حكم تأخير حج الفريضة مع الاستطاعة والثانية عن خسوف القمر 1439/11/14

حكم تأخير حج الفريضة مع الاستطاعة[1]
الحمدلله, له الحمد كله, وإليه يرجع الأمر كله, علانيته وسره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, فرض على المستطيع من عباده الحج مرَّة في العمر, وجعله خامس أركان الإسلام, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله, بعثه الله رحمة للعالمين, وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً, أما بعد:
فاتقوا الله حق التقوى, وأطيعوا ربكم واستغفروه من ذنوبكم, وتعاونوا على الخير.
معاشر المسلمين: إنَّ الله فرض على عباده خمسة أركان, ومنها حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً, قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (أيها الناس قد فرض الله عليكم الحَج، فحُجوا)[2] أخرجه مسلم.
عباد الله: إنَّ الاستطاعة في الحج هي أن يكون المكلَّف واجداً ما يكفيه من المال في حجه, زيادة على ما يحتاجه من يجب عليه النفقة عليهم, وأن يكون مستطيعاً ببدنه, وتزيد المرأة على الرجل بوجوب المحرم.
معاشر المسلمين: إنَّ من الناس من يستطيع الحج, ولكنَّه يُسوِّف ويؤخِّر, في كلِّ سنة يقول: سأحج العام المقبل, إما تهاوناً أو تكاسلاً, قال الإمام ابن باز رحمه الله: (من قدر على الحج ولم يحج الفريضة وأخَّره لغير عذر، فقد أتى منكراً عظيماً ومعصيةً كبيرة، فالواجب عليه التوبة إلى الله من ذلك والبدار بالحج)[3].
معاشر المسلمين: لقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى التعجل إلى الحج وعدم تأخيره, قال عليه الصلاة والسلام : (مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ)[4] أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وحسنه الألباني زاد في رواية عند البيهقي: (فإنَّه قد يمرض وتضل الضالة وتعرض الحاجة)[5] وقال صلى الله عليه وسلم : (تعجَّلوا إلى الحج - يعني: الفريضة - فإنَّ أحدكم لا يدري ما يعرض له)[6] أخرجه الإمام أحمد.
معاشر المسلمين: من الناس أيضاً من يستطيع حج الفريضة, لكنَّه يخاف على نفسه أن يصيبه شيء من الآفات في حجه, فيؤخر فريضة الحج لذلك, ويقال لهذا: إنَّ الحج فرضه الله مرة في العمر, لا يجوز تأخيره مع الاستطاعة, وأمَّا الخوف فلا مبرِّر له, فالحمدلله في كل عام يحج ما يقارب من مليوني حاج, يؤدون مناسك حجهم بيسر وسهولة, وأمن وطمأنينة مع توفر الوسائل الكفيلة براحة حجاج بيت الله, يبيتون في مخيمات مكيفة مصنوعة ضد الحرائق, ويأكلون أطيب الأطعمة, وقلَّ أن تكون حملة إلا ومعها مرشد متخصص في العلم الشرعي, يجيب عن أسئلة الحجاج, وكذلك يكون بصحبة حملة الحج طبيب, كلُّ ذلك ليتفرغ الحاج لأداء المناسك وللعمل الصالح ولكثرة ذكر الله تعالى, فالحمدلله على نعمه العظيمة, فلقد أصبح الحج أسهل وأيسر بكثير من السابق, وفي كل عام تكون الخدمات أكثر من العام الذي قبله, خدمات أمنية ورعاية طبية وخدمات إرشادية, وخدمات تموينية, وخدمات توعية, وخدمات تُقدَّم من كآفة الأجهزة الحكومية, كلُّ ذلك لأجل خدمة وفود الرحمن حجاج بيت الله الحرام, فيا أيَّها المستطيع لحج الفريضة, حج هذا العام, وإياك إياك أن تؤخر الحج, فإنَّك تأثم بذلك, ولا تدري فقد يحول دونك ودونه الموت, فإذا بك لم تؤد الفريضة, أو قد يصيبك مرض أو يعرض لك عارض يصعب معه أن تحج, حتى المرأة إن كانت مستطيعة للحج ووجدت المحرم, فلا يجوز لزوجها منعها, ولو قُدِّر أنَّه منعها, فإنَّها تحج ولو لم يكن موافقاً.
كذلك أنت أيها الشاب المكلف المستطيع للحج: بادر بأداء الحج ولا تسوِّف كما سوَّف غيرك وما حج, ثم ندم على تأخره لعارض عرض له, وكذلك الفتاة المكلفة المستطيعة الواجدة للمحرم, عليها أن تبادر إلى الحج, فإنَّه كلَّما بادرت كلَّما صار الحج عليها أسهل.
معاشر المسلمين: إنَّ الحج قديماً, فيه مخاوف ومشاق ويستغرق وقتاً طويلاً للوصول إلى مكة, حج على الإبل أو سير على الأقدام, يسيرون لمدة عشرين أو ثلاثين يوماً أو أكثر, وقد يتعرضون في الطريق لمخاطر النهب والسرقة وقد تنفد النفقة, وقد يعتدي معتد عليهم, ومنهم من يغيب عن أهله ثلاثة أشهر أو تزيد لأجل الحج, أمَّا الآن فالسفر بواسطة وسائل النقل السريعة الطائرة أو السيارة, وليس في ذلك جهد أو تعب كما لو كان سيراً على الأقدام أو ركوباً على الراحلة, والطريق آمنة, وكآفة الخدمات موفَّرة, ولا يستغرق الحج إلا بضعة أيام, ومنهم من يصل إلى أهله في ثالث أيام التشريق أو بعده بيوم أو يومين, فالحمدلله حمداً كثيراً على توفيقه وتسهيله على عباده لأداء مناسك حجهم.
معاشر المسلمين: انصحوا برفق, وحُثُّوا المستطيع ممن تعلمونه مؤخِّراً لحج الفريضة, وبينوا له حكم تأخيره, فإنَّ من حق المسلم على المسلم النصيحة له, وبينوا له بأنَّ الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة, وأنَّ من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمُّه, وأنَّ الحجاج هم وفد الله, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)[7] متفق عليه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حج هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)[8]أخرجه البخاري وقال النبي صلى الله عليه وسلم :(وفد الله ثلاثة: الغازي، والحاج، والمعتمر)[9] أخرجه النسائي وحسنه الألباني. وقال كعب رضي الله عنه عن هؤلاء الوفد الثلاثة: (دعاهم الله فأجابوه، وسألوا الله فأعطاهم)[10].اللهم وفق الحجاج في حجهم ويسر وسهل أمورهم وتقبل منا ومنهم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية عن خسوف القمر[11]
الحمدلله حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله, صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عزوجل {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]
معاشر المسلمين: في هذه الليلة قد يكون والله أعلم خسوف للقمر بقدرة الله تعالى, فإذا قدَّر الله خسوفه, فإنَّ السنة إقامة صلاة الخسوف والإطالة فيها, وكان قيامه صلى الله عليه وسلم قبل الركوع الأول نحواً من قراءة سورة البقرة[12], ويحسن بالأئمة بعد أداء الصلاة أن يعظوا الناس ويحثوهم على التوبة وعلى الصدقة, وبعد ذلك يستغفرون الله من الذنوب والمعاصي ويتضرعون إليه سبحانه بالدعاء, يسألونه الرحمة ومغفرة الذنوب ومن كان في مناسبة زواج أو غيرها فلا تلهينه عن إقامة صلاة الخسوف, وكثرة الذكر والاستغفار, وكذلك فعلى أهل الزوجين أن لا يجعلوا في مناسبة الزواج موسيقى أو معازف أو أي شيء مما لا يجوز سماعه أو فعله أو النظر إليه.
معاشر المسلمين: بعد أن صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف بالصحابة رضي الله عنهم, خطب في الناس وحمد الله وأثنى عليه وقال: (إنَّ الشمس والقمر من آيات الله، وإنهما لا ينخسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فكبروا، وادعوا الله وصلوا وتصدقوا، يا أمة محمد إنْ من أحدٍ أغيرُ من الله أن يزني عبده، أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا، ولضحكتم قليلا)[13] أخرجه الشيخان. فاحرصوا يا عباد الله على صلاة الخسوف وحثوا أبناءكم ونساءكم على أدائها, قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: (لا بأس أن تصلي المرأة صلاة الكسوف في بيتها؛ لأنَّ الأمر عام: «فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم» وإن خرجت إلى المسجد كما فعل نساء الصحابة، وصلَّت مع الناس كان في هذا خير)[14].
معاشر المسلمين: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، البشير النذير، والسراج المنير، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي، وارضَ عن بقيَّة الصحابة، وعن التابعين، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، اللهم عليك بمن يحارب دينك وجندك وأوليائك, اللهم عليك بالصهاينة والصليبين والمجوس والحوثيين المعتدين ومَن أعانهم ووالاهم, اللهم ارفع عنهم عافيتك وأرنا فيهم قدرتك وزلزلهم ومزقهم واشدد وطأتك عليهم, اللهم ادفَع عنَّا الغَلاء والربا والزنا والزلازل والمِحَن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلِح ولاة أمورنا, ووفِّقهم لما فيه عزُّ دِينك ونصْر أمَّة الإسلام, اللهم اجعَلْهم هُداةً مُهتَدِين صالحين مُصلِحين, وارزُقهم البطانةَ الصالحة الناصحة، وأبعدْ عنهم بطانةَ السوء يا حي يا قيوم, اللهم انصر جنودنا المرابطين على الحدود وانصر جنود التحالف العربي وأهلنا في اليمن سدد رميهم وثبت أقدامهم, واحفظ بلادنا وولاة أمرها وعلماءها وأهلها ورجال الأمن فيها, وزدها قوة وأمناً ورخاء وزدها تمسكاً بالدين, وانصرها على من عاداها, واكفها شر كلَّ ذي شر, واجمع بها كلمة المسلمين على الحق.
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180 - 182]
[1] تم إعدادها يوم الثلاثاء 11/11/1439هـ, ليوم الجمعة 14/11/1439هـ جامع بلدة الداخلة في سدير, عمر المشاري.
[2] أخرجه مسلم في كتاب الحج, باب فرض الحج مرة في العمر برقم (1337).
[3] مجموع فتاوى ابن باز (16/ 353-354).
[4] أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث عبدالله بن العباس رضي الله عنهما برقم (1973) وأبو داود في كتاب المناسك, باب التجارة في الحج برقم (1732).
[5] السنن الصغير للبيهقي في كتاب المناسك, باب تأخير الحج برقم  (1482).
[6] أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث عبدالله بن العباس رضي الله عنهما برقم (2867).
[7] أخرجه البخاري في كتاب الحج, باب وجوب العمرة وفضلها, برقم (1773) ومسلم في كتاب الحج, باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1349).
[8] أخرجه البخاري في كتاب الحج, باب قول الله عزوجل: (ولا فسوق ولا جدال في الحج) برقم (1820).
[9] أخرجه النسائي في سننه في كتاب مناسك الحج برقم (2625) وابن حبان في صحيحه في كتاب الحج, باب فضل الحج والعمرة برقم (3692) والحاكم في المستدرك في كتاب الصوم برقم (1611) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح برقم (2537).
[10] أخرجه سعيد بن منصور في سننه في كتاب الجهاد, باب ما جاء في تتابع بين الحج والجهاد برقم (2351) وعبدالرزاق في المصنف في كتاب المناسك, باب فضل الحج برقم (8803).
[11] تم إعدادها يوم الخميس 12/11/1439 عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري.
[12] للحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحة في أبواب الكسوف, باب صلاة الكسوف جماعة...برقم (1052).
[13] أخرجه البخاري في أبواب الكسوف, باب الصدقة في الكسوف برقم (1044) ومسلم في كتاب الكسوف, باب صلاة الكسوف برقم (901).
[14] مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (16/ 310).
المرفقات

تأخير-حج-الفريضة-مع-الاستطاعة

تأخير-حج-الفريضة-مع-الاستطاعة-والثاني

تأخير-حج-الفريضة-مع-الاستطاعة-والثاني

المشاهدات 1350 | التعليقات 0