القواعد العشر للحلال والحرام في الاقتصاد الاسلامي

الشيخ السيد مراد سلامة
1439/11/25 - 2018/08/07 18:22PM
Smiley face
القواعد العشر للحلال والحرام في الاقتصاد الاسلامي
الشيخ السيد مراد سلامة 

الخطبة الأولى

الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى، أحمده - سبحانه - وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره وهو بكل لسان محمود، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو الإله المعبود.

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

حديثنا إليكم اليوم عن القواعد العشر للحلال والحرام ليكون المسلم والمسلمة على بينة من أمر دينه فالعلم نور و بصيرة فأعيروني القلوب و الأسماع

القاعدة الأولى: أن الحلال ما أحله الله تعالى ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله

 اعلموا أيها الآباء والإخوة الأعزاء أن القاعدة الأولى أن الحلال ما أحله الله تعالى ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله فالتحليل والتحريم لا يكون إلا بنص من كتاب الله تعالى وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم-قال الله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ. {يونس:59}. وقال تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه. {الشورى:21}. وقال الله تعالى: وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً {الكهف:26}.

 عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّمْنِ، وَالْجُبْنِ، وَالْفِرَاءِ قَالَ: «الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ، فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ»([1])

(الفراء) جمع الفرى بفتح الفاء مدا وقصرا وهو الحمار الوحشي. وقيل هو ههنا جمع الفرو الذي يلبس. ويشهد له صنيع بعض المحدثين كالترمذي فإنه ذكر في باب لبس الفروة. وإنما سألوه عنها حذرا من صنيع أهل الكفر من اتخاذ الفرو من جلود الميتة من غير دباغة.]

كما أن معنى الحديث الإجمالي مقرر في قواعد الدين وأصوله، ومحل استشهاد وقبول عند أهل العلم .

قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (4/185): " معنى هذا الحديث ثابت في الصحيح " انتهى .

وقال أبو بكر بن السمعاني : " هذا الحديث أصل كبير من أصول الدين وفروعه ، قال : وحكي عن بعضهم أنه قال : ليس في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث واحد أجمع بانفراده لأصول الدين وفروعه من حديث أبي ثعلبة " انتهى .

لذا لا يجوز لاحد ان يتكلم في الحلال و الحرام الا العلماء العالمين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116].

القاعدة الثانية: أن الله ما حرم عليك المحرمات ليحد من حريتك وإنما من أجل سلامتك

اعلم بارك الله فيك: أن الله تعالى ما حرم عليك المحرمات سواء في المأكولات أو المشروبات أو الملبوسات إلا لمصلحتك و إلا لسلامتك

قال الله تعالى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {الأنعام: 151ـ 153}.

وقوله سبحانه: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {الأعراف: 33}.

وقال السعدي في تفسيره: أخبر تعالى أنه حرم على أهل الكتاب كثيرا من الطيبات التي كانت حلالا عليهم، وهذا تحريم عقوبة بسبب ظلمهم واعتدائهم... وأما التحريم الذي على هذه الأمة فإنه تحريم تنزيه لهم عن الخبائث التي تضرهم في دينهم ودنياهم. اهـ.

وقال الشنقيطي في مجالس التفسير: الله جل وعلا حرم هذه الأشياء التي هي: الميتة، والدم، ولحم الخنزير، ومعروف أن الله لا يحرم شيئاً إلا لحِكمَة، ولا يحرم شيئاً إلا للضرر، فقد يهتدي بعض الناس إلى حِكْمَة ذلك الشيء، وقد يعجز البشر عن إدراكها، فالله جل وعلا محيط علمه بكل شيء، ولا يُحَرِّمُ إلَّا لحِكْمَةٍ، لا يحرِّم شيئاً إلا وهو متضمِّنٌ أضْرَاراً عظيمة، وهذه الأضرار قد يتحَصَّلها البشر، وقد يعجز عنها إدراك البشر، لأن علم الخالق جل وعلا محيطٌ بكل شيء، يَعْلَمُ أَشْيَاءَ يَتَقَاصَرُ عنها فَهْمُ الْبَشَرِ. اهـ.

الحكمة من تحريم الميتة والدّم لكي نتوصّل إلى الحكمة من تحريم الدّم علينا أن نتطرّق إلى الجانب العلمي ونعرف مضارّ شرب الدّم، فقد وجد العلماء أن الدّم مستوعبٌ كبير للسّموم والجراثيم، حيث من وظائفه في جسم الإنسان والحيوان نقل السّموم للتّخلّص منها، وهو لا يحتوي على أية مادّة غذائيّة مفيدةٍ للجسم بل يؤذي عمليّة الهضم ويتمّ التخلّص منه فور شربه عن طريق القيءِ أو البراز بتحوّله إلى اللّون الأسود. أمّا الميتةُ فهي أيّ حيوانٌ ميّتٌ أو ذبيحةٌ لم تُذبح على الطّريقة الإسلاميّة، والطّريقة الإسلاميّة هي أن تسمّي باسم الله أولاً، ثمّ تدقّ عنق الذّبيحة، ثمّ تتخلّص من الدّم لما له من مضار يعلمها الله، ومن هنا تظهر لنا الحكمة الإلهيّة من تحريم الميتة والدّم. الحكمة من تحريم لحم الخنزير أُثبت علميّاً أنّ لحم الخنزير يحتوي على ضعف كميّة الدّهون الّتي في لحم البقر، لذا فهو مضرّ بصحّة الإنسان ويسبّب الكثير من الأمراض المتعلّقة بالقلب، ويؤدّي إلى تراكم الكوليسترول في الجسم. كما يكون مليئاً بالسمّوم والجراثيم؛ لأن الخنزير حيوانٌ نجسٌ يأكل قاذورات الحيوانات الأخرى والّتي تكون مليئةً بالجراثيم والسّموم الخارجة من جسمهم، ويمتلئُ لحم الخنزير بالدّيدان كالدّودة الشريطيّة المؤذية لجسم الإنسان، ومن هنا نتوصّل إلى الحكمة من تحريم تناول لحمه. الحكمة من تحريم تناول الكحول والمسكرات قال الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ صدق الله العظيم. تؤثّر الكحول على كافّة أعضاء جسم الإنسان العصبيّة والهضميّة والتنفّسيّة، كما تؤثّر على القلب و الدّم والكبد، حيث تقوم الكحول بقتل الخلايا العصبيّة في المخ مما يؤدّي إلى تسكير العقل وفقدانه في المستقبل مع كثرة الشّرب، وتعدّ الكحول من الأسباب الرّئيسيّة لحدوث السّكتات الدّماغيّة. أمّا بالنّسبة للجهاز الهضمي فإنّ الكحول يؤدّي إلى تسوّس الأسنان بشكل ملحوظ، ويزيد من نسبة الإصابة بالتهاب الغدد اللّعابيّة والالتهابات الرّئويّة، كما ويسبّب التهابات المعدة ويزيد من نسبة حدوث نزيفٍ في المعدة. كما يزيد من نسبة الإصابة بالقولون، ويشلّ حركة الكبد المسؤول عن تحطيم سموم الجسم وامتصاصها، ومن هنا تظهر لنا الحكمة في تحريم تناول الخمر، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام).

القاعدة الثالثة: أن الحلال بين والحرام بين

عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَاقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ: إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ، لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ، فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

في الحديث دلالة على أن الأشياء من حيث الحكم ثلاثة أقسام:

1-حلال خالص لا شبهة فيه كالملابس والمطاعم والمراكب المباحة.

2-حرام خالص لا شبهة فيه كشرب الخمر والربا والزنا وأكل مال اليتيم ونحوها مما نص الشرع على تحريمه.

3-مشتبه بين الحلال والحرام كالمعاملات والمطاعم التي يتردد في حكمها .

والأصل في الأعيان والتصرفات الإباحة لقوله تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]

القاعدة الرابعة: أن في الحلال ما يغني عن الحرام

من محاسن الإسلام ومما جاء به من تيسير على الناس أنه ما حرم شيئا عليهم إلا عوضهم خيرا منه مما يسد مسده، ويغني عنه، كما بين ذلك ابن القيم رحمه الله.

حرم عليهم الاستقسام بالأزلام وعوضهم عنه دعاء الاستخارة.

وحرم عليهم الربا وعوضهم التجارة الرابحة.

وحرم عليهم القمار، وأعاضهم عنه أكل المال بالمسابقة النافعة في الدين بالخيل والإبل والسهام

وحرم عليهم الحرير، وأعاضهم عنه أنواع الملابس الفاخرة من الصوف والكتان والقطن.

وحرم عليهم الزنا واللواط، وأعاضهم عنهما بالزواج الحلال

حرم عليهم شرب المسكرات، وأعاضهم عنه بالأشربة اللذيذة النافعة للروح والبدن.

وحرم عليهم الخبائث من المطعومات، وأعاضهم عنها بالمطاعم الطيبات.

وهكذا إذا تتبعنا أحكام الإسلام كلها، وجدنا أن الله جل شأنه لم يضيق على عباده في جانب إلا وسع عليهم في جانب آخر من جنسه، فإنه سبحانه لا يريد بعباده عنتا ولا عسرا ولا إرهاقا، بل يريد اليسر والخير والهداية والرحمة، كما قال تعالى: "يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم. والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما، يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا" ( سورة النساء:26، 28).

القاعدة الخامسة: الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم‏.

 دليل القاعدة:

        • قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 29

            • وقال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾ [الأعراف: 32.

                • وقال تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً ﴾ [الأنعام: 145.

                فلم يجعل الله التحريم أصلاً، بل جعل الإباحة أصلاً.

                عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ , قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ , قَالَ: " مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ حَلَالٌ , وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ , وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَافِيَةٌ فَاقْبَلُوا مِنَ اللَّهِ عَافَيْتَهُ , فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ نَسِيًّا , ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] "([2]).

                إن الله تعالى أباح أشياء كثيرة، وحرَّم بعض الأشياء، وهذا متفق عليه، وسكت الشارع عن أشياء فلم يرد نص بإباحتها ولا تحريمها، وظهر أثر الخلاف في المسكوت عنه، فعلى قول الجمهور " هو من الحلال

                فلا حرام إلا ما حرم الله تعالى ورسوله، ولا حلال إلا ما أحل الله ورسوله؛ فكل ما ورد فيه نص صريح من القرآن الكريم، أو نص صحيح صريح من السنة النبوية بالتحريم؛ فهو حرام قطعاً، وما ليس كذلك بقي على أصل الإباحة . وهذا من حكمة الله تعالى ورحمته لتضيق دائرة الحرام وتتسع دائرة الحلال، رفقاً ورفعاً للحرج والعنت (..وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ..) (الحج : 78 ) .أما أمور العبادة فالأصل فيها أحكام التشريع؛ لأنها توقيف واقتداء .

                القاعدة السادسة: أن كل ما أفضى إلى الحرام فهو حرام

                وهذه قاعدة سد الذرائع الموصلة إلى ما حرام الله تعالى جعل الإسلام للحرام حمى وطلب من المسلم أن لا يقترب من حمى الحرام حتى لا يتمادى به الأمر فيقع في الحرام، فجاءت القاعدة لتقول: ما أفضى وأدى إلى حرام فهو حرام.

                كل ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام، وذلك من حكمة التشريع الإلهي؛ لمحاصرة الحرام وتضييق نطاقه، و الوقاية من آثاره، بسد الذرائع وقطع سبل الغواية :فحين حرم الله الزنا حرم كل مقدماته ودواعيه ، كالتبرج والخلوة الآثمة، والاختلاط المريب، والغناء الفاحش، والسهرات الماجنة وغيرها .

                وحين حرم الخمر لعن فيها كل من يشارك أو يساهم فيها من قريب أو بعيد قَالَ أَنَسٌ، " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَالْمَعْصُورَةَ لَهُ، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ لَهُ، وَبَائِعَهَا، وَالْمَبْيُوعَةَ لَهُ، وَسَاقِيَهَا، وَالْمُسْتَقَاةَ لَهُ، حَتَّى عَدَّ عَشَرَةً، مِنْ هَذَا الضَّرْبِ "([3])

                 وحين حرم الربا، حرم كل عملياته، فلعن آكله وموكله وكاتبه وشاهديه.

                وهكذا يكون إثم الحرام شاملا لكل من شارك فيه أو ساعد عليه بمجهود مادي أو معنوي، كثيراً كان أو قليلا

                حكم بيع السلاح في زمن الفتنة هو الحرمة؛ لأن من المحتمل أن يُقتل به إنسان بريء.

                حكم بيع العنب لمن يعصره خمراً هو الحرمة مع أنه كان جائزاً...

                نفعني اللهُ وإياكم بهديِ الكتابِ، وسنةِ المصطفى -عليه السلام.

                أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم

                الخطبة الثانية

                الحمدُ للهِ الواحدِ القهارِ، العزيزِ الجبارِ، مُقدرِ الأقدارِ، الحمدُ للهِ لا يخيُّبُ من أمَّلَه ورجاه، ولا يُفلحُ من قنطَ من رحمتِه وما دعاه، والصلاةُ والسلامُ على خيرِ خلقِ اللهِ وعلى آلهِ وصحبِه ومن والاه.

