عاشوراء بين السنة والإبتداع

أبو ناصر فرج الدوسري
1440/01/02 - 2018/09/12 11:17AM

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾

أما بعد: فيا أيها المسلمون اتقوا الله حق التقوى، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾

عباد الله: لقد حدث في اليوم العاشر من شهر محرم حدث عظيم حيث أنجى الله موسى عليه السلام وأصحابه من فرعون وقومه، في العاشر من المحرم.

وقد تكرر ذكر قصتهم في القرآن، فهي أكثر القصص تكراراً في كتاب الله، وهذا يدل على كثرة فوائدها وما فيها من العبر.

فقد ابتُليَ بنو إسرائيل بظلم فرعون، قال تعالى ﴿وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ﴾ فماذا كان يفعلُ فِرْعَوْنَ ببني إِسْرَائِيلَ؟

كان يقتل أبناء بني إسرائيل ويستحيي نساءهم، يأخذهن للخدمة، قال تعالى ﴿وَإِذ أَنجَيناكُم مِن آلِ فِرعَونَ يَسومونَكُم سوءَ العَذابِ يُقَتِّلونَ أَبناءَكُم وَيَستَحيونَ نِساءَكُم وَفي ذلِكُم بَلاءٌ مِن رَبِّكُم عَظيمٌ﴾

إن فِرْعَوْنَ لما طغى وكذَّب رسول الله موسى عليه السلام، وسفك الدماء، وادعى أنَّه إله قومه في جرأة عظيمة على الله تعالى لم يبلغها أي إنسان، ونفى أن يكونَ يعلمُ إلهاً غيرَه لهم: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي﴾

وتدبّر – يا عبدالله – ما الذي أمر به موسى قومه؟ هل دعاهم للثورة أو للعصيان؟

﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾

فهؤلاء قوم موسى ابتلاهم الله بفرعون الكافر الذي ادعى أنَّه إله وقَتَّل أبناءهم وأخذ بناتهم خادمات، ومع ذلك ما أمروا بقتاله وذلك لضعفهم، بل أمرهم بالصبر والتوكل على الله والدعاء.

وعندما امتثل بنو إسرائيل ما أمرهم الله به كانت العاقبةُ الطيبةُ، إذ نصرهم على عدوهم نصراً عظيماً: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾ فأُهلِكَ فرعونَ وقومَه في يوم عاشوراء فصامه اليهود شكراً لله على نجاة موسى وقومهِ وغرقِ فرعونَ وقومهِ.

وكذلك أنعم الله على بني إسرائيل بأن جعلهم يسكنون أرض الشام: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ وتدبر قوله تعالى في الآية ﴿بِمَا صَبَرُوا﴾ يعني لأنهم صبروا على ما ابتلوا به من ظلم حاكمهم فرعون.

أَيُّهَا الَمُسَلِمُونَ : وَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ ﷺ إلى الْمَدِينَةِ ، وَجَدَ اليَهُودَ فِيهَا يَصُومُونَ العَاشِرَ مِنْ مُحَرَّمٍ فَسَأَلَهُم عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ فَأَخْبَرُوه، وقَالَ (فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ) ، فَصَامَهُ النَّبِيُّ ﷺ وَأَمَرَ الصَّحَابَةَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ بِصِيَامِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

فنحن نصوم هذا اليوم إتباعاً لنبينا ﷺ وطمعنا في قبول الأجر والثواب من الله عز وجل.

وعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيةِ ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. رواه البخاري.

أما عن حكم صوم يوم عاشوراء فقد كان واجبًا في أول الأمر بعد هجرة النبي ﷺ إلى المدينة، على الصحيح من قولي أهل العلم، لثبوت الأمر بصومه، ولما فُرض رمضان في السنة الثانية من الهجرة نُسخ وجوبُ صومه، وبقي على الاستحباب، ولم يقع الأمر بصوم عاشوراء إلا في سنة واحدة، وهي السنة الثانية من الهجرة حيث فرض عاشوراء في أولها، ثم فرض رمضان بعد منتصفها، ثم عزم النبي ﷺ في آخر عمره في السنة العاشرة على ألا يصومه مفردًا بل يصوم قبله اليوم التاسع، كما سيأتي إن شاء الله وهي صورة من صور مخالفة أهل الكتاب في صفة صيامهم.

أما ما حدث في مثل هذا التاريخ من بعد حادثة موسى عليه السلام فليس لها علاقة بصيامنا ليوم عاشوراء، كحادثة مقتل الحسين أبن علي رضي الله عنها حيث استشهد في عاشوراء بأرض كربلاء في يوم عاشوراء من السنة الحادية والستون للهجرة.

