خطبة عيد الفطر

خالد علي أبا الخيل
1439/10/13 - 2018/06/27 12:02PM

خطبة عيد الفطر

1439 هـ

الحمد لله الذي عاد بالأعياد، ومنح الفرحة والبهجة للعباد، وجعل الأعياد شعار الدين والبلاد، والحمد لله الذي أتم الصيام والقيام، وأعان الكبار والأولاد، أحمده سبحانه لا نُحصـي ثناءً عليه إلى يوم التناد، وأشهد أن لا إله إلا الله أفرح العباد بأيام الأعياد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فرعى الأعياد وفسح فيها البهجة والوداد صلى الله عليه وسلم، وبارك وأعظم، وعلى آله وأصحابه خير القرون والعباد، وعلى كل من تمسك بالإسلام وساد.

 أما بعد...

فيا عباد الله: اتقوا الله جلَّ في عُلاه، فنعم العُدة تقوى التقوى ليوم لقاه.

أيها المسلمون: ما أجمل اللحظات! وما أحسن الأوقات! وأنت ترى المسلمين والمسلمات في تلك الأعياد بأجمل حُلة، وأكمل خصلة جمالٌ وبهاء في اللباس والكساء، وفرحةٌ تعلو الوجوه والجباه، ودعواتٌ تلهج بملء الأفواه أدام الله علينا وعليكم أيام السعادة، وجعل أوقاتنا عامرةً بالأنس والمسرات والريادة.

الحمد لله الذي مصداقه

 

في كل شيء أنه خَلاّقُهُ

الحمد لله الذي دليله

 

في كل شيء واضحٌ سبيلُه

أيها المسلمون: كبِّروا ربكم، واشكروه، واذكروه واحمدوه (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة:185).

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أبشـروا أيها الصائمون والصائمات، والقائمون والقائمات ازدانت ليالي الأسحار بالشباب، والنساء، والكبار، ازدهرت ليالي التهجد بالعطايا المدرار، بدموع الشباب والفتيات قبل الكبار دموعٌ سُكِبت، ودعواتٌ رُفِعت أبشـروا فربكم يقول: (وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ) (الأحزاب:35)، ثم قال: (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب:35).

أبشـروا فربنا كريم، وفضله وعطاؤه عظيم، لن يُخيب جهودكم، ولن يُضيع أعمالكم ما دعاكم إلا ليُعطيكم، ولا ناداكم إلا ليستجيب لكم، ولا أمركم إلا ليقبل منكم، أبشـروا حسِّنوا ظنكم بربكم، وارجوا خالقكم، ولا تنسوا مواصلة الأعمال بعد رمضان، فاستمروا على شيءٍ من العبادة، فالصلاة وصلاة الليل والقراءة، والبِّر والصِّلة والصدقة، احذروا أن تنقضوا ما أبرمتم، وتُحبطوا ما عملتم، وتفقدوا اللذة التي وجدتم.

أيها الصوام: أهديكم بشـرى بفرحةٍ كبرى في الدار الأخرى، وهي الفرحة الثانية الأخرى كما قال المصطفى: (وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ) ويامن عجزتم عن الصيام؛ لأجل الأمراض والآلام أبشـروا بقول الرسول عليه السلام: (إِذَا مَرِضَ العَبْدُ أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا).

أيها المسلمون: عظِّموا ربكم وكبِّروا الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.

إخوة العقيدة: ديننا وإسلامنا من أكبر نِعم الله علينا أكمله الله لنا ورضيه لنا، وأتمه لنا (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) (المائدة:3) دين الجمال والجلال، والعطاء والكمال، والبهاء والعظمة، والعزة والتمكين والقوة، دينٌ صالح، ولكل زمانٍ ومكانٍ مُصلحٌ وصالح، يُعالج كل ما يخطر ويطرأ على الإنسان، وشفاءٌ للقلوب والأبدان، أفلا نرضاه دينًا؟! فنتمسك به وبقيمه وأخلاقه، أفلا نرضاه كما رضيه لنا مولاه؟! فنُحافظ عليه ونحمد الله فضَّلنا ربنا على كثيرٍ ممن خلق تفضيلًا.

دينٌ لا يقبل الله سواه، ومن ابتغى غيره طرده وأقصاه، لا عز إلا به، ولا قوة إلا به، ولا نجاح إلا به، ولا صلاح للعباد والبلاد إلا به، دينٌ لا يتجزأ كله لله (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162).

دينٌ يجب التمسك به كله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) (البقرة:208).

دين العبادة والمعاملة، دين الأخلاق والاقتصاد والسعادة من تمسك به ساد، ومن ضيعه وتركه باد، مَن تمسك به ذاق طعم الحياة ونال ما تمنى، وأدرك العطاء والمبتغى، فقد قال المصطفى: (ذَاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَنْ رَضِيَ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمَّدٍ نبيًّا) وهي أسئلة القبر المعروفة الثلاثة: مَن ربك؟ وما دينك؟ ومَن نبيك؟

وَأَنَّ كُلًّا مُقْعَدٌ مَسْئُولُ

 

مَا الرَّبُّ مَا الدِّينُ وَمَا الرَّسُولُ؟

وَعِنْدَ ذَا يُثَبِّتُ الْمُهَيْمِنُ

 

بِثَابِتِ الْقَوْلِ الَّذِينَ آمَنُوا

وَيُوقِنُ الْمُرْتَابُ عِنْدَ ذَلِكْ

 

بِأَنَّهُ مَوْرِدُهُ الْمَهَالِكْ

فيا رب ثبتنا عل الإيمان ونجنا من سُبل الشيطان، ونسأل الله حُسن الخاتمة فهي وربِّ لحظاتٌ حاسمة.

أيها المسلمون، أيها الصائمون: ونحن ننعم بهذه النعمة المباركة في هذه البلاد المباركة، فنسأل الله أن يُديم علينا نعمة التوحيد، ويتم علينا نعمة الإيمان والتقعيد، وأن يجزي الإمامين الجليلين: محمد بن عبد الوهاب، ومحمد بن سعود خير الجزاء على ما قاما وبذلا من دعوةٍ للتوحيد، وإنقاذ العباد من الشِّرك والتنديد، وإخراج الناس من ظلمات الجهل والتعقيد.

أيها المسلمون: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد ديننا علمنا بتعاليم قيمة، وخصالٍ حسنة، علمنا الإسلام كيف نعيش مع القرآن علمًا وعملًا وتلاوة، وأن القرآن ليس قصاره في ليالي رمضان، بل هو منهجٌ سلوكيٌّ للإنسان في كل زمانٍ ومكان ألا فلا تهجروه وتخلَّقوا به وطبِّقوه.

علمنا الإسلام التمسك بسنَّة سيد الأنام وتطبيقها على أرض الواقع، ونصـرتها والدب عمَّن تعرض لها بنقصٍ أو استخفافٍ أو ردٍّ لنصوصها فالسُّنَّة هي المصدر الثاني، والوحي الرباني.

وَبِالسُّنَّةِ الغَرَّاءِ كُنْ مُتَمَسِّكًا

 

هِي العُرْوَةُ الوُثْقَى الَّتِي لَيْسَ تُفْصَمُ

تَمَسَّكْ بِهَا مَسْكَ البَخِيْل بِمَالِهِ

 

وَعَضَّ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ تَسْلَمُ

والكتاب والسُّنَّة هما المنجيان من حوادث الزمان إن شئت أن ترضى لنفسك مذهبًا تنال به الزلفى وتنجو من النار، ففي كتاب الله والسُّنَّة التي أتت عن رسول الله من نقل أخبار.

تمسكوا بهما وعضوا عليهما بالنواجذ، احذروا البدع والمحدثات (فَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) وإنما يتقبل الله من المتقين.

علَّمنا الإسلام أنه لا يجتمع دينان: كفرٌ وإيمان، كما علَّمنا قضيةً كبرى، وعقيدةً عظمى عقيدة الولاء والبراء (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) (المجادلة:22).

وما الدين إلا الحب والبغض والولاء

 

كذاك البراء من كل غاوٍ وآثم

علَّمنا الإسلام: أن المسلم أخوك وإن كان بعيد الدار، وأن الكافر عدوك ولو كان قريب النسب والدار.

علَّمنا: أن عقيدتنا بُغض الكفار، وعدم التأثر بهم في حضارتهم، ومشابهتهم، فقد صح في السُّنَّة (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ).

علَّمنا الإسلام: أن الإسلام مبنيٌّ على خمسة أركان: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج بيت الله الحرام.

 فالشهادة بألا يُعبد بالحق إلا الله، (لا إله) نافيًّا جميع ما يُعبد من دون الله، (إلا الله) مثبتًا العبادة لله وحده.

وشهادة أن محمدًا رسول الله طاعته واتباعه وتصديقه، واجتناب نهيه، ومحبته، وعبادة الله بما شرع رسول الله.

