير كبير في جوهر حياتهم وسلوكياتهم وأنشطتهم العامة ، خطابا يدفع بالشباب لمعرفة أمثل الطرق وأفضل السيل نحو النهوض والارتقاء بالنفس والمجتمع ، خطابا يراعي إمكانات الشباب وطاقاتهم المتفاوتة من جيل لآخر ومن ومجتمع لآخر ، خطابا يستنفر أفضل وأنقى ما عند الشباب ، ويطلق العنان لأعمالهم المتميزة ، وتقديم النماذج الفذة والقدوات الحسنة في كل المجالات ، أو بمعنى شامل شيوع ثقافة الانجازات الكبرى في المجتمع باستنهاض همم الشباب .

الانجازات الكبرى في أمة الإسلام هي الانجازات التي ترتبط ارتباطا مباشرا بتعديل سلوكيات أو تصحيح معاملات أو رفع مستوى أخلاقيات ، وتحسن مستوى العلاقات الاجتماعية والنفسية على مستوى الأمة ككل ، والانجازات بهذا المعنى الواسع والكبير لا ترتبط بالأعمال الكبيرة والعظيمة في حجمها ودائرة حركتها كما يظن كثير من الناس ، ولكنها أيضا الكبيرة والعظيمة في أثرها ، والكبيرة والعظيمة في دلالاتها وإشاراتها ولوازمها ، وهذه المعاني مستقاة في الأصل من أحاديثه صلى الله عليه وسلم التي بيّن فيها مواضع النفع العام والخاص للأمة ، هذا الانجاز العام لخيرية الأمة عندما يتكاتف يخرج بها من نفق التيه المظلم الذي تتخبط فيه منذ عهود ، بل تكون أشبه ما تكون مثل الثلاثة الذين كانوا في الغار فانطبقت عليهم الصخرة ، فظلوا يتوسلون إلى الله عز وجل بأحب الأعمال حتى انفرجت عنهم، وأيضا حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، وغيرهما من الأحاديث التي تدور في فلك الأعمال الصالحة العامة والخاصة ، ففي هذه الأحاديث وغيرها مما هو على شاكلتها إشارات واضحة عن ثقافة الأعمال الكبرى ، بشقيها المادي والمعنوي ، فعلى سبيل المثال " الإمام العادل " نفعه وأثره وخيره للأمة كبيرا وضخما وممتدا ربما لما بعد الرحيل ، في حين أن من ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ، يعبر عن حالة إيمانية راقية وعظيمة مدادها الشعور بمعية الله عز وجل وقربه ورجائه والخوف منه والشوق إليه والندم على ما فرّط وأسرف على نفسه ، وكلا الأمرين سواء كان أثر وعمل الإمام العادل ، ودلالة وإشارة من بكى من خشية الله كلاهما لا تستغني عنه الأمة ، وكلاهما ترقى وتنهض بهما الأمة .

هذا المفهوم المتسع والثري للعمل الصالح في الأمة بشقيه الكبير في حجمه وأثره ، والكبير في إشارته ودلالاته هو عماد مشروع النهضة للأمة الإسلامية في هذا العصر ، وعلى الدعاة أن يقوموا بتوجيه الشباب المثقف والمستنير برغبته في خدمة نفسه وأمته ، توجهيهم إلى استثمار ما لديهم من طاقات و إمكانات في هذين المضمارين من العمل الصالح الكبير، بحيث يتحول الشاب منهم إلى نموذج يحتذى به وقدوة حية في شتى ما يفتح الله عليه به ، يتحول إلى مشروع نموذجي كما كان شباب سلف الأمة ، هذا في العلم وهذا في العبادة وهذا في الزهد وهذا في الشجاعة والبطولة ، حتى في العلوم والفنون المختلفة ، وهكذا أصبح خزان الأمة مزدحم بآلاف الأمثلة في كل باب .

على الدعاة العمل الدءوب لإطلاق قدرات الشباب وتفجير مواهبهم ، وهذا يتطلب تخطيط وتنظير وجهد كبير ، بحيث يكون للداعية عين فاحصة تستطيع أن ترى أفضل ما في الشباب من ملكات ومواهب ، وهذا سيمكن شريحة كبيرة من الشباب في الأمة من القيام بأعمال ذات دلالة كبيرة ، ومعاني عظيمة ، فالأمة الفقيرة هي الأمة التي تفتقر للمخزون والاحتياطي الاستراتيجي من الشباب والرجال من الطراز الأول والفئة الممتازة ، تفتقر لرجال من طراز عمر وخالد وأبو بكر وعلي ، والحسن البصري والشعبي ، ومحمد بن القاسم وقتيبة بن مسلم ، عمر بن عبد العزيز وهارون الرشيد ، والثوري وابن عيينة ، والزهري و الأوزاعي ، والأئمة الأربعة ، و أبو عبد الله البطال وابن الجزري ، و الطرطوشي وابن حزم والغزالي ، وعماد الدين زنكي ونور الدين محمود وأسد الدين شيركوه وصلاح الدين الأيوبي ، وابن تيمية وابن القيم والمزيّ وابن كثير والذهبي والبلقيني والرملي ، سيف الدين قطز وبيبرس وسيف الدين قلاوون ، عثمان الأول ومراد الأول والثاني وبايزيد الصاعقة ومحمد الفاتح ومحمد بن عبد الوهاب والصنعاني وابن الوزير والشوكاني والطابور طويل والأمثلة كثيرة ، ولم تعاني الأمة من فقرا في رجالها حتى في أشد فتراتها ضعفا حتى جاء الاحتلال الأوروبي الذي انتباه لمصدر طاقة الأمة المتجددة وسر قوتها ، فجعل جل تركيزه على تحطيم عزائم الشباب وطمس هويتهم ، وتحريف طموحاتهم ، فأصبح شبابا لا عزم له إلا في تحصيل الشهوات واللذات ، فلو تعلم ، تعلم من أجل اللذة ، ولو اشتغل فلتحصيلها ، ولو سافر فمن أجلها ، وهكذا تضيع الأمم وتسقط الدول ، عندما يتوه شبابها ويضيع مستقبلها .

وهذا الأمر من الأهمية والأولوية بمكان يجعل على كل الداعية أن يضع نصب عينيه أهمية قصوى في تحرير عقول وقلوب الشباب من أمواج الشبهات والشهوات وتوجيه عزائمهم لما فيه نفعهم ونفع أمتهم ولو بالعمل القليل ، الذي ربما يكون ذو دلالة عظمى وإشارة كبرى .

 

 

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات