حقيقة السلطان ‘أكبر‘ عدو الإسلام الأكبر في الهند

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: شخصيات تاريخية

اقتباس

الهندوس يعظّمون المَلِكَ "أكبر" ويحاولون تلميع صورته، وترويج فكره بين أبناء المسلمين اليوم؛ مستغلين جهلَ غالبيتِهم الساحقة بتاريخ أمتهم، وعدم قُدْرَتِهم على التمييز بين الغثِّ والسمين، وبين من خدم الدين ودافع عنه، وبين من حاربه وارتد عنه..

 

 

 

 

في سنة 2009م مذْ قامت السينما الهندية بإخراج فيلم-ضخم التكلفة-وقتها، عن قصة حياةِ واحدٍ من أهم سلاطين الهند في القرن العاشر الهجري، وهو السلطان: جلال الدين محمد البابري، سلطان مملكة مغول الهند، وقد جاء الإنتاج، والإخراج، والتصوير-فائقا -على أعلى المستويات؛ وذلك لأهداف أبعدَ ما تكون عن النواحي الفنية، أو الثقافية، حيث اقتصر الفيلم على إبراز قصة حبه لزوجته الهندوسية " جودا بكوم" الملقبة بمريم الزمان،  وقد نَقلتْ وكالة رويترز عن العاملين في فيلم (جودا-أكبر) إنهم يريدون أن يظهروا كيف نجح الحبيبان في تحطيم الحواجز الثقافية والدينية؟، وقد عبرت غالبية الآراء المشاهدة للفيلم عن إعجابها بالعمل، على اعتبار أنه يعطي صورة جميلة للإمبراطور المسلم من خلال احترام زوجته الهندوسية.

 

وقد أحدث فيلم "جودا أكبر" ضجة كبيرة قبل عرضه في الهند؛ فقد قامت مجموعات هندوسية بمهاجمة ملصقات الفيلم؛ مما حدا بالسلُطات بمنع عرضه في بعض المدن الهندية، أما في البلاد العربية فقد لقي ترحيباً حاراً؛ مما حدا ببعض القنوات لدبلجته بالعربية؛ ليكون أوَّلَ فيلمٍ هندي مدبلج! وتقدر بعض التقارير أن هناك 6000رابط باللغة العربية في شبكة الإنترنت، تتحدث عن الفيلم ونجاحاته.

 

وما إنْ هدأتْ عاصفةُ الإعجاب، والثناء بالفيلم، وبطله، وأفكاره التحررية، ونظرته المنفتحة، والمتقبلة لكل الديانات والعقائد الضالَّة؛ حتى عادت نفس الشركة المنتجة لإعادة إخراج الفيلم، ولكن على شكل مسلسل من عدة أجزاء، وفي المقابل، عادت نفس القنوات العربية المشبوهة، والتي تعمل على الترويج للأفكار العلمانية والليبرالية في عالمنا الإسلامي، عادت وقامت بدبلجة المسلسل وتقديمه سريعاً على قنواتها؛ لتكون الفتنة به أكبر، وأعمق، وأكثر اتساعاً، وتأثيراً من الفيلم؛ لأن مشاهدي التلفاز أضعاف أضعاف مشاهدي السينما.

 

ولأن الهدف الحقيقي من أمثال هذه المنتجات الدعائية، والمخرجات الثقافية؛ هو الترويج للأفكار العلمانية، والليبرالية، والطعن في الدين بإبراز الشخصيات المشبوهة في التاريخ الإسلامي! والثناء عليها بما ليس فيها، ودس السم في عسل روعة التصوير، وبراعة الإخراج، وحبكة السيناريو، فقد توجب على المتخصصين بالتاريخ الإسلامي كشف حقيقة هؤلاء المشبوهين، الذين تسمَّوا بأسماء المسلمين، وسكنوا أوطانهم، ولكنهم-في الحقيقة-كانوا أكبرَ أعداءٍ وطاعنين في الدين.