وإقام الصلاة بأوقاتها الخمسة: فجرًا، وظهرًا، وعصرًا، ومغربًا، وعشاءً، وبمكانها في بيوت الله مع جماعة المسلمين في المساجد (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) (النور:36).

والمحافظة على وضوئها وخشوعها، وأركانها وواجباتها، وشروطها وسُننها، فتلك من إقامتها.

والزكاة أخت الصلاة، فزكوا أموالكم طيبةً بها نفوسكم، وصوموا شهركم، وحجوا بيت ربكم إذا استطعتم.

وأن أركان الإيمان ستة: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكُتبه، ورُسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.

إخوة الإسلام: الإسلام علَّمنا التوسط والاعتدال بعيدًا عن الانحراف والغلو والانجراف، والبدع والأهواء، والإتلاف والفساد، والقتل والتدمير للعباد، ينبذ التطرف، ويسحق الوثنية، ويهدم كيان الجاهلية.

الإسلام علَّمنا: سماحته ويسـره (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج:78) (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة:185).

علَّمنا الاجتماع والائتلاف، والبعد عن التفرق والاختلاف.

الإسلام علَّمنا أن بر الوالدين واجب، وأن رضاهما من رضا الله، فأين من أبكى والداه وأعرض عنهما واشتغل بلهوه وولده وهواه؟ أين برهما وصلتهما والإحسان إليهما والدعاء لهما؟

كما علَّمنا الإسلام: أنه لا يدخل الجنة قاطع، وأن اللعنة على من قطع أرحامه وأقاربه أولئك الذين لعنهم الله، فهل يسمع المسلم بهذا فيرضى بهذا؟ بل ربما أساء إلى أقاربه وأذاهم، وهجرهم وقاطعهم.

الإسلام علَّمنا: الوفاء بالعقود، وضبط الوعود، والقيام بالمواثيق والعهود (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة:1).

الإسلام علَّمنا: العفو والتسامح، والتغاضي والتصافح.

الإسلام علَّمنا: تحريم السفر إلى بلاد الكفر إلا لضرورةٍ شرعية، ومصلحةٍ مرعية، فكيف يُسافر أُناسٌ بوعوائلهم ويتساهلون بلباسهم، وكشف حجابهم، ورؤيتهم لما يُسخط ربهم مما ينشأ عليه الأبناء من الخُبث والشر والخنى؟!

الإسلام علَّمنا: كيف نُربي أبنائنا بأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وأننا مسؤولون أمام الله عنهم.

وعلَّمنا: أن شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الصلاح، ومركب الفوز والنجاح، وبدونهما سببٌ للعقوبة والنكال، فلا قوام للأمة إلا بــــــــــــ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) [آل عمران:110].

الإسلام علَّمنا: حق ولي أمرنا علينا في الطاعة بالمعروف، والدعاء بالصلاح، ونبذ الافتراق والخروج.

إسلامنا علَّمنا: ما لعلمائنا علينا حق الاحترام، والمحبة والوئام، والدعاء لهم بقول الحق، ونفع الخلق، وديننا يدعونا إلى التحلي بالإنصاف والعدل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة:8].

فلنعدل ولا نُجحف، ولا نظلم، ولا نجرح ونعدِّل بدون دليلٍ وبرهان.

أيها المسلمون: كبِّروا ربكم وهللوا تفوزوا وتفلحوا، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

الإسلام علَّمنا: أن الظلم حرام بين الأولاد والآباء، والزوجات والأعداء، والخدم والسائقين، والعمال البراء بالظلم وتأخير الراتب، والإرهاق والإيذاء.

علَّمنا إسلامنا: أن الغيبة والنميمة، والكذب والسخرية، والغش والتدليس وقول الزور من أعظم آفات اللسان.

علَّمنا: أن من أعظم الموبقات الشـرك بالله، وقتل النفس بغير حق، والزنا، والسـرقة، والربا، والإسبال، والغنى.

علَّمنا إسلامنا –أيها المسلمون-: بالتعامل مع الآخرين بالصدق والوفاء، والعدل والعطاء، بالسلام والبشاشة، لا يؤكل ماله، ولا يُضـرب، ولا يُهضم حقه، ولا يُعتدى عليه (فَكُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ).

علَّمنا إسلامنا: التراحم والتواصل، والتلاحم والتكافل، والتعاون على البر والتقوى، والتناهي عن العدوان والإثم والهوى، فالمساعدة وقضاء الحوائج، وإطعام الطعام والنظر في المساكين والفقراء، والأرامل والمعوذِين، والمرضى والمديونين من سمات هذا الدين.

