خطبة رائعة أصلها مقالة للدكتور راغب السرجاني وأعيدة صياغتها بتصرف

عبدالرحمن اللهيبي
1440/05/26 - 2019/02/01 05:27AM

هذه خطبة أصلها مقالة للدكتور راغب السرجاني وأعيدة صياغتها بما يتناسب مع مقام الخطبة مع تصرف يسير

أيها المسلمون :

إنه لا ينقضي العجب للمتدبر في القرآن والمتأمل في آياته لما فيه من عجائب دروسه وعظاته وإن من ذلك العجب المستدعي لاستلهام الدروس والعبر في سُوَرِه وآياته تلك السورة التي نزلت في ذم رجل واحد وامرأته ، ألا وهي سورة المسد سورة كاملة نزل بها جبريل من السماء إلى الأرض لأجل ذم أبي لهب وزوجته، وزجرهما وتبكيتهما فقال تعالى : تبت يدا أبي لهب وتب ..

وإن العجب ليزداد أكثر وأكثر من كون أن الله تعالى صرح بذكر اسم هذا الكافر في هذه السورة، مع أن الكفار المعاندين الذين آذوا رسول الله صل الله عليه وسلم وعادوه كُثُر ومع ذلك أشار لهم القرآن الكريم تلميحًا دون التصريح بأسمائهم.. هذا ويزداد العجب أيضا إذا علمنا أن تاريخ أبي لهب وامرأنه مع المسلمين ليس فيه تعذيب بالسياط، ولا حرق بالنيران ولا طعن بالحراب ولا ضرب بالسيوف ولا جر في الرمضاء ولا قيادة مؤامرات للقتل والاغتيال!! هذا وقد كان أبو لهب من قرابة النبي ﷺ فهو عمه وقد فرح كثيرا بولادته ﷺ حتى أنه أعتق جاريته ثويبة حينما بشرته بولادة النبي صلى الله عليه وسلم .. ولم يكن أبو لهب أشد كفرا ومعاداة للنبي ﷺ من أبي جهل ولم يكن كذلك أشد تعذيبا للصحابة من أمية بن خلف ولم يكن يقود المؤامرات على النبي صلى الله عليه وسلم في دار الندوة فلماذا إذن هذه السورة تنزل كاملة في شأنه وشأن امرأته بالوعيد والزجر والتهديد؟! وما الذي فعله أبو لهب وامرأته حتى تنزل فيهم سورة كاملة تتلى في لعنهم إلى قيام الساعة؟ هل من شيء تميز به أبو لهب وامرأته عن صناديد الكفر والطغيان؟ نعم يا عباد الله إن المتأمل في سيرة أبي لهب وامرأته يجد أنهما من الإعلاميين الخطرين في نشر الآراء المضللة وإشاعة الأكاذيب المرجفة حيال الرسالة المحمدية وصد الناس عنها وذلك فقط من خلال الدور الإعلامي الخطير الذي كانا يقومان به!

ولم تكن أصداء أراجيفهم الإعلامية تقف عند حدود الناس في مكة فقط ، إنما كان يتعدى نشاطهم الإعلامي المضلل ليصل إلى كل الذين كان النبي ﷺ يجتهد في إيصال دعوة الرسالة الإلهية إليهم ..

والله أعلم كم من البشر صُدُّوا عن الاستجابة لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم بسبب الدور الإعلامي المضلل الذي قام به أبو لهب وامرأته! وكم من الآلام التي لحقت بالنبي ﷺ من جرَّاء كذبهما وتكذيبهما وتدليسهما عليه وعلى رسالته وتشويه صورته وسمعته..!

لهذا كله استحق أبو لهب وامرأته هذه السورة الخالدة تتلى في زجرهما وتبكيتهما إلى قيام الساعة

فلقد كانت مواقفهما الإعلامية المخزية من أول أيام الدعوة..

روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولاً لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلاَّ صِدْقًا.

قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ». فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟! فَنَزَلَتْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}

فتأملوا يا عباد الله ما قاله ابن عباس -رضي الله عنهما- في هذه الرواية حيث قال: "فجاء أبو لهب وقريش"! فخصَّه بالذكر، مع أن رءوس القوم وصناديد الكفر أيضا كانوا حاضرين , إلاّ أن الدور الإعلامي المؤثر جاء من أبي لهب.. فهو الذي "صدع" بأعلى صوته مشوشا على الناس، وصادًّا لهم عن قبول الحق والدعوة ..!

 

إن الدور الإعلامي الذي مارسه هنا أبو لهب بقوله لتلك الكلمة الخبيثة ( تبا لك ألهذا جمعتنا) لقد كان فيها من الاستخفاف والسخرية والازدراء والانتقاص لخطاب النبي صلى الله عليه وسلم ما كان كفيلا في التشويش على الناس وصرفهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وانفضاضهم عنه , وهكذا الإعلاميون من أحفاده في كل زمان ومكان يستخدمون الأسلوب ذاتَه في الاستخفاف والتحقير للتنفير من الخطاب الداعي للفضيلة والنابذ للرذيلة

وأما زوجة أبي لهب..! فقد كانت أيضا إعلامية خطيرة!

فقد أطلقت على الرسول صل الله عليه وسلم اسمًا ساخرًا، فأسمته "مُذَمَّمًا" أي عكس "محمد"، وهو من الذم وليس الحمد..! وصاغت شعرًا تهجو به رسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه، فقالت: "مُذممًا أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا"

وهكذا يصنع الإعلاميون من أحفادها في تسمية الأشياء بغير اسمها للتأثير على الناس فيسمون الرقص والغناء والفجور فنا

ويسمون الخمر والمسكرات مشروبات روحية ويسمون نشر الآراء الباطلة المناهضة للشريعة حريةً في الرأي والتعبير ويسمون المرأة القارَّة في بيتها لرعاية أبنائها بأنها امرأة عاطلة وأن المجتمع حينها سيتنفس برئة واحدة ويصفون قوامة الرجل على أهله بالوصاية والتسلط الذكوري ويصفون الحجاب بالتخلف والرجعية ويصفون دعاة الفضيلة بالتطرف والأصولية إلى آخر تلك المسميات المنفرة عن الحق والجاذبة للفساد والباطل

ولم تكن هذه المواقف الإعلامية لامرأة أبي لهم عابرة في حياتها..

لقد كانت تتابع الأخبار، وتتحرك في وسط المجتمع لتنقل لهم الجديد من الإعلام الزائف المضلل، فلما رأت أن الوحي لم ينزل على رسول الله صل الله عليه وسلم وتوقف عنه فترة، انطلقت تنشر خبر تأخُّر الوحي بصياغتها المضللة الكاذبة، حيث تقول للناس: إن الذي يأتي مذمما هو شيطان وليس ملك ، وإنه لم يعد يلقاه وما أرى شيطانه إلا قد قلاه! أي تخلى عنه وتركه فنزلت (سورة الضحى) ..

وفي تنافس إعلامي محموم بينها وبين زوجها أبي لهب على نشر الأكاذيب وتشويه النبي صلى الله عليه ووصفه بالكذب والجنون.. يروي رَبِيعَةُ بْنُ عَبَّادٍ -وَكَانَ جَاهِلِيًّا ثم أَسْلَمَ- فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَرَ عَيْنِي بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا»، وَالنَّاسُ مُتَقَصِّفُونَ عَلَيْهِ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَقُولُ شَيْئًا ، إِلاَّ أَنَّ وَرَاءَهُ رَجُلاً أَحْوَلَ وَضِيءَ الْوَجْهِ ذَا غَدِيرَتَيْنِ، يَقُولُ: إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ يَذْكُرُ النُّبُوَّةَ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي يُكَذِّبُهُ؟ قَالُوا: عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ.