 

هو سلطان الهند الأشهر، وعدو الإسلام الأكبر، وأقوى سلاطين مغول الهند، وأوسعهم دائرةً وملكًا، ولكنه أشدهم ضررًا، وأبعدهم أثرًا، على الوجود الإسلامي في بلاد الهند كلها: السلطان أبو الفتح جلال الدين محمد أكبر بن همايون بن بابر شاه التيموري المغولي، ولد سنة 949هـ وجلس على سرير الملك سنة 963هـ بعد وفاة أبيه، أيْ كان في الثالثة عشرة، فخضع لتأثيرِ وزيره الشيعي الرافضي: بيرم خان، ثم بعض نساء البلاط! فلما شبَّ عن الطوق، وبلغ العشرين؛ استقل بالمُلْك. افتتح أمره بالعدل، والإحسان، وقرَّب إليه أهل العلم والصلاح، ثم نكص على عقبيه، وارتدَّ ردةً لا يعلم مثلها من سلطان مسلم حكم بلدًا شاسعًا مثل الهند.

 

الإسلام في الهند:

 

دخل الإسلام بلاد الهند مبكراً-جداً في عهد الخلفاء الراشدين، حيث بدأت السرايا الاستكشافية في عهد الفاروق عمر، وذي النورين عثمان -رضي الله عنهما-، ثم ارتفعت وتيرة البعث الإسلامي إلى بلاد الهند في الدولة الأموية، حتى نجح القائد الفتي الفذ " محمد بن القاسم "  من فتح بلاد السند سنة 88 هـ، ودخل الهنود في دين الله أفواجاً، وقد تعاقب العديد من القادة، والسلاطين، والأبطال على بلاد الهند، أبرزهم: يمين الدولة محمود بن سبكتكين الغزنوي، وشهاب الدين الغوري، وقطب الدهلوي، وقامت عدة ممالك إسلامية، مثل: الدولة الغزنوية، والغورية، والخلجيون: مماليك الهند.  

 

ونظراً لاتساع مساحة الهند-التي لقبت بشبه القارة؛ لم يستطِع المسلمون من السيطرة عليها كاملة، وظلَّ الأمراء الهندوس في جنوب الهند؛ في صراع مستمر مع الدولة الإسلامية في الشمال، والغرب، كما أن بُعْد الهند-عن مركز الخلافة في دمشق وبغداد-أثَّرَ في ضعف الرابطة بين الهنود، وباقي العالم الإسلامي.

 

وكان من ضمن تلك الممالك الإسلامية: دولة المغول الإسلامية في الهند، التي أسسها "ظهير الدين بابر" -رحمه الله -وكان من نسل "تيمور لنك" دولة المغول الإسلامية في الهند ودخل "دلهي" عام 1526م، واستطاع أن يبسط نفوذه في كافة الممالك، والدويلات الإسلامية، ووحدها، وصنع منها دولة إسلامية قوية-جداً-وهي دولة المغول الإسلامية.

 

لم يهتمَّ كثيرٌ من ملوك المسلمين في الهند بالدعوة الإسلامية اهتمامهم بتوطيد دعائم ملكهم، وقواعد سلطانهم، ومن هنا نرى أكثر الذين أسلموا من المشركين، وعبدة الأوثان على أيدي الدعاة، والوعاظ؛ بقيت عقائدهم، وأعمالهم ممتزجة بمعتقدات الهنادكة وشعائرهم، وما زالت الحال كذلك؛ حتى تبوأ عرش الهند الملك "جلال الدين محمد أكبر" عام 963هـ بعد وفاة أبيه، فانقلبت الأرض ظهراً لبطن، وتنكَّرتْ وجوهُ الأعيان والأمراء للدين الحنيف، وطغى سيل الإلحاد!؛ فكانت فتنةً عمياء؛ ذهبت بكثير من العلماء والمشايخ في سيلها الجارف؛ وذلك أن الملوك الذين تبوؤوا عرش (الهند) قبل (أكبر) ما كانوا يناصبون الإسلام العداء، بل كان الكثيرون منهم يعملون على دعم الإسلام وحمايته. ولكنَّ عَصْرَ هذا الشيطانِ المَريدِ؛ قد تفرد باضطهاد الدين الحنيف، والتضييق على المسلمين، وإحداث منكرات، وضلالاتٍ شنيعةٍ، وانتحالها على الدين المبين.

