بشريات المؤمنين بعد الموت

بشريات المؤمنين بعد الموت

الْحَمْدُ للَّهِ الْوَاحِدِ الْمَاجِدِ الْعَظِيمِ ، الْقَدِيرِ الْبَصِيرِ النَّصِيرِ الْحَلِيمِ ، الْقَوِيِّ الْعَلِيِّ الْغَنِيِّ الْحَكِيمِ ، قَضَى فَأَسْقَمَ الصَّحِيحَ وَعَافَى السَّقِيمَ قَسَمَ عِبَادَهُ قِسْمَيْنِ : طَائِعٌ وَأَثِيمٌ ، وَجَعَلَ مَآلَهُمْ إِلَى دَارَيْنِ : دَارِ النَّعِيمِ وَدَارِ الْجَحِيمِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ عَصَمَهُ مِنَ الْخَطَايَا كَأَنَّهُ فِي حَريِمٍ ، ومِنْهُمْ مَنْ قَضَى لَهُ أَنْ يَبْقَى عَلَى الذُّنُوبِ وَيُقِيمَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ وَالْعَمَلُ بِالْخَوَاتِيمِ ، خَرَجَ مُوسَى رَاعِيًا فعاد وَهُوَ الْكَلِيمُ ، وَذَهَبَ ذُو النُّونِ مُغَاضِبًا فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مليِم ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَتِيمًا فَكَانَ الْكَوْنُ لِذَلِكَ الْيَتِيمِ ، وَعَصَى آدَمُ وَإِبْلِيسُ فَهَذَا مَرْحُومٌ وَهَذَا رَجِيمٌ ، فَإِذَا سَمِعْتَ بِنَيْلِ الْمَمَالِكِ أَوْ رَأَيْتَ وُقُوعَ الْمَهَالِكِ ، فَقُلْ : ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فصلت آية 12] وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَ اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ولا شيء مثلُه، ولا شيء يعجزُه، ولا إلهَ غيرُه ، أولٌ بلاَ ابتداء دائمٌ بلا َانتهاء لايفنى ولا يبيدُ،ولا يكونُ إلا ما يريد ، لا تبلغُه الأوهامُ ولا تدركُه الأفهامُ، ولا يشبهُ الأنامَ، حيٌّ لا يموت، قيومٌ لا ينامُ ، وأشهدُ أنَ محمداً عبدهُ ورسولهُ وصفيهُ منْ خلقهِ وحبيبهُ وخليِلُه صلىَ عليهِ صلَّى عليه بارئُ العباد، ما جرت الأقلام بالمداد، وأمطرت سحبٌ وسال وادِ وآله وصحبه ومن سلك سبيلهم ما دار نجم في فلك ثُمَ أمَا بعد :

إن الله عز وجل لم يخلق عباده للفناء وإنما هم ينتقلون من دار إلي دار كما قال بلال بن سعد إنكم لن تخلقوا للفناء، وإنما خلقتم للخلود والأبد، ولكنكم تنتقلون من دار إلى دار وبالموت يغادر العبد دارا فانية حذرنا الله تعالي منها ومن الركون اليها والاطمئنان بها فقال عز من قائل " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ " جاء في الأثر أن داود عليه السلام بينما هو يسيح في الجبال إذا أتى على غار فنظر، فأذا فيه جثمان لرجل عظيم الخلقة من بني آدم، وإذا عند رأسه حجر مكتوب عليه: "أنا وسيم، ملك الصنع، ملكت الدنيا ألف عام، وفتحت ألف مدينة، وهزمت ألف جيش، وبكرت ألف بكر من بنات الملوك، وقتلت ألف جبار، فمن رآني لا يغتر بالدنيا، فما كانت إلا كحلمة نائم، ثم صار أمري إلى ما ترى، صار التراب فراشي، والحجارة وسادتي، فمن راني فلا تغره الدنيا كما غرتني " فالمؤمن يستريح من همومها وأحزانها إلي نعيم لا ينفد إن أنعم الناس جسداً في لحد قد أمن من العذاب فالمؤمن يعجل الله له البشري قال أبو هريرة رضي الله عنه قال:لا يموت المؤمن حتى يرى من البشرى، فإذا قبض نادى وليس في الدار دابة صغيرة ولا كبيرة إلا وهي تسمع صوته إلا الثقلين: الجن والإنس. تعجلوا بي إلى أرحم الراحمين، فإذا وضع على المحمل قال: ما أبطأ ما تمشون، فإذا أُدخل في لحده أقعد فأري مقعده من الجنة وما أعد الله له، وملىء قبره من روح وريحان ومسك فيقول: يا رب قدمني، فيقال له ليس الآن نم قرير العين نم بارك الله في مضجعك، فنعم الحال حالك " فتتنزل عليه ملائكة الرحمة لا تخف ولا تحزن وأبشر بالجنة التي وعدك الله بها >