علَّمنا إسلامنا: أن ديننا دين الرأفة والرحمة، والعطف والشفقة، لا سيما مع المساكين والضعفاء (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات:13).

علَّمنا الإسلام: حُسن الجوار، وعدم إيذائه بقولٍ أو فعل، بل تفقده ودعوته وإعانته ونُصحه.

علَّمنا الإسلام: بالاستعداد للدار الآخرة، وأن هذه الدار دارٌ زائلة وأن أعظم عُدة هي الأعمال الصالحة، وأن الموت حتمٌ لازم، والانتقال من هذه الدار أمرٌ صارم.

كما علَّمنا الإسلام: مراقبة الله لاسيما في عصـر الفتن وسهولة المعاصي، وقلة الرقيب وضعف الإيمان، فعلمنا أن الله مطلعٌ على السرائر والضمائر.

علَّمنا إسلامنا: التسليم التام لدين الإسلام، فانظر بالأمس يجب صومه، واليوم يحرم صومه (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) (الأعراف:54).

فالتسليم لشـرع الله وأخلاقه وقيمه، وعباداته وتعاملاته (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) (الزمر:54).

فلا عقول ولا آراء، ولا فلسفة ولا أقوال الرجال، فالعلم لا يخرج عن كتاب الله وسُنَّة رسوله.

العلم قال الله قال رسوله

 

قال الصحابة هم أولو العرفان

علَّمنا الإسلام: التمسك بقيمنا وأخلاقنا وثوابتنا، فلا نُزعزع أصول ديننا وأخلاقنا بعقولٌ بشرية، وشهواتٍ مزيفة، وحضارةٍ غريبة.

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا، والله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.

أيها الإخوة الفضلاء العيد مُسمى جميل، ومعنًى نبيل فيه الحب والإخاء، والبهجة والصفاء، والتضامن والوفاء.

العيد عنوان المودة والوئام، وبذل الخير والسلام، وشعار القوة والالتحام، الأعياد معالم أفراح الأمم، وشعارات اجتماعها وبقائها والقيم، العيد شعيرةٌ إلهية، وسُنَّةٌ نبوية.

أيها الصائمون: أتدرون أي يومٍ هذا؟ أتدرون أي شهرٍ هذا؟ إنه يوم الفوز والجوائز، وشهر الفرح والحوافز، يوم الفرح والسعادة، والبشاشة والابتسامة، يوم العيد وما أدراك ما يوم العيد يوم العفو والتصافح، وتصافي النفوس والتسامح، فتزاوروا وتواصلوا وسلِّموا واتصلوا.

العيد يوم البر والصِّلة، والتزاور والمحبة، يوم إزالة غوائش القلوب وأمراضها، فالشحناء، كالبغضاء، والغل، والحقد، والهجر، والعناء.

إنّ هذا العيدَ جاءْ نـاشـرًا فينا الإخاءْ

 

نازعًا أشجارَ حقد مصلحًا مُهدي الصفاءْ

فرحة العيد وروعته، ولُبه وشرعته لتوطيد العلاقات البشـرية، والتواصلات الأسرية، ونبذ الخلافات الزوجية، والمشاكل الداخلية، ونشـر الوئام والمحبة بين البرية، مقصد الشـريعة من تلك الأعياد، سلامة الصدور والتراحم، والتفاهم، والتعاطف، والتهادي.

هذا وليحذر الكُتاب والصحفيون وغيرهم ممن يتكلم بمسلمات الدين ومسائله، وشعائره وبشائره، وتوظيفها على حسب الأهواء وفي الآونة الأخيرة استطالت الألسنة على الكتاب والسُّنَّة، وما التواصلات الاجتماعية عنا ببعيد يتكلم المغرِّد ويعلق على ثوابت الدين، وعقده المتين، وهو لم يقرأ سور المئين.

وخذوا دينكم ممن تعرفون وتثقون، لا من النت والمجهولين والتواصلات، فمنها تستفتون وتتعلمون.

واحفظوا أولادكم من الأفكار الدخيلة، والفتن المقيتة، والآراء الهدامة، والعقول المستأجرة، راقبوهم وحذروهم، واقتربوا منهم وناصحوهم، ولينوا بأيديهم ورغبوهم، واصفحوا عنهم وصافحوهم.

 فمن أعظم أسباب انحرافهم أمرين عظيمين أساسيين: غياب القدوة أمام أبصارهم، فكن قدوةً حسنة في كل خيرٍ وحسنة، والتربية والنُّصح الهادف، والنقاش الهادي، فهو يؤدي ثمرته ويحفظ بإذن الله الذرية.