 

من التصوف إلى التشيع:

 

يكاد إجماع المؤرخين والباحثين، ينعقد على أن حياة (الملك أكبر)، وبعد اعتلائه عرش الهند، قد مرَّتْ في طورين مختلفين: ففي الطور الأول: كان يُظْهر الالتزام بالإسلام السائد في هذا العصر، وهو إسلام الصوفية، فهو وإن كان ملتزماً بأداء الصلوات الخمس مع الجماعة في المسجد، إلا إنه من ناحية أخرى، يؤمن بالبدع، والخرافات، التي أشاعتها الصوفية بالمجتمع الإسلامي هناك؛ إذ كان يعظم الأضرحة، ويتبرك بالقبور، ويشد الرحال إليها، كما كان يعظم المشايخ، ويعتقد أن لهم مكانة متميزة عند الله تعالى.

 

ومن المظاهر الإسلامية التي كان (المَلِكُ أكبر) يحرص على اتباعها: اهتمامه بقوافل الحجيج، حيث كان يقوم بوداعها بنفسه، كما كان يرسل الهدايا، والأموال الطائلة لتوزيعها على أهل الحرمين الشريفين.

 

 ولكنَّ المَلِك "أكبر"  وقع تحت تأثير وزيره الشيعي " بيرم خان " فقرَّب كثيراً من الشيعة؛ وفتح بلاد الهند أمام العلماء، والدعاة الشيعة؛ لنشر التشيع بين الهنود، والحق أن التأثير الشيعي قد ورثه "أكبر" من تركة أبيه همايون بن بابر، إذ لم يتمكن من الصمود أمام هجمات شيرشاه السوري، فغادر الهند ولجأ إلى إيران، وقد أحسن الشاه "طهماسب الصفوي" استقباله في إيران، ووفَّر له أسباب الراحة، وقد استطاع همايون-بعد قضاء بعض الوقت في إيران-أن يعيد الكرة على قندهار، ويستولي على كابل، والأقاليم الغربية للهند؛ بمساعدة الجيش الإيراني، وكان معهم محمد ميرزا، ابن الشاه "طهماسب"، وقد طلب "همايون" المساعدة العسكرية من "طهماسب" مرةً أخرى؛ حتى دانت له أمور مملكته، و"الشاه الصفوي" لم يمد يد العون إلى "همايون"؛ لاسترداد الهند، إلا بعد أن أخذ عليه العهد بمؤازرة التشيع.

 

وسواء اعتنق "همايون" التشيع أو لم يعتنقه؛ فقد أذن بنشره بين السُّنِّيين الهنود؛ وذلك بفتح أبواب الهند أمام علماء الشيعة المهاجرين من (إيران) إلى (الهند)؛ ليبثوا نزعاتهم تحت حماية الدولة في عهده، وعهد من جاء بعده. وكان للعلماء الشيعة القادمين من إيران؛ أثر بالغ في عقل " أكبر" المحب للمناظرة، والجدل؛ نظراً لشعوره بالنقص؛ لكونه أمِّياً لا يقرأ، فعلماء الشيعة بارعون في المناظرة، والجدل، فراج أمرهم عند " أكبر " وانحطت رتبة علماء أهل السنّة ووهى أمرهم بشدة.

 

من التشيع إلى الزندقة:

 