أن أول بشري يلقاها المؤمن بعد الموت أن يأمن فتنة القبر ويثبته الله عند سؤال الملكين روي البخاري في صحيحة عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَيُقعِدَانِهِ فَيقُولاَنِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هذَا الرَّجُلِ (لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم) فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا " قال قتادة: وذُكِرَ لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعاً ويملأ عليه خضراً.فينادي الميت دعوني أبشر أهلي فيقال له أسكن فينور له قبره مد البصر ،وعلي قدر الإيمان والطاعة يكون التثبيت في القبر تأملوا ماذا قال فاروق الأمة عمر بن الخطاب رضوان الله عليه لما ذكر أمامه فتانا القبر روي بن حبان في صحيحة بسند حسن عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فَتَّانَيْ الْقَبْر . فَقَالَ عُمَر أَتُرَدُّ عَلَيْنَا عُقُولنَا يَا رَسُول اللَّه ؟ فَقَالَ : نَعَمْ كَهَيْئَتِكُمْ الْيَوْم . قَالَ بِفِيهِ الْحَجَر " أي لو سألني الملك في القبر من ربك وما دينك ومن نبيك ألقمته حجرا في فمه قالها عمر لحسن ظنه بربه علي ما يكون عنده من حسن الجواب >

البشارة الثانيه تخفيف ضمة القبر على المؤمن إن ضمة القبر لا ينجو منه احد ولكنها علي المؤمن كضمة الأم الحنون لولدها الذي طال غيابه سيدنا سعد بن معاذ كان صديق الأنصار، وكانت منزلته في الأنصار في الصدق تساوي منزلة أبي بكر في المهاجرين في الصدق وإن كان بينهما تفاوت عظيم، وكانوا يلقبونه بصديق الأنصار، وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء). وكان قد قال للنبي صلى الله عليه وسلم وهم ذاهبون إلى بدر: (ولعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك)، فسر النبي صلى الله عليه وسلم واستنار وجهه. روي البخاري في الأدب المفرد بسند صححه الألباني " عن محمود بن لبيد قال : " لما أصيب أكحل سعد يوم الخندق ـ والأكحل: أكبر شريان في الجسم -نزف الدم حتى أصاب من في الخيمة، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم وبكى أبو بكر وعمر، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يحاول أن يرقي له جرحه، ولما كان جرحه ينزف ويصيب من في الخيمة رفع سعد يده إلى السماء وقال: اللهم إن كنت أبقيت رسولك صلى الله عليه وسلم لحرب يهود -وكانوا حلفاءه- فأبقني، قالوا: فوالله لقد انقطع دمه فما قطر قطرة واحدة بعد دعائه الصادق. ونزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا رسول الله! من هذا الذي قد مات من أمتك؟! لقد نزل إلى الأرض سبعون ألف ملك ما نزلوا إلى الأرض قبل يومهم هذا لتشييعه فثقل ، حولوه عند امرأة يقال لها رفيدة ،و كانت تداوي الجرحى ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر به يقول : كيف أمسيت ؟ و إذا أصبح قال : كيف أصبحت ؟ فيخبره ، حتى كانت الليلة التي نقله قومه فيها ، فثقل ، فاحتملوه إلى بني عبد الأشهل إلى منازلهم ، و جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما كان يسأل عنه ، و قالوا : قد انطلقوا به ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و خرجنا معه ، فأسرع المشي حتى تقطعت شسوع نعالنا و سقطت أرديتنا عن أعناقنا ، فشكا ذلك إليه أصحابه : يا رسول الله أتعبتنا في المشي ،فقال : إني أخاف أن تسبقنا الملائكة إليه فتغسله ، كما غسلت حنظلة ، فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت و هو يغسل ، و أمه تبكيه و هي تقول : ويل أمك سعد حزامة و جدا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كُلُّ نَائِحَةٍ تَكْذِبُ إِلا أُمَّ سَعْدٍ. ثم خرج به ، قال : يقول له القوم أو من شاء الله منهم : يا رسول الله ما حملنا ميتا أخف علينا من سعد ، فقال : ما يمنعكم من أن يخف عليكم ، و قد هبط من الملائكة كذا و كذا ، و قد سمى عدة كثيرة لم أحفظها لم يهبطوا قط قبل يومهم قد حملوه معكم " ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: (إن عرش الرحمن اهتز لموت سعد بن معاذ)، وفي رواية جودها الحافظ الذهبي: (إن عرش الرحمن اهتز فرحاً بموت سعد بن معاذ).وقال لمنديل من مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من الدنيا وما فيها وبعد هذه المناقب قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : هَذَا الَّذِي تَحَرَّكَ الْعَرْش لَهُ ، وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَشَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ ، لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً ، ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ. إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةٍ لَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا لَنَجَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ >

البشارة الثالثه أن المؤمنين يتزاورون في قبورهم عن ثابت البنانى قال: بلغنا أن الميت إذا مات احتوشته أهله وأقاربه الذين تقدموه من الموتى، فلهم أفرح به وهو أفرح بهم من المسافر إذا قدم إلى أهله روي الإمام السيوطي في الجامع الكبير بسند صححه الألباني في السلسلة الصحيحة عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " إذا وَلِيَ أحَدُكُم أخاهُ فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ فإِنَّهُمْ يُبْعَثُونَ في أكْفانِهِمْ ويَتَزَاوَرُونَ في أكْفانِهِمْ " قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عند موته: اشتروا لي ثوبين أبيضين فإنهما لا يتركان عليَّ إلا قليلاً حتى أبدل بهما خيراً منهما أو شراً منهما. قال ابن القيم: الأرواح قسمان منعمة ومعذبة، فأما المعذبة فهي في شغل عن التزاور والتلاقي، وأما المنعمة المرسلة غير المحبوسة فتتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا، فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو مثل عملها، وروح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الرفيق الأعلى. قال الله تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللَهَ وَالرَسولَ فَأُؤلَئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنعَمَ اللَهُ عَلَيهِم مِنَ النَبِيّينَ وَالصِدّيقينَ وَالشُهَداءَ وَالصالِحينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفيقاً)وهذه المعية ثابتة في الدنيا وفي دار البرزخ وفي الجزاء والمرء مع من أحب في الدور الثلاثة..

البشارة الرابعة أرواح المؤمنين تسرح في الجنة إلي يوم القيامة روي النسائي في سننه بسند صححه الألباني كَعْب بْنَ مَالِكٍ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ( قَالَ « إنما نَسَمَة المُؤْمِنِ طائِرٌ يُعَلَّقُ في شَجَرِ الجَنَّةِ حتى يَبْعَثَهُ الله إلى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ » روي الطبراني في معجمه الكبير بسند صححه الألباني عن أم هاني الأنصارية أنها سألت النبي صلى الله عليه و سلم انتزوار إذا متنا ويرى بعضنا بعضا ؟ قال النبي صلى الله عليه و سلم : تَكُونُ النَّسَمُ طَيْراً تَعْلُقُ بالشَّجَرِ حَتَّى إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ دَخَلَتْ كُلُّ نَفْسٍ في جَسَدِها " >

وهناك بشري خاصة بشر بها رسول الله صلي الله عليه وسلم من مات في غير المكان الذي ولد فيه روي النسائي بسند حسنه الألباني في صحيح الجامع عَن ابْن عَمْرو قَالَ : مَاتَ رجل بِالْمَدِينَةِ مِمَّن ولد بهَا ، فَصَلى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ، ثمَّ قَالَ : " يَا ليته مَاتَ بِغَيْر مولده " قَالُوا : وَلم ذَاك يَا رَسُول الله ؟ قَالَ : " إِن الرجل إِذا مَاتَ بِغَيْر مولده قيس من مولده إِلَى مُنْقَطع أَثَره فِي الْجنَّة "وعن شقيق البلخى قال: طلبنا ضياء القبور فوجدناه في صلاة الليل، وطلبنا جواب منكر ونكير فوجدناه في قراءة القرآن، وطلبنا العبور على الصراط فوجدناه في الصوم والصدقة، وطلبنا ظل يوم الحساب فوجدناه في الخلوةهذا وصلى الله وسلم علي الهادي البشير والسراج المنير

المشاهدات 2403 | التعليقات 1

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

الشيخ الفاضل أبوزيد السيد سلامة  حفظه الله ورعاه 

نشكر لكم حضوركم الجميل وهمتكم العالية وحرصكم على النشر والفائدة .. فكتب ربي أجركم وأحسن إليكم 

ولنا ملحوظة يسيرة حول موضوع النشر؛ وهي محاولة التقليل من نشر خطب كثيرة في الأسبوع الواحد؛ لعدة أمور:

أولاها: أن كثرتها لا يعطي فرصة للاستفادة من جميعها.

ثانيها: كثرتها يخفي بعضها كما يخفي خطبا أخرى لآخرين.

ثالثا: لأن بعضها قد لا يكون موضوعها عاجل أو ربما مناسب للأسبوع المقبل وبالتالي قد يكون غيرها من خطبكم وخطب الأعضاء ما هو أجدر بالظهور والبقاء لحاجة الخطباء لها والزوار كونها مناسبة الأسبوع.

أكرر شكرنا وامتناننا لكم ولشخصكم ومقامكم.