فانظر إلى جلسائهم، وإلى تواصلاتهم، لا رؤية نقدٍ وغلظةٍ، وشدةٍ ومنعٍ، وإنما تذكيرٌ ومراقبة، وتربيةٌ مباشرة أو غير مباشرة.

أيها الأخت الكريمة والدرة المصونة الرحيمة علمك إسلامك العفاف والاحتشام، والحجاب والحياء، فاحذري نزع الحجاب وابداء الزينة ومظاهر الفتنة، والاختلاط مع الرجال، والتبرج والسفور، والثياب القصيرة، والأعبية الشفافة، والتميع والخضوع بالقول لاسيما عبر الاتصال كالواتس والجوال.

إن الإسلام حرَّم النظر وأمر بالستر، وحذَّر من القبلة، واللمسة، والمصافحة، وكشف الحجاب والخلوة، والسفر بدون محرم، وأمر بالقرار في البيوت رعايةً وحماية، وحفاظًا وصيانة؛ لأنك امرأةٌ مصونة، ودرةٌ مكنونة كم تخرَّج على يديك رجال؟ وكم درس عليك أبطال؟ وكم أبرزتِ حُفاظًا للسنَّة والقرآن وأئمة للمصلين في رمضان؟ كم ربيتِ من شبابٍ وفتيات؟ فأبشـري بالخيرات والمسرات وجميل الدعوات، واحذري دُعاة الضلال، والعلمنة والانحلال، والفساد والدمار الذين يبثون سمومهم، وينشـرون باطلهم بحجة حقوق المرأة، فاحذري من نزع عفافك وحجابك وحيائك.

الله أكبر الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.

أيها الناس: وأنتم في رغدٍ سعيد، وأنسٍ مجيد، وفرحٍ حميد، وبين أيديكم الولد والحفيد تلبسون الثوب الجديد، وتأكلون ما لذ وطاب من طعامٍ مفيد، تذكروا أيتامًا لا يجدون ابتسامة الأب الحاني، وأيامى لا ينعمون بحنان الزوج الوافي، وأرامل شغلهم الأنس الضافي، وفقراء لا يجدون السكن الهادي.

تذكروا أسرًا سادها الاختلاف ونزغات الشيطان، وشتت شملها المخدرات والعدوان والعنف القاتل للولدان.

تذكروا -رحمكم الله- جموعًا شردتهم الأعداء، وشتت شملهم الطغيان والاستعمار والاعتداء، نساءٌ أيامى، وشيوخٌ حيارى، وشبابٌ أسارى، حروبٌ طاحنة، وضحايا مُيتمة، وصغارٌ لا ذنب لهم ولا رزية، وقنابل مروعة، وحوادث مزعجة.

تذكروا إخوانٌ مؤمنين مستضعفين مشـردين، وآخرين مأسورين، السماء لحافهم، الأرض فراشهم، الخوف أزعجهم، فاحمد الله على نِعمه، وما مَنَّ علينا بأمنه، وادعوا لإخوانكم بصلاح أحوالهم.

أيها المسلمون: استقيموا على الطاعة ولازموا العبادة، فمن أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية، وتعوذوا بالله من العجز والكسل وسوء العمل.

هذا ومن علامة الحسنة عمل حسنةٍ بعد حسنة، ومن تلك الحسنة صيام ستٍّ من شوال، فمن صامها كان كمن صام الدهر كله كما صح عن نبي الأمة، والمرء مخيرٌ في صيامها إن شاء فرَّقها، وإن شاء تابعها، وكذا من عليه قضاءٌ مخير بين أن يصوم القضاء قبلها أو الستة قبل القضاء.

هذا ومما ينبغي أن يُعلم ويُفهم أنه اجتمع في يومكم عيدان: العيد والجمعة، وإذا اجتمعا فمن صلى العيد فهو مخيرٌ في صلاة الجمعة مع الجماعة، وإن صلى جمعة فهو أفضل، لكن ليُعلم أن صلاة الظهر أربعًا في وقتها لا تسقط بحالٍ من الأحوال، فيُصليها المرء في بيته منفردًا، ومَن لم يحضـر صلاة العيد فيجب عليه صلاة الجمعة.

ولا تفتح مساجد الأحياء، ولا يُصلى فيها، ولا يؤذَّن فيها، وإنما يُقتصـر على الجوامع فقط تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

 والله أعلم

 

 

 

المشاهدات 699 | التعليقات 0