عاش المَلِكُ "أكبر" طفولة قلقة، وقضى حياة غير مستقرة، منعته عن مواصلة تعليمه كما ينبغي، فكان حظه من التعليم قليلاً، وذلك؛ لأنه حين ولد كان أبوه مطارداً من قبل (شيرشاه السوري الأفغاني)، فاضطر أن يترك ولده أكبر في قندهار، ويتوجه إلى إيران. وبعد رجوعه من إيران، واستعادة مملكة الهند؛ كان مشغولاً بتدبير أمور المملكة، وتوطيد أركانها؛ مما صرفه عن العناية بأي شيء آخر، وتولى "أكبر" السلطة وعمره لا يتجاوز الثالثة عشرة من عمره؛ دون أن يتاح له قدر يذكر من التعليم، فنشأ شبه أمِّي، وكان تدينه-في الطور الأول من حياته-تديناً خرافياً، غير مبنيٍ على العلم الصحيح، من الكتاب والسُّنة، بل كان مديناً للتقليد الأعمى للحكام المسلمين في ذلك الوقت، ومحاكاتهم في زيارة القبور والأضرحة، وتقدير مشايخ الصوفية، وأصحاب التكايا، وعلماء البلاط.

 

وكان من نتيجة ذلك؛ أنَّهُ نشأ على حب الاستطلاع، والعقلية الباحثة، وأسس قصراً في (فتح بور سيكري) – عاصمته الجديدة -وسماه (عبادات خانه) أي "بيت العبادة " ودعا إليه العلماء، من كل طائفة: من السُّنة، والشيعة، والبراهمة، واليهود، والنصارى، والمجوس، وجعل يناقشهم في مسائل الدين، فبدأ يجنح إلى أن الأديان كلَّها حقٌ، ولا مزية للإسلام من بينها! ولا فضلَ له على غيره! وكانت هذه النزعة الجديدة توطئة لدعوة التقارب بين الأديان، وتأسيس المذهب الجديد.  

 

كان " المَلِكُ "أكبر" شغوفاً بالاطلاع على العلوم، والمعارف، ومحباً للحكماء والعقلاء؛ فكان يسحر عقلَه، ويملك لبَّه؛ كلُّ عالم ذكي، فطنٍ ألمعيٍ، لاسيما إذا كان وافداً من إيران، التي كان يعدُّها أبناءُ الهند بمنزلة اليونان في عصورها المزدهرة.

 

 وقَصَدَ بلاط الملك-في تلك الفترة التي أصيب فيها "أكبر" في دينه وعقيدته-عددٌ كبيرٌ من حكماء وفلاسفة إيران، وفي مقدمتهم: أبو الفتح الكيلاني، والحكيم همام، وملا يزدي، والحكيم نور الدين، وفتح الله الشيرازي، وشريف الآملي، وغيرهم من فلاسفة إيران، الذين هم أقرب للإلحاد منهم للإيمان، كما اندس في البلاط-في هذه الفترة المضطربة-رجلٌ هندوسيٌ، يدعى "برهم داسن" كان حاضر البديهة، بارزاً في المناظرة، فكهاً، ظريفاً، فتقرب إلى الملك، وتحكم في ذوقه وعقله، وتصدر في البلاط، وكان نديم الملك الخاص، ومما زاد الطين بله؛ وصول (الملا مبارك الناكوري) وحصول ابنيه "فيضي"، "وأبي الفضل" من الحظوة والتقدير عند السلطان؛ ما لم يحصل لأحد من قبل.

 

وكان الثلاثة من دعاة العقيدة الألفية، ومن أتباع الزنديق الإيراني الشهير "محمود السيخواني " فهؤلاء الرجال-الذين كانوا من ذوي الباع الطويل في العلوم الحكمية والفلسفية-أثَّروا في تكوين عقلية الملك "أكبر"، حيث جعلوه متنوراً، ومتحرراً من كل قيد.

 

أفكار المَلِك "أكبر" السياسية وأثرها على زندقته:

 

كان الملك "أكبر" يحب أن يرتكز حكمه على أساس قوي؛ ينبعث من حب رعاياه ورضاهم، بصرف النظر عن عقائدهم ومذاهبهم، فأراد أن يطبق مفهوم المواطنة من وجهة نظره الخاص، أو بتعبير الزمان، ومن ثم بدأ يعمل على كسب حب الهنادكة، الذين كانوا-يعتبرون-من ألد خصومه، بعقد المصاهرات معهم.

 

ومن جهة أخرى فتح الملك أبواب بلاطه للهنادكة، وبلغ كثيرون منهم إلى أعلى المناصب في الوزارة والقيادة، والشؤون المالية.