                أما بعد:

                القاعدة السابعة: أن ما جمع الوالد من حرام لا يصير حلال بموته

                اعلم بارك الله فيك: أن المال الحرام إذا خلفه صاحبه لورثته وهم يعلمون أنه حرام فهو حرام عليهم، فالمال لا يصير بموت جامعه حلالا

                فقد ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وهو اختيار شيخ الإسلام إلى أن الموت لا يطيب المال الحرام ، بل الواجب فيه الرد على مالكه إن كان معروفا ، فإن لم يكن معروفا تصدق به على الفقراء والمساكين .([4])

                فالموافق لمقتضى العدل وقواعد القياس أن وارث المال الحرام لا يحل له أخذه، سواء كان مالكه مجهولا أو معروفا، وأنه لا فرق بين الوارث والمورث في حرمة الانتفاع بالمال الحرام، فكما لا يجوز للمورث الذي سعى لكسب المال الحرام الانتفاع به، فمن باب أولى أن لا يجوز لوارثه الذي لم يسع فيه ، ولم تَجُل يده عليه.

                والموت ليس سببا لإباحة أخذ المال الحرام ، والقول بأن المورث مات والوزر عليه دون الوارث لا يغير من حقيقة أن هذا المال جاء بطريق محرم لا يقره الشارع وهذا الأمر -أعني حرمة أخذ المال الحرام بالإرث ووجوب رده إلى أهله- واضح فيما إذا كان رب المال الحقيقي معروفا ، وأما إذا كان مجهولا كما هو الواقع في أغلب الأموال المحرمة في زماننا هذا ، إذ الغالب فيها أن تكون فوائد ربوية أو رشاوى ، أو نحو ذلك مما يصعب معه تحديد المالك الحقيقي ، فالظاهر أنه لا يجوز تملكه بالإرث أيضا ، وذلك أن المال في الأصل ملك لله تعالى ، يبين ذلك قوله تعالى : { وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ} [الحديد: 7] وقوله {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } [النور: 33] وقد ملكه الله تعالى لعباده بالطرق المشروعة التي أذن فيها ، فإن جهل مالكه الحالي ، عاد إلى مالكه الأصلي وهو الله تبارك وتعالى.

                عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا قَالَ « أَهْرِقْهَا ». قَالَ أَفَلاَ أَجْعَلُهَا خَلاًّ قَالَ « لاَ ». ([5])

                فدلّ هذا على أن المال إذا كان من أصل حرام لم يحل للوارث أخذه.

                القاعدة الثامنة: أكل الطيبات أحد سبل الوصول وأحد سبل القبول

                عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يُطيل السفر أشعث أغبر، يَمد يديه إلى السماء: يا ربِّ، يا ربِّ، ومَطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك).

                قال الحافظ ابن رجب: (في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يُقبل العمل ولا يزكو إلا بأكل الحلال، وإن أكل الحرام يُفسد العمل ويُمنع قَبوله).

                عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ جَمَعَ مَالًا حَرَامًا، ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ، لَمْ يَكُنْ له فيه أجر، وكان إصره عليه".([6])

                القاعدة التاسعة التحايل على الحرام حرام

                التحايل على الحرام حرام؛ لأن ذلك إنما يضاعف الإثم، مهما كانت الوسائل خفية أو شيطانية ماكرة و هناك أمثلة كثيرة في واقع الناس لتلك الحيل المحرمة نذكر منها:

                مثال الحيل المحرمة التي يتوصل بها إلى فعل الحرام: فعل بني إسرائيل لما حرم عليهم صيد الحيتان يوم السبت، إذ نصبوا البرك والحبائل للحيتان قبل يوم السبت، فلما جاءت يوم السبت على عادتها في الكثرة نشبت بتلك الحبائل، فلما انقضى السبت أخذوها، فمسخهم إلى صورة القردة

                قال تعالى: { وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } [الأعراف: 163].

                عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ فُلاَنًا بَاعَ خَمْرًا فَقَالَ: قَاتَلَ اللهُ فُلاَنًا، أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا)([7])

                قال أيوب السختياني في أهل الحِيل: يُخادعون اللَّه كأنما يُخادِعون الصبيان، فلو أتوا الأمر عيانًا كان أهون عليَّ ([8]

                  ومنها الاحتيالُ للقَرض المعجَّل، كأن يبيعَ التاجِر بضاعةً لمقترضٍ بثمَن إلى أجل، ثم يشتريها منه نقدًا بسعر أقلّ، وهي مسألة العِينة المعروفة، ووجه هذه الحيلة: أنَّ الظاهر هو البيعُ ولكن الحقيقةَ هي الربا، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «فيا سبحانَ الله العظيم! أن يعودَ الربا الذي عظَّم الله شأنَه وأوجَب محاربة مُستحِلِّه ولعن آكلَه وموكله وكاتبَه وشاهديه أن يُستحَلَّ بأدنى سعيٍ بصورة عَقدٍ هي عبَث ولعب».