فإظهار الحزن في يوم عاشوراء هو مذهب الروافض وإظهر الفرح فيه من مذهب النواصب وكلاهما غلو في هذه اليوم.

والبعض من الجهال يسمون يوم عاشوراء، بيوم زمزم. وفي هذا اليوم، يقومون برش الماء على بعضهم البعض وعلى مقتنياتهم تبركاً، ويحاول التجار بيع كل بضائعهم، ويعقب عاشوراء "ليلة الشعالة" حيث يجتمعون حول نار وهم يرددون أهازيج، وتتخللها نياحة واهازيج أخرى. وتقدم الأسر الزكاة أو عشر أموالها التي دار عليها الحول للفقراء، وهذا كله بدعة لايجوز فعله ولا المشاركة فيه.

أما نحن فلا نحزن في هذا اليوم ولا نفرح لكننا نتبع ولا نبتدع.




الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله الله رب العالمين وأن محمد الصادق الأمين، رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: لقد علمنا أننا نصوم يوم عاشوراء لأنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى عليه السلام من فرعون، ونصومه إتباعاً لنبينا ﷺ وطمعنا في قبول الأجر والثواب من الله عز وجل، قال ﷺ: (صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ).

وهذا التكفير للذنوب خاص بصغائر الذنوب ولا يشمل كبائر الذنوب ولا يكون إلا لمن صام على الوجه المأمور به شرعا وهو أن يحفظ صيامه مما يحرم كالغيبة والكذب ونحوهما من جميع الذنوب لقوله ﷺ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ).

فدل هذا الحديث على أن الصيام الذي لا يحفظه صاحبه من المعاصي يكون ناقصا وربما لا يكون فيه أجر أبدا ومثل هذا لا يكفر سنة قبله.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ). فَمَاتَ ﷺ قَبْلَ ذَلِكَ.

وَعَلَى هَذَا فَصِيَامُ عَاشُورَاءَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: أَدْنَاهَا أَنْ يُصَامَ وَحْدَهُ، وَفَوْقَهُ أَنْ يُصَامَ التَّاسِعُ مَعَهُ، وَفَوْقَهُ أَنْ يُصَامَ التَّاسِعُ وَالْحَادِي عَشَرَ مَعَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ومن كان عليه قضاء من رمضان فليبادر به قبل عاشوراء فإن لم يفعل فليصم عاشوراء ثم ليقض في أيام أُخر لأن القضاء واجب موسع وعاشوراء سنة.

ولايصم عاشوراء بنية القضاء ونية أن يكون له أجر عاشوراء لأن كلا من القضاء وعاشوراء عبادتان مقصودتان لذاتهما فلا تتداخلان على الصحيح.

ومن أراد صيام عاشوراء فليبيت نية صيامه من الليل لأن حكمه حكم صيام الفرض من هذا الوجه، وأما من لم ينو صيام عاشوراء إلا من أثناء النهار -وهو لم يتناول مفطرا قبل- فإن صيامه صحيح لكن لا يحصل له الثواب الوارد في الحديث لأنه لم يبيت النية قبل الفجر.

فاحرصوا عباد الله على صيام هذا اليوم واحتسبوا الأجر عند الله تعالى.

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم محمد ﷺ يعظم الله لكم بها أجرا.

قَالَ سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نبينا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وعليك اللهم بمن انتقص من قدر صحابة رسولك أو رمى زوجاته بما لم يكن فيهن.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألُكَ تقْوَاكَ ومخافتَكَ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدينِ والدُّنْيَا وَالآخِرَةِ،

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ بَلَدَنَا هَذَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، اللهم انصر جُنُودَنَا واحفظ حُدُودَنا والمُسلمينَ أجمَعينَ.

اللّهمّ إنّا نسألك أن تؤلِّفَ بين قلوب المسلمين، اللّهمّ اجمع كلمتهم على الحقِّ يا رب العالمين، اللّهمّ اجمع كلمتهم على الكتاب والسنة، اللّهمّ ألِّف بين قلوبهم، ووحِّد صفوفهم، واجمع كلِمَتهم على الحقّ يا ربّ العالمين، اللّهمّ ثبّت أقدامهم وانصرهم على عدوّك وعدوّهم يا ربّ العالمين.

اللّهمّ انصر دينك وكتابك وسنّةَ نبيّك وعبادك المؤمنين، اللّهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمّر اللّهمّ أعداءَك أعداء الدين.

ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارِ.

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

http://minbarkhateeb.blogspot.com/2018/09/blog-post_12.html

المشاهدات 1235 | التعليقات 0