 

وكان تأثير زوجات الملك-الهندوكيات-عاملاً قوياً من عوامل انحرافه، وانحراف بلاطه، وعمل على كسب ثقة الأمراء الهنادكة، بالعديد من الإجراءات، كالنهي عن ذبح البقرة وحلق اللحية، ووضع نقطة من الطين الملون في وسط الجبين –وهو من شعار الهندوس– ووضع الفتيلة في وسط الجسم! وما إلى ذلك.

 

كما ترك الحرية للزوجات الوثنيات؛ في التمسك بعقائدهن، وعبادة الأوثان داخل القصر الملكي! فبنيت فيه المعابد، ونُصبت الأصنام والتماثيل، وجعل أهله-رجالاً ونساء-يحتفلون بأعياد المشركين، وجعل المَلِكُ "أكبر" من عادته؛ أن يقوم تكريماً للشموع والقناديل! حيثما تُضاءُ مَساءً، فأزواجه الوثنيات، لم تَدَّخِرْ جهداً في تهنيده، وصرفِهِ عن وجه الحق ومنهج الصواب.

 

 

ومن جهة أخرى، كان المَلِكُ "أكبر" شغوفاً بالاطلاع على التراث الهندوسي؛ فأمر بترجمة الكتب المقدَّسة لدى الهندوس، فترجمت مهابهارت، من السنسكريتية إلى الفارسية، في ثمانية عَشَرَ جزءاً، ثم لُخِّصَ في جزئين، وسميت بـ "روزنامة"، وهكذا تمت ترجمة كثير من الكتب الدينية، والتاريخية لدى الهندوس، ووضعت في المكتبة المَلَكِيةِ، وكان لهذه الترجمة؛ أثرٌ سيءٌ على المَلِكِ "أكبر". بالإضافة إلى ذلك، فإن مجلس المَلِكِ "أكبر"-في عبادات خانه-كان يتميز بحضور البراهمة؛ أصحاب الثقافة الواسعة والعميقة في الديانة الهندوسية، وعلى رأسهم: "البرهمي بهاؤن"، الذي تظاهر بالإسلام، فكلَّفه المَلِكُ "أكبر" بترجمة الكتب الهندوسية إلى الفارسية، وكان يشرح المسائل الدقيقة في الديانة الهندوسية، أمام الملك، ويَعْرضها مصبوغة بالصبغة الإسلامية، فيصدقها الملك! واقتنع بصحة عقيدة التناسخ، وتأثير الشمس والكواكب، وخاصية النار، حتى كان يقول: "عندما تَرِدُ على مسامعي أخبار الأمم السابقة، بأن الله –تعالى-مسخ أمة النبي الفلاني، إلى قردة، أو حيوان آخر؛ جزاءً على أعمالهم-كنت أستحيله، ولكني آمنت بالتناسخ! عرفت أن ذلك ممكن ".

 

" أكبر " والعقيدة الألفية: تتلخص هذه العقيدة، في انتهاء صلاحية الإسلام بعد ألف سنة، من هجرة المصطفى-صلى الله عليه وسلم-وبداية شريعة جديدة للبشر، وابتكر هذه الفكرة-ولأول مرة "محمود بسيخواني "-الزنديق الإيراني، وقد دخلت هذه العقيدة في القارة الهندية؛ عن طريق المؤمنين بهذه العقيدة الضالة، الذين فروا من الشاه الصفوي، الذي أمر بتعقبهم، وقتلهم، وقد غادروا (إيران)، وتوجهوا إلى (الهند) أيام المَلِكِ "أكبر" وكان "أبو الفضل"-أكبرُ دعاة العقيدة الألفية-قد انضم لبلاط المَلِكِ "أكبر" ونال إعجابه؛ لتبحُّرِهِ في علوم الفلسفة والمنطق، وهو الذي أقنعه بتلكم العقيدة الضالة! وقد أفهم الملك؛ إنه قد مضى على الإسلام ألف سنة، ويبدأ الألف الثاني، وإن الدنيا مع بداية الألف الثاني؛ يجب أن تستأنف عهداً جديداً! فلا بد لها-إذاً-من شريعة جديدة، ومشرِّعٍ جديدٍ، وحاكم جديد، وليس في العالم-لهذا المنصب الجليل-إلا المَلِك "أكبر" صاحب التاج والعرش، والإمام العادل والعاقل، يقول المؤرخ عبد القادر البدايوني: " ولما كان المَلِكُ "أكبر" قد اقتنع أن مدة ألف سنة بعد البعثة النبوية -وهي العمر الطبيعي لهذا الدين-قد انقرضت؛ فلم يبقَ هناك ما يحول دون إبداء تلك الرغبات الكامنة في الصدر".