                القاعدة العاشرة: النية الحسنة لا تبرر الحرام ولا تشفع له؛

                فالحرام حرام مهما حسنت نية فاعله وشرف قصده؛ فلا يقبل الإسلام أن يبتغى الحرام لغاية نبيلة، ولا أن تستعمل الوسيلة المشروعة من أجل الحرام. فلابد من شرف الغاية ومشروعية الوسيلة؛ لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، والغاية لا تبرر الوسيلة إلا بالضوابط الشرعية.

                إن الإسلام لا يرضى أن يتخذ الحرام وسيلة إلى غاية محمودة (الغاية لا تبرر الوسيلة) فمن جمع مالا من سحت أو قمار ليبني مسجدا مثلا لم تشفع له نيته" فان الحرام لا توثر فيه المقاصد والنيات " ومن طاف بغير بيت الله وهو لا يريد إلا حب الشخص الذي يطوف حوله فان نيته الحسنة لا تبرر له الحرام الذي يفعله وهو الطواف بغير بيت الله الحرام "

                قال الغزالي في الإحياء: المعاصي لا تتغير إلى طاعات بالنية، فلا ينبغي أن يفهم الجاهل ذلك من عموم قوله: إنما الأعمال بالنيات ـ فيظن أن المعصية تتقلب طاعة. اهـ

                وقال أيضا: والنية لا تؤثر في إخراجه عن كونه ظلما وعدوانا، بل قصده الخير بالشر على خلاف مقتضى الشرع شر آخر، فإن عرفه فهو معاند للشرع، وإن جهله فهو عاص بجهله، إذ طلب العلم فريضة على كل مسلم. اهـ.

                عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ  رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا كَسَبَ عَبْدٌ مَالًا حَرَامًا فَيُبَارِكَ اللَّهُ فِيهِ، وَلَا يَتَصَدَّقُ فَيُتَقَبَّلَ مِنْهُ، وَلَا يَتْرُكُهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلَّا كَانَ قَائِدُهُ إِلَى النَّارِ، إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ، وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ، إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الْخَبِيثَ»([9])

                الدعاء ............................

                [1] - أخرجه الترمذي (4/220 ، رقم 1726) وقال : غريب . وابن ماجه (2/1117 ، رقم 3367) ، والطبراني (6/250 ، رقم 6124) ، والحاكم (4/129 ، رقم 7115) ، والبيهقي (10/12 ، رقم 19507) .

                [2] - الصحيحة: 2256 , غاية المرام: 2

                [3] -أخرجه ابن ماجة (3381) و«الترمذي» (1295) صحيح الترغيب والترهيب (2/ 297)

                [4] -"حاشية ابن عابدين" (5/104) - "المجموع" (9/428) – "إحياء علوم الدين" (2/210) – "الإنصاف" (8/323) - "الفتاوى الكبرى" (1/478)

                [5] - أخرجه الترمذي (1293)

                [6] - أخرجه ابن حبان (8/153 ، رقم 3367) . صحيح الترغيب والترهيب: 752 , 880 , 1719

                [7] - أخرجه البخاري في: 34 كتاب البيوع: 103 باب لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه

                [8] - صحيح البخاري-نسخة طوق النجاة (ص: 51)

                [9] - أخرجه الحاكم (4/182 ، رقم 7301) وقال : صحيح الإسناد . والبيهقي في شعب الإيمان (4/395 ، رقم 5524) . وأخرجه أيضًا : أحمد (1/387 ، رقم 3672) قال الهيثمى (1/53) : رجال إسناده بعضهم مستور ، وأكثرهم ثقات . وقال في (10/228) : رجاله وثقوا وفى بعضهم خلاف ..

                [5] - أخرجه البيهقي (10/114 ، رقم 20123) . وأخرجه أيضًا : الحاكم (1/171 ، رقم 318) . وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1 /125)

                المرفقات

                العشر-للحلال-و-الحرام

                العشر-للحلال-و-الحرام-في-الاقتصاد-الاس

                العشر-للحلال-و-الحرام-في-الاقتصاد-الإس

                العشر-للحلال-و-الحرام-في-الاقتصاد-الإس

                العشر-للحلال-و-الحرام-في-الاقتصاد-الإس-2

                العشر-للحلال-و-الحرام-في-الاقتصاد-الإس-2

                المشاهدات 5214 | التعليقات 0