إن الإعلاميين المعادين لخطاب النبوة ومعالم الرسالة ومحكمات الشريعة يدركون أن في عموم الناس قابلية للتأثر والاستجابة لو خُلي بينهم وبين سماع الوحي الرباني والرسالة النبوية ولكن الخبثاء لأجل الحيلولة بين الناس وبين رسالة الوحي الرباني يشتغلون بالتشويش على خطاب الرسل وأتباعهم مستخدمين أساليب السخرية والازدراء

ويختلقون الأكاذيب والشبه ويُزيِّفون الواقع والحقائق، ويزخرفون الفساد والباطل , ويشوهون صورة أتباع الرسل, ويسمون الأشياء بغير اسمها فيطعنون في المحكمات ويزعزعون المسلمات ويصرفون الناس عن معالم دينهم ,وبهذا لا عجب أن يكون الإعلاميون المنحرفون أشد خطرًا على دعوة الرسل من غيرهم , وهم خَلَف لأبي لهب وامرأته في التشويش على الناس وتشويه المصلحين وصدهم عن خطاب الوحي ومعالم الرسالة وكل هذا يقع ابتلاء للناس أيثبتون على معالم دينهم أم يتنكبون هدي نبيهم

والله تعالى يقول: ﴿ الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)

 أقول قولي هذا ...

 

أيها المسلمون: إن معالم الدين باقية وشعائر الإسلام ثابتة وسيبقى هذا الدين ما بقي الليل والنهار فهو نور الله وأنّا لنوره أن تطفئه أفواه أهل الزيغ والضلال , إن أبا لهب الذي كان يمشي خلف محمد صلى الله عليه وسلم ويقول هو كذاب صابئ قد مات ورسالة النبي صلى الله عليه وسلم ها هي قد انتشرت في الآفاق وأتباعها اليوم مليار ونصف.. مات أبو لهب بعد أن علم أن المؤمنين قد انتصروا في بدر فأُصيب بهمٍّ وكمد وحزن، ثم زاد الأمر فأصابه الله عز وجل بقرحة كان العرب يتشاءمون منها اسمها "العَدَسَة"، فمات بها، ولم يستطع أحد من أقربائه أن يقترب منه ليدفنه عدة أيام حتى تعفَّن في بيته. وعندما عيَّر الناس أبناءه بتركه، ألقوا عليه الماء من بعيد، ثم حملوه في ثيابه مسرعين إلى أعلى مكة، فألقوه من على جبل، ثم رموه بالحجارة حتى وارَوْه تحتها! هذه كانت نهايته وسينتهي كل من سار على طريقته في تشويه صورة دعاة الحق والفضيلة والصد عن منهج الحق , والله يقول: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ}

فيا أيها الناس إنكم في هذه الدنيا ممتحنون وإنكم لم تخلقوا فيها إلا لعبادة ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم وإن الله قد ابتلانا بشياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا وإن لهم اليوم في وسائل الإعلام نشاطا واجتهادا كبيرا في القنوات والفضائيات وفي الصحف ووسائل التواصل وغيرها فلا هم لهم إلا التشكيك في المحكمات وتقويض المسلمات ..وإن دين الله لا يتلقى إلا من العلماء الثقات ولا يؤخذ من المتمردين على القيم والمستبيحين للحرمات , فتشبثوا يا مسلمون بدينكم وتمسكوا بقيمكم وإياكم وتحريفات المبطلين وزيغات المنحرفين وكونوا على منهاج نبيكم ﷺ حتى تلقونه وتردون حوضه فلا تذادون دونه فإن أقواما من أمته يتنكبون منهجه ويخالفون سنته فيغيرون ويبدلون فيقال لهم سحقا سحقا بعدا بعدا ..

نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى ومن الغواية بعد الرشاد ونسألك إلهنا التوفيق والسداد..

المشاهدات 2873 | التعليقات 1

بارك الله فيكم