 

 

وبعد نضج هذه العقيدة عند الملك، شرع في اتخاذ ما يلزم؛ لنشر هذه العقيدة بين الجماهير، ولترسيخها في أنحاء الدولة. فأصدر مرسوم العصمة؛ وهو الوثيقة التي وضعها الشيخ "الملا مبارك بن خضر الناكوري"، ووقع عليها كبار علماء الدولة، ومنح المَلِكُ "أكبر"-بموجبها-المرجعيةَ النهائيةَ في أمور الدين! ومكانةً أعلى من درجة المجتهدين، وحقَّ الترجيحِ والاختيار، في المسائل التي اختلف فيها الأئمة المجتهدون، فاعتبروه أعقل الناس، وأعدلهم -وهو أُمِّيٌ-، وكان من قبل؛ متحرراً، ومنطلقاً من كل القيود، وفقد ثِقته في علماء الإسلام، وفقهاءِ الشريعة، وتأثر بالبيئة الهندوكية، المسيطرة على بلاطه، كما تأثر بالأديان، والملل الأخرى، وكان يملك سلطةً مطلقةً، ودولةً قويةً جبارةً.

 

 وإعطاءُ هذا الملكِ هذه السلطة الدينية المطلقة-مع ما يتمتع به من السلطة الزمنية، وتوفر الأسباب والدواعي للانحراف عن جادة الصواب-لا يخفى على لبيب ما يترتب عليه من آثار سيئة، ونتائج وخيمة. 

 

المَلِكُ "أكبر" واختراع الدين الجديد:

 

وبعد صدور منشور العصمة، بثلاث سنوات-أيْ في سنة 990 هـ-أعلن جلال الدين أكبر، عن الدين الجديد في بلاد الهند، والذي يقوم على فكرة وحدة الأديان، رأى الملك أن جميع أهل الأديان؛ يعتقدون بالإله الخالق، ويتفقون في ذلك، ولكنهم يختلفون في الإيمان بالرسالة، ولا يكادون يتفقون فيه على شيء، فرأى أنَّه من المصلحة-لتوحيد أهل الأديان-حذف الشق الثاني من كلمة التوحيد! ووضع نفسه في هذا الوضع؛ بصفته رمزاً لهذه الوحدة، ومؤسِّساً لهذا المذهب الجديد؛ فأعلن أن كلمة الدخول في هذا المذهب تكون هكذا: (لا إله إلا الله "أكبر" خليفة الله)! ولما جُوْبِهَ هذا الإجراء-من الملك-بالإنكار الشديد من الجماهير العريضة المسلمة؛ لمَّا مسَّ ذلك في صلب إيمانهم وعقيدتهم؛ سمح بالتفوه بها في دائرة أتباعه، وأعوانه وفي محيط القصر الملكي، والمناسبات الرسمية.

 

وقد اشتمل الدين الجديد، على كل الوثنيات، والشركيات، والضلالات الموجودة في المذاهب، والأديان، والعقائد السابقة؛ فكان يأمر أتباعه، ورجال الدولة، وكلَّ من يدخل عليه؛ بالسجود له، وكان يقوم بعبادة النار، والشمس أربع مرات كل يوم! كما قدَّس الخنازير، والأبقار، ومنع من ذَبْحِها! واتخذ-في قصره الخاص-حظيرةً للخنازير؛ ليتمتع بالنظر إليها كلَّ صباحٍ! وفي المقابل؛ شن الغارة على تعاليم وشعائر الإسلام؛ فأبطلها جميعاً، فمنع الصلاة، والصوم، والحج، ودفع الزكاة، والحجاب، والختان، وأباح الخمر والميسر، وجعلَ في قصره مكاناً-خاصَّاً-للمقامرين؛ لِلَعِب القمار! كما أباح العمل في الدعارة، وأشاع الزنا بين الناس؛ بإباحة زواج المتعة، ومنع التحدث باللغة العربية، إلى آخر قائمةٍ طويلةٍ من الكفريات، والضلالاتِ الشنيعةِ، التي لم يُسْمَعْ بمثلها في تاريخ المسلمين.

 

في عهد المَلِكِ "أكبر" أصبح الإسلام غريباً، وصار أهله غرباء في بلاد الهند؛ من جراء هذا المذهب، ولم تعد للإسلام قوةٌ في البلاد، كما ذهبت هيبته من قلوب كثير من المسلمين! يصور الإمام أحمد السرهندي – وهو الذي تصدى لهذا المذهب الخطير – هذه الغربةَ فيقول:" فقد أجرى الكفارُ أحكامهم في دار الإسلام على الملأ بطريقة الغلبة والاستيلاء، حتى عجز المسلمون عن إظهار أحكام الإسلام؛ بحيث من أظهره قتلوه، وا ويلاه، وا مصيبتاه، وجاسرتاه، ويا حزناه، على ما صارإليه مصدقو محمد رسول الله-صلى الله عليه وسلم محبوب رب العالمين-أذلاء حقيرين، عديمي المقدار، ومُنْكِروه في غاية العز، والاعتبار! والمسلمون في تعزية الإسلام مع قلوب مجروحة، والمعاندون يرشون الملح على جراحاتهم بالسخرية، والاستهزاء، وشمس الهداية مستورة تحت أفق الضلالة، ونور الحق منزوٍ، ومنعزل في حجب الباطل ".

 

وقد ثار العلماء، والصالحون، ومسلمو الهند الصادقون؛ على هذه الكفريات، والشركيات وانتدبَ له ولبدعته الشيخ الكبير "أحمد بن عبد الأحد السرهندي" الذي استطاع أن ينقذ الإسلام والمسلمين بالهند من اتباع هذه الضلالات والكفريات، وقابل جلال الدين ذلك بأن نفى العلماء، وأبعدهم خارج الهند، وجعل البلاد قفرًا من أهل العلم! ولكنه لم يستطع أن يحوّل المسلمين بالهند إلى دينه المخْتَرَع، لذلك؛ أُشْرِبَ قلبه ببغض المسلمين، وتجد ترجمة ذلك؛ في عداوة السيخ للمسلمين في الهند، والتي فاقت عداوة الهندوس-العدو الأصلي-للمسلمين بالهند، وقد جعل جلال الدين مدينة «فتح بور» مركزًا لهذه العقيدة المخترعة.

 

الآثار السيئة لزندقة " أكبر " على المجتمع الهندي:

الحياة الاجتماعية في هذا العصر؛ قد اصطبغت بالصبغة الهندو كية الوثنية أيما اصطباغ! ولم يبق للإسلام فيها عين ولا أثر، حتى أبنية المساجد المبنية في بداية عهده كانت أشبه بمعابد الهنادك منها بالمساجد! ومن مظاهر الارتداد الاجتماعي: أن كلمة (الله أكبر) أصبحت شعاراً للكتاب، والمصنفين، يبدؤون بها كتاباتهم، يريدون بذلك؛ تأليه المَلِكِ "أكبر" ولو من طرف خفي، كما درج مؤلفون آخرون في مقدمة كتاباتهم بعد الحمد لله –تعالى-والثناء عليه؛ يذكرون المَلِكَ "أكبر" بالتبجيل والتكريم! والألقاب الطويلة، ولم يكونوا يصلون على النبي-صلى الله عليه وسلم-ويسلمون عليه.

 

والكتاب المنتمون إلى المذهب الأكبري وتلامذتهم؛ ربما يَشْرَعُونَ في كتاباتهم بأسماء آلهة المشركين، لاسيما إذا كانت الكتب مترجمة من السنسكريتية أو الهندية؛ وذلك تحقيقاً للوحدة الثقافية – على حد زعمهم-وهذه الوحدة الثقافية، والصبغة الهندو كية، هي التي كانت ولا تزال بلاءً عظيماً على الإسلام والمسلمين في هذه البلاد، وقد تأصَّلتْ جذور الشجرة في المجتمع الإسلامي الهندي؛ وآتت أكلها؛ حينما حمل زعماء الهنا دكة-في الربع الثاني من القرن الحالي الميلادي-لواء القومية الهندو كية الوثنية القديمة، المصبوغة بصبغة الديانة البرهمية.

 

كما تأثَّر مجالُ التعليم تأثَّراً مباشراً بهذا المذهب؛ إذ أصدر المَلِكُ "أكبر" مرسوماً بمنع التعليم الإسلامي، واللغة العربية، وتطهير الفارسية من الكلمات العربية. وبعد صدور هذا المرسوم؛ أصبح من العسير-جداً-تعليم العلوم الشرعية، واللغة العربية، ووضعت العلوم العقلية، والنجوم، والحكمة، والطب، والرياضة، والشعر، والقصة مكانها، وأوقفت الرواتب والجرايات الشهرية لمدرسي العلوم الشرعية، فكسدت أسواق هذه العلوم، وتوقف تخرج الفقهاء، والقضاة، والأئمة، والخطباء.

 

وكانت هذه أولى ضربةٍ قاصمةٍ لظهر التعليم الإسلامي في بلاد الهند، وكانت لها آثار-بعيدة المدى-في طول البلاد وعرضها، وكانت مقدمةً؛ لتقسيم التعليم، وشجع الاستعمار -فيما بعد-هذا الاتجاه، وانقسم التعليم: إلى ديني، لم يهتم بالعلوم العصرية، وعصري لم يبال بالعلوم الشرعية؛ فكانت النتيجة غير مرضية في حياة المسلمين كما لا يخفى.

 

وهكذا كان أثرها واضحاً في مجال السياسة؛ إذْ خطا العلمانيون-في دول شبه القارة الهندية-خطوات المَلِكِ "أكبر" في بلاد الهند، وجعلوه أنموذجاً في فصل الدين عن الدولة، على أساس اعتقاد عظمة المَلِكِ "أكبر"، والنزوع إلى براءة ساحته من كل تهمة؛ لأنه هو وحده من بين ملوك المسلمين يتفق مع الاتجاه العلماني الحديث، والتحرر من ربقة الدين، ويجدر لأن يُتخذَ زعيماً، أو مثلاً كاملاً للسياسة اللادينية؛ المجردة من الدين والعقيدة.

 

لذلك كلِّه؛ الهندوس يعظّمون المَلِكَ "أكبر" ويحاولون تلميع صورته، وترويج فكره بين أبناء المسلمين اليوم، مستغلين جهلَ غالبيتِهم-الساحقة-بتاريخ أمَّتهم، وعدم قُدْرَتِهم على التمييز بين الغثِّ والسمين، وبين من خدم الدين ودافع عنه، وبين من حاربه وارتدَّ عنْه.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
مستخدم
22-05-2019

شكرا جزيلا على المعلومات القيمة.

عضو نشط
زائر
12-11-2021

شكرا جزيلا

عضو نشط
زائر
06-12-2021

شكراً على هذه المعلومات من الآن و صاعداً إن شاء الله سأوقف متابعة المسلسل ...كم كنت جاهلة عندما كنت أتابعه☹ 

 

 

 

عضو نشط
زائر
13-02-2023

 

الله يجزاك خير وينفعبك ويكثر من امثالك 

 

عضو نشط
زائر
12-07-2023

احسنت احسنت اخي العزيز

عضو نشط
زائر
22-12-2023

جزاك لله خير علي نشر الحق ودين الإسلام محفوظ من الله ولو كره الظلمون